معارضون وسلطويون في سورية: لا للعلمانية
2007-08-21
يرى الكاتب السوري المجد ياسين الحاج صالح أن أكثر العلمانيين العرب الخالصين لا يبالون بالديمقراطية، إن لم يصطفوا صراحة إلى جانب الاستبداد. وغاب عن باله أن الاستبداد نفسه ليس علمانيا. وإذا كان ثمة حين من الزمن، لبس فيه الاستبداد في بلد من البلدان (كسورية، مثلا) لبوس العلمانية، فليس ذلك لأن العلمانية من جوهر الاستبداد، باعتباره نتاجا لحركة التحرر الوطني، التي كانت مرتبطة ارتباطا جوهريا بالمعسكر الاشتراكي كانت لا بد وأن تساير المزاج السائد، ناهيك، في مثال سورية، عن أن الاستبداد كان عرضة لهجمات من أطراف غير علمانية، فوجد في الأخيرة سلاحا له في مواجهة تلك الاعتداءات. ولكن ما أن تغيرت الظروف، حتى نفض الاستبداد السوري رداء العلمانية، وبدأ يتمسح بأطراف عباءات رجال الدين. وسوف نذكر هنا مثالين اثنين، يوضحان ما نريد أن نقول.
في مقالة للكاتب السوري علي عقلة عرسان، الذي كان رئيس اتحاد الكتاب العرب (السوري)، نشرها في موقع "كلنا شركاء" بتاريخ 12/2/2007، يقول الكاتب، وهو من أقدم أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية وأكثرهم حماسة في الدفاع عن عقيدة البعث، إنه "لا يمكن التصرف بشؤون الناس وفق العقيدة الإسلامية بعيدا عن الشرع وأحكام العقيدة وما يعتنقه الناس ويرغبون في اتباعه إذا كانوا يصدقون في عقيدتهم." وهو يستنتج من هذا القول أن من غير الممكن الفصل بين "شأن الناس... في الحياة اليومية" وبين الدين. ثم يستنتج من استنتاجه أن العلمانية تقوم على أساس الفصل بين هذين الشأنين، ومن ثم فإنها أمر باطل في "بلاد المسلمين."
ويفاجئنا الكاتب العقائدي الذي كان فارسا من فرسان الدفاع عن الاشتراكية البعثية بقوله إنه من غير الممكن أن يقيم العلمانيون "صرحا تقدميا أو وطنيا أو قوميا وحدويا من أي نوع مع كثرة بشرية يرفض توجهها العام وحقائق معتقداتها ومقومات هويتها."
ويميز عرسان بين علمانيتين: "مؤمنة وملحدة." ثم يفاجئنا باكتشافه أنه قد "أدخلت (بضم الهمزة) أحزاب وسياسات وأقطار في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي في نطاق العلمانية الملحدة بصورة مباشرة معلنة، أو غير مباشرة مستترة، تحت شعار الانفتاح على الاشتراكية أو فتح أبواب للشيوعية المتراجعة تحت مسمى الاشتراكية العلمية."
المثال الآخر هو لمسؤول بعثي آخر، شغل عدة مناصب عليا في القيادة القومية لحزب البعث، ورئس تحرير الجريدة الناطقة باسمه، ثم أصبح وزيرا للإعلام. فقد شنّ الدكتور مهدي دخل الله، وزير الإعلام السابق، في مقال نشره في جريدة تشرين بعنوان "لماذا التباكي على ثنائية القطب؟" بتاريخ 21/2/2007، هجوما غير مسبوق على الاتحاد السوفييتي السابق. ويقول إن العرب في عصر الثنائية الأمريكية-السوفييتية خسروا فلسطين والجولان والضفة الغربية، واحتلت إسرائيل القسم الأكبر من لبنان بما فيه العاصمة بيروت. أما بعد انهيار الثنائية، فقد "سجلنا أول انتصارين ناجزين على إسرائيل في لبنان (2000 و2006) وبدأ الشعب الفلسطيني يحقق إنجازات مدهشة على تراب فلسطين..."
وذكر دخل الله بأن موسكو "كانت ثاني عاصمة بعد واشنطن تعترف بإسرائيل، ثم تمدها بالسلاح عبر الجسر التشيكوسلوفاكي المعروف."
ويستنتج وزير الإعلام السابق أنه لولا انهيار الثنائية لما كان من الممكن ظهور مقاومة إسلامية في لبنان وفلسطين، لأن لهذه المقاومة حسابات تختلف عن الحسابات الكونية (العلمانية؟) للاتحاد السوفيتي.
من المنطقي أن يبتهج ياسين حاج صالح بهذين الحليفين غير المتوقعين الذين يخرجان من رحم سلطة الاستبداد في سورية، لكي يدعما قوله في العلمانية المستحيلة. وعلى الرغم من الفارق الكبير في وضوح الفكرة وتماسكها بين فكر الحاج صالح وفكر عرسان ودخل الله، ورغم اللغة الرفيعة التي يتمتع بها ياسين ويفتقر إليها بشدة رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق ووزير الإعلام السابق، فإن القارئ لا بد وأن يلحظ تقاربا في الطرح بين الرجال الثلاثة.
فياسين يرى بوضوح أن "الإسلام المعاصر واقعة دولية وإقليمية، وليست شأنا إيمانيا فحسب." ومؤشرات هذه الواقعة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي و"الجهاد الإسلامي" الأممي ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وتكون منظمة القاعدة كوريثة لذلك الجهاد وكنموذج لأممية إسلامية محاربة، وموجة "الجهاد" الحالية في العراق.
ويضيف ياسين أن الإسلام الذي "أفرزته" هياكل الأممية الإسلامية تلك سياسي ومحارب وعلى عداء جذري للعلمانية. وليت الأمر يقف عند هذا الحد فحسب، بل إنه يتجاوزه إلى حقيقة أن "حال التفكير والتدين الإسلامي النزاعة إلى المحافظة والتشدد، وغير المؤهلة لاتخاذ مبادرات فكرية وسياسية كبرى وانعطافية" هي أيضا معادية للعلمانية. وهو يستنتج أن " الإسلام "لا يقبل الانفصال عن الدولة. وفصله عنها بالقوة وحدها سيكون علاجا مؤقتا ومضادا للمقصد العلماني ذاته، أي كفالة الحريات الدينية والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن عقائدهم."
فأين هو الحل إذن برأي الكاتب السوري اللماح؟ إنه الإصلاح الديني "وهو ما ينتظر أن تتولى القيام به حركة إصلاح الإسلام." وهو لا يرى "أن فكرا أصيلا حول السلطة والإسلام يمكن أن يلتزم حدود البلدان والدول." وبشيء من الأسى يتوصل إلى نتيجة "أن الحلول المبتكرة لمشكلة العلاقة بين الإسلام والدولة لما تولد بعد، تحتاج إلى وقت وصبر." أما إذا ولدت ذات غد بعيد، فلا غرو أن يكون ذلك نتاجا لشغل "مثقفين مسلمين من شتى البلدان التي يعيش فيها مسلمون."
وياسين ليس مستعجلا لهذا الحل. وهو لن يسمي إنجازه "علمانية،" لأنه لا قيمة لذلك. "هناك قيمة كبيرة للاسم فقط لأن المسمى يفوتنا." أما حين نصل إلى هذا الحل، فسوف "يولد اسمه معه. لا داعي للقلق. ولا للاستعجال."
من الغريب فعلا هذا اللقاء في العداوة مع العلمانية بين معارضين سوريين وسلطويين أصيلين. ولكن الغريب أكثر هو هذه الخصومة العنيدة بين المثقفين والعلمانية. وأشد غرابة أن يكون مثقفون إسلاميون أكثر فهما للعلمانية وقربا منها من مثقفين من المفترض أن يكونوا عقلانيين. وأذكر هنا مفكرين إسلاميين مثل محمد شحرور وجودت سعيد والشيخ الراحل معشوق الخزنوي الذين رأوا، من مواقعهم المختلفة في العلمانية حليفا لفهمهم المستنير للإسلام، ولم يخجلوا من تسمية الأمور بأسمائها، فهم تحدثوا عن علمانية محددة، تفصل بين الدين والسياسة وتحمي قضية "الحق" وفكرة المساواة المطلقة بين الأفراد، بغض الطرف عن مرجعياتهم الدينية والعقدية. هؤلاء وغيرهم هم أرباب الإصلاح الديني الذي يصبو إليه خصوم العلمانية في السلطة والمعارضة. ولكن الضروري توضيحه أن هذا الإصلاح هو شأن إسلامي خاص وأولوية دينية خاصة، وليست شأنا من شؤون المفكرين العقلانيين الذين يبحثون عما هو مشترك بين البشر عموما وليس داخل أفراد دين بعينه، و – أحيانا - طائفة بعينها.
08-أيار-2021
17-نيسان-2021 | |
10-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 | |
30-كانون الثاني-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |