خمسة ملايين جنيه، لليلة واحدة من ليالي عمرو دياب.. ليلة يغني فيها ثم يشحن أجوره.
خمسة ملايين جنيه ولانعلم بالظبط والتحديد، أي نوع من الجنيهات فان كانت استرليني فهذا يعني أنها تساوي مايزيد على أربعمائة سنة من حياة محمد ديبو، الشاعر السوري، الذي لايخلو منتدى ثقافي عربي من تواجده، ولا تخلو بنت تنتج ثقافة من لمسة غزل يكتبها فوق جبينها، ولايخلو حرف من العربية من تعدياته وخصوصا السين التي تصبح ثاء.
ديبو، مازال يمشي في الشارع.. يظهر في المقهى.. يبتسم منذ طلوع الفجر، يحتج على المنتحرين باعتبار أن (الحياة حلوة)، وفوق كل ذلك لايفكر أبدا بأن يذهب بصحبتي الى أقرب حفرة لنطمر ماتبقى منا، وماتبقى، ليس أكثر من لغة:
(كان) فيها تلعن أخواتها، و (ان) هي أسوأ صيغة لأية بداية خبرية، بما فيها تلك الاخبار المتصلة بآول مواقف باراك أوباما من الشرق الاوسط، وآخر نتاجات جورج له.
لغة، وبعدها؟
ندفن بعد دفنها، ولابأس ان ذهبت في رحلة الى عالم آخر.. كون آخر.. رمل آخر.. تراب آخر.. كيمياء أخرى تجعل الجسد مجرد اضافة لكرة أرضية هي اكثر وزنا من أي من ساكنيها من البشر.. كرة بات علينا مغادرتها أو الاندثار بها، وبما أن الطلب الاول مستحيل فلا بأس من الثاني، ولا بأس علينا فيه، ففيه لا نشتهي مانشتهي ، خصوصا ديبو، ذاك المشتهي ليل نهار، الى امرأة تأخذه في رحلة دون أن تسأله من أنت ؟ ماهو مرتبك الشهري؟ ماهي آخر قصائدك ياديبو؟ مع انها لن تحتاج الى السؤال الأخير ، بفعل أن الاجابة ستسبق السلام وسيقول لها من أول رفة جفن:
أنا لا أحب النساء (يقرأها نثاء)
ولكن أموت بهن اشتهاء (يقرأها اثتهاء)
أظلل عمري
بنكهة أنثى
لأبقى هواء وماء
وبعدها.. ياويلنا مما بعدها.
بعدها سيحضر عمر دياب، ليخرج ديبو من آخر أنثى، ومن آخر قصيدة، ليخرج من (ديبو)، وكاد أن يكون اشتقاقا من الذئب.. ذاك الكائن الوديع اللامستأنس.. اللامواطن.. اللاصالح.. اللا مقتول بمرتبـ(ك) في آخر شهر ومطلع شهر.. الكائن المفرد.. الوحيد.. المتأمل.. الشبعان من ثرائه الممتد فيه وحده.
وماذا تقول ياديبو بعد؟
يبتسم، مع أن المفارقة باهضة التكلفة، فبين ديبو وبين دياب مسافة في الزمن.. مسافة في التاريخ.. مساحات من الذاكرة الاولى تأكل ديبو، والأخرى تنعش دياب، وهاهي مفارقة ثانية تصل الينا:
في الاولى (ديبو)، وهو مصغر الذئب
وفي الثانية (دياب)، مايعني قطيعا من كائننا، اللامواطن.
في الاولى .. التاريخ وهو يحمل فوق كتفين ضامرين لولد مشاكس يكتب قصيدة
وفي الثانية، تاريخ يحمل ولدا، ليبدو التاريخ بكتفين ضامرين.
احسبها ياديبو:
خمسة آلاف جنيه مقابل خمس ساعات غناء
احسبها ما الذي تساويه من عمرك وسقف:
200 جنيه وعلى امتداد عمرك؟
نم ياديبو، ريثما يظهر نهار آخر.. من ليل آخر.
وخذنا معك.