"أقف بمريول أبيض" لفايز حمدان: شعرية المألوف في غرائبيته
2009-08-31
في تجربته الشّعرية الأولى "أولاد الجيران" قدّم الشاعر الفلسطيني فايز حمدان "زوايا نظر" عكست في صورة لافتة رؤيته الخاصّة للشعر بوصفه حدقة وطريقة للنّظر، مثلما هو أفكار تتجوّل في الواقع وتقرأه بطرائق مغايرة. إنها شعرية الثانوي، بل الهامشي في تجلّياته التي تقنعنا أنه المهم إن لم يكن الأهم والأكثر صدقية.
"أقف بمريول أبيض" مجموعة فايز حمدان الجديدة تذهب في الاتجاه ذاته، وإن تكن قد حملت في سطورها وبنائياتها نضجا أكبر يتسع لما هو ضيّق ومحدود المساحة من "أماكن" وفضاءات نجدها وقد تحوّلت إلى مشاهد حياتية تصطرع في جنباتها أحداث ووقائع، فيما الشاعر يراها بعين المخيلة وقد أخذت تلتصق بحياته، وتتوحد مع ذاته الفردية بتناغم يجعل القصيدة انتباها لما هو "جانبي".
فايز حمدان إذ يذهب إلى تلك المشاهد يتعمّد أن يلتقط منها الأجزاء التي يريد في انتقائية تبتر إذ تنتقي. هو شاعر الجزء الباحث عن كلّه وبقيّته في ما لا يحاذيه في الحياة ولا يجاوره إن لم نقل أنه يباعده مكانا ومعنى. يفعل الشاعر ذلك مفتونا بما يشبه فن الكولاج، إذ يجمع رؤاه ومشاهداته إلى فيض مخيلته، وبعض أفكاره، دون إغفال الذّاكرة ودورها في صياغة القصيدة، وزجّها في أتون اليومي، شرط أن لا يأتي ذلك اليومي في سياقات سردية كما اعتدنا من شعراء كثر يكتبون قصيدة النثر.
قارئ مجموعة فايز حمدان الجديدة "أقف بمريول أبيض" (منشورات دار نينوى - دمشق 2009) يلحظ "واقعية" المدى الذي ينهل منه قصائده، فالشاعر الذي يعمل طبيبا للأسنان يجعل عيادته ومرضاه "أبطال" حكاياته الشّعرية، وشخصيّات لقطاته الذين يتحاور معهم، مرّة، ويروي عنهم مرّات أخرى، فيما هو في الحالات كلّها يواظب على رغبته الأهم: كتابة شعرية "أليفة"، ومفتوحة على البسيط والأليف:
"النّجمة ساحرة على الشّاشة
بسيقانها البلّورية وغواية عينيها
من مقعدي المعتم
أتخيّل ما يحلو لي"
في سياق شعرية كهذه يصبح مفهوما ومنطقيا أن تبتعد ريشة فايز حمدان عن البلاغة، بكل أشكالها، بل أن تغادر مقعد اللّغة الفخمة وبنائياتها "الفاخرة"، فهو يبني جملته الشّعرية من مشاهد خاطفة "يلتئم شملها" بمزاجية تجمع ما هو عادي عابر، بما هو حميم، وما هو واقعي أقرب للمسرود، بما هو متخيّل وشبه فانتازي، وكأن الشّاعر هنا يصطاد شعريته الخاصّة من حدائق الغريب وغير المألوف، بل والطاعن في هامشيته، وهي شعرية تغادر بالضّرورة أية "وصايا" نقديّة تنتسب لما في تجارب الآخرين من شعراء قصيدة النثر هنا في دمشق حيث يعيش الشّاعر ويكتب. يمكن رؤية الكثير من ذلك في علاقات القصائد الدّاخلية كما في شكل بنائها، ففي الحالتين تحضر الحياة اليومية والمرأة والحب جنبا إلى جنب مع حضور الأماكن والأشخاص بأسمائهم الحقيقية وتلوح صورة الحب خاطفة ومتماهية مع ذلك كلّه، ففايز حمدان لا يكتب قصيدة حب بالمعنى المعرف بل يبث صوره بين المشاهد الخاطفة للأشياء كلّها، ونراه حاضرا بسرعة في "السرديّات" السريعة التي يشعلها الشاعر، ويتركها تنطفئ بسرعة.
فايز حمدان في "أقف بمريول أبيض" تجربة بالغة الخصوصية لشاعر يؤمن عميقا بأهميّة صوته الخاص ولغته الخاصّة، والأهم من ذلك كلّه أنه يواظب على ذلك الاختلاف بموهبة لافتة..موهبة تحمل جملة شعرية دافئة وفيها الكثير من الوهج والجمال.
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |