حافظة أوراق الخريف
2009-09-11
بالرغم من سعادتى الغامرة فى هذا الصباح إلا أنى استيقظت على أنباء تحطم و سقوط و غرق الطائرة القادمة إلى القاهرة من باريس ، ترحمت على أرواح الضحايا وتصورت بشاعة الكارثة التى أسكنت مئات البشر فى قاع البحر .
قطعت الورقة التى كنت انتظرها من الرزنامة ، وضعتها فى الحافظة ، اغتسلت وتركت الماء الساخن يمسحنى ويحتضن أشواقى الحارة ، اختلط البخار المتصاعد من كابينة الاغتسال بدخان آخر تصاعد من ثنايا جسدى المشتاق ، توقفت طويلاً أمام مرآتى ، ربما أطول من أى وقت مضى ، انتهيت من زينتى حتى صرت كزيتونة لامعة ترتدى أديم كرزة حمراء ، عبرت فى الدرب الواصل بين بوابة الطريق وباب المنزل ، داست قدمى أول طرد خريفى من أوراق شجر الفيكس المصطفة على جوانب الدرب القصير
كان أحساسى بالحياة فى أوجه حتى كدت أراقص كل وريقة من وريقات الخريف ، حتى أنى التقطت بعض منها ، دسستها فى الحافظة وإنطلقت إلى العمل .
عندما دقت الساعة التاسعة سرت فى الممر الذى يفصل بين مكتبى ومكتب السيد المدير ..كان هذا هو الوقت المخصص لعرض المستندات التى تحتاج لتوقيعه ، تطل على الممر نوافذ يجلس خلف زجاجها حشود من الموظفين ، ينتظرون مرورى بعد ان أصبحت أتمايل واتثنى مختالة اثناء ذهابى وعودتى .
لم أعتد التانق ولا التثنى فى مشيتى لكنى اصبحت كذلك منذ شهرين تقريباً بعدما التقيت به أول مرة ، كان جالساً فى ضيافة المدير ، عندما اصطدمت عينى بعينه أدركت مدى روعة الحياة وعرفت كيف أن هذا العالم الذى نعيشه ليس كما يصوره البعض .
لو كان العالم سيئاً حقاً ؛ فأنّى له أن يحوى كل هذا الجمال والسحرالذى هبط من السماء ؟!
لا اعتقد أنه مر من طرقاتنا ولا داس بقدميه على أرضنا ، بل تهادى هابطاً خلف أجنحة حنون تجلى بعدها ببهاء ورونق على هذا المقعد ، أعتقدت ساعتها أن السماء لابد وأنها قد ارسلت فلذة من كبدها إلى الأرض.
كنت اقلب الحافظة التى تحوى المستندات أمام المدير وعينانا متلاقيتان ، لم أنتبه إلا عندما نقر المدير على مكتبه بقلمه
انصرفت بلا رغبة فى الإنصراف ، كيف لحمقاء أن تترك خلفها هذا السماوى ، تأكدت ساعتها ان إرادتى خرجت ولن تعود ابداً وانها تحطمت تماماً امام هذا الرجل ، اقسمت؛ لو تمكنت منه ألا أغادر فيه اخمصاً ولا ذوآبة ، سرت عائدة إلى مكتبى وأنا غارقة في لحظ عينيه الآمرة التى تنقل الأشياء إلى حيث شاء ، اصطحبت معى عطره ؛ لم يكن عطراً بشرياً كالذى عهدناه ولكنه طبع وصبغ من طيوب الجنة التى أصبحت أعرف أحد ساكنيها ، عندما تكلم أمامى سمعت صوتا قادما من قلب دافىء لا من جوف فارغ كأجوافنا ، وطاردتنى ابتسامته التى أسكنت حيرتى و قهرت أنوثتى وأوقفت عندى كل حيل النساء .
سرت فى الممر لحظات وبعدها التفت لأجده يطارد بخطاه خطواتى البطيئة ، توقفت خاشعة أمامه مستعدة لأوامره طائعة لها مهما كانت.
قال لى مبتسماً واثقاً :
- سأعود فى الخريف وعندها سيطول حديثنا
مضت شهوراً تركنى فيها على وعد بلقاء طويل يجمعنا، تعجلت قدوم الخريف ، لم أر خلال غيابه رجلاً يمشى على قدمين ، أصبح العالم فارغاً فى ناظري إلا من صورته.
*****
قطعت الممر فى هذا الصباح الخريفى الذى انتظرته طويلاً إلى غرفة المدير تحدونى أمال عريضة فى اللقاء المرتقب .
عندما أغلقت الباب ورائى وجدت المدير وأمامه رسالة وصلته عبر الفاكس ، كتم أنفاسة حتى انتهى من القراءة ، صمت تماما ثم سالت من عينيه دموعاً ، فى النهاية وقّع على الفاكس بما يفيد أنه قد طالع الوارد وحوله لى للحفظ ، عندما قرات مافيه عرفت أنه كان ضمن ضحايا الطائرة التى سقطت ليلة أمس ، وضعته فى حافظتى وانصرفت محترقة غارقة ومحطمة.
08-أيار-2021
10-أيار-2010 | |
13-نيسان-2010 | |
03-نيسان-2010 | |
19-آذار-2010 | |
22-أيلول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |