"خيانات السيدة حياة" لعمر الجفّال
2009-09-12
الـــــوعـــــــد الــجـــمــــيــــــل
كيف يمكن مخيلة فتى العشرين أن ترسم صور العالم والحياة؟ يقتحم السؤال ذهن من يقرأ "خيانات السيدة حياة"، مجموعة الشاعر العراقي الشاب عمر الجفّال الأولى، والفائزة بجائزة "الديوان الأول" التي أجرتها "دار التكوين" السّورية، وأعلنت نتائجها أخيرا.
عمر الجفّال برؤاه الشعرية "الهادئة"، كمن يفتح نافذته للمرّة الأولى فيستطلع صور الحياة في رتابتها وعصفها، فيما الأفكار تمتزج بالمخيلة، والفتى الذي تجاوز العشرين بالكاد يحوّل تلك المشاهد "شهادات" ملوّنة بمشاعره الذاتية، ممتزجة بكثير من دهشة التأمّل، حيث يمكن المخيلة إذ تتجوّل أن تعيد رسم الواقع كما شاءت لها لحظة الارتطام بتفاصيله وحوادثه.
قد لا يبدو العمر شأنا نقديّا لمن يشاء الشعر في ذاته، لكننا إذ نشير إليه فإنما للإشارة بفرح الى هذه الموهبة التي تفاجئ: "أبتعد، بينما ظلّك يتخبط على حيطاني/ أذبح ضوء الأعمدة القبلية بتمدّني/ تبشّرني ببرق يكسر عتمتي" (من "لماذا الموت يمارس أفعال المرايا؟").
هي قصائد من حدقة الإطلالة الأولى على فراغ شاسع يكدّس أمام الشاعر الفتى كل ما يحرّض على الشعر: فوضى الحياة، قسوة الأيام، عدم توازن العالم في أزمنة الحرب وعصفها في الروح، على نحو يذهب بالشعر إلى تخوم السواد وظلال العزلة القاسية، والمفتوحة على الخسارات.
في "خيانات السيدة حياة" نكتشف منذ السطور الأولى كيف تتجاوز القصائد عثرات البداية، تهويماتها، وزوائدها، بل وأشكالاً مختلفة من الإختلاطات في أشكال التعبير بالصورة وعلاقة ذلك بالمعنى والمبنى معا. يأخذنا عمر الجفّال بسرعة نحو فضاءات تزدهي بقول فيه كثير من حرارة الشعر وأناقته، وخصوصا أنه يأتينا وعلى كتفيه "تكاليف الحياة" كلّها. شاعر يثب من "القماط" إلى الجلجلة فيكتب أحزانه وتعب روحه: "هكذا،/ أعضّ يومي عقوبة تذكّرك/ فأفشل في كزّ أسناني/ فيفلت اليوم،/ كما الشهر والسنة قبله".
هي تجربة شعرية تتكئ أولا وأساسا على روح الشاعر، ثم من بعد على ملكات الشعر، التي ترينا قصائد المجموعة أن الجفّال يستفيد من أشكالها وتجاربها الأكثر حداثة، وهو يفعل ذلك ليختار لنفسه في ما بعد، دربا خاصا لا يشابه أحدا.
في القصائد جموح الصورة الشعرية المنسوجة بكثير من العفوية وتلقائية القول، ولكن أيضا باعتناء فنّي لا يلغي عفويتها ونضارتها. فالصورة هنا شكل القول الشعري، إذ يبني للجملة دروبها، ويمنحها قدرة الوصول الى القارئ بيسر يجعلنا نتواصل مع القراءة من دون أن نغفل عن ملاحقة المعنى، وأيضا القبض على جماليات الشكل الفنّي وتتبّع سيرورته. هكذا تبدو الصورة في قصائد الجفّال الأولى أقرب إلى "البومات سردية" تنفتح على المشاهد ولكن من دون الركون إلى تقاليد "السرد الشعري" المألوفة والمتداولة، لأن الجفّال يعرف كيف ينسحب من ذلك في اتجاه سردية أخرى تناوش الحدث وتقترب من القص ولكن في حيّزه المشبع بغنى الذات ورغبتها التي نراها جامحة في البوح.
هو بوح الروح الفرديّة وبحثها عن آخر قد يكون قارئ الشعر ذاته، وقد يكون الشاعر صاحب القصائد والتجربة في مونولوغاته الشعرية.
تستحق مجموعة الجفال الأولى القراءة بمتعة، وتستحق بعد ذلك التحيّة والإشارة الى شاعرها باعتباره وعدا جميلا منحته لنا "دار التكوين" في أولى دورات مسابقتها للديوان الأول.
راسم المدهون
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |