لملمت أبجديتي وإنتظرت
2009-09-22
سماء على ظهر حصان هكذا جاء عنوان مجموعة شعرية لعدد من شباب فلسطين وأي عنوان!
البلد التي طافها البراق ذات يوم ترتجل اليوم في مرجل التاريخ وتعيد ولادة مآسيها وأساطيرها وحرائقها كل يوم. فالمسيح لم يغادرها ويهوذا لا زال هناك وإمبراطور الرومان بحرسه وعدته وعداده لا يزال ، أيضاً.
شعراء من قطاع غزة – هكذا جاء تعريفهم لنحيا الذاكرة الحياة لما يعنيه ذلك من دمار وحصار وآثار قتلى وجرحى وروح نازفة وشقاق مستعر وعدوان لا يبلى وأرواح تكتب مشهديتها التي تعيش فيها. صدر الكتاب من جمعية الثقافة والفكر الحر التي تبنت الشعر في مواجهة الحرب معولة على أن الفلسطينيين ما زالوا يملكون الحب والرغبة والحلم في سلام يرسم لهم زهو غابة ويلون ظلها بصورة الربيع على حد تعبيرهم.
أربعة شعراء : حسام شحادة ، عثمان حسن ، ناصر رباح ، ونصر شعث.
يفتتح الشاعر حسام شحادة المجموعة بقصيدته حجر على السماء ولا ننسى أنها السماء التي هي على ظهر حصان.
- يا أيها الجالسون فوق الركام
تحت الركام طفلي!
من صوت الطفولة إذن ينطلق نشيد السماء وهنالك إستحضار في معظم قصائده لصورة الخراب عبر اليومي. شهادة الناجين من الكارثة حول ما خلفته وراءها من موت ، وعلامات ، ودلائل ، وتفاصيل.
- نعل محترق ،
لعبة ، نافذتان ، سرير ،
لغة وبعض بقايا الزمن المنكفئ
بجانب الحائط المهشم.
لا ألوان حمراء ... لا دماء ولكن سرد لتفاصيل اليومي الذي يعيش به البشر ومن خلاله تتدفق صور الفقد المعنوي والمادي وفي هذا إختلاف واضح عن لغة الدم والبندقية التي كانت في لغة شعراء النكبة أو التشبث بالبيارات والبرتقال أو أساطير البطولة القادمة. نعم هناك إعتراف بالحاضر ولحظته الراهنة والحاجة إلى سلام المكان والنفوس وفنجان القهوة الذي تشربه روح لا يرعبها ما يحدث حولها.
روح تقول الآن :
- الشمال ... الشمال
شتاء ساخن
وفسفور خنق المكان.
وهذا يكفي تماماً لإدراك ما خلفه الدخان الأزرق ، وراءه.
وثمة غضب على السياسي والمؤدلج :
- هبل رجل سياسي محنك
اللات يعزف له آخر اللحن
المضرج بالدماء.
ولأن الطبيعة ملاذ رغم الدمار الذي يحيق بها من صنع الإنسان فهي ما يستعين به الشاعر فالنظر يلاحق البحر ، والعصافير ، وما تبقى من شجر وحجر.
ببساطة ومثابرة كتب حسام شحادة رؤاه لبيته الفلسطيني عبر قصائد نثره واصفاً الحال كما هو ، كما هو تماماً.
عثمان حسين يستهل نصوصه بقصيدته " الموت عادة مملة بأنياب " ، الموت عادة مملة إلى هذه الدرجة دخل الموت قاموس تراكمي من معنى الوجود اليومي والحياتي في غزة. عادة مملة.
- مهدياً نصرك إلى خاسر عظيم.
- لملمت أبجديتي وإنتظرت ...
الموت منتشر كأفكار على النواصي.
ولا تخلو شعرية عثمان حسن من بصمة محمود درويش وظلاله. إنه هناك بشكل ما أو آخر ، يتسلل دون وعي في مفرداته وسرده فمن له أن يقاوم تأثير شاعر كبير كمحمود درويش إبن وطنه الذي إنتصبت قامته عالياً في شعر العالم حاملة فلسطين فوقها.
- أجهل ما أريد – عنوان قصيدة للشاعر كأنها خرجت من قاموس درويش.
الشاعر الثالث في مجموعة سماء على ظهر حصان هو ناصر رباح. في قصائده رائحة البارود والرصاص والقنابل. يقول في قصيدته "جارنا الجديد " :
- لو نزرع الرصاص
ما الذي تنبت الأرض يا ترى ؟
جثثاً يانعةً
أم شجراً ميتاً ؟
يسرد حاضر الرصاص – جاره الجديد بتفاصيل تصل إلى دماء الغيوم.
ويكتب ، أيضاً ، عن الحياة اليومية بما فيها كإنقطاع الكهرباء مثلاً في قصيدته " كبيضة في مقلاة " :
- فجأة ...
تنقطع الكهرباء
تشرب الحياة كوباً من الصمت ،
تنهي دوامها الرسمي ،
وتجلس كي تستريح.
ويكتب عن " حافلة معطلة على الجسر " :
- يطلقون الرصاص على قبلاتنا العابرة.
- ما عادت لي رغبة في البكاء ولا في السفر
ها أنا أخلع عن كتفي طوق النجاة ،
وألقي بين كفيك بروحي عارية كحبة مطر ،
والجسر بيننا فاطمة
يبقى البداية والخاتمة.
الحرب ليست فقط جثث ، والإحتلال ليس فقط جنود. هنالك تفاصيل أيام وسنين تنتهك وخصوصية لا تحدث وآمال تتبعثر حتى يصبح كل شيء حتى الأحاسيس أشلاء خيبة كبرى.
نصر جميل شعث هو الشاعر الرابع والأخير في كتاب سماء على ظهر حصان. وهو أكثرهم رقة وإختزالاً في نصوصه. رقة الألم وسخريته. في قصيدته خمسة شواهد يقول :
- الشعر لا تزنه يد ،
الشعر شاهدك الذي يقيم وزناً
لحركة اليد في الهواء !
ولأنه يدرك الطريق يقول في قصيدته لـءات :
- لا تشتر الشموع من العميان.
ويقول :
- وحده الشخص قال :
" شاعر يرفع للأفق ترابه ! ".
أنتم هناك أيها الشعراء والحريصون على إكتمال الذاكرة ترفضون بتركم عن بقية جسد القصيدة وتجمعون بحرص تفاصيل أيامكم ، لا تودون أن تنسوها ، ولا أن ينساها العالم.
كتابة تسري أمام العيون فهل تصغي لها الآذان. كيف يكتب شاعر قصيدته من جوف قبر أو من تحت بيت آيل للتفجير أو الإزالة أو الفناء. كيف يقبل حبيبته دون أن يعرف إن كان هناك متسع من الوقت ليقبلها ثانية بعد ساعات أو يوم من ذلك. وبأي عيون ترقبون مفاوضاتهم ، ووعودهم ، وتحركاتهم ، وبياناتهم ، وحروبهم الكبرى والصغرى.
وما الذي يعنيه لكم الإمتداد العربي من الخليج إلى المحيط والجدار يعزلكم عن أهلكم والحدود تعزلكم عن من يقال أنهم إمتدادكم. كيف تفكرون في المستقبل البعيد وأنتم تدركون تكرار مآسي المستقبل القريب ؟!
للشعر أجنحة ، وللخيول المدى ، وللسماوات رحمتها ونقمتها فيما نحن نقيم في باب الدعاء.
أحييكم.
المرجع
- سماء على ظهر حصان – مجموعة
شعراء قطاع غزة – فلسطين - 2009-07-26
ظبية خميس
26/7/2009
القاهرة - مصر
08-أيار-2021
22-أيلول-2009 | |
فصل من كتاب فاكهة الثمانينات .. حلوى التسعينات قراءة نقدية في الثقافة العربية |
15-أيلول-2009 |
09-أيلول-2009 | |
ما بعد الوداع وما قبله لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي: الديوان الأخير |
01-أيلول-2009 |
26-آب-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |