مطمئناً على الحافّة" للسعودي علي الحازمي دأب على تطوير الجميل في تجاربه السابقة
2009-09-25
الشاعر السعودي علي الحازمي في مجموعته الجديدة "مطمئنا على الحّافة" يكتب من لحظة تأمّل في اغترابات حياته وفوضى روحه، القلقة، والتي تعبق في جنباتها الهواجس، الأحلام، وصور الحبيب، الغائب الحاضر. هي قصائد تحاور الفردي في انشغالاته، وفي أساه المفتوح على احتمالات تنبض برهافة التشكيل في اتحاده مع إيقاعات قصائد التفعيلة، ومع رغية واضحة في استخدام الصورة الشعرية استخداما أقصى يجعلنا نرى هذه التجربة الجديدة امتدادا جميلا وأكثر تطوّرا لتجربة الشاعر التي عرفناها من خلال مجموعاته الشعرية السابقة.
"مطمئنا على الحافة" (منشورات دار الكوكب بيروت 2009) والتي حملت لنا صوتا شعريا يكتب غراباته من الالفة، ويعيد تشكيل مفرداتها كما يراها هو في حالاتها المثيرة للانتباه، والطافحة بكل ما يثير القلق والحذر، تماما كما هو نقيض عنوانه المطمئن على تلك "الحّافة" الخطرة.
قصائد "مطمئنا على الحافة" يقدمها الحازمي في "حزمتين"، "عين تحدّق في الفراغ" و"تأثيث الغياب"، وفيهما تندرج لوحات شعرية منسوجة من وجْدِ الشاعر في وحدته وفي نظره نحو عالم يقف الحب في نقطة ضوئه الوحيدة بيرقا لسير متعثّر تدهمه على الدوام مخاطر لا تحصى.
هي قصائد تراهن على الشعر بأدواته المعروفة، وعلى الأخص الإيقاع والصورة، وتصرّ أن تأتينا بتلك الأدوات ومن خلالها، وهو رهان يجعلنا نراها وقد تنكّبت مهمة أصعب وأشق: استحضار الشعري من المألوف، في سياق فني ينحاز معه علي الحازمي إلى كتابة شعرية تتكئ على جدّة الصورة التي تنجح في القبض على مناخ ما يحيط بالشاعر:
"قالت امرأةٌ للمسافرِ : خُذْني إلى البحر،
هُناك ولدتُ على شغفِ الموجِ
تَحْمِلُني الريحُ في رِحلةٍ
لم أَعُدْ أتذكَّرُ منها سِوى غُربةٍ
تتناسلُ في قَفْرِ رُوحي،
لم تَعُدْ حَاجتي للقليلِ من الحظِّ
تُسْعِفُني بالمزيدِ من الصبرِ
كيما أُقَلِّبَ جمرَ انتظارِي الطويل".
في قصائد المجموعة جموح نحو هواجس اللّحظة إذ تتآلف مع حالات الوحدة وتنسج معها وبها عوالم شعرية فيها الكثير من تكثيف رؤية شاعرها للأشياء، وسنلحظ غالبا أنها رؤية تقوم في شكلها ومحتواها على علاقة وشيجة بالحزن كنشيد أبدي يرافق الشعر وينحت قصائده على صخور العالم الصّلدة في مثابرة لا تكلّ ولا تركن إلى الصمت.
في قصيدة "زواج الحرير من نفسه" ثمة انحياز كثيف للوحدة: هنا يكتب علي الحازمي واحدة من أهم وأجمل قصائد مجموعته محتفلا بالوحدة باعتبارها قيمة وإن تكن قيمة إجبارية:
"السنينُ التي ازدحمتْ بنساءٍ كثيرات
يُشعلنَ ليلَكَ في هَدأةٍ... غَادرتْكَ
ولم تَلتفتْ كي تُلوِّحَ ثانيةً
للصدى في بعيدك،
هَا أَنتَ وَحدكَ دونَ اختيارٍ
تلوذُ بجفنِكَ للنومِ مُحتشداً بالفراغ !
لا أَناملَ بيضاءَ تَندسُّ في دِفءِ شَعرِكَ
من فَيضِ رَغبتِها المرْمَريّ،
لا عَناقِيدَ من شَفةٍ يَعْصِرُ التوقُ
كَرمتَها في الكؤوس،
لا حَرائِرَ من جَسَدٍ تَتجعَّدُ مُلتاعةً
في سَريرِكَ هذا المساء،
تعودُ إلى شأنِ حُزنِكَ كالخاسرينَ
من العُمرِ والحُبِّ والأَصدقاء".
تأخذنا شعرية علي الحازمي في هذه المجموعة الجديدة نحو أسئلة فنية تنطلق من علاقة الشاعر بالأشياء حوله، فهذا الشاعر المسكون برؤية شديدة الخصوصية، يعشق لعبته الفنّية الأثيرة، لعبة إعادة رسم وتكوين الأشياء وفقا لمخيلته مرّة ولرغبات روحه أغلب المرّات، وهو خلال ذلك كلّه يكتب بشغف العاشق وقلق الشاعر معا. القلق الذي يعصف بروح الشاعر يكنس كلّ أشكال الطمأنينة فتأتي القصيدة مضمّخة بانتباهات قصوى لكل ما يعصف بها من رياح تصدّها أو هي تحاول.
علي الحازمي (لولا هنّات عروضية في بعض قصائد المجموعة) يؤسس علاقته الرهيفة بفن الشعر من باب جميل ومفتوح على "سردية الرّوح" تلك التي ترغب في قول ما تنقله لقارئ الشعر، ولكنها سردية نعرف بقليل من التأمّل أنها تطلع من روح الشاعر لتخاطب روحه أولا وقبل أي آخر محتمل:
"وأَنا وأَنتَ تشابهُ المعنى البعيدِ وضِدِّهِ،
بالكادِ يجمعُنَا التباسٌ في العزوفِ
عن التهافُتِ في الصدى،
جَرَّبْتُ أَنْ أُصغِي لصوتِكَ
حين يخرُجُ من عباءةِ تِيْههِِ
فامتدَّ غُصنٌ للتساؤلِ عن برارِي
ما انتهينا إليه في دربِ السماء،
أيكونُ أَنتَ وقعتَ سهواً في مَداري
ولم أُراعِ فارقَ التوقيتِ".
علي الحازمي في مجموعته الجديدة "مطمئنا على الحافة" شاعر يكتب من حافة الشعر، الشائكة والقلقة ولكن المسكونة بالجمال والفن.
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |