"سلطانات الرمل" رواية لينا هويان الحسن روح الصحراء ونساء من زمن استثنائي
2009-10-09
الفضاء الاجتماعي الذي تتحرّك فيه حوادث رواية "سلطانات الرمل" للكاتبة السورية لينا هويان الحسن نادر، ربما لم يسبق أن دخلته الرواية العربية بهذه الكيفية. ليس معتادا أن تعيش رواية وأبطالها فضاءاتنا الصحراوية لتقدّم عوالم البدو، تاريخهم، حياتهم الداخلية، والأهم ذهنيتهم الثقافية وتكوينهم الإنساني.
الروايات، بل الآداب والفنون العربية عموما، قدّمت أعمالا لا تحصى من حياة بدو الصحارى العربية، غير أن تلك الأعمال روت الحياة الكاملة بكل تاريخها وبشرها في صور مكتفية برسم خطوط خارجيّة، ولم تستطع – وربما لم ترغب - أن "تشتبك" مع تلك الحياة في عمق تفاصيلها كي تقدّم قراءات حقيقية للبدو بصفتهم بشرا يعيشون حياة اجتماعية – إنسانية لها سماتها وفراداتها، قيمها وتقاليدها، ناهيك بتاريخها الخاص.
هي رواية مفتوحة على انتباهات قصوى لتلك البيئة شبه المنسية، التي تقبع على هامش المدن والأرياف، وتجاور المدنية والحياة الحديثة. بيئة تزخر بمثلها وعادات أهلها، وتحتفظ بملامحها وملامحهم المميّزة التي تجعلهم مختلفين، لكنها في الوقت نفسه بيئة مفتوحة على التغيّر، إذ دهمتها أيضا حوادث التاريخ ووقائعه الكبرى والمألوفة فأرغمتها على "النزول" من "قوقعة الرمال" وحياتها المغلقة شبه المنسية، إلى الاختلاط بالآخر ومواجهته سلماً وحرباً.
تروي "سلطانات الرمل" (منشورات دار ممدوح عدوان، دمشق) عن بدو لم تدعهم حوادث التاريخ ووقائعه وحروبه الكبرى الكثيرة يعيشون على هواهم: هنا بالذات تذهب الكاتبة كثيرا إلى "الوثائق" والمذكّرات كي ترى صور تلك الحياة البدوية في عيون الأوروبيين، أولئك الذين سكنوا الصحراء، وعاشوا مع أهلها، مستشرقين مرّةً، وجواسيس ومندوبي أمبراطوريات استعمارية مرّات أخرى. على أن تلك الإطلالات على مذكرات المستشرقين ظلّت في الرواية أقرب إلى استشهادات مقتضبة، وضعتها الكاتبة في ثنايا العمل الروائي من دون أن "تختلط" بالحدث الروائي، أي من دون أن تجرّه إلى أيّ شكل من أشكال "التوثيق"، فذلك ليس هدفها الذي تتطلع إليه.
"سلطانات الرمل" في هذا المعنى، رواية حياة، وإن تكن بالغة الخصوصية، وتحمل اختلافها، أي أنها تقدّم "نكهة" أخرى للرواية العربية، وعوالم جديدة تفارق سيرورة الرواية السورية الجديدة، ونعني هنا بالذات تلك التي يكتبها الروائيون السوريون الجدد، وتحتفي بعوالم المدن، وتناوش هموما اجتماعية – سياسية، كادت في السنوات الأخيرة تكون وقفا على حياة العاصمة، وبعض المدن الكبرى في مرّات قليلة.
تكشف قراءة الرواية أيضا اختلافها في بنائية العمل الروائي، إذ تذهب الكاتبة نحو "موشور" زمني طويل من تاريخ المنطقة، فتبذر شخصياتها وأبطالها على مدار ذلك الزمن، محتفظة بخيط الحدث ملتصقا بشخصيّات روايتها. أي أنها تستحضر التاريخ بما هو حوادث تعني شخصيّاتها وأبطالها، وليس كسرديّة تفرض تسلسل الوقائع والحوادث. هي إذاً ليست رواية تاريخية، فالروائية تختار أبطال روايتها في صورة انتقائية، وتختار معهم زمنهم أو ما يلتصق بهم من زمنهم، وتذهب نحو معاينة حيوية لصورهم الداخلية، ومفاهيمهم للحب والحرب، للمرأة والفروسية، ولسيل التاريخ الجارف وهو يقصيهم عن رتابة عيشهم وسكونيته ويزجّ بهم في حمأة الحضارة، التي يجدون أنفسهم في ارتطام معها عند صدور "قانون إلغاء نظام العشائر"، زمن الوحدة المصرية السورية. هنا بالذّات يمكن التاريخ أن يكون حدّا فاصلا يطيح تلك الحياة، أو يخلخل ركائزها، ويدفعها للتأقلم مع نوع آخر يقع في المساحة الرجراجة والملتبسة بين البداوة والريف.
قارئ الرواية سيتوقف طويلا أمام رمزية "السراب"، مفردة التيه والمخيلة والوهم في بيداء شاسعة مفتوحة على كلّ شيء: هل يكون السراب معادلا للوهم أم معادلا لتاريخ لا يسهل القبض عليه وتبويبه تحت عناوين محدّدة؟
ربما هذا وذاك، ولكنه أيضا سراب رجال ونساء كانوا هناك ذات زمن طويل، وانحدرت صورهم وصور حياتهم إلى زماننا ولكن كشخصيّات من المخيلة تشبه تلك التي كانت، بل هي أرواحها الداخلية وقد تعرّت أمام حدقة الخلق الأدبي فقدمت نفسها وباحت.
ثمة مزج جميل، مهم وضروري للمضمون والفن معا، بين الحب والتحديث والعصرنة. تلتقط الكاتبة عاشقين ينفصلان عن بيئة البادية ويعيشان حالة تناقض مع المدينة وحنين الى البادية، لكنهما مع ذلك يندفعان الى الحياة، تلك التي عرفا في أجواء العاصمة والمدن الغريبة أنها صورة أخرى ومضمون مغاير.
تنفض البدوية السابقة عن جسدها وروحها جلد البداوة وذهنيتها، تماما مثلما يفعل حبيبها حين يندفع في الكتابة والفن كإعلان صارخ الوضوح عن الإنحياز الى المدنية باعتبارها المستقبل.
يلفت في "سلطانات الرّمل" شخصيّاتها عموما وخصوصاً النسائية، حيث أجيال متلاحقة من نساء مختلفات في حضورهن، واستثنائيات في ما تعرّضن له من "قدر" المجتمع الذكوري في أعلى درجات جموحه قسوة.
هي رواية حيوات عاصفة، تحمل غواية القراءة الجميلة ومتعتها، ولكنها في الوقت نفسه رواية تحتفل بمعمارها وبنائيتها وتنجح في أن تكون مرآة كاشفة تلعب في عمقها وأطرافها صور أبطال قساة في مظهرهم الخارجي إذ يمارسون الغزو، لكنهم عشّاق على طريقتهم ومفهومهم للعشق والحرّية، وهم الذين تقشّفت حياتهم تماما كما هي ندرة الماء، ولكنهم ظلّوا على رغم ذلك قابضين عليها.
راسم المدهون
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |