Alef Logo
كشاف الوراقين
              

نيران صديقة" للمغربي عبد الرّحيم الخصّار حمّى الحب الغائب وترانيمه في الرّوح والشعر

راسم المدهون

2009-10-28


تجربة الشاعر المغربي عبد الرّحيم الخصّار تبتغي عوالم ومناخات، ذكريات وأحلام، ومشاهد مخيلة مثقلة، أكثر من ابتغائها لغة ما يمكن للشاعر أن ينشغل بتلميع كلماتها والبحث عن مدلولات جديدة لها. ليس هذا انتقاصا من لغة الخصّار، الخفيفة، الطيّعة، واليانعة بقطاف معانيها، قدر ما هي مجرّد إشارة إلى كثافة "المناخ الشعري" الذي يتجوّل في القصائد، فيجعل السطور مزدانة بالصور تتحدث، تروي، أو لنكن أكثر دقة تستعيد.
في مجموعته الشعرية الجديدة "نيران صديقة" (منشورات دار النهضة العربية بيروت 2009) يكتب عبد الرّحيم الخصّار مأخوذا بوهج الحياة في ردهات روحه ودهاليزها الداخلية، وكأنه يذهب للإحتفاء بالحياة من الطريق المعاكس: هجاء الرّاهن ومحاولة نفيه بالصور القديمة والكلمات القديمة، فيما المرأة خلال ذلك كله تعويذة الحب وتعويذة الشقاء على حد سواء:
"سوف أستعيدك الليلة
كي تجلسي بجانبي على الأريكة التي تقادمت
وتخبريني لماذا زرعنا ورودا كثيرة في الليل
ثم استيقظنا على حقل شوك".
قصائد "نيران صديقة" ليس بلا مغزى أن تأتي طويلة كلها، فالشاعر يكتبها بروح الرّغبة العارمة في استعادة الأشياء، الزمن، المرأة، المفردات، وحتى الطبيعة، استعادتها من لغتها الأولى، إلى عوالم مغايرة بدت له غير قابلة للعيش، فيما روح الشاعر الفرد تركض هنا وهناك، في رحلة عبثية بين النقيضين الحاضر الساكن، والغابر السادر في غيابه.
في "نيران صديقة" ثمة ما يجعل قصيدة النثر "ثرية"، ليس بكلماتها وصياغاتها، ولكن بالعلاقات التي تبنيها لتلك الكلمات "لعبة" الاسترسال "السردي" التي تستحوذ على الشاعر، وتأخذ بيد قصيدته.
هنا كل شيء ينضح بالفقد والغياب: وحده الشاعر يحضر بصوت "الرّاوية"، والذي نسمع تردّد صوته وهسيس كلماته يروي لنا كيف تبدّدت عوالم، واختفت أصوات حياة وتفاصيل عيش كانت هنا ذات يوم.
في كل قصائد "نيران صديقة"، نقف على بنائيات شعرية تتأسّس على مشاهد تتناسل إلى مشاهد أخرى جديدة. الشاعر يرغب بقوة داخلية في رسم ما وقع له، وهو يفعل ذلك بلغة تتماثل مع مدلولاتها، وتتكئ عليها، كأنه يستعير تلك "البساطة" من واقعية ما، نلمحها في الشواهد الطبيعية، البيوت والمدن، وحتى الأشياء المنزلية الصغيرة. إنها مفردات وتفاصيل يستخدمها الخصّار كي تنوب عنه في سرد حياة بأكملها، حياة تتوغّل المرأة الحبيبة في كل شقوقها وزواياها.
وبهذا المعنى بالذات يمكن أن نقول أن "نيران صديقة" هو كتاب حب أبدي، حب يندثر في الواقع كي يتأبد في الروح والمخيلة، وكي يواصل نشيجه في الشرايين والأعصاب، فيما الشاعر يواصل بدوره رواية ما حدث مبللا بالدمع وطافحا بالشقاء، كما يليق بالشعر أن يكون: حارس الوحدة ورفيق العزلة:
"سيتغير العالم يوما ما
أعرف ذلك مثلما أعرفك
فقط ينبغي لهاته الحلازين التي تدب فوق مكتبنا
أن تخرج من قواقعها وتنمو لها الأجنحة
ينبغي لهؤلاء العميان
أن يتحسسوا طريقهم في الديجور القاسي
ينبغي لهاته الحشود الخرساء
أن تصطف يوما ما أمام التماثيل وتجرب الصراخ".
يكتب عبد الرّحيم الخصّار مسكونا بهواجسه، أحلامه، أو لنقل كوابيسه وفزّاعات يقظته، وهو في كل ذلك شاعر فرد يحرص على ثلاثية لا تتغير، الشاعر، الحبيبة، الطبيعة، مع تنويعات على الطبيعة التي نراها تأخذ ين مقطع وآخر صورة البيت والشارع والغابة. إنها باختصار "العالم"، العالم بما هو شاشة عرض لأحداث حب، وتفاصيل حيرة واغتراب وجودي يعصف بالرّوح ويهز شجرتها الناحلة بقوة.
في قصيدته الطويلة الأولى " كأننا نخوض معركة دون أن نبرح السرير" نتأمّل سردية شعرية تشبه مرثية طويلة للذات وللحب وللأشياء في سكونيتها وغيابها.
هنا تأخذ اللّغة من السّرد بساطته واندياحه المتلاحق، ولكننا نلمح الشاعر يطل بصوته كي يضيف لتلك السردية شيئا كثيرا من روحه الخاصة، ومن لمسات ولعه الرّسم. الخصار يعد لقصيدة النثر عدّتها التي تليق بها: الصورة الشعرية حجر زاوية قصيدته وهو يرسمها بعناية وبراعة تجعل الشعرية تتأسّس عليها وتتكئ على ما تحمله كلّ مرة من جاذبية تدفعنا أن نتأمّل، أن نصغي، وأن نحاول التخيل أيضا.
على قدر كبير من الأهمية الإشارة إلى ما تطفح به القصائد كلها من سواد نراه يليق بشعر يقارب الفجيعة، ويحاول أن يتمثّلها بهدوء وبكثير من الولع بمحاولة تأسيس قراءة مغايرة للحزن، قراءة تعيد الحياة لأشياء فرّت من قبضة الشاعر وتبدّدت فيما لا تزال ترن في وجدانه ومخيلته وتشكّل قوام حياته الرّاهنة:
"لست الرجل الذي ترينه في هذه الصورة
ولست الرجل الذي يرى نفسه في المرآة
أنا صياد من القرن الماضي
ولد في قرية صغيرة بروسيا
عاش وحيدا برفقة الثلج
أفنى عمره في ترويض الدببة
ومات منذ زمان هناك".
تجربة الشاعر عبد الرّحيم الخصار في مجموعته "نيران صديقة" تصعد في فنيّاتها خصوصا وأن صاحبها يبدو وقد امتلك أكثر لياقة صياغة أحلامه، وعيه، وحرفيته اللّغوية، والأهم من ذلك كله قدرته على استحضار عوالم ومناخات شعرية وتقديمها في بنائيات وتراكيب لا تتنازل عن جمالياتها وإن توغلت في سرد العادي والمألوف، أو اهتمت ببلاغة المتخيل وعصفه.
النشر الورقي جريدة المستقبل
النشر الألكتروني خاص ألف


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سعد الله ونوس.. نجم حياتنا المتوهج أبدًا

06-حزيران-2020

عن الثقافة والفن في ميدان التحرير

16-شباط-2011

"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ

27-تموز-2010

حتى أنت يا فرنسا / ماذا عن الحرية والإخاء والمساواة

23-تموز-2010

«الضّباب بحذافيره»الهامشي في تجلّياته وحضوره الشعري

09-أيار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow