"بين ذراعي قمر" للمغربية فاطمة الزهراء بنيس / كحريرٍ يجرح
2009-11-13
في مجموعتها الشعرية الثانية "بين ذراعي قمر"(منشوراتدار ملامح – القاهرة)، تكتب الشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس باقتصاد فيالكلمات تبدو الجملة قصيرة، متقشفة في بنائيتها، ومع ذلك تتمكن من منحنا المشهدبكامله: فاطمة الزهراء بنيس تغويها الرغبة في الرسم، فتذهب معها نحو قصائد تقاربالحكايات المصورة، وإن تكن تفارق السردية مستعيضة عنها بنوع مختلف من البوح يخالفما بات تقليديا و"مألوفا" في تجارب كثيرات من الشاعرات العربيات، وخصوصا من الجيلالشعري الجديد. هنا بالذات نتوقف للإشارة الى افتراق مناخات الشاعرة، وعوالمها عنذلك السيل الجارف من الإنتاجات الحسية التي تنسكب من حواف الجسد من دون أن تمربالروح، والتي باتت تشكل "تيارا" يكاد يميز غالبية ما نقرأ من "شعر البوح" النسائيهذه الأيام. تأتي الشاعرة من فضاء مختلف يمزج الجسد بروحه، والأهم أنه يجعل للتجولفي أهواء الحسي وغايات الجسد ما يصيّره شعرا.
"بين ذراعي قمر" أقرب إلى "موتيفاتشعرية" تحاور هموما فردية، بالغة الخصوصية، إذ هي تنطلق من ذات الشاعرة لتطل على العالم الخارجي، فتتأمله أكثر مما تراه، وخصوصاً "خدوش" أظفار العالم الخارجي فيروح الشاعرة. القصيدة في حالة كهذه، إنصات الى عويل الروح، في مأزق الاغترابوالوحدة، وحيث صورة الرجل تنوس أو تكاد تغيب فتستحضرها المخيلة بكثير من الوجد. الجملة الشعرية لا تنشغل كثيرا بالبحث عن مفرداتها. بكلام بسيط وتركيبية سهلة، تذهبنحو "أشغال يدوية" تبدو بدائية وشبه رعوية وإن تكن تتحدث عن محنة فردية معاصرة. هيتؤثث جمالياتها من صدقية التعبير عن الحالة. ملاحظة بالغة الأهمية هي أن "مقاربات" الشاعرة لقضايا العشق والبوح، ومعهما مسائل انشغالات الجسد بحميمياتها، تختلف كثيراعن السائد، ففاطمة الزهراء تذهب إلى تلك الموضوعات متسلحة بوهج يفارق المتكلفويبتعد عن "التأليف"، كما ان الشاعرة لا تكتبه بقصدية من أي نوع.
نجد أنفسناأمام قصائد تتجاوز "مأزق" قصيدة النثر، أي الوقوع في الجملة النثرية، وتنجح الشاعرةفي تحقيق ذلك باتكائها على السلاسة التي تراهن على وحدة الجملة الشعرية مع الصورةومع مناخاتها التي تأتي طازجة، مشغولة بعناية لا ترى، حتى لتبدو أقرب إلى القولالعفوي من دون أن تكون كذلك فعلا.
هي "موضوعات" تتوحد مع روح شاعرتها، ومع سهولةالتعبير وسلاسته. هي بكليتها قصائد أنوثة، لا بمعنى انتسابها الى شاعرتها فحسب،ولكن أساسا بالمعنى الذي يحيل على تناغم اللغة الشعرية مع المخيلة، وأيضا مع روحالأنوثة التي تبدو هنا طافحة بانتسابات عذبة لحوارات الروح والغريزة مع عصف العصرالراهن وقسوته. ثمة أيضا الكثافة في الصورة الشعرية التي تجعلها أساس بنية القصيدة. فمن يقرأ هذه القصائد يلحظ افتراقا بيّنا عن الشعر المغربي الجديد، وبالذات قصائدالنثر، وهو افتراق يضع قصائد هذه المجموعة في مكانة بالغة الخصوصية لترتقي إلى مقامآخر له علاقة بوجود "بصمة" شخصية تنتشل الشاعرة وقصائدها من محنة التشابه. هي أيضاتجربة العلاقة الوطيدة بين اللغة كوعاء تجريب الهواجس والرغبات الفنية، وبين ولوجأكثر المساحات غورا في الروح الداخلية، حيث تصعد قصائد المجموعة نحو شغب فني يلغيالمسافة مع قارئ الشعر، بما يسمح بالتجوال في دهاليز نفسية تشبه المرايا التيتتقابل وتتبادل الانعكاسات، فتشيع منها صور عديدة تتراقص، وبما يسمح أيضا بتأملهافي فردانياتها المفتوحة على تفاصيل.
التفاصيل ليست يومية إلا في ما يخص الروح،وهنا أيضا تكتب فاطمة الزهراء بنيس ما يقارب شهادات تطلع من ركن هادئ ومنزوٍ، لعلهالكناية التعبيرية عن عزلة الأنوثة أكثر مما هو تعبير عن عزلة الأنثى ذاتها، فتأتيالقصائد أناشيد حياة في زمن عاصف، فتصدق في التعبير عن حالات لا تحصى تختصر مأزقالأنثى العربية.
تحقق الشاعرة حضورها "الثاني" بعد تجارب كثيرة قرأناها مرة فيكتابها الأول ومرات أخرى في الصحف والمواقع الإلكترونية، أوصلتها إلى عدد منالملتقيات والمهرجانات الشعرية العالمية، والتي كان آخرها "مهرجان مقدونيا".
إنها عذوبة الشعر حين تمتزج من دون تعسف بحزن شفيف يلامس الروح كحرير ناعميجرح.
راسم المدهون
عن جريدة النهار
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |