أزمة حوار الحضارات
2007-02-07
أزمة حوار الحضارات : مابين خرافتي التقريب بين المذاهب الدينية وحوار الأديان
تجتاح العالم حمي الصراعات الدينية ويريد أدعياء التحضر والثقافة وفض الإشتباكات الذين تعقد لهم المؤتمرات وتفتح لهم أبواب الفنادق والمنتزهات , والباحثين عن الرفاهية من خلال ماسمي حديثاً بسياحة المؤتمرات , أن يبحثوا عن حلولاً واقعية أو شبه واقعية لفض هذه الإشتباكات وهم علي يقين علمي بأن هذه الصراعات لن يكون لها نهاية إلا من خلال إعادة مفاهيم الحرية أولاً وقبل إحياء مفاهيم التسامح وقبول الآخر في الدين والقبول بمبدأ المواطنة البعيد عن العنصرية الدينية وعنصرية الجنس البشري اللتين
أوردتا العالم موارد الهلاك والدمار في الماضي ومازالت تورده نفس الموارد ولكن بأساليب وطرائق تناسب العصر الحديث من خلال إحياء النعرات الطائفية والمذهبية المبنية علي أساس ديني يحاول نفي الآخر في الدين الواحد وإقصاؤه من الوطن الواحد بل وإستباحة الدم والمال والحرث والضرع والزرع وكأن المخالف في المذهب الديني داخل إطار الدين الواحد يمثل الآخر المطلوب قتله وإعدامه بحبل التعصب والتطرف والإرهاب علي مرجعية دينية محتمية بنفس النص المقدس وبذات حروفه وآياته وأرقامها وتسلسلها في الكتب المقدسة لدي أصحاب الدين الواحد وذلك الأمر المرهب كائن في خلفيات وثنايا الكتب المقدسة لدي معظم المنتسبين للأديان السماوية منها والأرضية الوثنية منها في الجانب المواجه .
أين الأزمة إذاً ؟!! :
الأزمة كامنة ومختبئة داخل العقول المتطرفة الإرهابية التي تحتمي برداء التعصب للدين للحفاظ علي المصلحة المتوهمة للدين أو للإله أو للرب أو للنبي أو للرسول أو حتي للصحابة والسلف والخلف والأنصار والحواريين والأحبار والرهبان حسب الإنتماء لكل دين من الأديان السماوية أو الأرضية الوثنية .
فداخل نطاق وإطار الدين الواحد تجد العديد من المذاهب والفرق الدينية التي تناحر بعضها البعض وتناصب بعضها العداء في كل المفاهيم الدينية بما تحمله من تأويلات وتفسيرات دينية يرتأي أتباع كل فرقة أو ملة أو نحلة أو مذهب أو جماعة من الجماعات أو تنظيم من التنظيمات الدينية أنه علي الحق المطلق ويمتلك ناصية الحقيقة المطلقة وأنه ظل لله في الأرض التي هو حقيق بها وبالتصرف في مصائر من عليها من البشر سواء من هم علي منهجه أو المغايرين له من أصحاب الدين الواحد أو من أصحاب الديانات الأخري سواء كانت سماوية أو أرضية وثنية .
فكيف يمكن أن نحل معضلة التقريب بين المذاهب الدينية بين أصحاب الدين الواحد الذين يكفر بعضهم البعض ويستحلون دمائهم فيما بينهم دون مراعاة لأي ضمير ديني أو إنساني وكأنهم وحوش أو حيوانات قد خرجت لتوها من الغابات لتعيش بين البشر في دنيا الناس بمفهوم الوحش وليس بمفهوم الإنسان !!
ثم يتم الإدعاء بأن هذه الوحشية الحيوانية في التعاملات بين الناس تمثل إرادة الله وتنفذ أوامره وتمتثل للإنتهاء عن نواهيه وتـأتمر بأوامره ؟!!
فهل من الممكن أن يتم حوار بين المذاهب الدينية بين أبناء الدين الواحد والمنتمين إليه ولكن مع السماح بتواجد بعض الإختلافات التي يمكن أن يكون لها حلولاً فيما بين أصحاب هذه المذاهب وبعضها البعض من أبناء الدين الواحد ؟
نعم .. من الممكن أن يوجد حوارات وليس حواراً واحدا ً!! , ولكن الذي نسعي إليه ونبتغيه هل من الممكن أن يصل هذا الحوار إلي حلولاً واقعية لها صدي محسوس به ومعاش في واقع البشر والناس من خلال التعاملات اليومية بماتحمله من معاملات إقتصادية وعادات وأعراف وتقاليد إجتماعية لها أساس ديني أو إجتماعي , وحتي لو كان لها ظهور واقعي في المجتمع دون تعرض المنتمين لمذهب من المذاهب الدينية لأتباع أو أصحاب المذهب الآخر سواء بالتكفير أو التجهيل واللعن وإستباحة الدماء والأموال ؟!!
أعتقد هذا لن يكون في الواقع له وجود !!
إذ كيف يتم ذلك بين المنتمين للمذاهب الدينية من أصحاب الدين الواحد ويتولد عن هذه المذاهب فرق وجماعات دينية البعض منها يؤمن بالحتمية الإلهية الغيبية الهاربة من الحياة والمجتمع والناس إلي الآخرة حيث دنيا الله والجنان المنتظرة إياهم في الآخرة ولايعملون إلا بالتكفير والتجهيل ولعن المجتمع المخالف والعاصي لله وللأنبياء والمرسلين في رسالاتهم السماوية والتارك للكتب المقدسة وتعاليمها وما أتت به من هداية ورشاد للناس !!
والبعض من هذه الجماعات يؤمن بالحتمية الإلهية العسكرية المسلحة التي تبيح القتل والإرهاب والدمار للمخالفين والمعاندين لله وللرسل والأنبياء وأن تغيير هذه المجتمعات بقوة السلاح لهو الفريضة الغائبة من حياة المؤمنين والتي يتوجب عليهم إحياؤها إرضاءاً لله تبارك وتعالي , خاصة وأن الأنظمة الحاكمة تعتبر في نظر هذه التنظيمات أنظمة حكم كافرة لأنها لاتحكم بما أنزل الله ومن ثم توجب تكفيرها وتفسيقها ورميها برداء الظلم والفساد والإفساد ومن ثم كانت قوة السلاح المحتمية بالحتمية الإلهية العسكرية والتي يتم تفسير نصوص المقدس الديني علي هديها للخروج بالنصوص الشرعية والعمل علي إضفاء الشرعية الدينية علي تلك الأعمال المسلحة التي تؤمن بالتغيير بقوة السلاح والعنف المسلح !!
هل من الممكن أن نجري حواراً بين هذه الجماعات التي ذكرنا منها صنفين بينما يوجد العديد منها لامجال لسرده ؟!
فكيف نجري حواراً بين المذاهب الدينية ولانجري حواراً بين الجماعات والتنظيمات الدينية المخبؤة داخل هذه المذاهب والظاهرة منها ؟!!
وهل هذا الحوار سيجدي نفعاً بين الجماعات والتنظيمات التكفيرية الصامتة مؤقتاً والتنظيمت التكفيرية المسلحة حالياً ؟!!
أعتقد أن هذا من المستحيلات أن تجري هذه الحوارات ويتم الإتفاق علي حلول واقعية تجعل جماعة أو تنظيم أو فصيل ملتزم بالعقيدة التي يؤمن بها داخل إطاره الشخصي ودعوة الناس للإعتقاد بمعتقده دون عنف أو دماء أو تكفير أو تلعين , فهذا من شبه المستحيلات اللهم إن كانت هذه الجماعات من الجماعات ذات التدين الشعبي الذي يؤمن بالأولياء والكرامات والنذور والذكر وإحياء موالد المشايخ والأولياء , والتي كانت لها أدوار مسلحة وعسكرية في الماضي ضد الإحتلال والغزو والإغارة من طوائف أخري عليها وتم تحجيم هذه الجماعات والتي يمكن تسميها بالجماعات الصوفية وهي جماعات لايمكن حصرها أو عدها لأن ذلك من الصعوبة بمكان .
كيف يكون حوار الأديان ؟!!:
هل يصلح أن يكون هناك حواراً قائماً بين الأديان في ظل هذه الغابة من المذاهب والفرق والملل والنحل والجماعات والتنظيمات المنتمية لدين واحد من الأديان وذلك بين نفس أصحاب المنطق من أصحاب الديانات الأخري ؟!!
وعلي أي أساس يتم الحوار ؟!!
هل بإلزام الجميع بالإلتزام بدين واحد من الأديان السماوية ؟!!
وهل هذا العرض من المعقول عرضه من الأساس حتي يعقل القبول به ؟!!
وماهي الأسس إذاً التي يقوم عليها هذا الحوار بين الأديان ؟!!
هل هي من باب أن تفرط في جزء من دينك وأفرط أنا في جزء من ديني حتي يمكن التلاقي في محطة معينة من المحطات التي يستقل فيها أصحاب جميع الأديان قطار واحد ؟!!
أعتقد هذا لايجوز ولا يجزئ علي المطلق في حل أزمة الحوار بين الأديان ؟!!
أليس مايسمي مجازاً بمفهوم الحوار بين الأديان خرافة من أعظم الخرافات التي يتبناها البعض محاولين الكذب علي الناس بدعاوي من مثل هذه الدعاوي التي تبعد عن بعض الحقائق الواردة في الكتب المقدسة والمحمولة علي نصوص تحمل تفسيرات وتأويلات تحبذ علي نبذ الآخر ورفضه في الدين والوطن ؟!!
أليس هناك العديد من النصوص الدينية المحمولة علي تفسيرات وتأويلات تأمر بقتل وقتال الآخر المخالف في الدين والعقيدة والملة والنحلة ؟!!
بل .. أليس هناك نصوص دينية لها قدر من القداسة والإتباع تدعو وتأمربقتل حتي من يرتكب جرماً مخالفاً لنص من النصوص الدينية حسب التفسير والتأويل والمفهوم من هذه النصوص ؟!!
أليس هناك نصوص دينية تفرض القتل والقتال من أجل الإنتصار للدين , والدين فقط , علي إعتبار أن الوطن هو الوطن والوطن هو الدين ؟!!
بل .. أليس هناك من يزكي العنصرية الدينية والعنصرية الجنسية من واقع المفهوم من النصوص الدينية ؟!!
كيف يكون هنا أو هناك مايسمي بالحوار بين الأديان والمفاهيم الدينية بين الأديان حائرة ومشتتة وكأنها تطير مابين السماء والأرض ولاتجد لها محطاً أو منزلاً في دنيا الناس ؟!!
دول دينية وحوار أديان : كيف ؟!!
من تأزيمات الأمر أن توجد دول لها كيان سياسي ولها وجود في المجتمع الدولي وممثلة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تشهد بعضويتها فيها , ومن اللافت للنظر أن هذه الدول تقوم في كيانها السياسي علي أساس ديني أو عنصري ويتم إستخدام الدين أو العنصرية الدينية كمرجعية عليا لهذه الدول وهذا يتبدي من دساتير هذه الدول ومن قوانينها وتشرعايتها واللوائح المنظمة لشؤون الدولة , بل ومن أعلامها وشاراتها التي تعبر عنها وتميزها في المجتمع الدولي .
ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية , وعلمها الذي يحمل لفظ الجلالة مسطوراً بلا إله إلا الله محمد رسول الله ومن تحت هذا الشعار السيف الذي يدل علي الجهاد والحرب !!
وإسرائيل دولة الإحتلال الصهيوني التي يحمل إسمها إسم نبي من أنبياء الله , وعلمها الذي يحمل نجمة داوود , وهو نبي من أنبياء الله !!
والفاتيكان وهي الدولة الدينية التي تحمل لواء المسيحية في العالم وهي إن لم تكن دولة بالمعني المفهوم للدولة ولكنها لها ممثلين في الأمم المتحدة وفي العديد من الدول !!
بل والعديد من الدول الأوروبية التي يحمل علمها الصليب رمزاً , في مقابل العديد من الدول التي تزين بالهلال رمزاً لها في مواجهة الصليب !!
بل وحتي الهيئات الدولية يوجد منها الصليب الأحمر , والهلال الأحمر , بل ونجمة داوود !!
فكيف يمكن أن ندعي أن يكون هناك حوار بين الأديان في ظل دول تحمل المعاني والمفاهيم الدينية ولها مبرراتها وحيثياتها في ذلك ؟!!
أزمة مايسمي بحوار الحضارات :
هذا الأمر من أخطر الأمور الذي يتوهمه العديد من الباحثين والمفكرين والمثقفين بل وعلماء الحضارات , وهذا الأمر يخلص في مسمي حوار الحضارات .
إذ كيف يكون هناك مسمي بحوار الحضارات وقد فشل الحوار بين أصحاب الدين الواحد , بل وقد فشل الحوار بين أصحاب المذهب الديني الواحد , بل وقد فشل الحوار بين أصحاب الجماعة أو التنظيم الديني الواحد , بل وقد فشل الحوار بين الأديان بالجملة دون التفرقة بين دين ودين آخر سواء كان دين من الأديان السماوية أو من الأديان الأرضية الوثنية !!
إن حوار الحضارات أكذوبة كبري أو خرافة من ضمن الخرافات التي لايمكن أن تجدي نفعاً أو تترك أثراً في نفوس المنتسبين كذباً إلي حضارة مدعاة من الحضارات القديمة أو الحضارات الوسيطة أو الحديثة !!
إذ كيف يكون هناك حوار بين من تمكن من ناصية التحضر و القوة والثروة والعلم والأخلاق الإنسانية , وبين من يكون صفر اليدين من هذه الميزات التي تقوم علي أسسها الحضارة والتي تمثل قوة في مقابل ضعف من لايمتلك هذه المقومات ؟!!
وكيف يكون هذا الحوار ؟!!
وما هي طبيعته ؟!!
وما هي الموضوعات التي يمكن أن يتحاور فيها صاحب الحضارة ومنعدم أو ضعيف التحضر والتمدن ؟!!
هل من الممكن أن تكون هناك موضوعات مثارة بين أصحاب الحضارات الضعيعفة أو الواهية وبين أصحاب الحضارات القوية العملاقة ؟!!
وهل ستكون هناك علاقة التابع والمتبوع بين الحضارات , بمعني أن حضارة معينة تتبع حضارة أخري قوية ؟!!
وهل منى الممكن أن يكون للحضارة الضعيفة أثر واضح ومفيد للحضارة القوية الجبارة في العلوم والفنون والثقافة والفكر والأخلاق والقوة والثروة ؟!!
أعتقد أنني أميل إلي مايسمي بصراع الحضارات وليس حوار الحضارات !!
لأن الصراع هو الذي يجعل الضعيف يفكر في أسباب ضعفه وفي أسباب فنائه ومن ثم يحاول جاهداً أن ينمي من قدراته الذاتية علي المستوي الحضاري مما يضطره الواقع الدولي والعالمي إلي البحث عن أسباب القوة والثروة والعلم حتي يمكن أن يكون له مقعد في نادي الحضارة العالمي كما هناك العديد يبحث عن كرسي في النادي النووي أو النادي الذري عن طريق العلوم النووية أو الذرية التي تفجر الذرة وتستخدمها في كافة الإستخدامات السلمية أو العسكرية فالقوة هي سيدة جميع المواقف ورائدة جميع المواقع , والعلم هو السيد وهو القائد وهو الرائد في حل جميع الإشكاليات والأزمات حتي الحضارية منها إذ أنه هو الذي يصل الحضارة بالقوة والقوة تجلب الثروة ومن هنا تكون السيادة لحضارة علي باقي الحضارات الناهضة أو الضعيفة منها أو التي تكون في سبيلها إلي الإنهيار , وهناك في الواقع العملي الحضاري المعاش أو التاريخي الماضوي مايؤكد علي أن هناك العديد من الحضارات التي سادت ولفترات زمنية طويلة ثم كان مصيرها أن بادت واضمحلت وعادت إلي ركب التخلف الحضاري ضعيفة هزيلة تنتظر المساعدة في القوة والثروة والعلم ولاتجد من يساعدها .
لماذ ؟!! :
لأن كل حضارة له العديد من المرجعيات العقلانية والعلمية القائمة علي أسس ثقافية وفكرية والمطعمة بأخلاق دينية وإنسانية عالية وكان دائماً الدين بالجانب الأخلاقي هو الرائد في صناعة هذه الحضارات ولا أقصد أن رجال الدين هم صانعي الحضارة لأن هناك فارق خطير في المسألة بين من يصنع الحضارة من الرجال العلماء الأفذاذ في العلوم بجميع أنواعها ومراحل تطورها وتحديثها العلمي والتي تخضع للتجربة والبرهان والنتيجة العلمية النفعية المجردة والتي تعود بأكبر قدر من المنفعة علي المجتمعات , وبين رجال الدين الذين يتمسكون بتلابيب النصوص الدينية والتي حولوها إلي مجموعة من العبادات والطاعات لله رب العالمين فقط دون إعطاء العلم والقيم العلمية والحضارية الإنسانية أي إعتبار لأن الدين في المفهوم هو تسليم والعلم تجريب وإختبار وإحتمال للصواب والخطأ الوارد في التجارب العلمية , أما الخطأ في الدين ليس بوارد !!
إن الحضارة تقوم في الأساس علي الفكر النقدي العلمي الذي يحلل وينقد ويناقش ويحاكم جميع الأفكا ر والأراء وحتي التصورات التي يمكن أن تدور في مخيلة الإنسان حتي يتمكن في النهاية من الوصول إلي حل يعود بأسباب القوة والثروة لحضارة من الحضارات الناهضة التي تبغي أن يكون لها موضع ومكان في حضارة العالم مؤسسة للتسامح التاريخي والعفو عن خطايا الماضي والجلوس علي كرسي الإعتراف التاريخي للإقرار بالأخطاء والسؤات التاريخية التي كانت من أسباب وعوامل الفناء والدمار للعديد من الحضارات ذات الإرث التاريخي الأسود !!
ومن هنا يمكن أن نقول متي يمكن أن تقبل حضارة قوية الحوار مع حضارة ضعيفة أو ناهضة !!
فهل يقبل المنتسبون للحضارات ذات الإرث التاريخي الأسود بالإعتراف بالسؤات التاريخية كعلامة علي التخلي عن العنصرية الدينية وعنصرية الجنس والدم ؟!!
أحداث 11 سبتمبر الفيصل الحضاري :
نعم وهذه هي الحقيقة التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلنها علي العالم أجمع منذ أن قسمت العالم إلي قسمين من منطق إمتلاك القوة والعلم والثروة وهي الرائدة في الحضارة الغربية حينما قررت أن : من يكون ليس معي فهو ضدي :
أي من يخرج من دائرة القرار الأمريكي الغربي فهو معادي للحضارة الغربية ويتوجب عقابه علي خلفية أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الممثلة لشرطي العالم الذي يتوجب عليه تأديب وتهذيب وإصلاح من يخرج عن دائرة الطاعة الأمريكية بتحالفها مع المملكة المتحدة وبعض الدول الأوروبية ذات المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية .
موقف الدول العربية / الإسلامية , والغرب من الصراع الحضاري :
إن الأراء متفاوتة في هذا الموضوع تفاوت شديد فالبعض ينظر إلي الإرث الحضاري المأزوم بصراعات إستعمارية من الطرفين , وبين الدور الحضاري للعرب والمسلمين والغرب المسيحي في صناعة الحضارة البشرية التي سقطت سقوطاً مذرياً من العرب والمسلمين بعد أن بزعت كشمس مشرقة ثم أحاطت بها الغيامات من جميع الإتجاهات ليظلم العالم ويصبح نهاره كالح السواد والظلام , إلي أن أتت حضارة الغرب المشرقة لتضيء هذا الظلام الكالح ولكن علي خلفيات الإرث الماضوي الذي يسميه العرب والمسلمين بالفتوحات الإسلامية , ويرفضون تسمية الإستعمار الغربي بالفتوحات المسيحية أو حتي الفتوحات الغربية من باب العنصرية الدينية المتبادلة والتي يخشي العديد من المفكرين والمثقفين من الولوج في هذا الحديث الخاص بما أسماه العرب والمسلمون بالفتوحات الإسلامية لتعلق الأمر بالمقدس الديني حسب المفهوم والمقرؤ والمنطوق والمسموع والمسكوت عنه في كتب الفقه والتراث الإسلامي !!
وتحت عنوان هل حوار الحضارات ممكن , وكيف ؟ ينقل هشام صالح في صحيفة الشرق الأوسط العدد الصادر بتاريخ 22 مارس 2002 مجموعة من أراء ومثقفي الغرب فيذهب إلي :
ان المثقفين اتخذوا مواقف متباينة من هذه المسألة ليس فقط مؤخرا، وانما على مدار القرنين الماضيين ايضا، فمثلا كان فيكتور هيغو قد اطلق صرخته المدوية بعد استعمار الجزائر قائلا: انها الحضارة تنتصر على البربرية . نحن اغريق العالم وعلينا تنويره ! بالطبع ينبغي ان نموضع هذا التصريح ضمن سياق تلك الفترة لكيلا نظلم فيكتور هيغو اكثر مما ينبغي. ولكن في ذات الوقت كان عالم الانثربولوجيا ليفي بريل يبلور مصطلح العقلية البدائية لكي يبرر الاستعمار بشكل غير مباشر. ففي رأيه ان الغرب هو وحده الذي توصل الى الفكر العقلاني او المنطقي، واما بقية الشعوب فلا تزال تعيش في مرحلة العقلية ما قبل المنطقية. وبالتالي فما عليها الا ان تمر بنفس المراحل التطورية لكي تلحق بالغرب. وبما انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها، فإنه ينبغي على الغرب ان يساعدها اي ان يستعمرها!. ولكن بعد الخمسينات، وبعد ان ابتدأت الشعوب تتحرر من الاستعمار، راح عالم انثربولوجي آخر يقول العكس. ففي رأي كلود ليفي ستروس انه لا توجد ثقافة عليا وثقافة دنيا، وانما جميع الثقافات متساوية وينبغي ان نحترم خصوصياتها واختلافها. وكلها تستحق لقب الحضارة. ولكن يبدو ان ليفي ستروس غيَّر رأيه مؤخرا عندما اعترف بمديونيّته ومديونية البشرية كلها لمخترعي الفكر النقدي او العلمي في اوروبا. وقال من المستحب ان تتوصل جميع الشعوب الى مرحلة الفكر النقدي او التنويري. ولكن هل يعني ذلك انه يحق لامريكا او للغرب كله ان يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة وان يتدخل في شؤون الشعوب الأخرى كما يشاء ويشتهي؟ على هذا السؤال يجيب جان دانييل بالنفي. واما فيليب رينو، استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس فيرى ما يلي : ينبغي على الديمقراطيات الحديثة ان تقبل بوجود صراع طويل الأمد مع القوى الماضوية التي ترفض قيم الغرب بشكل مطلق. ولكن في ذات الوقت ينبغي علينا ان نقيم علاقات ايجابية مع القوى الأخرى الموجودة في نفس المجتمعات والتي تقبل بالافكار الحديثة. اما صوفي بتييس المؤرخة والصحافية الفرنسية فترفض اطروحة صموئيل هانتنغتون عن صراع الحضارات. وهي تطرح التساؤل التالي: لماذا لاقت اطروحته كل هذا النجاح والانتشار؟ فلا يوجد مثقف الا وناقشها او تحدث عنها. في الواقع ان هذه الاطروحة رجعية وخطيرة لانها تغطي على المشاكل الحقيقية. فهي اذ تركز على التناقض الثقافي او الحضاري بين الغرب والعالم الاسلامي تهمل الاسباب الفعلية للصراع. ومن اهم هذه الاسباب التفاوت الهائل بين غنى الغرب وثرواته وبحبوحة شعوبه، وبين فقر المجتمعات الاسلامية والبؤس الذي تتخبط فيه شرائح واسعة من الشعوب العربية. وهكذا يتملص الغرب من مسؤوليته عن طريق القول بأن المسلمين معادون في جوهرهم لقيم الحداثة والحضارة! وبالتالي فالصراع معهم اجباري ليس لأن الكثيرين منهم يعانون من مشاكل الفقر والكبت والقهر وانما ميلهم الطبيعي الى العنف.. وهذا يبرهن على ان الغرب لا يريد ان يتحمل مسؤولية النظام العالمي الجائر الذي يقيم هوة سحيقة بين الشمال والجنوب. يضاف الى ذلك ان الغرب لا يريد ان يعترف بأن للآخرين الحق في بلورة القيم الحضارية والكونية، وانما يحتكر هذا الحق لنفسه فقط. واما فرانسوا فوركيه استاذ الاقتصاد في جامعة السوربون فيرى العكس. فهو يعتقد ان صموئيل هانتنغتون على حق عندما يتحدث عن صراع الحضارات. فالتفجيرات التي حصلت في نيويورك وواشنطن كانت موجهة فعلا ضد حضارة الغرب. وهي تهدف في ما وراء ضرب امريكا الى انهاء الهيمنة الغربية على العالم. ولكن هل الصراع أبدي او محتوم بين عالم الاسلام وعالم الغرب؟ عن هذا السؤال يجيب الباحث قائلا بأنه توجد امكانية لتفادي ذلك. وهي تتمثل في بلورة قيم كونية مقبولة من قبل جميع شعوب الارض وليس فقط من قبل الغرب. ففلسفة الغرب المتمثلة بالديمقراطية وحقوق الانسان وقوانين السوق لم تعد قادرة على فرض نفسها كفلسفة كونية تنطبق على العالم اجمع. وانما ينبغي على البشرية ان تبلور فلسفة أوسع منها واشمل . ويرى هذا الباحث ان الفلسفة الجديدة يمكن ان تستمد مبادئها من جميع التراثات الثقافية وليس فقط من تراث الغرب. فالاسلام مثلا يحتوي على تراث روحي عظيم ونحن نجهله. لماذا؟ لاننا، اي الغربيين، لا نعرف الا التيار المتطرف ولا نتحدث الا عنه. وهذا خطأ كبير يرتكبه الغرب في حق الثقافات الأخرى، خاصة الاسلام.
ويستطرد هشام صالح في نفس العدد معتمداً علي أراء المفكرين الغربيين ناقلاً عن : الباحثة ميشيل غيوم هوفنونغ، استاذة القانون العام في جامعة السوربون فتطرح السؤال التالي:
هل حقوق الانسان كونية؟ بمعنى: هل حقوق الانسان كما بلورها الغرب منذ قرنين تنطبق على جميع الشعوب ام انها خاصة بتاريخه فقط؟ هذا السؤال كان شبه ممنوع سابقا لان الغرب كان يفرض حداثته وقيمه بصفتها ذات طابع كوني. ونلاحظ ان الباحثة تجيب بالايجاب عن هذا السؤال، وذلك على عكس ما فهمناه من كلام الباحث السابق. فحقوق الانسان لا تنحصر بالعرقية المركزية الاوروبية كما يزعم البعض ، لماذا ؟
لانها لا تستمد جميع مبادئها من تراث الغرب وانما استفادت ايضا من قيم الاسلام. وهذا ما برهن عليه الاعلان الاسلامي العالمي لحقوق الانسان والصادر عن اليونيسكو عام 1981. يضاف الى ذلك ان فلسفة حقوق الانسان لا تتعارض مع الاديان وانما فقط مع التفسير المتعصب لها. وترى الباحثة ان مبادئ الاديان الكبرى، كالاسلام والمسيحية كانت قد نصت على كرامة الانسان ورفعة الانسان لانه خليفة الله في الارض. وبالتالي فلا تعارض بين حقوق الله وحقوق الانسان اذا ما فهمنا الدين بشكل صحيح وعقلاني.
ماذا نستنتج من اقوال المثقفين التي استعرضناها حتى الآن؟ نستنتج ان الهوة بين الاسلام والغرب ليست سحيقة الى الدرجة التي كنا نتوهمها. نقول ذلك بشرط ان يتوفر شرطان اثنان: الاول هو ان يتراجع الغرب عن كرهه الشديد والمتأصل للاسلام، وان يعترف بالارث الحضاري العربي ـ الاسلامي ومدى تغذيته للحضارة الاوروبية. وهذا الشيء ابتدأ يتحقق أخيرا على يد بعض المفكرين المتحررين من الاحكام المسبقة والعدائية ضدنا. وقد ذكرنا اسماء بعضهم في ما سبق. ويمكن ان نضيف اليهم على سبيل المثال لا الحصر اسم الباحث آلان دوليبيرا المختص بالفلسفة العربية الاسلامية. فقد كشف عن الصفحات المضيئة لفلاسفة الاسلام وبين كيف انهم كانوا اساتذة لاوروبا طيلة عدة قرون، ولا يمكن فهم النهضة الاوروبية الا اذا موضعناها ضمن هذا المنظور التاريخي العميق. واما الشرط الثاني فهو ان يتغلب التيار العقلاني في العالم العربي على التيار المتطرف والمخطئ في فهمه لرسالة الاسلام السمحة. وهذه هي المهمة المطروحة على المستقبل. ا .ه
والعديد من هذه الأراء جيدة ولكن نري مدي الخطأ الواقع فيه الكثيرين حينما يجروا المقارنة بين الغرب وبين الإسلام , وكأن الإسلام في حد ذاته هو الند أو الخصم الحضاري , وأن الخصومة الحضارية منعقدة بين الإسلام وبين الغرب بما تحمله كلمة الغرب من معاني أو مفاهيم أو تفسيرات وشروح عديدة , فهذا من باب العنصرية أن تجري مقارنة بين دين من الأديان , بين نطاق مكاني / زماني / جغرافي / تاريخي / حضاري / ثقافي / علمي , فلا من أجري المقارنة أجراها بين دين ودين , وهذا مرفوض لأنه مجاله دراسات مقارنة الأديان , ولا أجراها بين حضارة وحضارة , ولابين ثقافة وثقافة , وإنما تجري المقارنة دائماً بين الدين , وبين العلوم والفنون والثقافات والمخترعات , بل وبين الدين والحضارات وهذا هو الخلط الممجوج الذي يقع فيه العديد من المهتمين بالشأن العربي الإسلامي علي سبيل مثل هذه المقارنات !!
فهل ما زال البعض يصر بأن الصراع الحضاري قائماً بين الإسلام والغرب ؟!!
أم أن الصراع الحضاري من المتوجب أن يقوم بين المنتسبين للعروبة والإسلام من نواحي العلم والقوة والثروة والأخلاق التي أساسها الدين والإنسانية ورفض ثقافة العنف ونبذ الآخر في الدين والوطن وإعلاء قيم المواطنة والتسامح والإعتراف بالأخطاء التاريخية المتبادلة بين الغرب والعرب والجلوس علي كرسي الإعتراف التاريخي ليقر كل مخطئ بالأخطاء التي إرتكبها
في حق الآخر حتي يقوم المجتمع علي أساس من الشرعية الدولية العادلة البعيدة عن العنصرية الدينية وعنصرية الدم والجنس أو اللغة والنوع واللون ؟!!
وهل سيكون الأمر قائماً علي أساس الحوار الحضاري القائم علي الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة والتسامح والمواطنة وإعادة الحقوق المغتصبة بجميع أنواعها حسب هذه المفاهيم أم سيكون قائماً علي أساس الصراع الحضاري المتخذ من المرجعيات الدينية ستاراً له ويتم التعامل بمفهوم التقية الحضارية من خلال الصراع بين المذاهب والفرق والجماعات والتنظيمات الدينية وبين الأديان وبعضها البعض ؟!!
ومن سيكون صاحب المكسب ومن ستلازمه الخسارة , الغرب أم العرب ؟!!
وهل سيعي الجميع أن العالم أصبح منقوص الأطراف حال كونه يمثل قرية إليكترونية صغيرة بكل ماتحمل هذه القرية الإليكترونية من معاني وقيم حضارية / علمية ؟!!
أعتقد أن الإجابة سيحملها التاريخ وحده وتنقلها كتبه بعد أن يدونها رواته !!
08-أيار-2021
في مجتمعات ثقافة الخصيان : المرأة بين أسرينالختان والنقاب 4/4 |
30-أيلول-2007 |
في مجتمعات ثقافة الخصيان : المرأة بين أسرين , الختان والنقاب 2/4 |
26-أيلول-2007 |
في مجتمعات ثقافة الخصيان، المرأة بين أسرين:الختان والنقاب 1/ 4 |
23-أيلول-2007 |
25-أيار-2007 | |
19-أيار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |