Alef Logo
دراسات
              

لغز معمودية يسوع (2/2)

فراس الســواح

2009-12-04


إذا نحّينا قصة الميلاد التي وردت في إنجيلي متّى ولوقا (ولم ترد في إنجيلي مرقس ويوحنّا)، باعتبارها مقدّمة مقحمة على سيرة يسوع اقتضتها طبيعة التغييرات اللاهوتية التي حصلت خلال فترة قرابة نصف قرن بين حادثة الصلب وظهور الأناجيل، فإنّ سيرة يسوع تبدأ من اعتماده في نهر الأردن على يد يوحنّا المعمدان، وهو العمل العلنيّ الأوّل ليسوع الذي يظهر فجأة وكأنّه آتٍ من لازمان ولامكان. فعندما رأى يسوع أنّ الكلّ يقصد يوحنّا جاء من الجليل هو أيضاً للاعتماد على يديه. وهنا يروي لنا الإنجيليون أربع قصص تختلف في التفاصيل أحياناً وتتعارض جذرياً أحياناً أخرى.
ونبدأ كالعادة بإنجيل مرقس، وهو الأقدم والأقرب إلى الواقعة التاريخية :
"وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن. وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه، وكان صوت من السماوات: أنت ابني الحبيب الذي به سررت. " (مرقس1: 9-10).
نلاحظ من هذا الخبر المقتضب الخالي من التفاصيل والخيال الأدبي، أن يسوع قصد يوحنّا كما يقصده بقية الناس، وربما مرّ بين المنتظرين دورهم للعماد دون أن يلحظه يوحنا، بدليل أن اللقاء بين الطرفين كان موضوعياً ولم يجر بينهما أيّ حديث متبادل .
ونقرأ في إنجيل متَّى:
"حينئذٍ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه، ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ؟ فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كلّ بِرّ. حينئذٍ سمح له. فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السماوات قائلاً : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. " (متى 3: 13-17) .
في قصة متَّى هذه يتحوّل اللقاء الموضوعي كما وصفه مرقس إلى لقاء درامي يتخلله حوار مفعم بالمعنى. فلقد أدرك متّى المأزق اللاهوتي لقصة اعتماد يسوع على يد يوحنا، وهو مأزق ذو شقّين؛ الشقّ الأوّل يتعلّق بمضمون طقس المعمودية كما مارسه يوحنّا وهو مغفرة الخطايا استعداداً لحلول ملكوت السماء، وهذا المضمون يعني أنّ يسوع كان كغيره من البشر خاطئاً في الجسد ويرنو إلى الغفران. أما الشقّ الثاني فيتعلق بالمرتبة النسبية لكل من المعمِّد ومتلقي العماد، حيث يتخذ المعمِّد المرتبة الأعلى من الناحية الروحية ومتلقي العماد المرتبة الدنيا، ويكون يوحنا معلماً ويسوع تلميذاً. ولكي يتلافى متّى هذا المأزق اللاهوتي المزدوج، فقد جعل المعمدان يدرك لفوره أنه أمام الشخص الذي كان يقول عنه "يأتي بعدي من هو أقوى منّي، الذي لست أهلاً لأن أنحني وأحل سيور حذائه." (مرقس 1: 7-8) . ولهذا فقد أحجم عن تعميده قائلاً: " أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ؟ " ثم نزل عند رغبته بعد أن أصرّ يسوع على إتمام المعمودية على يديه.
وفي الحقيقة فإنّ موقف يوحنا كما عرضه متّى غير مفهوم، لأنّ الروح القدس لم يكن بعد قد هبط على يسوع، ويسوع نفسه لم يكن يعرف بأنه المسيح المنتظر قبل سماعه للصوت السماويّ. فكيف تأتّت ليوحنّا هذه المعرفة المسبقة؟ يضاف إلى ذلك أنّ الجملة التي استخدمها كلّ من مرقس ومتّى: " وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه…" (مرقس 1: 10-11) تدل على أن يسوع وحده قد رأى ما رأى وسمع ما سمع، وذلك في حالة كشف باطني لم يستشعرها أحد غيره.
هذا الحوار بين يوحنا ويسوع لم يرد عند بقية الإنجيليين، فيسوع لم يلتق بيوحنا عند لوقا، لأنّه عمّد نفسه بنفسه عندما كان يوحنا في السجن، كما أن مؤلف إنجيل يوحنا يتجاهل تماماً قصة اعتماد يسوع على يد يوحنا .
نقرأ في إنجيل لوقا :
" وإذا كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح، أجاب يوحنا الجميع وقال: أنا أعمّدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً لأن أحلّ سيور حذائه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار… أما هيرودس رئيس الرُبع فإذا تَوَبَّخ منه لسبب هيروديا امرأة فيليبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها، زاد هذا أيضاً على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن. ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً. وإذا كان يصلّي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس … الخ. " (لوقا 3: 15-22 ) .
إن رواية لوقا هذه غامضة بعض الشيء، وربما تضمّنت صياغتها بعض التقديم والتأخير، الأمر الذي يترك الاحتمال قائماً في أنّ معمودية يسوع قد جرت قبل اعتقال يوحنا المعمدان. ولكنّ رواية إنجيل يوحنا تقول لنا بكل وضوح أن يسوع لم يعتمد على يد يوحنا المعمدان الذي اقتصر دوره على أن يكون شاهداً على هبوط الروح القدس على يسوع .
نقرأ في إنجيل يوحنا :
" وهذا هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر وأقرّ: إني لست المسيح. فسألوه: إذاً ماذا، إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبيّ أنت؟ فأجاب: لا. فقالوا: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية، قَوِّموا طريق الربّ كما قال النبيّ إشعيا. وكان المرسلون من الفريسيين، فسألوه وقالوا له: فما بالك تُعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبيّ؟ فأجابهم يوحنا قائلاً: أنا أعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أَحل سيور حذائه. هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمّد .
" وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه، فقال: هذا هو حَمَل الله الذي يرفع خطيَّة العالم، هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي الذي صار قدامي لأنه كان قبلي، وأنا لم أكن أعرفه، ولكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء. وشهد يوحنا قائلاً: إني رأيت الروح مثل حمامة نازلاً من السماء فاستقر عليه. وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمّد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت بأن هذا هو ابن الله. " (يوحنا1: 19-24).
من قراءة هذا النص نخرج بالملاحظات التالية :
1 – يسوع لم يعتمد على يد يوحنا. وهذا يأتي في انسجام مع لاهوت الإنجيل الرابع الذي رفع يسوع إلى مرتبة " كلمة الله " التي كانت عنده منذ البدء. وهذا هو مؤدّى قول المعمدان: " يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي. " فالقادم من السماء لا يعتمد على يد رجل أرضيّ، إنه يُعمّد ولا يتعمد لأنه بلا خطيئة .
2 – كما هو الحال في رواية مرقس، فإنّ يسوع والمعمدان لم يتبادلا كلمة واحدة، على الرغم من أن يسوع قد جاء إلى المكان الذي كان يوحنا يعمد فيه، ورآه يوحنا مقبلاً إليه. فلماذا أقبل يسوع إلى يوحنا إذا كان عازفاً عن الاعتماد؟ ولماذا بالدرجة الأولى ترك موطنه في الجليل وقصده ؟
3 – تغيب من رواية إنجيل يوحنا عبارة "وصوت من السماوات قائلاً هذا هو ابني الحبيب (أو أنت ابني الحبيب) الذي به سررت"، وتُستبدل بها شهادة المعمدان: "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الهر".
4 – من مجريات روايات مرقس ومتّى ولوقا، يتّضح لنا أنّ يسوع والمعمدان لم يكونا على معرفة سابقة. ثم تأتي رواية إنجيل يوحنّا لتؤكّد لنا هذه الواقعة بصريح العبارة، عندما يكرّر المعمدان مرّتين أنه لم يكن يعرف يسوع. وهذا يتناقض مع رواية الميلاد عند لوقا الذي جعل من أليصابات أمّ يوحنا قريبة لمريم أمّ يسوع (وفي التقاليد الكنسيّة ابنة خالتها)، وجعل مريم تترك موطنها في الجليل عقب البشارة بالحمل، تسافر إلى أورشليم حيث مكثت عند زكريا وأليصابات مدة ثلاثة أشهر. (لوقا 1: 39-56) .
5 – عندما رأى المعمدان يسوع مقبلاً عليه قال: " هذا هو حَمَل الله الذي يرفع خطيَّة العالم". ولقب "حمل الله" الذي ينفرد به مؤلف إنجيل يوحنا، يحمل في طيّاته نوعاً من المشابهة بين "حمل الفصح" الذي يريق اليهود دمه بعد ظهر اليوم السابق للفصح اليهودي وبين يسوع. فكما أن دم حمل الفصح يغسل خطايا اليهود في العيد، كذلك هو دم يسوع المسيح الذي قدم نفسه قرباً من أجل رفع خطيئة البشر أينما كانوا وتقديم الخلاص لهم. ولهذا فإن مؤلف إنجيل يوحنا يجعل حادثة صلب يسوع في اليوم السابق للفصح اليهودي لا في يوم الفصح نفسه كما فعل بقية الإنجيلين، ويجعل موته بعد ظهر هذا اليوم في توافق مع إراقة دم حمل الفصح في باحة هيكل أورشليم.
هذه الرمزية تترسخ بعد ذلك في فكر بولس الرسول المؤسس الحقيقي للاهوت المسيحي. فبولس يرى أن "عقاب الخطيئة هو الموت" (روما 6: 23)، وبما أن مآل البشر جميعاً إلى الموت، فإنّ ذلك يستتبع أنّ البشر كلّهم خطاة. ولكنّ موت المسيح على الصليب قد حرّر البشر من الخطيئة ومن الموت: " ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتّحد بالمسيح يسوع تعمّدنا لنموت معه، فدُفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته، حتى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضاً في حياة جديدة، فإذا كنا اتحدنا به في موت يشبه موته فكذلك نتحد به في قيامته. ونحن نعلم أن الإنسان القديم فينا (= جسد آدم) صُلب مع المسيح حتى يزول سلطان الخطيئة في جسدنا… فإذا كنا متنا مع المسيح فنحن نؤمن بأننا سنحيى معه. " (روما 6: 1-8) .
بعد هذا اللقاء الأوّل والأخير بين يسوع والمعمدان، تم إلقاء القبض على المعمدان وأُودع السجن، ولم يُقيّض للاثنين أن يلتقيا ثانية. وبعد أن سمع يسوع بالقبض على المعمدان باشر نشاطه التبشيريّ العلنيّ. وعلى حدّ قول مرقس: "وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل." (مرقس 1: 14). أي إن يسوع قد تبنّى رسالة يوحنا نفسه الذي كان يقول: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" مضيفاً إليها بشارته الخاصة. وعندما بدأ يسوع يُظهر المعجزات، جاء تلاميذ يوحنا وأخبروا معلّمهم بما رأوا وسمعوا. فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل إلى يسوع قائلاً: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ : " فأجاب يسوع وقال لهما: اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. إن العُمي يبصرون والعُرج يمشون والبُرص يطهرون والصمّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشَّرون، وطوبى لمن لا يشك فيَّ". (متى 11: 1-6). ويسوع هنا إنما يُلمح إلى ما ورد في النبوءات التوراتية بخصوص مجيء المسيح (راجع سفر إشعيا 26: 19 و29 : 18، و35: 5، و60: 1)، ويرد على سؤال يوحنا بطريقة غير مباشرة .
في هذا الخبر الذي يورده لنا متّى (قارن مع لوقا 7: 18-23)، لدينا نموذج عن تناقضات الإنجيل، لأن متّى الذي جعل يوحنا هنا يسأل يسوع عما إذا كان المسيح المنتظر، نسي أنه جعل يوحنا في مشهد التعميد يتعرّف على يسوع باعتباره المسيح المنتظر ويرفض تعميده قائلاً: "أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي؟ " (متى 3: 14).
بعد انصراف تلميذي يوحنا يتوجّه يسوع بخطاب لمن حوله من الناس ينطوي على مغزى يتعلق بطبيعة رسالته وتجاوزها لرسالة يوحنا: " ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها الريح؟ … بل ماذا خرجتم تنظروا؟ أنبيّاً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبيّ… لأنّي أقول لكم إنه بين المولودين من النساء ليس نبيّ أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه". (لوقا 7: 24-28). في هذا الخطاب يعترف يسوع بدور يوحنا المعمدان، ولكنه في الوقت نفسه يعلن أن رسالته قد تجاوزت يوحنا، لأن أصغر المؤمنين بالبشارة، المؤهلين لدخول الملكوت القادم، هو أعظم من يوحنا .
هذا التجاوز يعبر عنه مشهد التعميد نفسه، فيسوع قد غطس في الماء ثم خرج منه تاركاً يوحنا وراءه وراح يصلي في خلوة، وأثناء الصلاة انفتحت السماء ونزل عليه روح الله مثل حمامة واستقر عليه، وسمع صوتاً من السماء قائلاً: هذا هو النبيّ الحبيب الذي به سررت. وهنا يمثّل المعمدان الحكمة القديمة التي تجاوزها يسوع بعد أن خرج من الماء، أمّا الحمامة والصوت السماوي الذي سمعه يسوع بينما هو يصلي، فيعبران عن حالة الكشف الداخلي التي توصل إليها يسوع وهو في غمرة التأمل الباطني العميق. وهكذا عَبَر يسوع العتبة التي تؤدي إلى طريق لا عودة منها، طريق حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم ويقدم الخلاص لبني البشر .
مثل هذا الكشف قد حصل لبوذا وهو في حالة تأمل عميق تحت شجرة الاستنارة، على ما تخبرنا به قصة استنارة البوذا التي تشترك في عناصرها مع قصة استنارة يسوع، أو بالتعبير الظاهري هبوط الروح القدس عليه. فبعد أن ترك الأمير الشابّ سيدهارتا (البوذا المقبل) قصر أبيه الملوكي وزوجته الشابة، شرع في رحلة طويلة بحثاً عن أجوبة على الأسئلة الوجودية الكبرى التي كانت تؤرقه، نَشَدَ خلالها عدداً من المعلمين الهندوس واستمع إليهم محاولاً إتباع طرقهم الصوفية، ولكنه لم يصل إلى نتيجة ترضي فكرة الحائر، فقرّر السير وحيداً في طريق المعرفة. وصل سيدهارتا إلى غابة يجري عبرها نهر صاف، وهناك ألزم نفسه تدريبات نسكية قاسية مدة خمس سنوات، معتقداً أنّ الصوم وتعذيب الجسد سوف يجلب له صفاء الذهن الذي يقود إلى كشف البصيرة. وفي هذه الأثناء انضمّ إليه خمسة من النساك الذين ساروا على نهجه آملين منه أن يشاركهم معرفته. وأخيراً هزل جسده وتحول إلى عظم وجلد وبلغ حافة الموت دون أن يبلغ غايته، ثم سقط مغشياً عليه من شدة الضعف، وعندما أفاق عرف أن طريقة قهر الجسد قد أخفقت، فقبل قصعة من الأرز المسلوق بالحليب من يد فتاة تسكن قرية قريبة، وأكل منها فشعر بقوة في جسده. وهنا انفض عنه النساك الخمسة الذين اتهموه بالخور والضعف، أما هو فقد قام إلى النهر حيث غطس في الماء وانتعش، ثم تجاوزه إلى الضفة الأخرى وقصد شجرة تين هندي وارفة وجلس تحتها مستغرقاً في تأمل باطني عميق، عازماً ألا يبرح موضعه حتى يصل إلى المعرفة. وما أن حل المساء حتى بدأ قلبه يضيء بالاستنارة الكاملة، وتحول إلى بوذا، أي "المستيقظ " أو المستنير الذي أفاق من نوم الغفلة ورقدة الجهالة وعرف سر الحياة وغايتها ومآلها .
وهنالك تفسير كوكبي لقصة معمودية يسوع يقول به بعض المفسرين الذين يرون أن المستويات السرانية الباطنية في فهم سيرة يسوع قد ربطته منذ البداية بالشمس التي تولد في يوم 25 ديسمبر، عندما تدخل في برج الجدي ويأخذ النهار بالطول على حساب الليل. فقد كان برج الجدي (Capricon) هو الشارة السماوية لإله الماء إنكي في ثقافة الشرق القديم، الذي كان يدعى منذ الفترة الهيلينستية أوانِّس، المعادل لاسم يوحنا الذي يلفظ باللغة اليونانية يوانّس وباللاتينية جوهانّس وبالعبرية يوحنان. وبما أن معمودية يسوع تُعبر عن ولادته الثانية عقب لقائه بيوحنا المعمدان الذي يمثل هنا برج الجدي، فإن المشهد بكامله ليس إلا ترجمة ميثولوجية لدخول الشمس في برج الجدي وهو البرج العاشر في دائرة الأبراج السماوية، متوجهة نحو البرج الحادي عشر وهو برج الدلو. ثم يسير هؤلاء خطوة أبعد في هذا التفسير؛ فإذا كان يسوع وفق هذه الرمزية الكوكبية قد ولد في 25 ديسمبر، فإن مريم العذراء قد حبلت به قبل ذلك بتسعة أشهر أي في 25 مارس/آذار في يوم الانقلاب الربيعي عندما تدخل الشمس في برج العذراء(1). وهنالك جملة غامضة يضعها مؤلف إنجيل يوحنا على لسان المعمدان يمكن فهمها على ضوء هذا التفسير عندما يقول لتلامذته عن يسوع: " إذاً فرحي قد كمل. ينبغي أنَّ ذلك (= يسوع) يزيد وأنا أنقص." (يوحنا 3: 30)، وذلك في إشارة إلى طول النهار وقصر الليل عقب دخول الشمس (أو يسوع) في برج الجدي ( أي المعمدان ) .
الهوامش :
1 – Joseph Campbell , Oriental Mythology , Penguin , 1977 , p . 107 .
Joseph Campbell , Occidental Mythology , Penguin , 1977 , pp . 349 – 350 .


عن موقع الأوان



تعليق



Boutique Longchamp Lyon Part Dieu

2015-03-21

Oh my goodness! a wonderful post dude. Several thanks Even so I'm experiencing problem with ur rss . Do not know why Can not enroll in it. Will there be everybody getting identical rss difficulty? Anyone who knows kindly respond. ThnkxBoutique Longchamp Lyon Part Dieu http://isotta.in2p3.fr/info.php?pid=5753

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

دراسات في علم الأديان المقارن: تاريخ المصحف الشريف

22-أيار-2021

هل كان موسى مصرياً

08-أيار-2021

هل كان موسى مصرياً

01-أيار-2021

الديانة الزرادشتية وميلاد الشيطان

24-نيسان-2021

في رمزية حجر الكعبة الأسود

13-شباط-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow