مؤتمر أزمة القراءة، متعلمون لا مثقفون والقراءة ضحية الشفاهة والتنبلة
2009-12-12
صقر أبو فخر
وفر مؤتمر "الثقافة العربية وأزمة القراءة" الذي عقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق مؤخرا مسرحا طارئا لكثير من الآراء والأفكار والتعليقات التي تناولت المسألة بالنقد والتحليل المستفيضين، وكشفت المساجلات التي جرت في الندوات الأربع على مدى يومين عن عمق هذه "الأزمة" "المشكلة" "الكارثة" -بحسب التعابير المستخدمة- في واقعنا الثقافي اليوم.
ففي ورقته التي حملت عنوان "العرب والقراءة وأمية المتعلمين، قال سكرتير تحرير "مجلة الدراسات الفلسطينية" صقر أبو فخر إن مصر والشام والعراق والتي منحت حضاراتها القديمة للإنسانية في يوم من الأيام "الكتب الأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية" قد فشل عربها لاحقا خلال الأحد عشر قرنا الأخيرة في أن يقدموا في هذا المضمار إلا "ما مجموعه التراكمي نحو مئة ألف كتاب فقط"؛ وهو "ما تنشره أوروبا في أقل من سنة"، رغم "ثرواتهم الطائلة"، وسلطاتهم الحاكمة "طويلة العمر".
وأورد الباحث الفلسطيني مجموعة من الأرقام والإحصاءات التي تدلل على عمق الأزمة، وقال إن أيا من جامعات العالم العربي الـ"395" لم تتمكن من الدخول إلى قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، في حين "ترد فيها –القائمة- أسماء جامعات إسرائيلية".
وتابع أبو فخر سرد إحصاءاته فأشار إلى أن العرب ينفقون 300 مليار دولار سنوياً على السلاح، في حين أنهم لا يجودون بأكثر من "0.2% اثنين في الألف" من إجمالي دخلهم القومي على البحث العلمي، أي أقل 25 مرة مما تنفقه إسرائيل في هذا الميدان، وأقل 15 مرة من المتوسط العالمي.
ورد أبو فخر هذه المفارقات المؤسية إلى "غياب الحرية العلمية والفكرية"، و"سطوة الجماعات الدينية التكفيرية"، متسائلا "من يجرؤ اليوم على البحث في (الموجود) و (سر الوجود) و (علة الوجود) و (غاية الوجود)، وفي ما وراء هذا الوجود؟". ضاربا المثل بمقولة جاءت على لسان أحد أولئك المتطرفين - الشيخ عمر عبد الرحمن- الذي قال في سنة 1994 بالتحديد "لو قتلنا نجيب محفوظ ما تجرأ سلمان رشدي".
ويرفض أبو فخر في معرض حديثه عن معيقات القراءة التعريف القديم للأمي بأنه "من لا يقرأ ولا يكتب"، وعد من لا يستطيع "استخدام الكومبيوتر ووسائل المعرفة الحديثة" أميا كذلك . واستطرد بأن هذا التعريف لو صح فإن الأمية في العالم العربي "سترتفع إلى نحو 95%".
قبل أن يضيف أن "مشكلة القراءة، في أحد وجوهها، هي تغير اتجاه انتقال المعرفة وتدفقها. فالمعرفة البسيطة كانت تنتقل في الماضي من الكبار إلى الصغار. بينما اليوم ما عاد الأهل يعرفون أكثر من أبنائهم. فالأبناء باتوا يعلّمون آباءهم في كثير من حقول المعرفة،... وهكذا، وفي هذا الطور يكاد مفهوم (القراءة الشاملة) أن يندثر لمصلحة مفهوم (القراءة الجزئية). فقد كان الطالب، على سبيل المثال، مضطراً إلى قراءة عدة مراجع للاستفادة من المعلومات القليلة المطلوبة والواردة فيها. أما الآن، فإن هذا الطالب ومثله الصحافي أو حتى بعض الباحثين، يلجأ إلى (غوغل) للوصول إلى المعلومة المطلوبة بذاتها من دون بذل أي جهد في القراءات الموازية".
أما الباحث الفلسطيني القادم من الأردن الدكتور فيصل دراج ففضل في ورقته التي تلاها أمام المؤتمر أن يقدم "تصورا جديدا لمعنى المثقف اليوم". المثقف المتهم بتصدير الأزمة تارة، والقعود عن حل مشكلها تارة أخرى. فقد جرت العادة –والكلام لدراج- أن يضاف إلى هذا المثقف أو "المتعلم الذي يحسن الكلام والكتابة" صفات لا توجد فيه بالضرورة، قوامها "إرشاد الأمة وتقديم الإجابات الصحيحة", ومن هذه الإجابات ما يختص بأزمة القراءة أيضا.
وقال دراج إن المثقف ظاهرة حديثة، لم يعرفها التاريخ العربي، الذي عرف الكاتب التقني، الذي يحسن الكتابة التي تحتاجها السلطة، ولهذا فإن فعل "ثقف" في العربية يشير إلى صقل الرماح وغيرها، لا أكثر .
ويتابع دراج القول إن كلمة مثقف تستدعي جملة من المفاهيم المرتبطة بها، لا يتحقق واحد مننها من دون وجود الآخر، منها "الشعب، الوطن، الفرد، الديمقراطية، المساواة، حرية التعبير، .."، وأنه بسبب التداخل بين هذه المفاهيم، فإن "الحديث عما يسمى بالمثقف، لا يعني شيئاً كثيراً، فلا ثقافة إلا في مجتمع حر يؤمن بالمساواة.. ولهذا يبدو (المتعلم الوطني النقدي) أكثر ملاءمة للشرط العربي الراهن من كلمة السؤال المثقف ، أو يمكن الحديث عن (العاملين في الثقافة)، بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد".
على أن الكاتب السوري نجيب نصير كان أكثر مباشرة في تعرضه لمشكلة العزوف عن القراءة في مجتمعاتنا العربية، وإن فضل نصير نفسه أن يطلق على طرحه كمقدمة اسم "مزاعم".
وقال في ورقته التي حملت عنوان"مظاهر الثقافة الشفوية، القراءة مثالا" إن فعل القراءة "أرقى" من المشافهة نتيجة لمقدرة القراءة على تحقيق الغاية من نقل المعلومة بشكل أكثر فعالية، حيث القراءة "مجال للتفاعل أكثر منه مجال للتلقي فقط، على ما في الفعلين (أي التفاعل، والتلقي) من افتراق يعطي الكيفيتين صفاتهما المقارنة مع الحاجات".
وتابع السيناريست السوري "أزعم أيضا أن القراءة هي القراءة الفردية الاختيارية المتنوعة والمشوقة والمتكررة، والتي تفترق عن المشافهة بوصفها جمعا مجبرا يستمتع باستعادة ما يعلمه أو يتوقع مآله وغاياته، حيث يبدو الفارق جليا من ناحية إطلاق الخيال الفردي الحر المبادراتي، وبين إطلاق الخيال المحدد والمقونن بتجربة الملقي المرجعية. والملقي هنا إن كان كتابا أو منبرا يتوقع ويتمنى نوعا (وكمّاً أيضا) مختلفا من التلقي".
وقارن نصير بين "المشافهة" و"القراءة" بشكل أكثر تحديدا، وقال إن "المشافهة، أوامرية تعزيرية وخلاصية تحمل في طياتها السكون والتكرار والامتثال، يقابلها على الطرف الآخر القراءة ككيفية اقتراحية مورطة ومحفزة تحمل في طياتها الدعوة إلى التغير والإنتاج، ما يحمل الفرد عبء مغامرة تحتاج إلى نشاط وشجاعة، كانتا مرافقتين للإنجاز البشري".
ليصل للقول "لذلك تبدو نتائج المشافهة عنفية مباشرة وتبريرية تحتمي بالحشد، بالمقارنة مع نتائج القراءة الفردية التأملية التي تحاول الاحتماء بالعقل للحصول على خيارات جميلة".
وتساءل نصير "هل تجمع الشعوب التي تقرأ العربية صفة (التنبلة) والقعود عن نشاط أصبح أساسيا في طول العالم وعرضه, وهل أصبحت مكتفية بسماع نشرات الأخبار وعروض الدراما التلفزيونية البسيطة والتبسيطية، ومحاضرات أصحاب المناصب الثقافية المأمونة ومواقع الانترنت الموازية لما سبق؟ وهل أصبحت هذه الشعوب آلية رقابية متقدمة عن أجهزة الرقابة الرسمية والدينية؟ هل أصبحت هذه الشعوب خائفة على راحتها واستقرارها، من المعلومة التي قد تخلخل أداؤها الثقافي العام وتدعوها للحركة والنشاط؟ ربما علينا أن (نستمع) جميعا إلى قولٍ جامعٍ مانعٍ في هذا الشأن ينهي قلقنا أو لزوم ما لا يلزم، ويطمئننا إلى أننا ما زلنا على قيد الحياة رغم أنف الكتبة والقراء.؟؟!!".
ورأى نصير أن مظاهر "عطب ممارسة القراءة" لا تتوقف عند الإحصائيات المتناقضة، بل تتجاوزها إلى "الأفعال والممارسات البشرية كسياق اجتماعي عام، كالأمية، وهدر الوقت، والخوف على المقدس، والخوف من التجريب والتغيير، وممارسة تصور أن للثقافة سلطة ما ورائية أو سحرية، والعلاقة الازدواجية بالتكنولوجيا، الاستئثار بالمعلومات، الخوف من استخدام اللغة الفصحى، الغزو الثقافي وأساطيره المتداولة، الرقابة وأثرها الإستراتيجي على الثقافة، الحياء العام وتضخمه النظري".
وختم نصير بربط القراءة بمفهوم التنمية، وقال إن "القراءة والتنمية مسألتان متداخلتان عضويا، فالتنمية مسألة معرفية لا تتبين لها طريقا إلى مجتمع لا يعتمد المعلومات المتجددة والمتفاعلة والمتناسبة مع الواقع التكنولوجي المحدث، فإذا كانت حاجتنا ضرورية للتنمية فإن من أُولى أدواتها ووسائلها هي القراءة بمعناها الاجتماعي العمومي، التي تعني فيما تعني، المقدرة والأهلية على استهلاك منتجات العصر المتجددة، وتركها يعني إحداث فراغ يتوجب ملأه بما يتوفر من معلومات لا تفيد، ولا تشبه الجهالة التي لا تضر!!".
(كلنا شركاء) - خاص
08-أيار-2021
16-كانون الأول-2009 | |
مؤتمر أزمة القراءة، متعلمون لا مثقفون والقراءة ضحية الشفاهة والتنبلة |
12-كانون الأول-2009 |
30-كانون الأول-2008 | |
بمناسبة (قـَسـَمْ) وزارة الكهرباء, مكافحة الفساد بـ(اليمين) لا ... بـ(اليمين)! |
31-تشرين الأول-2008 |
12-كانون الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |