( اللطف العجيب ) ترنيمة جون نيوتن الخالدة
2010-01-02
القيثارة المقدسة :
يا له من لطف ٍ عجيب ! يا له من صوت ٍ عذب !
أنقذ عبدا ً تعيسا ً من هلاك .
هذه الترنيمة الغنائية العذبة ، التي توارثتها حناجر المنشدين ، هي لراعي الكنيسة الانجليزية وشاعر الترانيم الجميلة الخالدة ، جون نيوتن .
كاتب ( اللطف العجيب ) ، التي تعرف بأسماء أخرى أيضا ً ، لم يكن سوى تاجر من تجار العبيد، حمل على متن سفينته الكثير من النساء والأطفال والرجال الزنوج ، لبيعهم في مزادات النخاسة في بريطانيا وأمريكا وغيرهما من البلاد .
في يوم 10 / آيار / 1748 كانت سفينته تترنح في وسط الأمواج المتلاطمة وأتون عاصفة هوجاء أرعدت المحيط الأطلسي لأحد عشر يوما ً متتاليا ً ، زلزلت أرواح بحـّارة السفينة ، وأفقدتهم الأمل بالنجاة ٍ .. في هذا اليوم بدت السفينة مثل حطام ٍ تائه في الجحيم .. ممزقة الأشرعة .. تطاير الخشب من بعض أركانها وتوقفت آلاتها عن العمل ، ادلهمت الآفاق من حولها ، واستسلمت للغرق . عندما امتلأت السفينة بالمياه و استشعر ( جون نيوتن ) اقتراب أوان الموت ، جثا عند منتصف الليل على ركبتيه ، قرب دفة السفينة ، وبكى إلى الله متوسلا ً رحمته . وشاء القدر أن تدور آلات السفينة بعد توقفها ، وأن تنجلي العاصفة رويدا ، وأن تخرج السفينة منها إلى بر الأمان في النهاية .. في تلك الليلة أدرك ( نيوتن ) أن هناك إله يسمع الدعوات و يستجيب لها حتى لأسوء البشر من أمثاله .
ظل هذا اليوم ، العاشر من آيار ، ذكرى لا تنمحي يحتفل فيها نيوتن كل سنة ٍ .
حفرت تلك الحادثة ندوبها عميقا ً في روح ( نيوتن ) وضميره وقلبه ، لم تلبث أن قلبت حياته رأسا ً على عقب ، فكانت صحوة روحية ساطعة ، تألقت بعد أن انقدحت الشرارة الأولى في صدره ، حوّلته في نهاية المطاف إلى داعية وواعظ ومبشر إنجيلي ، يبشر بالمحبة ، والأخوة ، وصداقة الله .. فيما أصبحت مناهضة العبودية تحتل جزءا ً حيويا ً من حياته في وقت لاحق . عندما أدرك بأن العصافير لا تكتفي بالترنم والغناء فقط .
( اللطف العجيب ) واحدة من القصائد العابرة للقارات ، استطاعت بمسحتها الإنسانية الكونية أن تتخطى كل الحدود الطبيعية والبشرية ، بما شـُحِنت به من مضامين روحية ووجدانية مباركة تلامس وتدغدغ المشاعر بنعومتها وسلاستها ..
تميزت بانتشارها الكاسح غير الاعتيادي ، منذ ظهورها قبل أكثر من قرنين من الزمن ، وأصبحت خلال هذا التاريخ من أكثر الترنيمات الدينية انتشارا ً في العالم , وقد اعتبرت أساسا ً للترانيم الإنجيلية فيما بعد . وهنالك الكثير ممن يقولون بأنها من أشهر القصائد في التاريخ ..
إنها رسالة الأمل والشكر والإشراق ، والأغنية التي أنشدها الطرفان المتحاربان في الحرب الأهلية الأمريكية ، وهي الأغنية التي هزجها الزنوج فور إطلاق سراح المناضل ( مانديلا ) من حبسه . وحتى وقت قريب ضجت الحناجر تهتف بها عقب أحداث ( سبتمبر ) الرهيبة ..
غنــّى هذه القصيدة الكثير من المطربين والمنشدين وفرق الإنشاد الديني في العالم ، وربما يكون ( الفيس بريسلي ) ، مغني الروك إن رول ، من أشهرهم ..
تـُرجمت القصيدة إلى أغلب لغات العالم . بحثت عنها في الأدب العربي مرارا ً ، ولم أفلح في العثور عليها ، وربما كانت قد تـُرجمت بعنوان آخر في مكان ٍ ما . وعلى أي حال فقد تطوع زميلي الأستاذ محمد فتاح التميمي لترجمتها مشكورا ً .
كان نيوتن وخلال أسفاره البحرية ، ينصت إلى العبيد شبه العراة ، المقيدين بالسلاسل ، على سطح السفينة ، وهم ينشدون أغانيهم . لم يكن نيوتن يفهمها ، إنما كان من المؤكد أنها أغاني الحنين والأشواق الحزينة إلى الأهل .. أغاني اللوعة والعذاب في رحلة الانفصام المجهول عن الوطن ، فكان تأثيرها يترسب في وجدانه يوما ً بعد آخر . وحينما كتب ( اللطف العجيب ) ألبسها اللحن الذي طالما سمع العبيد يرددونه على ظهر تلك السفن ، فجاءت ترنيمته هذه منسجمة انسجاما ً خالصا ً مع ترانيم العبيد !..
تحدثت هذه القصيدة عن شخص غمرت فيوض أنوار الله قلبه وانهمرت فيه رحمته ، فاستنار متوهجا ً بحب الإخاء والإنسانية وحب الحياة والانطلاق إلى المساعدة ومعونة المعوزين .
تميز شعره بالوضوح والسحر والجاذبية .
وقصيدة ( اللطف العجيب ) : بسيطة ، سلسة ، غزيرة المعاني ، عميقة المرامي ، فائقة التأثير والتمكن من الشعور والإحساس .. إنها قصيدة ٌ خالدة .. ترنيمة ٌ لكل العصور .
وُلِدْتُ في العويل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة ( جون نيوتن )
في الظلال الرمادية للقرن الثامن عشر.. القرن الذي لم يسفر عن صبح ٍ أبلج بعد ، يوم كانت بريطانيا ( الإمبراطورية العظمى ) تتحكم في عالم النقل التجاري البحري ، وتخلق الأرباح الطائلة من تجارة الرقيق ، وُلد ( جون نيوتن ) في 24 / 7 /1725 .. ووُلـِدت قيثارة التراتيل السمحاء ..
في وقت مبكر من حياته توفيت أمه ، وعمره سبع سنوات . وفي تلك السنوات السبع لم تبخل عليه أمه ببعض التعليمات الدينية .. التعليمات التي سرعان ما تخلى عنها .
كان نجل قائد سفينة تجارية تبحر عبر البحر المتوسط .
في الحادية عشرة من عمره ، ذهب ( جون نيوتن ) إلى البحر برفقة والده ، وسافر معه في ست رحلات بحرية . وبعد تقدم والده في السن ، تقاعد عن الخدمة البحرية عام 1744 .
سيق ( جون نيوتن )إلى الخدمة العسكرية الإجبارية كرجل حرب ، يعمل على متن السفينة ( هارويك ) ، وتقلد رتبة ضابط بحري . لكنه ، وبعد فترة قصيرة ، يهرب من السفينة ، حيث يـُلقى القبض عليه ويجرد من رتبة الضابط ، ويـُجلد أمام الجنود ( 96 ) سوطا ً ، ويـُعاد إلى الخدمة كبحار اعتيادي !.
بعد هذه العقوبة المشينة ، حاول نيوتن الانتحار ، لكنه أنقِذ َ ، وتـُرِك حتى تعافى جسديا ً ونفسيا ً .
بناءً على طلبه ، تم نقله للعمل على متن سفينة تتاجر بالعبيد .. تلك السفينة التي قادته إلى سواحل ( سيراليون ) في غرب أفريقيا ، وهناك شاء سوء الطالع أن يصبح خادما ً لتاجر رقيق ، اتخذ من نيوتن خادما ً لزوجته . وذاق الأمرين من الاضطهاد الوحشي في خدمتها ، لمدة عام تقريبا ً ، من نقص في التغذية أسبغ عليه الضعف والهزال ، ومن حرمان من الراحة و الملابس والمال ..
تمكن أحد أصدقاء والده القدامى ، وقبطان سفينة ( السلوقي ) من إنقاذه والعودة به إلى أرض الوطن .
كانت ظروفه البائسة في ( سيراليون ) قد حفزته ليتذكر أنه ملحد وغير ملتزم ٍ بالتكاليف الشرعية . إن سيراليون اليوم تسمى مدينة نيوتن .
وعبر وقت قصير أصبح ( نيوتن ) قبطانا ً لسفينة تتاجر بالعبيد .
في عام 1750 تزوج من الآنسة ( ماري كاتلت ) ابنة أحد أقارب العائلة . ولم ينجبا الأطفال .
في عام 1754 تخلـّى عن رحلاته البحرية ، بسبب اعتلال صحته ، مطفئا ً بذلك لهيب حماسته في المغامرات البحرية ، كبحار ساق الآلاف من العبيد إلى مصائرهم المجهولة !..
( نيوتن ) نجح في تثقيف نفسه ، حتى وهو في أفريقيا . حيث سيطر على الكتب الستة الأولى من أقليدس وقردرس ، وتمكن من قراءة فرجيل وتيرتس ،livy ، وإراسموس ، كما حفظ هوراس عن ظهر قلب ، وفي الوقت نفسه درس الكتاب المقدس باستفاضة ، وعلم نفسه اللاتينية ..
بين عامي 1755 ـ 1760 تقلد ( نيوتن ) وظيفة مسّاح لحركة المد والجزر في مدينة ليفربول .
وهناك سنحت له الفرص لالتقاء العديد من الشخصيات الدينية المهمة ، التي عمـّقت المشاعر الدينية في نفسه ، وعملت على بلورة الوجهة الجديدة في حياته .
تابع نيوتن دروسه بشغف ، وقال أنه علـّم نفسه اليونانية واكتسب بعض المعرفة باللغة العبرية والسريانية ..
قرّر ( نيوتن ) أن يصبح خادما ً متفرغا ً للكنيسة الانجليكانية . تقدم بطلب إلى أسقف ( يورك ) لرسامته ، رفض الأسقف طلبه ، فأصر ّ ( نيوتن ) على المضي في تحقيق أمله هذا ، حتى تمت رسامته خوريا ً على يد أسقف لينكولن . وقبل برعاية كنيسة ( أولني ) الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة لندن . وفي ( أولني ) بدأت رحلته الدينية ، ومنها كان ينطلق للوعظ في عموم بريطانيا . وسرعان ما اكتسب سمعة طيبة باعتباره واعظا ً متحمسا ً ..
في عام 1767 استقر الشاعر الانكليزي وليم كوبر في ( أولني ) ، وسرعان ما توثقت عرى الصداقة بينه وبين ( جون نيوتن ) . وقد اشتركا معا ً في تأليف مجموعة من الترانيم التي طـُبـِعت باسم ( ترانيم أولني ) ، حيث صدرت في كتاب يضم 68 ترنيمة للشاعر كوبر و 280 ترنيمة لنيوتن . وكانت ( اللطف العجيب ) واحدة من هذه المجموعة .
في عام 1788 أصدر نيوتن كتيبا ً قويا ً ضد تجارة العبيد بعنوان ( أفكار حول تجارة العبيد ) ، الذي وصف فيه الظروف المرعبة للعبيد خلال نقلهم بالسفن إلى أسواق بيعهم .. وصف تلك المعاناة المريرة لأولئك المساكين المظلومين . كان الإقبال على شراء الكتيب مدعاة لتكرار طبعه لاحقا ً . إن نيوتن في عمله النبيل هذا كسر الصمت المطبق حول استمرار تجارة العبيد غير الإنسانية في بريطانيا ..
في عام 1780 غادر نيوتن ( أولني ) ، ليصبح عميد كنيسة سانت ماري في لندن ، وهناك أمضى حوالي ست عشرة سنة في العمل الديني والإنساني النبيل ، الذي كانت واحدة من أنصع صفحات نضاله الدؤوب لإلغاء تجارة العبيد ، ذلك النضال الذي تــُوج بتصويت البرلمان الانكليزي أخيرا ً على إلغاء هذه التجارة في الإمبراطورية الانكليزية . وفي لندن كذلك واصل نيوتن التأليف ..
سنة 1807 مات نيوتن عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما ً، ودفن في لندن . وكان يقول لأصدقائه فبيل وفاته :
ـ إن ذاكرتي ستذهب ، ولكنني سوف أبقى أتذكر أمرين ( أنني آثم ٌ عظيم ، وأنه هو المسيح المخلص العظيم ) ..
( اللطف العجيب )
ترجمة الأستاذ : محمد فتاح التميمي .
ياله من لطف ٍ عجيب !( ياله من صوت ٍ عذب ) !
أنقذ عبدا ً تعيسا ً من هلاك .
كنت ضالا ً فأهتديت ،
كنت أعمى فرأيت .
لطفه علـّم قلبــــــــــــــــــــــــــــي أن يخاف ،
للمخاوف لطفه خير شاف ،
كم ْ ثمينا ً ذلك اللطف بدا ،
ساعة ً فيها قلبــي اهتدى .
في المخاطر والمصـــــــــــــــــائب والمحن ،
التي زارت حياتي كسنن ،
ليس إلا ّ لطفه فرّجهــــا ،
لطفه أوصلني بَر الأمان ،
لطفه أرشدني صوب الوطن .
لم يعدني ربي إلا ّ كل خير ٍ وجميــــــــــــــل،
أودع آمالي في حصن ٍ حصين ،
هو درعي هو زادي ،
طالما في الكون حياة .
عندما يذوي قلبـــــــــــــــــــــــــي والجسد ،
وتنطوي كل حياة للأبد ،
في ردائي سأظل حاملا ً
بهجة الدنيا وأسباب ألهنا .
هذه الأرض كثلج ســــــــــــــــتذوب ،
وخيوط الشمس تخفت وتزول ،
ما خلا الله الذي خاطبني في هذا المكان ،
في حياتي سيظل ما دام الزمان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : هذه الترنيمة من المجلد الأول ( ترنيمات أونلي ) ، وهي تتألف من ستة مقاطع شعرية . وفي مواضع أخرى أضيف إليها مقاطع شعرية عدة ، من غير المؤكد أن يكون نيوتن قد كتبها فعلا ً .
المصادر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- john Newton English hymn writer . Christian biography resources, www.wholesomewords.org
2-monergism,directory of theology , john Newton(1725-1807)
3-amazing grace the story of john Newton , by al rogers.
4- NNDB , tracking the entire world , john Newton
5- wikipedia , the free incyclopedia , john henry Newton .
6- Christian history.net , john Newton
7- BBC , british history in – depth , john Newton
8- the reformed reader , john Newton (1725 – 1807)
____________________________________________________________
محمود يعقوب [email protected]
الشطرة / 2009
08-أيار-2021
15-آذار-2011 | |
08-تشرين الثاني-2010 | |
02-تشرين الثاني-2010 | |
18-حزيران-2010 | |
17-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |