تبرالشعر في تراب الغيا ب قراءة في مجموعة تتناوبين على بريق المعدن لحازم عبيدو
2010-01-01
خاص ألف
متأملا يبدو حازم عبيدو من خلال إصداره الشخصي الأول " تتناوبين على بريق المعدن" ويظهر ذلك من اختياره لهذا العنوان شديد الإيحاء ، والذي يعطي للخيال مجالا واسا ، وقراءات مختلفة لعناصره التي لها علاقة بالحب وتجلياته ومباهجه التي لا تنتهي.
وحازم هو شاعر آخر ينضم لقافلة شعراء " سلمية" هذه المدينة التي قدمت للحركة الشعرية العربية والسورية أجمل الشعراء كمحمد الماغوط وعلي الجندي وفايز خضور وسليمان عواد واسماعيل عامود وحسين هاشم وسواهم.
إن القارئ للمجموعة سيلحظ أول مايلحظ ، هذا التدفق العميق للجملة الشعرية المغلفة بالغموض الذي ربما يتقصده الشاعر ، أو هو نتيجة لركيزة ثقافية تمثل هويته الخاصة، لكن ومضات الشعر وجذواته ، تطلق العنان كلما تسنى لها ذلك:
" تعلو الخطيئة بنا
هواؤها بجع أزرق، والجناح
غمام دائم التشكل والتحول
تنغلق دائرة الليل على الليل
فيضيئ عدمين من أقاصيهما يتحدان" / (أول العنب) ص5
المرأة لاتغيب ، تكاد تجدها في كل صفحة وسطر، بين الفواصل وحتى في الهوامش البيضاء ، إنها تتحول بين يديه ، إلى كائن خرافي يصعب تخيله :
" وكيف دار بإصبعك القمر"/ ( كل رحيل هو اثنان) ص7
" من أين لاسمك هذي البراري
التي لا تنتهي"/ (أنثى تكنس غبار الطريق) ص30
أن الشاعر لا يمل من رسم تلك الصورة للحب / للمرأة منوعا في تناوله بكل ماتوحي به هواجسه وتأملاته ذات الخصوصية ، حتى ليمكن أن نتخيل أن هذه المرأة ليست من لحم ودم ، إنها المعرفة / الفكرة / المطلق ، وهذا بالضرورة لون من التأمل الذي يليق بعاشق يعلم أين يأخذه الحب:
"والخضوع أبدا للتي تربي
مدنا بالورد"/ ( عطر الوردة الأولى) ص14
" والطيرحين طار اشتهى
أن يشبهك"/ (عطر الوردة الأولى) ص14
وحازم لا يستسلم لدفق المشاعر، وقوة العاطفة التي تحركه في سياق تمثيله لحالة الوجد التي نعتقد أنها سمة كل نصوص المجموعة أو معظمها ، لكنه يلتفت إلى صراع الذات الأزلي ّمع مايخرب عليها، وما يجرح فتنة خطواتها في تحقيقها لإنسانيتها وجوهرها ، وفي هذه المنازلة الافتراضية يكون وجهه البحر:
" وجهه البحر وعلى رماح
القبيلة إدماء ظهره"/ ( أول العنب) ص3
" هل هزلية الورد
أن يستر الكفن"/ ( مت وكن لي) ص16
الملفت في في تجليات الحب الذي يعرض تفاصيله عبر أكثر النصوص أنه ليس حبا سهلا، بل هو حب محفوف بالوجع ، بالقلق ، بالارتباك ، وبالفجيعة أيضا ، وكيف لا ، أليس هو نتاج مجتمع مسيج بالأشواك والدفلى، حيث كل شيء في هذا السياق
يكون بلا طعم ، ومسكونا بمناخات موحشة:
"الأسماءتبحث عن مسمياتها
والنار من جديد تدرب ألسنتها
على الرقص
لم نترك الحبر يتعانق بدلا منا
كنا ارتباكا فاجعا للحياة"/ (ذات أغنية بللتك) ص42
يرسم " عبيدو" بفنية عالية صورا مدهشة تنم عن شاعرية خصبة ، وتجربة وجدانية وحياتية ، حيث تستحيل اللغة بين يديه عجينة يشكل منها مايريد من معالم روحه التواقة المتدفقة بالماء ، حيث يحضر النهر في أكثر من موضع لدى الحديث عن المرأة / امرأته:
"بيدها العالية
تأخذني إلى النهر
الذي يؤسس ملكوتها"/ ( بيت سيدة العثرات المضيئات) ص31
"ومامن إعجاز لدى النهر
سوى أنه يمضي إليك ولا يعرفك"/ ( كالضوء تتناوبين على بريق المعدن) ص21
وليس غريبا عنا مايحمل النهر من معاني الخصب والانبعاث، والربط بينه وبين المرأة بكل ماتحمل من تلك المعاني المتقابلة المتواشجة بما يذكر بأساطيريوحي بها حازم ولا يقولها ، وهذا ملمح فني آخر يمكن الإشارة إليه في تجربة الشاعر
ينم عن عن عمق وتمثل معرف لا يخفى.
لغة الشاعر مشحونة بالحب إذن ، ومعتنى بها فنيا، مكثفة ، ورغم مايشوبها من استرسال أحيانا ، إلا أنه يشدها بمرساة روحه، ومهاراتها القصوى ليقدم لنا فلاشات شديدة الاقتصاد ، ومكتنزة بالشعر:
"غيابك لا يغلق الباب خلفه
فأمضي
ولا يفتحه فأعود"/ (أسأل قلبي أين أولها) ص10
*
"انتظرتك لأخدع الوحش
بالحكاية
وأنادي كل النساء باسم واحد" / ( كل رحيل هو اثنان) ص7
في تراب الغياب يكمن تبرالشعر لدى حازم ، إنه يحفر بإزميل الحكمة ، ومعاول الوقت ، ويحرث الأبجدية دون كلل ، حتى يرى الشمس فوق وجهه كخيمة الذهب:
" ثلا ث أصابع زرقاء على كتفي
الشمس انحنت قليلا لتسند أرضها
وترفع فوق وجهه خيمة الذهب" / ( ثلاث أصابع زرقاء )ص12
ويبلغ أقصى حدود التوحد في حبه ، وغاية الاندماج بما يذكر بالرؤى والثقافة الصوفية عند تناولها عناصر الوجود والذات الإلهية ، ولكن عنده بزوايا نظر أخرى، وتوجهات يرسم هو ملامحها ، ويتحكم بأشرعتها عند هبوب رياح وجده:
"أجرح زندي لأتأكد
أنك لست دما آخر
في عروقي" / ( تكاد أن تلمس القمر) ص39
"وردة في طريق عودتها
تلم أوراقها تحتضن عطرها
تنغلق على العالم لأن
المقام طويل"/ ( أسأل قلبي أين أولها) ص9
أخيرا نقول ، إن حازما في عمله الأول هذا يظهر لنا شاعرا متمكنا من أدواته الفنية ، وليس هذا فحسب ، بل هو قادر على اجتراح الشعرالذي يمتلك قدرة على الحياة والاستمرار، وربما مايعد به شاعرنا في القادم من الأيام هو الأجمل.
* * *
*تتناوبين على بريق المعدن – شعر / حازم عبيدو
دار كنعان للنشر والدراسات 2009
(91) صفحة قطع صغير
الكويت 1-1-2010
08-أيار-2021
03-أيلول-2016 | |
06-أيار-2015 | |
23-شباط-2015 | |
09-حزيران-2013 | |
10-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |