خِفّة النقد التي لا تحتمل
خاص ألف
2010-01-09
تعليقاً على مقالة تهامة الجندي: نصوص سجينة
من المثير للغرابة حقا أن تصدر مقالة نقدية من الكاتبة والباحثة تهامة الجندي على هذا الشكل الذي صدمني قبل أيام عندما وصلتني المقالة. المقالة بعنوان: نصوص سجينة, وتقدم من خلالها رأيا حول سلسلة المجموعات الشعرية الإثنتي عشرة الفائزة بمسابقة إحتفالية دمشق عاصمة ثقافية للشباب, وقد نشرت في مجلة الكفاح العربي. حاولت ألا أرد عليها كون المقالة مكتوبة منذ شهرين أو أكثر تقريبا, وهذا ما استطعت عمله سابقا بالنسبة لإحدى المقالات المنشورة في جريدة الحياة حول المجموعات, لكن المسألة تختلف هنا, فكاتب مقالة الحياة الذي نقدره ونحترمه كثيرا كمترجم وإعلامي, نعلم تماما سقفه النقدي ورؤاه الشعرية التي تنطلق من بواعث وخلفيات معينة, ولذا فقد استنكفنا عن الرد, ولا غرابة فيما كتب. أما بالنسبة لتهامة فقد استغربت حقا وقوعها في نفس المطب الذي وقع فيه صديقنا في الحياة, وهو قراءة المجموعات الإثنتي عشرة بشكل شمولي كمن يعطي رأيا في "شوال" من البطاطس أو "سحّارة" من البندورة, متغافلين أو غافلين عن أن هذه هي مجموعات شعرية مختلفة لاثني عشر شاعرا وشاعرة مختلفين أشد الإختلاف في طرائق كتابتهم, وأن لكل مجموعه عالمها المستقل وصياغتها الفنية الخاصة بها, ولكل شاعر من هؤلاء عالمه وقلمه وأحزانه وانفعالاته وأسلوبه وكيانه الفني والأدبي وتجاربه الثقافية والحياتية التي لا تتطابق بحال من الأحوال مع الآخر. هل أصبح الفن يقرأ بهذه الطريقة من الخفة؟ هذا السؤال أطرحه بجدية على العزيزة تهامة الجندي التي تعاملت باستخفاف واستعلاء واضحين مع اثني عشر شاعرا بمجموعاتهم التي أنفقوا عليها سنوات من الجهد الفني والوجداني.
تستهل تهامة الجندي مقالتها بالقول: " وتبدأ مفارقة المسابقة منذ عنوانها المنحاز والمتعالي بلا أرضية موجبة لإعطائه امتيازا خاصا بفئة عمرية دون سواها: الشعر للشباب، في حين يشير واقع الحال إلى أن الشعر هو آخر اهتمامات شباب اليوم، إن كان على مستوى القراءة، أم على مستوى التأليف، وربما لهذا السبب لم تحظَ المجموعات الشعرية الفائزة بأي قراءة نقدية جادة من قبل الإعلاميين الجدد". انتهى الاقتباس, ولا أدري في الواقع على أي احصائية اعتمدت تهامة لتقرر أن الشباب لا يقرؤون ولا يكتبون, ولو أنها دخلت إلى أي نشاط أو تجمع ثقافي لكفتها نظرة واحدة على الحاضرين لترى أن أغلبهم هم من الشباب, وبغض النظر عن هذا فإن العديد من الإعلاميين "الجدد" أيتها الإعلامية القديرة كتبوا عن المجموعات, ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمد ديبو وابراهيم حسو وعلي جازو وإيلي عبده وغيرهم, ولست أدري ماذا تعني بكلمة "جدد" هل تقصد أنهم يصغرونها سنا أم أنها طريقة استعلائية أخرى لخطابها الذي لم يبق ولم يذر أحدا إلا ونال منه. وعلى كل حال فقد قرأ هؤلاء الإعلاميون المجموعات بشكل أكثر احتراما للشعر وأكثر تقديرا للشعراء, حيث كتبوا مقالات مستقله مخصصة لكل مجموعة على حدة, محترمين تجربة كل شاعر ككينونة قائمة بذاتها لها ما لها وعليها ما عليها. ولا ننسى أيضا ما كتبه راسم المدهون عن المجموعات في جريدة النهار, وإن لم يكن بالطبع إعلاميا جديدا, ولكنني أذكره هنا لعل تهامة ترى كيف يتعامل الإعلاميون المخضرمون مع التجارب الإبداعية. ثم ما المشكلة في أن تخصص الأمانة مسابقة للشباب؟, أم أن تهامة تحب أن تبقى التجارب الشابة في الظل لتبقى واقفة على أعتاب تمجيد التجارب الكبيرة.
المثير للغرابة أكثر هو قولها التالي: "المفارقة الأخرى سوف يكتشفها القارئ المطلع على التجارب الشعرية السابقة للمسابقة، حين لن يعثر على أي مقترح جديد في كل ما قرأ من صفحات هذه السلسلة التي يربو عددها على الألف". انتهى الاقتباس. نعم لم تستطع تهامة "المطلعة" أن تعثر على أي مقترح شعري جديد, على مدى ألف صفحة, وكأن هؤلاء الشعراء الذين لبعضهم تجارب أثبتت حضورها منذ البواكير, ومنهم من له مجموعات سابقة فازت بأكثر من جائزة وخضعت لمختلف أذواق لجان التحكيم على مرموقية أسمائهم وتعدد أمزجتهم الشعرية والنقدية, لم يكونوا يكتبون سوى خواطر في صفحة بريد القراء, ولم تحظ تجاربهم بأي تقدير "لمقترحهم الشعري الجديد" الذي تفتقده تهامة بأسى طوال ألف صفحة من عناء القراءة. لكن غرابتنا ستزول إذا ما ارتأينا أن تهامة ولا بد قد قامت بقراءة المجموعات على ما يبدو بنفس الطريقة التي كتبت عنهم, أي بطريقة سطحية وسريعة, وإلا لما قالت ما قالته بتلك الشمولية والتعسف.
ثم تتسائل تهامة بحسرة: " فما هي قصة المقترح المغاير المزعوم؟" وأجيبها هنا: إن كان لديك يا تهامة موقف شخصي أو ثقافي من اللجنة المنظمة أو أحد عناصرها فلا يجوز لك أن تنالي منهم عن طريق هذا الاستخفاف بالمشروع وبالتجارب الشابة, بل لتقفي أمامهم وتنتقديهم بشكل واضح وموجّه وجريء دون هذا الالتفاف.
تأتي بعد ذلك للتحدث عن الخواص الفنية واللغوية لاثنتي عشرة مجموعة دفعة واحدة وبثلاثة أسطر فقط, حيث تعلق: "في الغالب يقوم البناء الشعري في مجموعات السلسلة على مبدأ التداعي والتناسل اللغوي والتجريب، بحيث تحتشد الموضوعات بلا مبرر، وتفقد القصيدة وحدتها العضوية، ويصعب الربط ما بين دلالات الاستهلال والخاتمة. وكثيرا ما يعتري القارئ المطّلع شعور بأن الفضاء الشعري العام لم يتولد من حالة الشاعر الذاتية، بل من خلال التماس والتناص مع نصوص موازية". انتهى الاقتباس. ويا إلهي حقا.. ويا للجرأة.. كيف لها أن تتحدث بكل هذا الاستعلاء وكل هذا التعميم والشمولية على اثنتي عشر عالَما يختلفون تمام الاختلاف, في الشكل والموضوعات والأسلوبية والمؤثرات الفنية والشعرية. كيف استطاعت أن تكيل الخصائص الفنية للمجموعات كمن يغرف ملعقة من الرز في منسف تتماثل فيه حبات الرز واحدة مع الأخرى؟. هل هكذا يا تهامة أصبحنا نتعامل مع الشعر والشعراء, هل هكذا يجدر بنا أن نتحدث حول الفن؟.
في نهاية مقالها تستطيع تهامة مشكورة أن تشيد ببعض ما جاء في مجموعتي فيوليت محمد وسامر اسماعيل, دون أن تنجو بالطبع من نفَسها "المتعالي والمنحاز" -وهنا أستخدم المصطلحين الذين استعملتهما في وصف مشروع المسابقة- حيث لا تتورع عن التحدث عن تجربة سامر اسماعيل الجميلة بوصفها "حالة توتر تنتهي بالبوح" إنما "لا يأتي بقصد ادعاء الاختلاف", وذلك لأنها لا تريد أن تقول عن مجموعة مهما كانت مختلفة أنها مختلفة, ولا تريد أن تتخلى عن طريقتها في الوقوف أمام المجموعات وكأنها معلمة تقف أمام اثنتي عشر تلميذا, يطلبون رضاها عن أدائهم لواجبهم المدرسي.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن المجموعات وربما تكون برأي البعض المجموعات الأسوأ في تاريخ الشعر, وعلى رأسها مجموعتي, ونحترم هذا الرأي, كما لا يسعنا المجال هنا لتفنيد أقوال تهامة حول التجارب معتمدين على أصول النقد الأدبي ومستشهدين بمقاطع أو قصائد من المجموعات, لكن ما نريد قوله هو إن هذه الطريقة الديكتاتورية والنرجسية في التعامل مع النصوص الإبداعية, وهذه الطريقة في النقد, تجعلنا نتسائل بحق إلى أي درك وصل الأمر ببعض كتابنا وناقدينا من عدم احترام الشعر والقيمة الفنية للعمل الإبداعي. وإلى متى سيستمر هذا الانحدار الثقافي والنقدي المتواصل يوما بعد يوم؟ إلى متى؟.
يجدر بي أخيرا أن أعبر مرة أخرى عن استغرابي, فما نعرفه عن تهامة وما نحمله لها من محبة ومن قيمة شخصية وإبداعية وثقافية عالية في بلادنا, يدفعنا حقا للعجب..
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
04-أيار-2019 | |
06-نيسان-2019 | |
24-شباط-2018 | |
23-كانون الأول-2017 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |