إلى أين تسير الرواية السوريّة الجديدة...؟!
خاص ألف
2010-01-19
يكثر الحديث، بنوع من الجعجعة غير المجدية، والهذر المجّانيّ، عن الرواية السوريّة الجديدة، ويُساق الحديث، في إطار التجديد، ويُنْشَط في البحث عن سمات وملامح رئيسة لهذه الرواية، من شأنها أن تنتزع لها مكانة متمايزة معتبرة في المشهد الروائيّ العربيّ، لكنّ المثير للاستغراب أنّ هذا النشاط نفسه، مع ما يرافقه من ضجّة إعلاميّة مفتعلة، يكون من قبل مَن يعتبرون أنفسهم مشكّلين، أو «قائدين» للجيل الجديد من الرواية السوريّة.. أستخدم المصطلح مرغماً، كي أبقى في دائرة الفهم. ثمّ أنّ هذا الجيل المسمَّى جديداً، يحرص من قبل زاعميه على إبداء القطيعة الخالصة مع ما سبق، وحتّى مع ما ينجَز بالموازاة مع نتاجاتهم، يغضّون عنها الأطراف، يتجاهلونها، يعتّمون عليها، لتبقى في الظلّ، هامشيّة غير معترَف بها، وبالتالي غير مشكّلة أيّ دور أو تأثير قد يُذكَر..
لاشكّ أنّ من شأن التجريب أن يلغي التسميات التبسيطيّة التسطيحيّة، ويهمّش التقسيمات المدرسيّة التي تروَّج على ألسنة البعض ممّن نصّبهم الإعلام الموجّه نقاّداً. فلماذا مثلاً، لا ترافق الضجّة المفتعلة الرواية اللبنانيّة الجديدة، كون لبنان البلد الأقرب ثقافة إلى سوريا، والروائيّون اللبنانيّون متميّزون في إبداعهم الروائيّ، يطرقون ويتغلغلون في كافّة المناطق المعتمة، والممنوعة الاقتراب، يتوغّلون في التفاصيل، ولا يبالغون في ادّعاء الريادة أو الجِدّة، ذلك أنّهم واثقون من أنفسهم، ومن إبداعهم.. وكذلك الحال مع الرواية المصريّة الجديدة...
ما يرسّخ المفاهيم والمصطلحات الشائعة تداولها لتدرج وتروَّج.. وما يرسّخ أسماء البعض على حساب آخرين، هو استلامهم منبراً إعلاميّاً أو ثقافيّاً ما، يكفل لهم تمجيد نتاجاتهم. حيث السياسة الدارجة في الصحافة العربيّة، أن ينشر هذا المنبر مادّة عن فلان ليتكفّل فلان بردّ الجميل للمشرف على المنبر بنشر مادّة عنه، أو التذكير به أو تمجيده.. مع الحرص على عدم نشر ما قد يسيء إليه أو ينال منه.. بالتالي تكون اللعبة الدائرة، التي تحجب البعض، وتقدّم آخرين.. فتصبح القاعدة الذهبيّة: استلم منبراً تغدُ مجدّداً.. استلم منبراً تصبح رائداً مجرّباً..
والرواية السوريّة ذات تاريخ عريق، هي التي رفدت الرواية العربيّة بأسماء هامّة، مثل: حنّا مينة، هاني الراهب، فارس زرزور، سليم بركات، فوّاز حدّاد، وليد إخلاصي، حيدر حيدر.. إضافة إلى العديد من الأسماء التي أفرزتها، والتي كان ولا يزال لها حضور فاعل ولافت على الصعيد العربيّ.. ثمّ أنّ الكلام ينصبّ على الحرّيّة الفضائحيّة في تقديم الجنس، على الرغم من أنّه يصعب أن تجد في الرواية السوريّة مَن يمكن أن يجاري أناييس نن، أو باولو كويلهو، أو هنري ميلر، أو ماريو يوسا بارغاس، أو غيرهم، في معالجتهم لموضوعة الجنس.. لا كوسيلة إغراء أو فضيحة أو انتقام، بل كمباحث روائيّة في النفس البشريّة متّكئة على التحليل الأدبيّ للجسد البشريّ، والاجتهاد في تفكيك المنظومة المعقّدة التي تتحكّم به..
والغريب أنّه لا يساق الحديث عن الرواية السوريّة الجديدة، إلاّ وتحضر بعض الأسماء المكرّرة التي احترفت التظلّم، وأدمنت التشكّي من فرط التجاهل الإعلاميّ لها، وذلك لكي تنقض الانتقادات المحتملة لما يخصّها.. في هذا السياق يحضر اسم «خليل صويلح» في المقدَّمة. وبإلقاء نظرة سريعة على بعض أعماله نجده في «دع عنك لومي» يحاول القيام بمحاولة تعرية لبعض الأسماء الفاعلة في الشأن الثقافيّ السوريّ، متطرّقاً إلى ثرثرات ونمائم المقاهي التي يدمن الاستقرار فيها أكثر من غيره، وقد قدّم ذلك تحت بند الجرأة والحداثة وبعض التقريع أيضاً.. وفي «بريد عاجل» يمهّد لفحولته التي أسهب في الحديث عنها بإسفاف وتبذّل في عمله الأخير «زهور سارة ناريمان»حيث يتبدّى كفحلٍ بدويّ لا همّ له سوى إشباع غرائزه المكبوتة وشبقه المرَضيّ، وقد حرص على إبقاء البطولة لنفسه، باعتماد حيلة ممجوجة، وهي الإبقاء على اسمه كبطل للرواية، كي لا يمنح الشخصيّة الروائيّة المفترضَة فرصة سلبه وهمَ البطولات المَعيشة.. كلّ ذلك مرفوق بالسخط والتذمّر والاستياء والدعوة إلى الهدم الذي لا يستبطن مشروع بناء قطّ.. بل يحترف الهدم للتخريب فقط..
وهذا لم يتأتَّ من فراغٍ، بل علينا تفكيك بنياته الرئيسة، إذ أنّ صويلح اتّخذ المنبر الذي استلمه وسيلة للترويج لنفسه، للتهجّم على البعض، ونزع الأحقّيّة منهم، ثمّ أنّه، لتواجده في المقاهي بكثرة، وفي المهرجانات والملتقيات بالموازاة، بحكم منصبه في الإعلام الثقافيّ، وبحكم دوره المنوط به، فإنّه يقدَّم على أنّه الأوحد في التيّار الجديد، الذي يبديه تيّاراً «هيبيّاً» لا جذور له، ثائراً متمرّداً، مخرّباً، فوضويّاً، وذلك بحجّة التجريب أو التجديد، وكأنّ ذلك يستدعي الانقطاع عن المنجز الروائيّ العربيّ، الذي يحضر فيه السوريّ بجانب هامّ، لا عن طريق الجيل المسمَّى جديداً.. ثمّ أنّ تنفّذ صويلح في الإعلام، كونه مراسلاً لأكثر من صحيفة، علاوة على «ملحقه» الذي يرأس تحريره، وشبكة علاقاته الواسعة في أكثر من صحيفة عربيّة هنا وهناك، ساهم في نشر المقولات التي يسعى إلى تكريسها حول الرواية السوريّة الجديدة، التي ينصّب نفسه رائدها، ويُنصَّب من قبل المسايرين المحابين له أيضاً على ذلك الأساس..
معلوم أنّ الواقع الثقافيّ الذي يسود المشهد الإعلاميّ العربيّ، واقع مأزوم، تسيّره وتحكمه ذهنيّة العصابة والشلّة، يسوده الافتئات، بالتالي إذا كنت من حلف الشلّة أو مَن لفّ حلفها، أو التفّ عليه، فإنّك ستكون من الممتازين هنا وهناك، ومقدَّماً في هذه الصحيفة أو تلك، مجدّداً في الأساليب أو الموضوعات أو كليهما معاً.. علاوة على الحرص على الاستمرار باللعبة الممجوجة نفسها، لعبة المعارضة والسلطة، فحيث نجد أحدهم يبدي نفسه الساخط الناقم المتمرّد دوماً، وهو ابن السلطة وربيبها بامتياز، واللافت للنظر أنّه يقابَل في أوساط مَن يعتبرون أنفسهم معارضين بطريقة أو أخرى بالاحتفاء، وذلك لتواجده الدائم بينهم، ولسيادة عقليّة الشلّة وتفعيل مقولة «حكّلي لَحكّلك»، يغدو قاهر الرقابات، ثمّ يكون التعويض من قبلهم بالتذكير الدائم به.. مع التذكير بأنّه المشاركات في الخارج، تلك التي تُفرض البعض اسماً ووجهاً للثقافة السوريّة، مع عدم إغفال متعة المجالسة أحياناً، كون النميمة ملحها، والهجاء والسباب ديدنها. ثمّ بحكم التكرار، يغدو الاسم مكرّساً، وفاعلاً وذا رأي وقرار نافذ.. ولا يُنسى أنّ هناك مَن ينضمّ إلى هذا الحشد المجعجع ممّن يعدّون أنفسهم الجيل الجديد، بعضٌ من المحسوبين على الجيل السابق، يسعون إلى اللحاق بركب «الجديد»، ينضمّون إلى جوقة الهتّيفة لمنجز الجيل الجديد، و«رائده» بداية..
أي أنّ هذا الصنف يؤمّن دفاعاته ثمّ يشنّ هجوماته، يؤمّن أن لا موادّ ضدّه تمرق في الصحافة الخارجيّة، ثمّ يبدأ إطلاق أعيرته ويحاول إجهاض أو استلال النجاحات.. وإن لم يفلح فيسعى جهده كلّه للتعتيم عليها..
المؤسف حقّاً ما تروّجه الصحافة المحلّيّة مع العربيّة من مصطلحات وتوصيفات، فتكرّس أسماء بعينها على حساب أخرى.. إذا كان الجيل الجديد يبدأ من عمر الخمسين أو يضمّه، فأين نصنّف الأصغر سنّاً، هل نصنّفهم ضمن جيل الحضانة في الرواية السوريّة..؟! ألن يكون التعبير، على فكاهته، أكثر دقّة، وأشدّ إيلاماً لا إيهاماً..؟! هل يحقّ للرواية السوريّة أن تحتفي بإنجازات الجيل الجديد الذي يعلن قطيعة مع سابقيه..؟! إن كانت هذه العقليّة تقدَّم على أنّها ممثّل الرواية السوريّة الجديدة.. فكيف ستكون الرواية السوريّة..؟ّ ألن تكون رواية إقصائيّة مراوحة..؟! أليس من طبيعة الرواية الحرّيّة والتعدّد والانفتاح، فلماذا تنغلق الرواية السوريّة «الجديدة» على نفسها، وتنتحر وهماً بالأسماء المسيّدة إعلاميّاً فقط..؟!
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
17-كانون الأول-2014 | |
19-كانون الثاني-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |