"ماء البارحة" للسوري مروان علي إطلالة أولى تحمل وعداً وجماليات
2010-01-22
الشاعر السّوري الشاب مروان علي يبدأ مشواره مع الشعر من نافذة الاغتراب، ووحشة الحنين إلى الأرض القديمة. هو يكتب من مكانه القصي عن مسقط رأسه القامشلي في الشمال الشّرقي السوري، حيث يعيش في أمستردام، فيقدم باكورته الأولى "ماء البارحة". قصيدته تنهل من كل ذلك، فهي تمزج الذّاكرة بالرّاهن، والمشهد الغريب بملامح البيوت القديمة وما يشيع منها من حنين يعصف بالرّوح، ويبعث الحياة في الذاكرة.
في "ماء البارحة" (منشورات الغاوون بيروت 2009) نقف على تجربة شعرية أولى تغادر منذ البداية عتبة البدايات وعثراتها فصوت مروان الشعري يحتدم في مشاهد شعرية بالغة الشفافية.. مشاهد تعكس عوالم وجودية ناضجة الحضور وذات ألوان زاهية، هي بالتأكيد ابنة تجربة فنيّة تنتسب للحياة في حالاتها الأكثر عصفا في الرّوح والوجدان:
"الحياة ممكنة جدا
بلا نساء
أقول ذلك
وأنا مشتاق جدا
لملك
علي الآن
أن أذهب إلى أقرب هاتف عمومي
وأتحدث معها
بعد أن تركت موبايلي
قصدا
في البيت"
الشعر هنا منزلة بين مقامين يعلو أحدهما إلى حدود الفكرة والصورة المتخيلة وإرهاصات الهم الوجودي، فيما الآخر يتكئ على الحياة بمفرداتها الواقعية، وتلاوينها العادية، المألوفة واليوميّة، والشاعر يأخذ تلك الأشياء كلّها ليصنع من اتحادها في روحه ما يشبه"سردا روحيا"
يقارب حالته ويعبّر عنها.
هي تجربة تستفيد من شعرية التفاصيل، ولكنها مع ذلك تأخذ التفاصيل إلى أشكال تعبير أخرى تصبح معها متماهية في نسيج يجمع اللّحظة، بالرؤية العبثية، والمتخيل بالحقيقي. الشاعر مروان علي في "ماء البارحة" يقارب الواقع مقاربة حادّة فينتفض عنه مفضلا الكتابة عن صوره التي تختزنها الرّوح، والتي تحمل كثيرا من بصمات الاغتراب والوحدة والقلق العاصف هناك في صقيع لا يشبه المكان الأول.
يمكن رؤية كثير من هذا في القصائد التي تشكّل لوحات متكاملة، وفيها "حالات" تجمع بين الواقعية والغرائبية، المنسوجة بخيوط الفانتازيا، والتي تشكّل اللّون الأهم في المجموعة كلّها:
"غدا
لديه لقاء تلفزيوني
حول السعادة
لذلك سينام الآن
سعادته الوحيدة
النوم في الثياب الرّسمية"
مروان علي يتحالف مع قصيدته ضد "العادات الشعرية" السائدة والمألوفة، فهو وإن يكن إبن التجربة الشعرية السورية النثرية في جيلها الرّاهن، إلا أننا نراه وقد ابتعد، وآثر لنفسه زوايا نظر مختلفة، ورؤى بعيدة عن المناخات والأساليب التي يكتب منها مجايلوه. هو يكتب بروح تنتقي نتفا من المشهد لتزجّها في نتف من مشاهد أخرى، محتفلا كلّ مرة برغبته في القبض على ما يراه هو بعدسة القلب فيصدقه أكثر ممّا يصدق عدستي عينيه إذ تتجولان في الحياة الواقعية.هو يعرف كيف يصطاد مشاهده المنتمية إلى عوالم متباعدة، يراها وقد جاءت مضمّخة بصورها ومعانيها ووقعها الحقيقي، فيدخلها عالم قصائده لتخرج في حلّة جديدة وإهاب مختلف.
أهم ما حملته مجموعة مروان علي "ماء البارحة هو بالتأكيد قدرة القبض على الشعري في ما هو عادي، مألوف وبالغ التكرار ويشبه ما نراه في البيوت والشوارع وعيون الناس. مروان علي إذ يكتب من كل ذلك لا يلتزم نقله بأمانة قدر التزامه بالرّغبة في نقضه والتمرّد عليه.
أتوقف طويلا أمام قصيدة مفعمة بالتوتّر:
" يعرفون
كيف يفتحون
أبواب اللّيل
ويسرقون أعمارنا
المرصّعة بالحنين
ويعبرون
مثل نسر غريب
فوق الذكريات".
قراءة قصائد "ماء البارحة" تضعنا أمام لغة شعرية تؤثر أن "تقصّ" علينا، أعني تماما أن مروان يختار إيصال قوله الشعري في سياق صيغ أقرب دائما إلى "سرديّات راوية"، وإن يكن راوية يشطب ويلغي، وينتقي ويختار. إنه شاعر يعشق الحياة في شظايا صورها المبعثرة هنا وهناك، ولكن الشّرسة في تجذّرها في الذاكرة والرّوح والمخيلة معا.
مروان علي في مجموعته الأولى "ماء البارحة" لا يشبه أحدا لأنه يكتب من منطقته الخاصّة وحضوره الفردي.
عن "المستقبل" اللبنانية
08-أيار-2021
06-حزيران-2020 | |
16-شباط-2011 | |
"كثيرة أنت" للشاعرة السورية سوزان ابراهيم وحيدة ولي ما لـيس لهنّ |
27-تموز-2010 |
23-تموز-2010 | |
09-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |