من الخامس عشر من آذار وحتى الخامس والعشرين من آيار
2010-01-26
عبثاً أحاولُ أنْ لا أكترثَ بهذا
ولكنّ كلَّ هذا لا يمكن أن يكون عبثاً
أتبادَرُ إلى الفجرِ بوجهٍ مستفهمٍ
ليرى الدمشقيون ما فعلَ بنا اليهودُ
وليرى اليهودُ ما فعلتَ بي ابنةُ الدمشقيين.
وبوجهٍ ميتٍ
أقتل بياضاً ربيتهُ
وأحلاماً مشتتةً من خراب الأيامِ
في هذه الأيام
أطالعُ طالَعي
فأرى طفلاً مذعوراً في زاويةِ الغرفةِ، يطالعُ جداراً يتنفس.
ذاك الجدارُ هو وجهكِ من آخرِ الربيع إلى آخري.
وجهكِ، والذي كان قبلَ الخامسِ عشرَ من آذارَ طفلاً، صار بعد الخامس والعشرينَ من آيار جداراً يكتبُ أيامي ثم يتركها للريحِ، وأنا بالوجهِ المستفهمِ ذاتهِ، والذي بدأتُ بهِ حياتي، عجبتُ لوجهٍ يتغيرُ مع الوقتِ: طفلاً، جدارا، مقبرة..
و عبثاً أحاولُ أنْ لا أكترثَ بهذا
ولكن كلُّ هذا لا يمكنُ أن يكونَ عبثاً
فالدمُ الذي يمكرُ بالخطيئةِ لا يمكنُ أنْ يكونَ عبثاً.
والنعاسُ الذي يعيدُ الشهوةَ لسيرتِها الأولى لا يمكنُ أن يكون عبثاً.
وجهي الذي تشبّهَ بالحمى حتى صار شبيهاً بالرمادْ.
ارتجافي مرّة للفجرِ ومرّة لكتفكِ العاري.
أرقي أمام باب الحكمة: أأدخل أم أبقى لاكتشاف حلمتكِ الغائرة مثل أيامي؟
تيهي: حينَ تتضاحكُ جمهرةُ ملائكةٍ صغارٍ كلما تبكي عيناكِ
شهقة وجودي: حين يلج شيء مني في حدائقِ النعناعِ تحت سرتكِ الشاقةِ والمتعبة.
لا يمكن لكلِّ هذا أن يكون عبثاً.
فلماذا عدتُ وحدي
متعبٌ؛ أبحث عن دهشةٍ خليقةٍ بكل هذا.
وحدي ولدتُ
وحدي حييتُ
ووحدي أحببتكِ
وعدتُ وحدي
خرجتُ من عتمتي يوماً فعوقبتُ وشردتُ ما بين الطابقِ الخامسِ والفجرِ، وسلّطت عليّ ملائكةٌ كذبةٌ، وتلبستني حمامةٌ سوداء.
والآن عدتُ وحدي
وتذكرتُ يوماً كنت فيه في عتمتي، فتراءى لي من شِقِّ الجدار أعمى، وقال لي:
العتمةُ نور لم تضئ بعد... فأضئها
ولكني لم أمتثل لما قال
وخرجتُ من العتمة إلى النورِ
ففقدت بصيرتي.
بوسعي أن أتذكّرَ جيداً
فمعَ أني أدركُ أنَّ بزوغكِ في عتمتي كانَ وهماً
إلا أني تشبثتُ بهِ
إلى أن سقطتُ من الطابقِ الخامسِ
وأريدُ أن أصل الأرضَ
ولم أصلْ
بوسعي أن أتذكر جيداً
أنتِ استدرجتني.
فجئتكِ مسرعا
حاملاً إليكِ غبطةَ المجيئ.
خضضتُ مياهَكِ الراكدة.
أعدتكِ عذراءَ ومخصبةً.
جعلتكِ إذ تنامين في الخريفِ؛ تنهضين في الربيع.
ولم أكن أعبثُ
ودليلي: أن اكتمالَ أصابعي العشرةَ على سرتكِ كانتْ علامة قيامتي.
وها عدت وحدي
مذعوراً وأعمى
بوسعي أن أتذكر
ولكن ليس بوسعي أن أنسى
مذعوراً وأعمى
فمن يدلّني على العتمةِ من جديد؟
أجلْ خرجتُ من العتمةِ إلى النورِ
فنبذت بالعراء وكنت سقيما...
وها:
المساء يتكدسُ خلفَ نافذتي
وأنا كجندي خرجَ لتوِّهِ من المعركةِ
منهكاً وأمامَهُ تمتد هضاب قتلى
منهكاً لكنه يضحك
يضحك من الحياة وفخاخِها المغوية
يضحك من الهواءِ القديمِ، والذي يهمس خلفه:
لم يكن عبثا كل هذا
يضحكُ لأنه عبثاً يحاول أن لا يؤمنَ
بأن كل هذا لم يكن عبثاً
وإلا لماذا عادَ وحده، أعمى ويبحثُ عن دهشةٍ خليقةٍ بكل هذا.؟
وكانتِ الصحراءُ
ما أبطأني...
أُسندُ جثتي على الرملِ
وأصغي باحثاً عن وقعِ خطاكِ على أرصفةٍ عبرناها معاً...
... على أرصفةٍ تكرَرْ سقوطَها على رأسي كلَّ مغيب.
وكمثل كل عاشق
أُموسق خُطاكِ
لكن الهواء القديمَ يحملُ إلي صوتَ جثتي وهي تصلُ الأرضَ
بعد سقوطِها من الطابق الخامس
فتغدو باطلة هذه الموسيقى
وتغدو باطلة جثتي.
ما أبطأني...
فبعدَ الخامس والعشرين من آيار
عدتُ وحدي
ولما كنتُ أطالعُ طالَعي
رأيتُ جثتي تخرج مني وتبتعد
وعبثاً حاولتُ أنْ لا أكترث...
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر
ألف
08-أيار-2021
26-كانون الثاني-2010 | |
09-نيسان-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |