وجبات في الإبداع بمذاقات مختلفة ـ قراءة في نصّ (أرز باللبن لشخصين) لرحاب بسام
2010-03-10
خاص ألف
ما من شكّ في أنّ أجواء الإثارة التي رافقت الجدل حول أطراف المعادلة التي يتكوّن منها فعل الإبداع (المؤلّف، والنصّ، والقارئ) قد أغنت في النهاية فهمنا لطبيعة الأدب، وكان لها الفضل في الكشف عن آليّاتٍ مثمرةٍ جديدةٍ في التحليل والسبر والتذوّق.
وما من شكّ أيضاً في أنّ التركيز على مكانة القارئ بالذات في هذه المعادلة قد غيّر ـ وعلى نحوٍ نهائيّ وحاسم ـ لا من تقاليد القراءة وحسب، بل من الكتابة نفسها، وكان لها تأثيرٌ قويّ في ظهور نمطٍ من الكتابة أدنى ما يتّصف به أنّه جديدٌ ومغاير من حيث شكله وطبيعته ولغته وتقنيّاته وأدواته الخاصّة في التعبير.
ولئن كان البعض يتّهم (الحداثة) وما تمخّض عنها، أو واكبها، من فلسفاتٍ ومناهج مختلفةٍ في النقد والتحليل، بما قيل عن (موت المؤلّف)، وتقديس النصّ نفسه من حيث هو بنيةٌ مغلقةٌ مكتفيةٌ بذاتها؛ فإنّ البعض الآخر يعزو إلى (ما بعد الحداثة) فضل (إحياء القارئ)، أو انتشاله من حالة الإهمال التي ظلّ أمداً غير قصير يعاني منها.
وبالطبع، فقد كان لذلك كلّه صداه المسموع الواسع الذي ردّدته مناهجُ في النقد اجترحت لنفسها أدواتٍ ووسائل راعت حساسية الموقع الجديد الذي احتلّه القارئ ضمن سياق عمليّة الإبداع.
غير أنّ ما هو أهمّ من هذا، وأشدّ عمقاً وتأثيراً، أنّ الأدب نفسه شهد تغيّراتٍ عنيفةً بفعل تلك النظرة الجديدة إلى القارئ، ودوره المفترض، وأصبح لزاماً على النصّ الأدبي أن يعيد تشكيل ذاته بما يتيح لهذا الطرف الأساسيّ في عمليّة الإبداع أن يقوم بدوره في التحليل والتأويل وإعادة الإنتاج والكشف عن المضمرات فيه.
فالنصّ ـ وقد أصبح للقارئ فيه كلّ هذه السلطة ـ أخذ يميل إلى صيغٍ مفتوحةٍ يمكن لهذا القارئ أن يتحرّك في فضاءاتها بقدرٍ كبيرٍ من الحريّة، ليصبح مبدعاً آخر له، بما يمكن أن يضيف إليه، أو يولّده من المعاني والدلالات الكامنة فيه، معبّراً خلال ذلك كلّه عن شخصيّةٍ مستقلّةٍ لها ذائقتها الخاصّة ورؤيتها وموقفها وطريقتها في التعبير عن ذاتها.
ولعلّ من أكثر الظواهر دلالةً ضمن هذا السياق أنّ النصّ الأدبيّ لم يعد يظهر اهتماماً حقيقيّاً في أن يكون واضحاً فيما يريد قوله أو فعله، فالرسالة كثيراً ما كانت تصل مشفّرةً، مع إمكاناتٍ غير محدودةٍ لحلّ هذه الشيفرة، الأمر الذي يجعل من كلّ قراءةٍ للنصّ كتابةً جديدةً له بالفعل، لأنّها تحمل في داخلها ـ وعلى الدوام ـ حلاًّ مختلفاً لشيفراته.
(أرز باللبن لشخصين) ـ البنية السطحيّة:
نصّ (أرز باللبن لشخصين) لرحاب بسّام هو نموذجٌ لهذه الكتابة التي تحمّل القارئَ العبءَ كلّه للوصول إلى معنى ما، قد يكون هو نفسه ما أرادت الكاتبة إيصاله، كما قد يكون معنى آخر مختلفاً أوصلت القارئَ إليه ثقافتُه وذائقتُه وطريقتُه الخاصّة في الاستكشاف والبحث والتقصّي.
(أرز باللبن لشخصين) نصّ بسيطٌ عند القراءة الأولى، وهو لا يعدو كونه وصفةً لإعداد نوعٍ معيّنٍ من الحلوى، وفيه تعدادٌ للمقادير المطلوبة، والخطوات الضروريّة للوصول إلى طبقٍ ناجحٍ منه:
(لعمل طبق من الأرز باللبن لشخصين ستحتاجين إلى ربع كوب من الأرز. أولاً أخرجي اللبن من الثلاجة. ثم في طبق أبيض واسع ضعي الأرز ونقيه من أي شوائب...).
بهذه اللغة الواضحة المباشرة يبدأ النصّ بثّ أولى رسائله باتّجاه القارئ. وكما هو ظاهر فإنّ القارئ لن يجد هامشاً كافياً يمكن أن يتحرّك داخله ليمارس أيّ نوعٍ من أنواع التأويل أو إعادة الإنتاج. وإذا ما استثنينا كلمة (أبيض) التي سنتوقّف عندها فيما بعد، فإنّ
08-أيار-2021
28-أيلول-2019 | |
06-تموز-2019 | |
26-كانون الثاني-2019 | |
17-شباط-2018 | |
13-كانون الثاني-2018 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |