حوار مع بسام القاضي مشرف مرصد نساء سورية / أجرى الحوار:
خاص ألف
2010-04-10
عندما نتحدث عن الحياة بوجهها الإنساني لابد لنا من الحديث عن المرأة و ما وصلت إليه من بؤس وإهمال وتهميش خاصة في دول العالم الثالث الذي نحن جزء مكون له , هذا العالم الذي يرفع دوما ً شعارات , توحي بأن المرأة هي همه اليومي , وبأنها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها الأبدي و هو التحرر المحمي بقوانين مدنية لا تقبل التأويل .
للحديث عن هذا الموضوع لابد لنا من سبر نشاطات الجمعيات والمنتديات الاجتماعية و المدنية التي تعمل دوما ً على رفع سقف المطالبة بإنصاف المرأة , والوقوف إلى جانب قضاياه الآنية , والمستقبلية .
يسرني أن أحاور مواطنا ً سوريا ً ندر وقته و إمكاناته للدفاع عن قضايا المرأة والطفل و المعوقين , الذين يشكلون الجزء الأكبر من موارد سورية البشرية , السيد بسام القاضي مشرف مرصد نساء سورية , يحمل هما ً دائما ً يتجاوز لحظات الإحباط واليأس , هناك أمل في كل نشاط إنساني يحاول أن ينظر إلى الأفق .
**مشروع مرصد نساء سورية انطلق , بعد خمس سنوات من العمل الجاد والمضني , هل لمستم تفاعلا ً على مستوى المجتمع السوري ؟ و كيف تبلور ذلك ؟
++ الواقع أن مرصد نساء سورية لم يحقق تفاعلا من المجتمع السوري فحسب، بل يمكن القول أن المستوى الذي يعمل به الآن ما كان يمكن له أن يكون لولا اشتراك المجتمع السوري الفعال. وحين نقول اشتراك، لا نقصد حصرا تأييد ما يطرحه المرصد، بل نقصد أن التفاعل مع القضايا التي يعمل عليها المرصد، ونقاشها، وتطوير الأفكار حولها، هو ما جعل من المرصد جهة فاعلة في مجال عمله.
العديد من الأشكال تعبر عن هذا التفاعل، بدءا من لغة الإعلام السوري حول هذه القضايا، ومرورا بالشراكات واسعة النطاق مع الجمعيات من مختلف الاهتمامات، وليس انتهاء بالعلاقة المباشرة مع الناس من مختلف المناطق ومختلف الخلفيات والأفكار.
**إلى أي حد يمكننا اعتبار النخب المثقفة , رائدة في مشروع تغيير و انتقال المجتمع إلى حالة الفعل بدل أن يكون منفعلاً ؟ هل يمكننا الاستغناء عن هذه النخب والاستعاضة عنها بالحالة الشعبية الغير مؤد لجة ؟
++ لا أعرف الجواب. بالنسبة لي شخصيا، ولعملي في المرصد، كل الناس في سورية لهم مكانهم/ن ورأيهم/ن في ما نطرحه. وما نطرحه أصلا هو حصيلة لهذا التفاعل. بالتالي فإن كل رأي نسمعه، أو نتفاعل معه، هو أمر هام جدا لنا في تطوير عملنا، وفي استكشاف آفاق أفضل. وفي هذا الشأن ليس لدينا أي نوع من التمييز مبني على أساس الشهادات العلمية، أو عدد المقالات المنشورة، أو الألقاب. وبالتالي لا توجد نخبة بالنسبة لنا. يوجد مواطنون ومواطنات لهم آراء مختلفة وهامة.
مع ذلك، "النخبة" كما هو متعارف عليها، لا تلعب اليوم دورا في القضايا التي هي مجال اهتمام المرصد (مناهضة العنف والتمييز ضد النساء والأطفال والمعوقين والفئات المهمشة..)، فهم مشغولون بـ"معارك" على مستواهم!
**إلى متى تبقى الأسئلة , تحمل في طياتها أجوبة لا نهائية ؟ ألا تلاحظ معي تكرار أسئلة الإنسان التي تبدأ من الصفر الوجودي في كل مرة ؟
++ ستبقى ما بقي الإنسان. برأيي أن الأسئلة، وخاصة ما يسمى بالأسئلة الكبرى، هي أسئلة متغيرة في جوهرها وإن لم تتغير كثيرا في صيغها الظاهرية. وتغيرها مرتبط بتغير وضعية الإنسان وكيفية وجوده الفردي والمجتمعي. وهذان تغيرا كثيرا جدا منذ طرحت هذه الأسئلة للمرة الأولى في التاريخ المكتوب، وهي تتغير باستمرار ما دامت الظروف نفسها تتغير.
لكن هذا الطرح المتغير، برأيي، لا يعود إلى الصفر في كل مرة. أحيانا يفعل ذلك؟ نعم. فهذه هي الحياة التي لا تمضي بخط مستقيم أحادي. لكن غالبا ما تطرح بناء على مستويات ومعطيات جديدة.
ربما من المهم هنا القول أنني اعتقد بأن المثل القائل: تعددت الأسباب والموت واحد، هي مقولة أحادية وخاطئة. الموت متغير بتغير الأسباب، وتغير الآليات، و.. كذلك الأمر في المسائل الأخرى.
**عبارة ( وذلك أضعف الإيمان ) هل يمكنها أن تبرر تقصيرنا جميعا ً ؟ وفي الآخر هل تنجينا من نار عذاب الضمير ؟
++ لا شيء يبرر التقصير برأيي، مع الأخذ بالحسبان أن مقياسنا للتقصير هو الإمكانية، وليست الأهداف، أو "ما يجب أن يكون". إذا استخدمنا لغة المدارس: 10 من 10 هي علامة من يستنفد إمكانياته في الموضوع المحدد والظرف المحدد. ويكون التقصير وفقا لذلك.
والمسألة ليست مسألة ضمير، بعذاب أو برضى. بل هي مسألة حياة. الحقوق ليست قضية ضمير، وانتهاكها ليس قضية ضمير. بل هو قضية حياة حضارية ومدنية بالمعنى الدقيق للكلمة. حين تنتهك الحقوق لا يكون الضمير هو المعني، بل مجتمع يتجه (أو اتجه) ليتخلى عن عقده الاجتماعي (كليا أو جزئيا) لصالحا اعتبارات ما قبل مدنية (القوة بأشكالها، التمييز بأشكاله..).
ثم، أعتقد أن "الضمير" متغير، مثلما هي "الحقوق" متغيرة. الحقوق تتطور مع تطور الواقع والبشر، والضمير كذلك. كان سبي نساء العدو منسجما كليا مع اعتبارات الضمير ذات يوم. اليوم هو جريمة إنسانية تعذب الضمير، مثلا.
**المفكر السوري الراحل الياس مرقص يقول بما معناه وليس حرفيا ً : (عندما نصف مجتمع ما بأنه مجتمع مدني يعني أن هناك مجتمع آخر عسكري أو علمي أو غير ذلك بالرغم من أن المجتمع بحد ذاته مكون منها جميعا ً) .
تقريبا ً معظم الجمعيات أو المنتديات تتكلم عن المجتمع المدني , ما هو رأيك ؟ لماذا لا يكون التوصيف منسجما ً مع القصد منذ البداية ؟
++ أعتقد ان مشكلة مصطلح "المجتمع المدني" هي مشكلة مثقفين. هي مشكلة أناس يريدون أن يسحبوا المصطلح كل إلى ساحته.
بالمعنى الدقيق والبسيط للكلمة المجتمع المدني ليس بمواجهة "مجتمع عسكري"، بل بالتطور عن مجتمع "أهلي"، أي هو في الواقع مجتمعي "مديني". والمجتمع هذا هو التعبير عن المواطنية التي تعتبر الحقوق المتساوية والواجبات المتساوية لكافة المواطنين/ات.
وحين نتحدث عن منظمات المجتمع المدني، فهذا لا يعني بالضرورة أن يكون المجتمع المدني قائما، أو أنه قائم تماما، لكي تطلق هذه الصفة عليها. فحين تقوم هذه المنظمات بآليات، وأهداف مدنية، وتنبذ العنف، تكون كذلك.
العديد من المنظمات والجمعيات، والأحزاب كذلك، تستخدم المصطلح كنوع من الموضة، لكن حتى هذا لا أراه خطأ. بالأحرى: ليس بمشكلة.
بعض هذه المنظمات يتبنى أهدافا مدنية، لكنه يمارس أدوات غير مدنية (مثل أن يقوم على نوع من الفرز الطائفي، أو أن يتبنى تمييزا اساسيا هنا أو هناك، أو أن يقبل بعض أشكال العنف تحت ذرائع مختلفة). برأيي لا يمكن وصف هذه بالمنظمات المدنية، أو منظمات المجتمع المدني.
الغاية لا تبرر الوسيلة. وحتى حين تكون الغاية المعلنة لهذه الجهة أو تلك (بغض النظر عن مصداقية الجهة)، مدنية، فإن هذا لا يجعل منها مدنية إذا اتبعت أساليب أو أدوات غير مدنية، كذلك إذا تبنت أو غضت النظر عن أي شكل من العنف.
**ونحن نتكلم عن الحقوق والواجبات لماذا يتكلم الجميع عن المرأة بصفتها رمزاً للضعف والاستلاب والاستغلال , بالرغم من وجود نساء ثريات و فاعلات على مستوى الاقتصاد والسياسة , في مجتمعات منقوصة الحقوق ؟
++ هناك نوع من اللبس بين حقوق المرأة، وبين المرأة نفسها. حقوق المرأة هي أمر يتعلق بثقافة المواطنية والمساواة، وبالتالي فهي لا تعني أن جميع النساء مضطهدات، ولا جميع الرجال مضطهدون. بل هي تعني أنه يجب نفي أي تمييز سواء كان فاعلا أو كامنا، في الواقع أو القوانين أو الممارسات.
وبهذا المعنى فإن ثقافة التمييز، مثلما هي ثقافة المساواة، تجد من يتبناها من النساء ومن الرجال.
من جهة أخرى، أن تكون النساء ثريات وفاعلات في مستوى الاقتصاد والسياسة، أو أي مستوى آخر، لا يعني أنهن لسن مواطنات من الدرجة الثانية. ففي سورية، مثلا، مهما كان عمل المرأة وثروتها ومكانتها تطلق بكلمة، وتحرم من حضانة أطفالها بدعوى كيدية، وتحرم من منح جنسيتها لأطفالها إذا تزوجت من غير سوري، وتقتل ويقلد قاتلها وسام الشرف إذا ادعى قتلها لـ"دافع شريف"!
ومن جهة ثالثة: نحن نرى في قضية حقوق المرأة قضية حقوق مجتمع. لا تخص النساء وحدهن. فالرجال أيضا هم ضحايا لعنفهم وتمييزهم نفسه. العنف والتمييز حلقة مغلقة. وإذا كانت النساء هن ضحيتها الأبرز والأكثر تأثرا، فإن الرجال هم ضحيتها أيضا. المساواة هي مصلحة للإنسان، ذكرا كان أم أنثى. هي رقي من حالته البيهيمية التي تعتمد القوة (العضلية، الجنسية، السلطوية.. الخ)، إلى حالته التي تكون فيها كفاءته وفاعليته وإنتاجيته هي المقياس الوحيد في بيئة مساوية.
**لماذا يقبل مجتمع دول ما يسمى العالم الأول أن يكون وزير دفاعه أو وزير خارجيته أوزير داخليته , امرأة , دون أن يضعف ذلك من قوته العسكرية ودبلوماسيته , في حين أن مجتمعنا , إلى الآن لا يستطيع أن يتقبل المرأة فيما لو كان طموحها ينصب في مجال الفن وليس السياسة ؟
++ لست واثقا أن مجتمعنا لا يستطيع أن يتقبل المرأة. قيل هذا الكلام حين قادت النساء السيارات، وحين بدأن يدخلن التعليم العالي، وحين بدأن يصرن كوادر وسيطة (مديرة قسم مثلا)، وحين صرن نائبات في البرلمان، وحين صرن وزيرات.... لكن في الواقع لم يتجاوز الأمر الاعتياد. أي أنه حتى التعليقات اضمحلت كثيرا إلى حد أنها باتت تنتمي إلى ثقافة الشتيمة تقريبا. أي أن وزيرة ما تعير أنها امرأة ليس لأن الناس يرفضونها كامرأة وزيرة، بل لأنها لا تقوم بما يجب أن تقوم به.
نحن نعتقد أن المثقفين/ات، خاصة في سورية والمنطقة، ميالون لتصوير الواقع بأسوأ مما هو فيه بكثير، فذلك أضمن لراحة بالهم من مسؤولياتهم الحقيقية التي هي النهوض بمجتمعاتهم. المثقف كان دائما هو كاشف للواقع وجواب آفاق. هذا يتطلب مسؤولية كبيرة وعمل وجهد. حين تختصر الواقع إلى دوائر مغلقة لا يمكن الخروج منها، تريح بالك و"تشطح" كيفما يحلو لك. فما الذي ستفعله في واقع مغلق؟
قامت الدنيا حين انتخبت امرأة قبل قليل في البرلمان الكويتي. اليوم لا أحد يتحدث عن "امرأة" بل عن نائبة فاعلة ولها رأيها ومكانتها وقيمتها. الأمر نفسه في سورية، وفي غيرها. في البرلمان وفي غيره.
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
10-نيسان-2010 | |
04-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |