إحدى ليالى أمشير
2008-04-06
كل شىء على ما يرام ، وها أنا أنظر من النافذة فأرى هذه الفتاة الباهرة ، مبتعدة فى طريقها ، الفتاة ذات الشعر الكستنائى الذى يترجرج فى صورة ذيل حصـان غير عادى ، وكنت لحظتها أريد فكرة جديدة ، فكرة مجنونة تدخلنى عالـماً شديد الاختلاف ، بينما أسأل نفسى : لماذا يزداد فى كل يوم شعورنـا بعدم الثقـة فى النفس ، أو فى الآخرين ، لماذا تصبح العواطف مضطربة ، والشك العميق يغزو المشاعر والقلب .
كل شىء على مايرام :
فنحن كما نحن ، غارقون كالعادة فى عالم القلق والتساؤل والشك ، على الرغم من أنه فى داخل كل واحد منا يعيش طفل لا يريد أن يغادر مهما مرت السنون .
كل شىء على ما يرام :
فهاهو شباك حجرتى يطل على سطح بيت الجيران حيث امرأة جميلة تقوم بنشر الغسيل ، ولكنها ترمقنى بسرعة وتبعد عينيها ، وعندما أشير لها تتعمد ألا تعيرنى انتباهاً فأعود للغرفة ، لأجلس على السجادة ، وأشيـائى معبثرة حـولى ، كتب ، وموسوعات ، وأشرطة ، ومفاتيح ، وأوراق ، وإيصـالات ، وريموت كونترول ، وأجندات ، وأكواب ، واسطوانات لدنة ، وديسكات ، وحقائب صغيرة ، ورسائل بريدية ، وعلب أدوية وإكلاسيرات ، وبطاقات دعوة لمعارض تشكيلية ، ورغبة قوية فى إعادة ترتيب الأشياء ، رغبة مقتولة ، لأن الحزن والضعف يحبطانى إلى أقصى درجة .
وعندما تصعد الشمس إلى السماء أحس بأن كل شىء على ما يرام ، وأجدنى أغطى وجهى بمعجون الحلاقة ، وأظل أحرك ماكينة الحلاقة فوق وجهى من أعلى لأسفل ، ومن أسفل لأعلى ، ثم أضع الكريم المرطب ، وأنظر لوجهى فى المرآة ، هذه النظرة السريعة كأننى أطمئن على نفسى قبل أن أنغمس فى الإحباطـات التى لا نهاية لها طوال اليوم ، ثم أحدث نفسى قائلاً : يجب أن نضع حداً لكلّ ما قمعناه فى حياتنا ، يجب أن نتأمل كل شىء من جديد ، ويجب أن نقترب من أنفسنا بقوة ، وأن نعرف لماذا الشبابيك دائماً معبأة هكذا بالأحلام والهواجس والذكريات .
كل شىء على ما يرام :
والجو الشعبى يتغلغل فينا جميعاً وأنا أحس بالمتعة الحقيقية بمجرد أن أفرغ الكثير مما يجيش في صدرى ورأسى : أتمنى أن أتمكن من أكتب ما أريد أن اكتبه ، ومثلما يحب الشعبيون الألوان الصريحة ، ويحبون الزينات ، وفى المناسبات يشدون خيوطاً يعلقون عليها أعلاماً صغيرة ملونة بكل الألوان ، ويلبس الصبية ملابس صاخبة ، والفتيات فساتين زاهية ، أنا أيضاً أحب الألوان الصريحة وأحب أطباق الكشرى الساخنة ، وأحب التجول فى الأسواق ، حيث باعة المرايا الصغيرة وبنس الشعر والأمشاط وأقلام الكحل ولعب الأطفال والشباشب والصنادل والسلال والحقائب البلاستيكية ، والجلاليب والطواقى وقمصان النوم وحمالات الصدر والعقود والحلقان والأساور البلاستيكية والخواتيم والبخور وزجاجات العطر .
كل شىء على مايرام :
تعج المطابخ بالضجيج ، والآنية المتنوعة تتحرك فوق المناضد ، والقدور فى أرفف مثبته تسحب للخارج فتقرقع وتحدث كل هذا الرنين ، الأباريق الشفافة ، وحزم البصل والثوم ، والملاعق والسكاكين والشوك والفناجيل ، الحلل والطاسات والكازرولات والمصافى والنشابات ، ولا ننسى أبداً مشاهد النساء يمسكن بسكاكين المطبخ ، لتقطيع البصل والبطاطس ، ثم يفرمن اللحوم ويجهزن التقلية ، ويغسلن الخضروات الطازجة .
كل شىء على مايرام :
ولا زالنا نسعى لترويض المتاعب ، وقد طورت فينا الحياة موهبة المكر والخديعة ، والقدرة على اقتناص حقوقنا المسلوبة ، وها أنا أقف مبتسماً أمام هذه الفازة الغليظة المنتفخة القصيرة فى منتصف المنضدة ، تحتوى على زهرة واحدة طويلة مشدودة
كل شىء على ما يرام ، ولكن لماذا جسدى حزين ، وقلبى حزين ، ولماذا أمشى بطيئاً بطيئاً ، أنظر للجدران فى ذهول : أحدهم كتب اسمه على جدار محطة الباص بخط شديد الرداءة ، ولكنه كتب اسمه بالكامل : مصطفى فكرى عبد العال ، إننى أحس بالاغتراب ، صحيح أننى كنت وحيداً فى الشارع الطويل الضيق غير المرصوف ، وصحيح أن الضباب كان يضرب رأسى ، وأنا أسير بجوار ورشة الأتوبيسات ، وكانت هناك بعض الدكاكين المغلقة ، وصحيح أنه لم يكن هناك سوى شبح شخص يسير عند الأفق ، ولكن لماذا كل هذا الحزن الذى لا أعرف مبرره ، ولماذا امتلأت عيناى بالدموع هكذا ، بدون سبب محدد حتى أننى كنت على وشك أن أنفجر فى بكاء هائل مدو لم يعرف الرجـال مثله من قبل .
08-أيار-2021
12-تموز-2008 | |
06-نيسان-2008 | |
24-أيلول-2006 | |
06-تموز-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |