دعوة الى الموت
خاص ألف
2010-05-09
مرة واحدة التقيت محمد عابد الجابري، التقيته وأنا صحفي يحاول الخروج من بذاءة اللحظة نحو فضاء آخر.. كان ذلك في القاهرة، وبمنزل واحد ممن باتوا سفراء بعد أن تسلقوا كل السلالم:
- سلالم السلطة.
- سلالم الأدب.
- سلالم الاناقة وربطات العنق بالغة الهيبة.
ثمة شئ انكسر لحظتها.. ثمة ما انكسر لاحقا.
لحظتها انكسر الصحفي ببذاءته، وبكل الكاميرات التلفزيونية، والسؤال الساذج السيد وقد ابتدأ بأزمة المشروع القومي العربي.
ما انكسر لاحقا، هو خبر الموت الذي يقول للأحياء:
انها اللحظة الوحيدة الثابتة فيكم ومنكم ولكم.. اللحظة التي ماقبلها يساوي مابعدها يساوي : هي.
محمد عابد الجابري مات، وليس بوسعنا القول:
ولكن مشروعه لم يمت.
لا ياسادتي، مات محمد عابد الجابري، ومات مشروعه، وماتت ذاكرته، ولم يبق منه سوى مجموعة من الموتى يزفون الموتى الى الآخرة بدءا من رفيق الدرب جورج طرابيشي، وصولا لشاهد اللحظة فواز طرابلسي، مرورا بعجوز الفلسفة الطيب تيزيني، دون نسيان زوربا العقل العربي صادق جلال العظم، وكلهم في جنازة الكل، والمتبقي في الوطن العربي اثنان:
- طالباني بلحية مصبوغة بحناء الماعز.
- وعاهرة على شكل حاكم.. وزير ، سفير ، مستثمر، حارس غرائزنا ومرتب ظلالالتنا.
وحدهما المتبقيان، والباقي الى زوال.. انجازا، وفكرا، وحلما، وطريقا، ولو تسنى للموتى النهوض من مقابرهم، فثمة رجل اسمه نجيب سرور، رجل لم تعوزه اللغة واعازته الحياة.. لم تعوزه القصيدة واحتاج الى السيجارة، لم تعوزه الفحولة وتناولته سميرة محسن كما تناولت بقية واق جنسي، قبل الطعام وبعده وفيما بين الوجبة والوجبة، وكان الرجل أول الراحلين الى أبو العلاء المعري، هناك حيث:
- الناس اثنان.. دين لاعقل له، أو عاقل لادين له.
وعند الرحيل نحو الرجل، وبعد المسافة الهائلة وقد قطعها الشاعر المنتحر، عرف حقيقة واحدة.. حقيقة ليس من الوارد اغفالها.. حقيقة عصر لأسئلته طعما آخر.. لاجاباته طعما آخر.. لمنظومات قيمه طعما آخر.. لولاداته أيضا ووفياته بما لايسمح له بالاعتراف بالجابري حتى ميتا، وتذكروا نجيب سرور، هاملت العرب، والوارث الأكثر وفاء لوليم شكسبير، وقارئ قاضي أورشليم، ذاك المتخفي في تلافيف العزيز هاملت، واعيدوا قراءة نجيب، علكم تذهبون في رحلة الموت.. علنا نذهب في رحلة الموت.. علهم يذهبون الى تلك الرحلة.. تعالوا نقرأ:
- أميات نجيب.
حين قالها كان نجيب يعرف معنى موت العقل.. حين كتب كان يعرف مكانة الجنون في عالم ليس منا ولسنا له.. كان الأمين العام لحركة الموتى العرب، الذين يجنزون أبدانهم مستخفين بكل شيوخ الطرق والطريقة.. كان رجلا اتكأ على سيفة ومات.. تماما كما المعري.. تماما كما أبو حيان التوحيدي.. تماما كما ذاك الامام علي قتيل الحلم فيما استحقاقات السلطة تدعو الوليد ابن عبد الملك لمخاطبة قرآنه بالقول:
هذا آخر عهدي بك. . في مفاضلة مابين الحلم والحكم .
محمد عابد الجابري مات.
حسنا فعل، ولكن ثمة ماليس حسنا في:
- أنه ولد او عاش ، أو كتب.
هي دعوة للموت.. كان على الجميع تلبيتها.. جميع الخارجين من سرب الصومعة كما الخارجين من سرب السلطة.
والبقاء لهم وحدهم.
البقاء للضالعين في الاماتة .. لمن يميتك حتى وانت ميت.
تلك لعبة ممتعة.
فلنلعبها مع أبطالنا قبل أن يلعب حراس اللحظة بهم.
××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
05-تشرين الأول-2019 | |
14-تشرين الأول-2017 | |
09-أيلول-2017 | |
13-حزيران-2010 | |
30-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |