جميل حتمل لن تذهب إلى النسيان
عمر الشيخ
2008-04-14
القاص المبدع، والصحفي المتميز، جميل ألفرد حتمل الذي رحل بصمت الملائكة كما لو أنه سِرٌ سماوي ترك إرثاً من القصص القصيرة التي لم تكتب لتقرأ وحسب،
بل كي تشم وتضم، لكونها مقطوعات مستحمّة بماء الشعر، تمنح القارئ نفَساً يفوق كلّ هذا الحزن الكامن بباطن الهروب من الاكتئاب .
كتب القصة القصيرة باكراً حين ظهرت ميوله الأدبية في المرحلة الثانوية، فكان خاله حكمت هلال منبعاً لمكتبة هائلة مليئة بروائع الأدب، وتنوع كتبها الكبير أعطى للكاتب تراكماً لا ينقصه سوى موهبته لتنتج بين يدينا مجموعاته القصصية الخمس الرائعة وهي بالتسلسل : «الطفلة ذات القبعة البيضاء» و«انفعالات» و«حين لا بلاد» و«وقصص المرض قصص الجنون»و«سأقول لهم» والمجموعتان الأخيرتان صدرتا بعد وفاته .
معظم قصص جميل حتمل تدور حول معاناته مع مرض القلب، ومحاولاته في الحب، وفشله
بالزواج حيث تركته زوجته وحيداً وسط الرماد يحترق بحزنه، كما يذكر يومياته في المشافي والسجون، وشوقه المستمر لوطنه وأهله وطفولته هناك، بحيث صورت كتابته ألماً رافق كل سطر تفوه به حاله بالمنفى..
ومن يستحق الشكر فقط المؤسسة العربية للدراسات والنشر التي قامت بإصدار أعماله الكاملة في مجلد عام 1998 بتقديم الراحل عبد الرحمن منيف الذي كتب يقول : «إن الصفة الأساسية التي تطبع أبطاله هي الحزن، الحزن الذي يرافقهم، ويحرمهم من أبسط الحقوق:الحب»
يقول جميل حتمل في مجموعته (قصص المرض قصص الجنون) المكتوبة بين باريس وعمان تحت عنوان«وردة حمراء»:«قلبي يؤلمني إلى الدرجة التي لن استطيع بها خلع ملابس النوم لارتداء غيرها. أنا متعب، وقلبي يتقلّص، يذبل وجعاً».
لماذا لا يُحتفى بهذا المبدع بالشكل الذي يستحق، أو على الأقل، إعادة طباعة أعماله من وزارة الثقافة في سورية.
أما كتبه هذا العصفور بمثابة شهادة عن عصر عربي مليء بالكوارث الروحية التي تخترق ذاكرة النسيان وترميه بعيداً عن هذا الجيل ..