Alef Logo
ضفـاف
              

ثقافة الحب في مواجهة ثقافة الكراهية

محمد حبش

2010-06-27


مضى القرن العشرون صاخباً قلقاً بعد حربين عالميتين وأكثر من مائة حرب إقليمية مجنونة أودت بحياة نحو مائة مليون إنسان بين قتيل ومعاق في سجل دموي دفع السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة أن يعلن أن القرن العشرين ربما كان أكثر القرون دموية في تاريخ الإنسانية.
وعلى الرغم من مرور عقد كامل على دخول القرن الجديد ولكن لا يبدو أن تغيراًَ جوهرياً قد طرأ على الحياة ومن المؤلم أن نعترف بأن العنف لا زال على أشده في عشرات البؤر المتوترة في العالم، الأمر الذي يقتضي استنفار المخلصين من كل مكان في العالم لإعلان كلمة الحقيقة في رفض كل أشكال العنف والدعوة إلى السلام والإخاء العالمي.
ومع أن الأمة الإسلامية كانت إلى الثلث الأخير من القرن العشرين خارج دوائر الصراع العالمي ووقعت الحروب العالمية ومعظم الحروب الإقليمية بعيداً عن عواصمها ولأسباب غير إسلامية ولكن العنف سرعان ما ارتبط بالإسلام عبر ماكينة إعلامية يهودية عملاقة تديرها الصهيونية العالمية وقد أسهمت في تكريس هذه الحقيقة للأسف جماعات العنف الديني التي رفعت شعار الإسلام وانخرطت في الحروب العالمية ومارست المواجهات الدموية مع أشكال مختلفة من الأعداء لا تجمع بينها إرادة واحدة ولا سبيل واحد.
ويفترض هذا المشهد المؤلم توضيح الحقائق التي حملها الخطاب الإسلامي للعالم وهو الخطاب الذي رفع عنوانه القرآن الكريم في آية تلخص غايات الإسلام ومقاصده وهي قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، فلم يخص برحمته أمة دون أمة أو عصراً دون عصر أو شعب دون شعب، والرحمة مفهوم أبلغ من السلام فالسلام هدنة بين متحاربين قد يكون على قلوب تنام على ضغائن، ولكن الرحمة هي ما ينشأ بين المرء وأهله وبين المرء وإخوانه من الود والإيثار والتعاطف والتراحم.
وهذا المعنى الذي نتحدث عنه عززته آيات القرآن الكريم الطافحة بالمحبة والإخاء بين أبناء الإنسانية جمعاء فالقرآن يفتت خطابه بمناجاة علوية طهور وهي قوله تعالى الحمد لله رب العالمين ، ويختتم نصوصه بنداء مماثل رب الناس ملك الناس إله الناس، ولم يقل رب المسلمين ولا رب المؤمنين ولا رب العرب ولا رب العجم، وإنما رب الخلق أجمعين.
أما حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت أبلغ تعبير عن ثقافة المحبة ومقاومة ثقافة الكراهية، فقد عاش النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أكثر من نصف عمر الرسالة بدون سيف ولا رمح، وكان يتلقى الظلم من قومه والحصار والقطيعة ولكنه كان يحمل لهم دوماً خطاب الحب والرحمة، ومع أن عدداً من أصحابه الكرام قتلوا تحت التعذيب الإجرامي ولكنه ظل يبشر بعقيدة المحبة والتسامح.
وهكذا فقد ظل استخدام القوة حراماً حتى في إطار الدفاع عن النفس إلى أن أسس النبي الكريم دولته وجيشه وعند ذلك شرع القتال، وباستعراض سريع لغزواته e فإن الأيام التي حصل فيها التحام بين النبي وخصمائه لا تتعدى ستة أيام وهي تحديداً أيام بدر وأحد والمصطلق وقريظة وخيبر وحنين.
يوم بدر وقعت الغزوة عند ماء بدر وهو مكان يبعد عن مكة أكثر من ثلاثمائة كيلومتر وقد سارت إليها قريش بخيلائها وجبروتها لمحاربة النبي الكريمe ، أما أحد فإنها وقعت في ارض المدينة حيث سارت قريش لمحاربة النبي الكريم أكثر من أربعمائة وعشرين كيلومتر، وفي الخندق فإن النبي الكريم حفر الخندق حول المدينة وهي مكيدة لم تكن تعرفها العرب في محاولة منه لحقن الدماء، ومع أن قريشاً ظلت تستفزه أربعين يوماً حول الخندق ولكنه لم يشأ أن يأذن بأي قطرة دم تراق هناك وظل صامتاً خلف خندقه!!
كان فرسان قريش وغطفان ينادونه من وراء الخندق: يا محمد ! أليس تزعم أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار؟ فاخرج إلينا! ولكنه ظل صامتاً خلف خندقه يلتمس أن يهبه الله تعالى إرادة الصبر والثبات وحقن الدماء.
ومن كلام عمرو بن ود العامري يومذاك:
ولقد بححت من النداء لجمعهم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المناجز موقف القرن المناجز
ومن كلام ابن الزبعرى:
شهرا وعشرا قاهرين محمدا وصحابه في الحرب خير صحاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم قـتلى لطـير سغب وذئاب
وهكذا كانت رغبته العارمة بالسلم تمسك عليه أنفاسه فلا يستجيب لاستفزازهم في شيء.
وحين مكنه الله من رقاب أعدائه الذين حاربوه عشرين عاماً، وخاضوا ضده حروباً ضارية وقتلوا العشرات من أصحابه، وحين كتب له الله أن ينتصر وأقبلوا عليه مهزومين مغلوبين وقاموا بين يديه مقام الذليل من العزيز ومقام المنهزم من المنتصر قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!!
إن هذه الروح البيضاء التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم اليوم تشويهها عن عمد بيد الغزاة الحاقدين على تاريخنا وديننا، وبيد الغلاة الذين يندفعون لركوب العنف باسم الإسلام فيزيدون من روح القطيعة والخصام بين الإسلام والعالم.
متى سنمتلك الجرأة الكافية ونقول بملئ أفواهنا إن ثقافة الكراهية حرام في الإسلام، وأن النبي الكريم علم الناس الحب حتى مع المخالف في الدين، قال تعالى: ها أنتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم، وقال: إنك لا تهدي من أحببت، والكلام هنا عن وثنيين يعبدون الحجر من دون الله، وأن حربه مع المشركين كانت في إطار رد الظلم والعدوان ولم تكن أبداً بقصد التطهير العرقي أو الديني الذي ذاقه أهلنا مطلع القرن الجديد في البوسنة والهرسك وفي أرض فلسطين.
السؤال كيف نحمي وطننا من ثقافة الكراهية وتالياً من ثقافة التكفير، واضح أن ذلك لا يتم بمجاملة الثقافة الشائعة بل في مواجهتها ببسالة وشجاعة، والعودة إلى ضياء النص الحكيم الذي تم اغتياله في غمار رواج ثقافة الكراهية، والذي لا يزال نصه واضحاً لا يحتاج إلى أدنى تأويل: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، فكيف يمكن أن نفهم نص القرآن الكريم في نفي سيطرة النبي على الناس إذا اختاروا ما يشاؤون من العقيدة، ثم نقرر واجب الأمة في قتل المخالف أو المقصر في دينه؟ أو على الأقل وجوب كراهيته واحتقاره؟؟
إنه بكل تأكيد سلوك يتناقض تناقضاً صارخاً مع عقيدة الإسلام التي بشرت بالمحبة والسلام، وأعلنت في العالم أنه لا إكراه في الدين، وأن لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.
من وجهة نظري فإن إخاء الإنسان للإنسان هو رسالة الإسلام الكبرى وأنه لا ينبغي أن تدفعك مواقف الجاهلية للتنكب عن مشروعك الرباني في نشر الحب والخير، وهي حقيقة خالدة عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
مستحيل أن تكون ثقافة الكراهية هذه تنتمي إلى دين ينطق قرآنه: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، وتختصر شريعته بقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

محمد حبش : (كلنا شركاء) 23/6/2010

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ثقافة الحب في مواجهة ثقافة الكراهية

27-حزيران-2010

السلفية: المراحل والتحولات

21-حزيران-2010

الليبرالية والإسلام

22-أيار-2010

القرآن على سفوح جبال الألب .. ليالي الأنس في فيينا

26-حزيران-2009

على هامش مؤتمر الحوار الديني في معهد الفتح الإسلامي / الإسلام والغرب مرحى للحوار

30-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow