ألغاز الإنجيل / الأيام الستة الأخير أو أسبوع الآلام
2010-08-06
تُدعى الأيام الستة الأخيرة التي قضاها يسوع في أورشليم بأسبوع الآلام. وهي تمتد من يوم الأحد الواقع في 10 نيسان/إبريل إلى يوم الجمعة الواقع في 15 نيسان/إبريل وهو أول أيام عيد الفصح اليهودي. في مساء اليوم السابق للعيد أي يوم الخميس الواقع في 14 نيسان/إبريل (والذي سندعوه هنا بوقفة العيد)، يتناول اليهود في بيوتهم عشاءً طقسياً يُدعى عشاء الفصح. فما الذي قام به يسوع خلال هذه الأيام الستة التي انتهت بموته على الصليب؟ إن الأناجيل الأربعة ليست على اتفاق فيما يتعلق بأحداث هذه الفترة. فشهادة إنجيل يوحنا تُعارض شهادات الأناجيل الإزائية، وهذه بدورها غير متفقة فيما بينها.
فيما يلي من هذا البحث سوف نستعرض الروايات الإنجيلية الأربعة ونُقارن فيما بينها، لنصل إلى نتيجة مرجَّحة بخصوص ما حدث، لاسيما فيما يتعلق بيوم العشاء الأخير ويوم الصلب، لما لهذين التاريخين من أثر على العقيدة المسيحية.
رواية يوحنا:
وصل ركب يسوع إلى أطراف أورشليم في يوم الأحد 10 نيسان. ويبدو أن الوصول كان في وقت متأخر من النهار لأن يسوع توقف في بيت عنيا للمبيت. وعند المساء أعدت له الأسرة المضيافة عشاءً. وبينما كانت مرتا تخدم ولعازر متكئاً إلى المائدة بجوار يسوع، دخلت أختهما مريم وبيدها حُقَّة من عطر الناردين الغالي الثمن فدهنت به قدمي يسوع وراحت تمسحهما بشعرها... إلى آخر القصة التي عرضاناها وعلقنا عليها في مواضع سابقة (يوحنا 12: 1-8). في صباح اليوم التالي، الاثنين 11 نيسان، خرج يسوع في موكبه ودخل أورشليم حيث راح يُعلِّم في الهيكل، وفي المساء عاد إلى بيت عنيا (يوحنا 12: 20-49). وبما أن المؤلف لا يخبرنا عما فعله يسوع بعد ذلك عدا اجتماعه مع الاثني عشر لتناول العشاء الأخير مساء الأربعاء 13 نيسان، فإن المرجَّح أنه بقي في بيت عنيا يوم الثلاثاء وقبل ظهر الأربعاء. في وقت متأخر من مساء الأربعاء بعد العشاء الأخير تم القبض على يسوع وسِيق إلى بيت رئيس الكهنة حيث جرى استجوابه وجمع الشهادات ضده، وعندما أشرقت الشمس أخذوه إلى قصر الوالي الروماني من أجل المحاكمة الرسمية التي انتهت بإدانته وصلبه عند ظهر يوم الخميس 14 نيسان، أي وقفة عيد الفصح. ويغدو الجدول الزمني لأسبوع الآلام على الشكل التالي:
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
10نيسان 11نيسان 12نيسان 13نيسان 14نيسان 15نيسان
مبيت في دخول أورشليم. إقامة في إقامة في المحاكمة. يسوع في القبر
بيت عنيا. تعليم في بيت عنيا. بيت عنيا. الصلب منذ البارحة.
قصة حقة الهيكل. العشاء الأخير. والدفن.
الطيب. مبيت في الاستجواب.
بيت عنيا.
رواية مرقس:
وصل يسوع إلى أورشليم قادماً من أريحا في غور الأردن عصر يوم الأحد 10 نيسان دون التوقف في بيت عنيا، وتوجه من فوره إلى الهيكل حيث قام مع تلاميذه بجولة فيه. ولما وجد أن النهار قد تأخر ترك المدينة قاصداً بيت عنيا لقضاء الليل (مرقس 11:11). في صباح اليوم التالي، الاثنين 11 نيسان، عاد إلى أورشليم فدخل الهيكل وراح يطرد الذين يبيعون ويشترون في فنائه، وقلب مناضد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. فسمع الأحبار والكتبة وجعلوا يبحثون كيف يهلكوه. وفي المساء خرج من المدينة وبات في بيت عنيا (مرقس 11: 12-19). في اليوم الثالث، الثلاثاء 12 نيسان، رجع إلى أورشليم وراح يُعلِّم في الهيكل ويُجادل الأحبار والشيوخ والكتبة، وجواسيس الهيكل الذين كانوا يحاولون اصطياده بكلمة. وعندما حل المساء غادر الهيكل ولم يعد إليه ثانية (مرقس 11: 15- 33 و 12: 1-44 و 13: 1-37). في يوم الأربعاء بقي يسوع في بيت عنيا. وفي المساء أُعدّت له وليمة في بيت سمعان الأبرص، عندما دخلت امرأة مجهولة ومعها حقة من عطر الناردين غالي الثمن فسكبتها على رأس يسوع(·) (مرقس 14: 3-11). بعد ظهر يوم الخميس ترك يسوع بيت عنيا ليتناول عشاء الفصح مع تلاميذه في أورشليم ولم يعد إلى بيت عنيا أبداً. فبعد العشاء تم القبض عليه وسيق إلى بيت رئيس الكهنة. وفي يوم الجمعة أول أيام عيد الفصح حُوكم ثم صُلب. ويغدو جدول مرقس الزمني على الوجه التالي:
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
وصول أورشليم إحداث شغب تعليم في الهيكل. إقامة في إقامة في المحاكمة
وجولة في الهيكل. في الهيكل. مبيت في بيت بيت عنيا. بيت عنيا. الصلب
مبيت في بيت تعليم. عنيا. مائدة مسائية. عشاء الفصح والدفن
عنيا مبيت في بيت قصة حقة في أورشليم.
عنيا. الطيب. الاستجواب
رواية متى:
تختلف رواية متى عن رواية مرقس فيما يتعلق باليوم الأول فقط. فيسوع في رواية متى يُحدث الشغب في الهيكل حال وصوله في يوم الأحد، لا في اليوم الثاني كما هو الحال في رواية مرقس. وفيما عدا ذلك فإن متى يتبع بدقة رواية مرقس، ويغدو جدوله الزمني على الوجه التالي:
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
وصول أورشليم. تعليم في الهيكل. تعليم في الهيكل. إقامة في إقامة في المحاكمة
إحداث الشغب مبيت في بيت مبيت في بيت بيت عنيا. بيت عنيا. الصلب
في الهيكل. مبيت عنيا. عنيا. مائدة مسائية. عشاء الفصح والدفن
في بيت عنيا. قصة حقة في أورشليم.
الطيب. الاستجواب.
رواية لوقا:
يضع لوقا أيضاً حادثة الشغب في الهيكل في اليوم الأول لوصول يسوع وهو الأحد 10 نيسان. ثم ينتقل إلى القول: "وكان يُعلِّم كل يوم في الهيكل، وكان الأحبار والكتبة مع وجوه الشعب يطبلون أن يهلكوه." (لوقا 19: 45-47). وبعد ذلك تضيع العلامات الزمنية ولا ندري ما فعله يسوع يوماً بيوم، ولا متى كان يُغادر أورشليم أو يعود إليها وكل ما يقوله لوقا بهذا الخصوص هو إن يسوع: "كان في النهار يُعلِّم في الهيكل ثم يخرج ليبيت ليلاً في الجبل الذي يُقال له جبل الزيتون." (لوقا 21: 37). وبيت عنيا غائبة تماماً عن هذه الأحداث، ولا نعرف أين كان يسوع يقضي ليله. من هنا فلا مكان للمائدة المسائية التي أًعدَّت هناك ليسوع مساء الأربعاء أو لقصة المرأة التي سكبت زجاجة الطيب عليه في ذلك اليوم. أخيراً وبعد أن ينتهي لوقا من سرد خطب يسوع في الهيكل وجداله مع اليهود هناك (لوقا :20-21) نجد أنفسنا في وقفة عيد الفصح: "وجاء يوم الفطير الذي تُقرَّبُ فيه ذبيحة الفصح." (لوقا 22: 7). يلي ذلك عشاء الفصح مساء الأربعاء، ثم القبض على يسوع واستجوابه ومحاكمته صباح الخميس. ويغدو جدول لوقا المضطرب على الوجه التالي:
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
وصول أورشليم.
إحداث الشغب <..........تعليم في الهيكل..........> عشاء الفصح. المحاكمة.
في الهيكل. الاستجواب. الصلب
والدفن.
وفيما يلي سوف نجمع الجداول الزمنية الأربعة في جدول واحد لتسهيل المقارنة بينها:
الجدول الزمني لأحداث
أسبوع الآلام:
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الأحد مبيت في بيت عنيا. دخول أورشليم. دخول أورشليم. دخول أورشليم.
10نيسان جولة في الهيكل. إحداث شغب في إحداث شغب
مبيت في بيت عنيا. الهيكل. مبيت في في الهيكل.
بيت عنيا. ؟
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الاثنين دخول أورشليم. إحداث شغب في تعليم في الهيكل. تعليم في الهيكل
11 نيسان تعليم في الهيكل. الهيكل. تعليم. مبيت في بيت ؟
مبيت في بيت عنيا. مبيت في بيت عنيا. عنيا.
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الثلاثاء إقامة في بيت عنيا. تعليم في الهيكل. تعليم في الهيكل تعليم في الهيكل
12 نيسان مبيت في بيت عنيا. مبيت في بيت عنيا. ؟
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الأربعاء إقامة في بيت عنيا إقامة في بيت عنيا إقامة في بيت عنيا تعليم في الهيكل؟
13 نيسان قبل الظهر. العشاء مائدة مسائية. قصة مائدة مسائية. قصة ؟
الأخير. الاستجواب. حقة الطيب. حقة الطيب. ؟
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الخميس المحاكمة إقامة في بيت عنيا إقامة في بيت عنيا ؟
14 نيسان الصلب، قبل الظهر. عشاء قبل الظهر. عشاء ؟
والدفن. الفصح. الاستجواب. الفصح. الاستجواب. عشاء الفصح
الاستجواب.
إنجيل يوحنا إنجيل مرقس إنجيل متى إنجيل لوقا
الجمعة يسوع في القبر المحاكمة المحاكمة المحاكمة
15 نيسان منذ يوم الخميس الصلب الصلب الصلب
والدفن والدفن والدفن
إن الاختلافات التي يظهرها هذا الجدول بين الأناجيل الأربعة بخصوص أحداث أسبوع الآلام تنقسم إلى نوعين؛ النوع الأول اختلافات غير جوهرية يمكن عزوها إلى اضطراب ذاكرة الأشخاص الذين روى عنهم الإنجيليون أحداث ذلك الأسبوع، مثل تاريخ دخول يسوع إلى أورشليم، وما إذا كان قد أحدث الشغب في الهيكل في اليوم الأول أم في اليوم الثاني أم لم يحدثه في ذلك الأسبوع. أما النوع الثاني فاختلافات ذات أثر بعيد على العقيدة المسيحية، ولا يمكن عزوها إلا إلى اختلاف المواقف الفكرية للمؤلفين أنفسهم. ذلك أن المضامين اللاهوتية لتناول يسوع العشاء الأخير في وقفة العيد، تختلف عن المضامين اللاهوتية لتناوله ذلك العشاء في اليوم السابق للوقفة. وكذلك الحال فيما يتعلق بموته على الصليب عشية اليوم الذي يضحى به بحمل الفصح، أم في اليوم الأول للفصح.
سوف نبحث موضوع يوم موت يسوع في وقت لاحق، ونتفرغ في البحث التالي ليوم العشاء الأخير وهل كان عشاء فصح أم لا. ولكن بعد الاستطراد التالي:
العشاءات الثلاث:
لدينا ثلاث عشاءات تناولها يسوع مدعواً مع تلاميذه تتداخل فيها الأحداث وهي:
1-العشاء في بيت عنيا مساء الأحد قبل الدخول إلى أورشليم، عندما جاءت مريم وسكبت الطيب على قدمي يسوع (إنجيل يوحنا).
2-العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء/وقفة العيد، عندما دخلت امرأة مجهولة وسكبت الطيب على رأس يسوع (إنجيل مرقس ومتى).
3-العشاء الأخير مساء الأربعاء/وقفة العيد (إنجيل يوحنا).
وكما نلاحظ فإن عشاء مساء الأحد في اليوم السابق لدخول أورشليم، يشترك مع العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء في عنصر حُقة الطيب التي سُكبت على يسوع.
كما يشترك العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء، مع العشاء الأخير عند يوحنا، بأن كلا العشائين تما في مساء يوم الأربعاء.
ويشترك العشاء في بيت سمعان الأبرص مساء الأربعاء، مع العشاء الأخير مساء الأربعاء، في أن يهوذا الاسخريوطي غادر العشاء في نهايته من أجل تنفيذ خطته الرامية إلى تسليم يسوع. نقرأ في إنجيل يوحنا: "ثم غمس يسوع اللقمة ورفعها وناولها يهوذا بن سمعان الاسخريوطي، فدخل فيه الشيطان بعد اللقمة. فقال يسوع: افعل ما أنت فاعل ولا تبطئ... فتناول اللقمة وخرج من وقته." (يوحنا 13: 26-30). ونقرأ عند متى في نهاية قصة العشاء عند سمعان الأبرص: "فذهب أحد الاثني عشر وهو يهوذا الاسخريوطي إلى الأحبار وقال لهم: ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه لكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة." (متى 26: 14-16).
يتحول عنصر قيام مريم بسكب الطيب على قدمي يسوع ومسحهما بشعرها في عشاء يوم الأحد، إلى عنصر قيام يسوع بسكب الماء على أقدام تلاميذه وتجفيفها بمنديل.
أما لوقا فلم يكن في روايته مكان لعشاء تقوم فيه امرأة بسكب حقة الطيب على يسوع، لأنه روى لنا قصة مماثلة حدثت في مطلع حياة يسوع التبشيرية، عندما دعاه رجل فريسي اسمه سمعان، وبينما هو جالس إلى المائدة دخلت امرأة خاطئة ومعها حقة طيب...إلخ (لوقا 7: 36-50). ومع ذلك فإن في قصته المبكرة زمنياً ملمح مشترك مع عشاء يوم الأربعاء في بيت سمعان الأبرص، وهو أن كلا الشخصين الذين دخل يسوع بيتهما للعشاء يُدعيان بالاسم سمعان.
وهذا نموذج يدل على مدى الاضطراب في الأخبار التي حفظها لنا الموروث عن يسوع، وعلى كيفية استعارة الرواة عناصر أخبارهم من مصادر متداخلة شتى.
· بما أن مرقس قد تجاهل وجود لعازر وأختيه في حياة يسوع، فإنه لم يخبرنا عن مكان مبيت يسوع في بيت عنيا، ولم يخبرنا عن هوية هذه المرأة التي نعرف من رواية يوحنا للقصة نفسها أنها مريم. وقد طابقنا في بحثنا السابق "مشكلة إنجيل يوحنا" بين بيت سمعان الأبرص وبيت الإخوة الثلاثة، فليراجع في موضعه.
عن موقع الأوان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
01-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
13-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |