الحبُ تحت أقدامِ الطغاةِ
خاص ألف
2010-08-15
مُنحدراً من جبالِ الجوزِ ،تاركاً وراءَه هواجسَ الموتِ في جبهةِ الحربِ ،فائرَ الشوقِ للحبيبةِ .. طارَ الجنديُّ حسين ،كجرادةِ صحراء نحو سيارةٍ تَحَركت متوجهةً إلى بغدادَ. وعن طيبِ خاطرٍ ، أخلى ركابٌ مشفقون مكاناً للمحاربِ المدججِ بجسدٍ هزيلٍ ضامرٍ تحت بذلةٍ عسكريةٍ كالحةْ ، تعلوهُ جمجمةٌ مغلفةٌ بجلدٍ أسمرَ مخددٍ يغطي صفرةً صَنَعَها الجوعُ والخوفُ , وبحقيبةٍ صغيرةٍ يحتضنها .
أغمضَ حسين عينيه وأسلمَ رأسَهُ لألفِ فراشةٍ رفرفت وحَمَلتهُ قبل الموعدِ إلى حبيبتهِ . لم تصدق بعد شهورِ غيابٍ ستة أنها تراهُ . شَهَقتْ .. صَرَختْ , ثم احتضَنتهُ ملتاعةً وانهَمَرت فوق خديهما دُموعهُما والقبلاتُ . تأمَّلَ طويلاً في وجهِ سُنبلته ِالحنطيّ الشاحبِ ، في عينين ممتلئتين شوقاً وانتظاراً وضحكاتٍ غافياتٍ على شطآنِ ألمِ الفراقِ ، وفي شفتين ذابلتين عاريتين إلاّ من عذوبةٍ لا تنضب . لكن الليلة .. الليلة ، سيوقظُ حبهُ الضحكاتِ ، أما الشفتين فسوف تضجّان إشراقاً باللونِ الأحمرِ .
كانت قد قالت مرةً أنها يحلو لها أن تصبغَ شفتيها بالديرم مثل غيرها من النساءِ . لم لا وهي أحلاهن ؟ وهاهو قد أحضرَ لها معه ثمرةَ جوزٍ مازالت بقشرها الأخضر تدحرجت أمامه على أرضِ الجبلِ فالتقطها . عجيبٌ أن يصبغَ هذا القشرُ الشفاهَ باللونِ الأحمر ، لكنها قالت هوذا الديرم .
سنرى إنْ كان سيزيد فوق عذوبةِ شفتيك عذوبةً ، قال لها وضمَّها إلى قلبه في لهفةٍ وحنانٍ ودفقاتٍ حارةٍ تنبجسُ من أعماقهِ فتبعث النشوةَ في أوصاله . ظلَّ يضمُ حبيبته وينتشي وترسم دغدغةُ النشوةِ ابتسامةَ الرضا على فمهِ . كان ملتصقاً بحقيبته مثبتاً عليها بقوةٍ وهو مبتسمٌ حين فجأة فرَّت الفراشات .
- أنت أيها السعيدُ .. ترجَّل . قال الضابطُ الآمرُ في نقطةِ التفتيشِ وهو يشيرُ بأصبعهِ لحسين .
همْهَمَ الركابٌ الرحماءُ " ليحرسك الله " في صمت ، فهؤلاء يسمعون بقدر خمسة أضعاف مايسمع البشر . لكن حسينا لم يكن خائفاً منهم فهو يحمل ورقةَ إجازةٍ رسمية وليس هارباً.
رفع الضابطُ ثمرةَ الجوزِ إلى مستوى عينيه وقد وقعت في يده وهو ينبشُ في حقيبةِ
حسين :
- أو يعجبك أنت أيضاً أن تتزين لك الليلة ؟ قال هازئاً واستدارَ نحو فريقهِ . ماقولكم؟
أجل سيدي .. إنها ليلةُ الخميس . قال أحدهم . يريدها ليلةً حمراء سيدي . قال آخرٌ.
تقاذفوا الجوزةَ فيما بينهم حتى سقطت على الأرض بين أقدامهم , ثم تعالت أصواتُهم بالضحكِ الفاجرِ وهم ماضون يلهون بقلبهِ ،ينتهكون سرَّهُ الحميمَ و يقضمون كرامته بأنيابهم . لم تستطع نظراتُه أن تواجهَ الشرَ المنبعثِ من عيونهم المتوحشة فهو يريد العودةَ إلى حبيبته .
جمعَ ما تبعثرَ من أشيائهِ في حقيبتهِ وترَكَ الجوزةَ المدنسةَ وصعدَ إلى السيارةِ مثلومَ القلبِ . لن تعرف الحبيبةُ منه شيئاً عن حُلمهِ الذي بعثرَهُ الأبالسةُ ، وسيأتيها بالديرم في إجازتهِ القادمةِ فأرضُ الجبلِ مليئةٌ بأشجارِ الجوزِ . جاهدَ في أن تبقى الدموعُ معلقةً في عينيهِ حتى يلتقيها .. ويبكيان معا لحظةَ العناقِ .
×××××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
29-كانون الأول-2017 | |
23-كانون الأول-2017 | |
25-تشرين الثاني-2017 | |
09-نيسان-2016 | |
07-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |