المضحك ... المبكي... في المهرجان المسرحي الرابع للماغوط
خاص ألف
2010-08-15
خاص ألف
نعم لقد أحسسّتُ بالحزنِ و بالخجلِ والعارِ حين طلبَ مني ذلك الشابُ البلجيكيُّ الذكيُ واللطيفُ ( غابرييل) والذي يُحضّر لرسالةِ دكتوراه بأدبِ الماغوط، و يعمل على ترجمةِ شعرهِ إلى اللغةِ الفرنسيةِ، أن يزورَ ضريحَ و بيت الشاعر، لم تكن المشكلةُ في البيتِ الصغيرِ والجميلِ في سلميةَ والذي كان ينتظر عودةَ محمد التي طالت في السابع عشر من نيسان (في عيد الجلاء) بفارغِ الصبرِ غير أن محمداً لم يستطعِ انتظارَ الربيعَ ،فعاد هكذا و فجأةً وبدون موعدٍ مُسبقٍ لأنه يكره أساسا ً الأشياء المسبقة والمعدَّة سلفاً عاد وللمرة الأخيرة عودة لا رجعة عنها جسداً مسجَّى و ليُسْتَقْبَلَ بعرسٍ قلَّ نظيرهُ في المدينة .
بيتهُ البسيطُ هذا الذي يريد غابرييل زيارتهُ يفتقد لأي أثر ٍ من أثارهِ أ و أي شيءٍ من أشيائهِ، لكن وكي أخرج من إحراجي قلت لغابرييل بأن ما يخصّ محمداً ما زال في بيتهِ الذي سَكَنَهُ في دمشق، ولكن لم أتخلص من الحرج حين وصلنا إلى قبرِ الماغوط المحشورِ بين قبورِ من ماتوا من عائلتهِ والمشغول على عجلٍ والمحاصر بالإهمالِ والنسيانِ والشوكِ الذي يحيطُ بالضريحِ ، قبرُ الماغوط بالكاد يمكن أن تتعرف إليه فلا اسمٌ واضحٌ ولا شيءٌ يدلُ على المكانِ الذي يرقدُ فيه نافخُ الروحِ في قصيدةِ النثرِ ، هذا المنسيُ في مدينةٍ أنْجَبَتهُ وطرَّزَتهُ بتاريخِها ومواويلِها وغبارِها ليطرِزَهَا بخالصِ حبهِ ولينجبها في قصيدةٍ معلقةٍ على أشجارِ القادم.
محمد الماغوط وكأن هناك من ينسج حولهُ شباكَ النسيانِ لولا ثلة ٌمن الشبانِ الصغارِ الذين يصرّون في كلِّ عامٍ وفي ذكرى وفاتهِ أن يذهبوا إلى قبرهِ ويضعوا عليه إكليلاً من الوردِ و ليقرأوا بعضَ قصائدهِ الخالدةِ، ويشعلوا السجائرَ ويضعونها على الضريحِ وفاءً لعشقهِ الأبدي للتبغ الذي لازمه حتى آخر نفس ٍ من أنفاسهِ
نعم أحسسّت بالعارِ.. والحزنِ ...والغثيانِ ...! وخصوصاً..حين سألني غابرييل هل يوجد شارعٌ ،مدرسةٌ ،أو أي مَعْلَم ٍ باسمِ الشاعر قلتُ فرِحاً : بلى.. ولكني عدتُ إلى تجهمي حين تذكرتُ الحديقةَ التي تطل ُعليها نافذة وشرفة بيتي والتي لا تحوي إلا عدداً محدودا ً من شجرِ الزنزلخت وعشبِ النسيانِ ،و حيثُ حاصرَ بابُها الغربيُ كومة ًمن أكياسِ الزبالة وبابُها الجنوبيُ كومةً مماثلةً أخرى ، هذا المَعْلمُ الذي بات يساهمُ في الليلِ في حلِّ مشاكلِ المارة والسكارى في التبولِ بل قل وفي بعض الأحيان شكل حلاً لقضايا ( نووية) ومن النوع الثقيل.
وزاد تجهمي و اكتئابي حين تذكرتُ التمثالَ المركونَ في أحدِ البيوتِ والذي أعدَّه فنانٌ - للأسفِ غاب اسمهُ عن ذهني الآن- والذي قررتِ البلديةُ حسبَ علمي وضعه في ساحةِ المدينة ثم غيَّرت رأيها فجأةً وقررت وضعه في الحديقةِ
المذكورة ولكن التمثالَ ما يزال مركوناً في ذلك المنزلِ رغم أن قاعدتَهُ جاهزةٌ وموجودةٌ ...!!!؟؟ بالطبع هذا مؤلمٌ ومحزنٌ ومؤسفٌ لكن المحزنَ والمؤسفَ والمؤلمَ أكثر ويثير الغثيان... هو ذلك المهرجان الذي سُمي بمهرجانِ الماغوط المسرحي والذي أنهى دورته الرابعة هذا العام، والذي وإن بدأ معقولاً إلا أنه انتهى هذه السنة مسخا ً مشوّها ًوهو باعتقادي واحدة من الخيانات المرتكبة بحق الماغوط كمبدع .. وكشاعر ...وذلك للأسباب التالية التي تتلخص في أن بعض القائمين على المهرجانِ لا يسعون إلى تكريسِ المهرجان كتظاهرةٍ ثقافيةٍ حضاريةْ ، بل يسعون كما هو واضحٌ لأغراضٍ شخصيةٍ ونجوميةٍ أكثر مما يعملون لترسيخِ ظاهرة مسرحية وثقافية ،حيث بات واضحاً أن الفرديةَ هي اللاعبُ الأساس في هذا المجال الذي لا ينبغي تحت أي مبررٍ أن تسيطرَ فيه مزاجيةُ فردٍ واحد.. أحَدْ لا يأتيه الباطلُ .
و طالما أن المهرجانَ هو مهرجانُ الماغوط المسرحي إذاً ما معنى ألا تُقَدَم أيةُ مسرحيةٍ للماغوط لا في العام الماضي ولا هذا العام ؟؟!!
والخيانةُ الكبرى بل الجريمةُ الكبرى في اعتقادي هي إبرازُ الماغوط المسرحي على حسابِ الماغوط الشاعر فالمعروف أن الماغوط أولا وأخيرا ًهو شاعرٌ, وشاعرٌ مهمٌ في تاريخِ الأدب العربي لا بسببِ إبداعه الأدبي المميز من حيث النوعيةُ فحسب بل وبسببِ تأصيله لشكلٍ شعري جديد ( قصيدة النثر ) حيث ساهمَ مع من سَبَقًهُ ومن لحقه في تكريسهِ، وتكمُن أهميته تحديداً في إعطاءِ الشرعية وجواز المرور لهذا الشكل بالعبور إلى عالمِ الشعرِ في الأدب العربي رغم كلِّ العوائقِ ، فمحمد هو شاعرٌ قبل كلِّ شيءٍ وقبل أي اعتبارٍ لأنَّ إبداعَهُ الأساس هو في الشعرِ وليس في المسرحِ ولا في الروايةِ وقد يكون هذان الجنسان الأدبيان هما الأضعفُ في سلسلةِ إبداعه ، والصحيحُ أن يُكرم الماغوط شعرياً، وهنا لا نحمل مسؤوليةَ هذه الجريمة لإدارةِ المهرجان المسرحي بل المسؤول حصرا ً هو الفوضى و اللا مسؤولية لأن القائمين والمسؤولين عن الثقافةِ أساساً لا تربطهم بها صلةُ رحمٍ لا من بعيدٍ ولا من قريبْ ؟!.
ولكن المضحك والمبكي والذي وصلَ إلى حوافِ المسخرةِ هو التكريمُ الذي تمَّ ويتمُّ في المهرجانِ والذي لا مبررَ له، فالعديدُ ممن كُرِموا – في حقيقةِ الأمرِ - ليسوا بمستوى التكريم الإبداعي( مع احترامنا الشخصي الشديد لهم ) إذ كان يمكن أن نكرّم بَعضَهم في عيدِ الأول من أيار ( ما معنى أن نُكرّم شخصاً ملخصُ إبداعهِ يكمن في تشغيلِ أجهزةِ الصوتِ في المركزِ الثقافي ) ، كما كان يمكن لمدير المهرجان أن يكرّم البعضَ الآخرَ في عيدِ ( الأب) منشداً له
(هابي بيرزدي تو بابا )
أما السؤالُ المهمُ الذي نلقيه في وجوهِ المعنيين كيف يتجرؤون على تكريمِ شاعرٍ لا تربطه صلةٌ بالماغوط ِلا شكلاً ولا مضمونا ًولا ثقافةً ولا إبداعاً ,هذا الشاعرُ المكرمُ حين لم يجدِ من يَمْدَحهُ مَدَحَ نفسه بمقالٍ منشورٍ في جريدةِ تشرين ...!!؟؟ ولكي لا يكون كلامي هذا في الفراغِ سأقدمُ بعضَ ما وجدته في ديوانٍ من دواوينِ هذا الشاعر الذي لا يتوقف عن الادعاءِ بانتمائهِ إلى فكرٍ سياسي أحد أهم مرتكزاته التاريخُ القديمُ لسورية وما يحملهُ هذا التاريخُ من حقائق وأساطير... أنا هنا لن أتحدث عن الركاكةِ الشعرية التي يكتبُ بها الشاعرُ ولا عن الصورِ والمفرداتِ المكرّرة للمرة المليون ولا... ولا ..ولا فمن أراد ذلك سأدلَّهُ على دوواينه إنما سأتحدث فقط عما وَرَدَ في هذا الديوان من شرح لبعض المفردات لنرى أي مستوى ثقافي ومعرفي لشاعرنا المكرّم في مهرجان الماغوط المسرحي الأخير وفهمكم كافي ، يُعرّف شاعرنا الغجرَ كالتالي :جماعات تنتسبُ إلى التتارِ!!؟؟ من أين جاء بالتتارِ ؟؟علماً أن أغلبَ المصادر تُعيد أصولَ الغجرِ إلى الهندِ ويربطون لُغتَهم باللغة السنسكريتية
ويعرّف مبدِعُنا كلمةَ ( اليم )على أنها المياهُ الغزيرةُ – وهذا والله صحيح – ولكن ما هو غيرُ صحيحٍ -أن صاحبنا يا عالم ياهو- اعتبرها كلمةً عاميةً........!!!!؟ونسيَ أن المفردةَ قد وَرَدَتِ في القرآنِ الكريم ِ( هذا إنْ كان شاعرُنا فرضاً قد اطلع عليه)
لكن المضحكَ المبكي – كما أسلفتُ - أن الشاعرَ مُدّعي الانتماء لفكر ٍ يستندُ للتاريخِ القديم يُعرّف الفينيقَ (وهو الطائرُ الأسطوريُ ) ... بأنه طائرٌ من طيورِ البحرِ...!!؟؟ والأنكى من ذلك أنه يعيشُ علىالشطآن كما يزعم الشاعرُ المبدعُ
من المحزنِ أن يتمَّ ذلك في مدينةٍ كسلمية .. التي بات القائمون وسواهم يتجاهلون مبدعيها ويقتلونهم نسياناً وإهمالاً وفوضى أليس من العارِ أن تكون جنازةُ وتعزيةُ مبدع كعلي الجندي أصغرَ بكثيرٍ من جنازةِ أي تاجرٍ أو صائغٍ أو وصولي ؟؟!! نسيت أن أخبركم أنه وبعد أن عدتُ من جولتي مع صديقي غابرييل .. لا أدري لماذا عدتُ إلى غرفتي وبكيتُ،غيرأنه بعد انتهاءِ المهرجان المسرحي الرابع لم أستطع أن أصل إلى بيتي قبل أن أجهش بالبكاء...!
×××××××××××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
15-آب-2010 | |
29-أيار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |