عادل محمود: إغراء الجائزة جعلني أكتب أول رواية في حياتي في واحد وعشرين يوماً حاوره:
2010-08-18
تراه "تائها" في شوارع دمشق بشعره الأبيض وسكسوكته المشذبة ، شارداً بقصيدة ما أو"امرأة تجلب الفرح". لدى اقترابك منه تشعر بهيبة الشاعر وحضوره الطاغي الذي يطغى عليك بدماثته ورقة كلامه الذي ينبهك للانتباه من "ربما".
"الدستور الثقافي" التقى الشاعر في مقهى الهافانا ، وأطل على تاريخه وشعره و"خيانته" للشعر لصالح الرواية التي فاز بها بجائزة دبي عن روايته "إلى الأبد ويوم".
من الشعر اتجهت إلى الرواية ، لماذا هذه الخيانة للشعر ، هل لأن الزمن هو زمن رواية؟
- تراودني كتابة الرواية منذ زمن ، وكانت الذاكرة على طول مسيرتي تزدحم بأحداث وتواريخ وأمكنة وسفر وأشخاص شكلوا في حياتي نوعاً من بشارة الامل والالم ، لذا كانت الرواية لاستعادة من غابوا وتذكر من بقي منهم.
الشرارة التي جعلتني أكتب بانضباط ، أي أن أجلس وأكتب بشكل يومي ومستمر ، هو إغراء الجائزة ، لولاها ماكان لذلك أن يحدث ، فقلت يجب أن أدخل امتحان الرواية بعد أن دخلت امتحان الشعر ، وهذه فرصة التحدي الحقيقية. وكان أن كتبت أول رواية في حياتي في واحد وعشرين يوماً.
وهذا النص ليس بديلاً عن الشعر. تكويني تكوين شاعر وليس تكوين روائي ، ويمكن أن أسمي نفسي حكواتي شفوي ، وليس عندي الجلد على الجلوس الطويل. لذا أكتب زاوية وليس مقالاً.
هل يمكن القول إنه لولا الجائزة لما كتبت الرواية؟
- كنت سأكتبها مؤكداً ، ولكن ليس في هذا الوقت ، الجائزة دفعتني لأن أكتبها في ذاك الوقت ، ولو لم أكتبها آنذاك لكنت كتبتها فيما بعد ، خاصة أن معظم شخصيات روايتي هي حقيقية مئة بالمئة. وكانت فترة كتابتها مؤلمة لي ، ورغم أنها مؤلمة ، فقد استطعت أن أرى الماضي بعين انتقائية ونزيهة.
تقول إن الشخصيات في الرواية حقيقية ، وأنك أردت أن تستعيد الماضي ، هل لهذا قلت في الرواية:
ادفنوني واقفا
فقد أمضيت حياتي كلها
راكعا على ركبتي
هل هذه العبارة تعبر عن جيلك؟
- عندما بدأت كتابة الرواية كنت واعيا أن استعادة الماضي روائيا يجب أن لا تكون على طريقة النحيب والوقوف على الأطلال ، ويجب عدم تذكر الماضي بطريقة النوستالوجيا ، رغم أن الرواية تتحدث عن شخص يعود من الأسفار إلى قريته ويحفر قبراً ، منتظرا نهاية حياته. ستجد أن الرواية بدأت بحفر القبر ، وانتهت بانبعاث للحياة ، أي أن الرواية كان فيها نوع من الرثاء دون الانسحاب إلى الماضي والعيش فيه.
قدمت من الريف أنت ومجموعة من الشباب في الستينات إلى دمشق ، هؤلاء الذين سيشكلون فيما بعد المشهد الثقافي السوري ، منهم حيدر حيدر وممدوح عدوان وعلي كنعان وميشيل كيلو...كنتم تحملون مشاريع تغيير وأحلاماً ثورية؟ هل تحدثنا عن تلك الفترة؟ صف لنا دمشق الستينات كيف رأيتها؟ وهل من فرق بينها وبين دمشق الآن؟
- دمشق برأيي هي إحدى أهم المدن القديمة في التاريخ التي تملك سعة صدر وقبر على كل المحن ، وأنا مرة سميتها "المدينة المؤلفة من بقايا المصائب" ، فمدينة دمشق بحكم كونها مدينة تجارية عبر التاريخ وكونها تقع على طريق الحرير ، كانت محط أطماع الغرباء والغزاة الذين كانوا يأتونها للعمل أو التجارة ، والدليل على ذلك أنها مدينة تستوعب الغرباء ، ففيها حي يسمى حي المهاجرين ، وقطنه أولئك الذين جاؤوا من بلادهم هاربين ، وهذه المدينة لا أقول أنها تستوعب الغرباء بسهولة ، ولكنها تقف على مسافة معقولة وعقلانية مع الغرباء.
أعتقد أن موجة المجيء إلى دمشق بعد الستينات ، أي بعد انقلاب الثامن من آذار لم تكن دمشق مرتاحة له ، ولم تكن دمشق تلاحظ هذا الانقلاب ، الذي كان يطرح تغييراً في السياسة ، أي تغييراً في بنية النظام من البرجوزاية إلى شعارات لم تكن مقبولة على الاقل دمشقياً ، ومع ذلك تعاملت دمشق مع الموجة الجديدة بنوع من الاحتواء والاستيعاب.
وبالنسبة للأشخاص الذين لهم علاقة بالأدب والثقافة أظن أن دمشق لم تدخلهم بيتها ، ولذلك نرى أن كل النصوص الموجودة تقريباً تستعيد أو تستذكر الماضي أكثر مما تتحدث عن الحاضر. وكان هناك نوع من الحنين الريفي الرومانسي إلى البيئة الأولى ، طالما أن هذه البيئة لم تقبلهم ولم تحتضنهم كغرباء. ولم تكن النصوص التي كتبت على مستوى الحلم ، لقد كانت الاشتراكية حلما ، ولكنها على أرض الواقع لم تقدم شيئاً.
بماذا كان يحلم عادل محمود آنذاك على الصعيد الشخصي؟
- كانت الأحلام منقسمة ، على الصعيد الشخصي تتمحور حول أن أتعلم وآخذ شهادة وأشتغل وأتوظف بعيداً عن الصفاء الريفي ، خاصة أن فرص العمل في الريف نادرة ، وأنا لم أعمل يوما إلا كاتبا وصحفيا. وكان لدي حلم آخر ، هوأن أعيش لزمن تتحقق فيه العدالة الاجتماعية ، وأن تتحرر فلسطين. وأسوأ الأحلام في ذلك الوقت هو اليقين وليس بالحلم أن فلسطين يمكن تحريرها ، وأن إمكانية تحريرها مسألة قرار وليس مسألة إعداد ، وجيلنا ، هو جيل 67 ، وبدأ يدرك هذا الجيل أن الإعداد لفلسطين شعارات لا أكثر ولا أقل.
لقد خطط للحرب آنذاك بضباط الولاءات وليس بضباط الكفاءات ، ولو قيست الحرب سواء بزمن الانفصال أو الوحدة فهي ليست رابحة بأي حال ، وليس من السهل على الانسان أن تنتقل أحلامه بهذه السرعة.
عندما بدأ جيلكم الكتابة كان في الساحة الشعرية السورية أسماء مكرسة ومعروفة: أدونيس - علي الجندي - محمد الماغوط - بدوي الجبل - وأخرون ، كيف كانت علاقتكم معهم شعريا؟ هل اصطدمتم بهم ؟ خاصة وأن الصراع كان في ذروته بين شعراء النثر والتفعيلة؟ أين كنت من هذا الصراع؟
- أنا لا أستطيع أن أحكي عن جيل بأكمله حتى لا أقع ببعض الأخطاء ، لذا سأتحدث عن تجربتي الشخصية. لم أعش تجربة الصراع بيني وبين نفسي بأي شكل من أشكال الكتابة التي كتبتها ، لأن الامور كانت محسومة عندي منذ البداية ، فقصيدة النثر كانت خياري منذ البداية ، ولأسباب عديدة ، رغم هيمنة هذه الأسماء التي كانت موجودة.
كنت مؤمناً تماماً أن الشعر لا يتحمل حمولة باهظة لها علاقة بالقضايا ، الشعر وظيفته نثر الحياة أو نثر القضايا إلى شعر ، فبهذه الطريقة تنظم القضايا ولا تأكلها. وبالتالي ، فإن الشعر مسألة شخصية يأخذ بعين الاعتبار تكوينك الإنساني وظرفك وبيئتك ، أي أنت بتكوينك إنسان لديك همّ ، وعندك ألم وأمل ، وعندك تجربة وعندك فراق وعندك موت.. حياة.. إلخ.
كل هذه الحلقات تستحق أن تكون قضية الشعر ، لأن الشعر تجربة ، وليس تلك القضايا التي يعلمونها في المدارس: الشعر القومي والشعر الاجتماعي والشعر الوطني ، وشعر المهجر ، وشعر فلسطين. أنا كنت من البداية ضد هذا الشعر،.
نجد أن أغلب شعراء جيلك بدأوا بالتفعيلة وانتهوا إلى النثر ، من أين أتيت بهذا الوعي آنذاك لتنحاز مباشرة إلى قصيدة النثر؟
- قبل حرب الـ 67 وخلالها لم أكتب الشعر. وبعدها شاهدت انهيار القصيدة ، وانهيار المقاتلين وانهيار الحلم ، وكنت أقرأ قصيدة "حربجية" ، كنت أشاهد نبرة حزينة في وصف الهزيمة ، أي كنا ننتقل من وصف حلم النصر والتحرير والعدالة الاجتماعية إلى وصف الحلم المنكسر والأرض المحتلة ، والكارثة بالأرض ، وننتقل من الخطاب "الحربجي" إلى الخطاب المهزوم ، ثم إلى الخطاب الآمل ، وكنت ألاحظ أن الشعراء مدفوعون بمراحل كثيرة وطويلة في التاريخ.
في الأدب العربي نلاحظ قصائد كثيرة لفائدة ما. إما يكون وزير إعلام القبيلة (بالصوت والصورة ) ، وإما على باب الخليفة للدراهم. قليلون هم الشعراء الذين مروا في تاريخ الأدب العربي بشخصية الشاعرـ منهم بعض الصعاليك ، ومنهم بعض التراجيديات الموجودة في قصائد الجاهلية.
في الشعر الحديث مثلا ، قرأت عبد الوهاب البياتي بصعوبة ، وكان عندي جلسات نقدية بصورة مبكرة مع علي الجندي ، وقرأت السياب ، والسياب عنده شعر رديء كثيراً ، ولو سألت أي أحد عن السياب سيقول لك "أنشودة المطر" وستكتشف أن من قرأ السياب هم قلة قليلة ، وهكذا ، شيئاً فشيئاً لما بدأت كتابة قصيدتي الأولى ، نشرتها بصحيفة البعث أو الثورة لم أعد أذكر ، اكتشفت وقتها كيف يمكن للشخص أن يحكي عن"حالو" بوضوح ، حتى لو كانت كمية الشعر قليلة ، فالشاعر يحكي حالته ، بمعنى أنت تنقل الواقع إلى القصيدة ، تدخل القصيدة إلى مختبرك وتخرجها قصيدة ، فلا بد أن يخرج "شغلة" شعرية. هذا في البدايات.
ورغم ذلك أنا واحد من حفظة الشعر التقليدي وأستمتع بذلك ، ومن الناحية النظرية ليس عندي أي اعتراض على أي شاعر ، اكتب ما شئت: قصة ، رواية ، شعر ، شعر تفعيلة ، سطر وراء سطر ، جملة وراء جملة..المهم هووجود المتعة ذات الطبيعة الجمالية ، كما يحدث عندما تستمع إلى موسيقا غامضة ، قد لا تسمع شيئاً ولا تفهم أي شيء ، ولكنك مستمتع.
أنا مع كل شيء شرط وجود متعة جمالية ، دون أن أقول أريد أن أحرر فلسطين ، أو أحرر الجولان ، أو أحرر الإنسان ، كل هذه شعارات ليست من مهمات الشعر ولا من وظائفه ولا تقترب منه ، وأنا أعتقد أن موجة الشعراء التغييرين (القوميين.. الشوعيين و... مختلف ألوانها) هي التي خلقت هذه الوظائف والمهمات للشعراء ، هي مهمات محفزة لم تستطع أن تنفلت من القيود وأن تنتج شعراً عظيماً ، وفي كل الأحوال الشعر في كل العالم قليل.
هذا يقودني إلى سؤالك عن المتنبي الذي هجا ومدح وتكسب ومع ذلك قدم شعرا عظيما ، كيف ترى هذا الاشكال؟
- في تلك الأيام لم يكن هناك أخلاق بما نعنيه الآن ، الأخلاق كانت بعيدة عن الموضوع ، المعيارية في تلك الأيام ، ليست الأخلاق ، وذلك لطبيعة الاقتصاد المعيشي الذي كان سائدا آنذاك.وأكياس النقود التي كانت تُعطى للشعراء مثل الاستكتاب حالياً ، يمكن القول أنه استكتاب شفوي أمام الخليفة ، وهذا ما كان يمس بالشاعر.
المتنبي حالة فريدة من نوعها ، والذين درسوا المتنبي وصلوا إلى اعترافات مهمة جداً ، ومنهم طه حسين في كتابه الشهير "مع المتنبي" و"باستون باشلار" في كتابه "شخصية المتنبي".
مدرسيا ، ماذا نقول؟ نقول المتنبي أعظم شاعر عربي، ولكن أي معيار للعظمة هنا ، إذا كان وفق معيار الكثرة ، فهناك من كتب أكثر منه ، والمتنبي لديه شعر رديء وهو كثير ، ولكن عظمة المتنبي أنه عندما يكتب شعراً عظيماً يكون عظيماً بطريقة خارقة ، أي جيده ممتاز ورديئه رديء.
أعتقد أن كل عصر عنده تراتيل توتر خاصة به ، والشاعر الذي يستحوذ على كل توتر في عصره هو ما يجعل منه شاعراً.
هل ترى أن على المبدع أن يكون بصفة أخلاقية ما. اي هل يمكن القول"اكتب جميلاً وما لك علاقة بالباقي" كن مع السلطة.. ضد السلطة..ضد المواطن..إلخ.. هذا الإلتباس كيف تراه حالياً؟
- هناك بعض الأزهار تبنت في المستنقعات ، ومع ذلك هناك أزهار تنبت في الماء. القاعدة أن المستنقعات فيها روائح وبعوض وعفن وما شابه ، وليست قاعدة أن بعض الأزهار تنبت في المستقعات. أنا أميل إلى الاعتقاد بأنه لايمكن لشخص شرير وفاجر ومؤذْ وانتهازي و"مصلحجي".. أن يكون شاعراً.
لا أريد أن أعطي الشاعر صورة مثالية مرسومة بريشة فنان ، بأنه ذلك الكائن "الذي له ذقن" وفقير ومتواضع ، لا أريد ذلك ، فالشاعر شخص متميز ، ولولا التميز لما كانت كل هذه المواد الأولية الآتية من التاريخ والواقع تدخل عشوائياً وبفوضى كاملة إلى المختبر الإبداعي ، ثم تنقى من الشوائب فيخرج نص جيد أو قصيدة حلوة.
الماغوط.. كيف تراه؟
- يمكن أن يسأل المرء سؤالا: لماذا لم يكتب الماغوط إلا ثلاثة دواوين؟ لماذا عجز عن الكتابة فيما بعد ، لأنه توقف عن الحياة والتجربة ، حيث كانت التجربة التي عاشها في بيروت ، كافية للنيران التي عملها ، ولو سلط الضوء ناقد مثل طه حسين على شعر الماغوط ، لكان انتقده كثيرا على القصائد المكررة ، والنقد المكرر ، هذا لا يصمد ، خاصة بعد أن اختار الماغوط منطقة أخرى.
هذه الشجاعة المبكرة عند الماغوط ، هذا الإرهاب الرهيب المؤسس الشامخ الذي صار في بيروت في الخمسينات كان مخيفا ، من ذا الذي يستطيع السكن فيها ويكتب مثل ما كتب الماغوط ، هنا تكمن شجاعة الماغوط التي جعلته يكتب دواوينه دفعة واحدة ، وبعدها همد واستكان.
الشرط الأساسي أن يخرج اللاعب من كل التجارب نظيفاً ، أي يمكنك أن تلعب بالنار ولكن إياك أن تصير النار لعبتك.
نلاحظ في ديوانك "حزن معصوم عن الخطأ"، أنك تحاور ذاتك عبر علاقة جدلية بين الأنا والآخر ، وفي ديوانك"انتبه إلى ربما"تحاور الخارج وتتأمله. هل تسعى أن يكون لكل ديوان وحدة مركزية ما تجمعه؟ أم أن الأمر يأتي بشكل تلقائي؟
- لم أكتب الشعر إلا تحت ضغط عالْ جداً ، وعندما أكون فعلا بحاجة لكتابته ، أعرف أن شيئاً يضغط علي ، لا أعرف ماهو بالضبط حتى أكتب ، وعندما أبدأ بالكتابة تتبلور شيئاً فشيئاً الفكرة ، المؤثرات الخارجية يبدو أنها تتكون كما تتكون الغيوم وبعدها "بتمطّر" أنا أُسمًّي الشعر الذي يأتي وأنت بحاجة لكتابة الشعر"كسر عتبة التحمل" ، أي تراكم شيء معين يجعلك تكسر عتبة التحمل ، أنا أعتبر أن الجواني في الانسان غالب على البراني ، أي أن هناك رسالة جمالية ذاتية إلى حد ما وليست رسالة إلى الآخر أو العالم الخارجي. من أسوأ أنواع الصور المتضمنة في الشعر ، هي صورة الشاعر المتنبي النبي ، والفرق بين الديوانين هو هذا الفرق الناتج عن التباعد الزمني فقط.
هل ترجع إلى دواوينك وتعيد قراءتها؟
- لا.. لا أرجع أبدا ، أريد أن أقول أن هناك شيئاً اسمه تجربة الكتابة ، وتجربة الكتابة قابلة للتأمل من قبل الآخر. أرى أنه ليس هناك شعر بناه شاعر ، وليس هناك شعر بناه ديوان ، وليس هناك ديوان لأعمال كاملة ، وليس هناك قصائد ، أقول هناك "مقاطع" ، ولذلك الشعر هو استمرار ، عند الشاعر الحقيقي المحاولة دائمة ليس لتجاوز نفسه أو للنقض ، بل المحاولة الدائمة لإنضاج هذه المادة ، التي تؤلف هذه القصيدة ، حيث أن عملية الإنضاج عملية مختبرية هائلة يساعدها الوعي ، والتجارب الحديثة تساعد بالثقافة بتحسين الأدوات والأفكار وبعالم أكثر وبانفعال أكثر وبردايكالية أكثر.
بالنسبة لي ، ليس هناك رضا أبداً. لأن هذا العالم عالم غير شعري ، وإذا احتفلوا واحتفوا فسوف ترى أنهم يحتفون ويحتفلون ليس بالشعر بوصفه غوصاً عميقاً بمشاكل الدنيا وشؤون الإنسان وبدواخل الإنسان..إلخ.
الأنثى عند عادل محمود كيف تنظر اليها شعرا وحياة؟
- لاحظت على نفسي أن المرأة في شعري غير موجودة ، أي هي امرأة افتراضية ، أكثر مما هي امرأة واقعية ، هي شخص يغيب أكثر مما يحضر ، هي شخص يجلب الهم أكثر مما يجلب السعادة ، وأعتقد أن السبب يعود إلى هذه الكمية من النمطية ، أو هذه الكمية من الانقسام ، أوهذه الكمية من التخلف في المجتمعات العربية. لا توجد ثقافة المساواة في الحب ، فهي ثقافة للمتعة ، ربما كان هذا واحداً من الأفكار ذات الطبيعة ، الثقافية ، الفكرية ، فالحب العربي المعاصر ، لم يأت لك بالانشراح ، يأتيك بالغم ، التجارب العربية هي ثنائية (اللقاء - فراق) ، أين هي كمية الفرح وكمية الحزن ، الشاعر العربي بعد الفراق لم يتكلم بطريقة جميلة ، والسبب أنه يرثي فقط،وجود المرأة في شعري ، هو وجود ضمن فعاليات بيئتها ، ضمن علاقتي معها أي ضمن اشتباكنا ، أنا وهي في لجة الحياة ، لا يوجد نشيد بالمرأة ، هذا الإنشاد غير موجود ، أي أن نزاريات نزار غير موجودة ، وأنا أعتقد أنها يجب أن تدخل من باب (ما) في عمارة القصيدة ، أن تكون موجودة ، وأحيانا لا تكون موجودة،.
هل كتبت قصيدة تحت تأثير امرأة معينة؟
- نعم ، كتبت قصيدتين تحت تأثير امرأة محجبة ذات ملامح ، أي كتبتها بتأثير الزي ، وليس بتأثير التقينا وافترقنا. مثل هذه المعادلات الصعبة لاتروقني في القصيدة.
وأقول لك بصراحة ، الحب وجد لكي يجلب لك السعادة ، وعندما لا يجلب لك السعادة يكون مريضاً ، يحتاج إلى أن يعالجوه، أما الحب فلا يمكن أخذه للمشفى بل "عالمقبرة فوراً".
بعد عودتك من سفر ما ، اتصلت بفتاة كنت تحبها ، وأحضرت لك إلى الشيراتون "خبز تنور" أتذكَّر وجهك آنذاك ، كان سعيداً وأنت تتكلم عن هذه الحادثة؟ لماذا؟ وماذا يعني هذا لك؟
- نعم.. أحضرت خبز تنور..، ، نعم بالصدفة كان أحد ما جلب لها خبزاً من الضيعة ، وفاجأتها وأنا موجود في البلد ، وكان ارتباطها معي شبه جديد ، التقينا بالشيراتون ، الامر ليس في فكرة تنور وشيراتون ، أي حداثة وقدامة ، بل في فكرة أن أحدا ما أعطاك خبزا ، والسعادة من فكرة الخبز والخمر.
الطفل عادل محمود.. ماذا تتذكر منه الآن؟
- أتذكر منه الكثير ، أتذكر الطفل عادل محمود ، أتفرج عليه تماماً ، كيف كان يلعب ، كيف كان يسبح ، كيف كان يذهب للغابة ، كيف كان يلعب بالعصافير ، كنت شقيا ولم أكن شريرا ، لم أؤذً أحداً.
هل توجد حادثة معينة في الطفولة لها وقع في حياتك؟
- توجد حادثتان رئيسيتان ، مرَّة أخي أخذ خاتم أبي وهو يغسل يديه ، فأضاعه ، (فأكل قتلة مرتبة) ، وهذه أول مرة في حياتي أرى مثل هذه القسوة ، في النهاية وجدنا الخاتم ، ولكن اكتشفت مؤخرا بعد مرور أكثر من خمسين سنة ، أنني لا أحب الخواتم.؟ أي فهمت لماذا لا أحب الخواتم؟ وحتى في زواجي ، لبست الخاتم الساعة 12 ليلاً ورميته الساعة الثانية ليلاً ، وطوال حياتي كلها لم أشترً خاتماً ، وما لبست خاتماً.
الحادثة الثانية كان عند الوالد فرس شقراء وجميلة ، ولم يكن أحد آنذاك عنده مثل هذه الفرس إلا الأغوات ، وكنا نربط الفرس عند الباب لإطعامها ، وكنا "نخيًّل عليها" أي نركبها ، وذات يوم أخذتها إلى النهر لكي أسقيها ، وركبت عليها ، وفك القشاط ، ووقعت أنا واستمرت هي بالركض ، وبعد ربع ساعة عادت إليّ وبدأت تشمني وتواسيني على طريقتها.
بعد مدة ، تضايق أبي وباعها ، وبعدها بسنتين كنا ذاهبين إلى المدرسة سمعنا صوت ركض خيل ، وإلاَّ هي ، بدأت تقف على أرجلها ، وتصهل ، والشخص الذي يقودها بدأ يحتار ، لم لا تمشً معه؟ وبعد ذلك اقتربت منها فعرفتها ، شيء لايُنسى ، بالعيون ، بوجهها ، وشمشمتها لنا ، وكيف تحكّ وجهها بثيابنا؟
وأنا في الاساس ابن بيئة فيها غابات ، أنا تربية غابة فيها أصوات ذئاب ، وبالنسبة لي عالم الحيوانات هو عالم البراءة ، عالم الغريزة "الموزونة" ، إذا انتبهت لهذا النظام الذي فيها سوف تشعر بقيم جمالية . أعتقد أن على الإنسان أن يتعلم من الحيوان أبجدية الحب.
حوار: محمد ديبو – دمشق – ملحق الدستور الثقافي
08-أيار-2021
27-آذار-2021 | |
13-شباط-2021 | |
17-تشرين الأول-2020 | |
23-تشرين الثاني-2019 | |
14-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |