عام 2007 محنة الثقافة السورية
2008-02-10
الثقافة أكثر مصطلح إنساني إشكالية على مدى التاريخ !ويأتي هذا التوصيف الإشكالي ,لإن الثقافه هى فن وعلم بناء الإنسان!!!
وقد عبرت الثقافة حلقات تاريخية ازدهرت فيها الثقافة وانحدرت, على مسارات متفاعلة ومتوازية مع الأشكال الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، التي صاغتها الشعوب في رحلة وجودها ! فالثقافة كانت دوماً فعلاً إنسانياً كينونياً، ارتقى مع مسيرة الإنسان وانحدر بانحطاطها! وبالرغم من أن مصطلح الثقافة لايمكن تناوله بشكل تجريدي! كون الثقافة لم تكن في عصر من العصور بناء فوقياً تجاوز قوانين الحياة الإنسانية ، إنما كان دوماً فعل التعبير عنها، وفعل تشكلها ذاته في نهج تعتبر الثقافة هي البنيان الإنساني الأرقى لمجموعة البنى البشرية الأخرى والتعبير عنها!!
وبهذا المفهوم فقد كونت الثقافة والحضارة مساران لفعل إنساني واحد!
وبمقدار ما تحقق الأمم من تقدم عمراني يكون المعمار فعل الحضاره ,والتمدن فعل الثقافة!
1- واعتبر الماسونيون "البناؤون" أن الثقافة الإنسانية هي فعل تشكل وكينونة يطابق فعل الخلق الإلهي! وما الخلق الإلهي والإبداع البشري سوى الثنائية المتوحدة، كما الروح والجسد، كما الخلود والفناء وكما التجدد والدثور، وكما الله والإنسان:وجود واحد متكامل! وكذلك ابن عربي والفارابي اللذان تحدثا عن شكل ثقافي هو وحدة الوجود المتمثل في أن التعدد يكمن في التوحد!! والتوحد يكمن في التعدد ، وكذلك الثالوث المسيحي المتجسد في إله واحد!
الثقافة تشكلت وواكبت الفكر البشري في كل مراحل تطوره! فقبل مرحلة الرسالات السماوية ارتسمت الثقافة في كل ماأبدعه الفن الإنساني بحثاً عن أسئلة الحياة والخلق والفناء، فرسمها تماثيلاً وأشكالاً وملاحم وأناشيد وترانيم قدسية! عبّرت عن توق الفعل البشري لغائية الإنعتاق، وارتقاءاًبالوجود البشري في الحيّز والمكان والزمان! وأبدع العقل البشري أشكالاً شتى حاكى بها الموجودات والحيوانات، واستنطق الرياح والأمطار والعواصف والبحار والجبال! وخلق لكل منها آلهة تمجدها، ورسم لها القرابين، وأبدع لها القداديس والطقوس والترانيم! إلى أن جاءت الديانات السماوية، فشهد الفعل البشري ركوداً وانهياراً وجموداً عن محاكاة الكائنات واستنطاق المكان والزمان!
2- لإن فلسفة اللاهوت التي أبدعها الإنسان وأصلها وفاض عليها بفكره ووجوده، على قاعدة تقديسه لنواميس الكون ومظاهر الحياة والموت، وارتباط كل شيئ بكل شيئ في وحدة الوجود! صاغ على أساسها فكرة الرب الأعظم! على أساس القاعده الفلسفيه في أن الله واجب الوجود لعلة الخلق والتكوين !وهو في ذاته واجب الوجوب لذاته!
وجاءت فلسفة اللاهوت الدينية لتسقط الدور الإنساني، واعتبار الإنسان ناتجاً غائياً لفيض الإرادة الإلهية! ودفعت بهذه الفلسفة بعيداً لصالح العبودية الإلهية التي اعتبرت أن الإنسان غير منعتقٍ لذاته بذاته، بل يجير كل قواه وإيمانه في وهج قدسي ينتج ثقافة العبودية لله وحده، ذي القوة والجبروت! وما وجود الإنسان وطاقاته العاقلة إلا فيض وتجسيد لفكرة الإرادة الإلهية في الخلق طبقاً لمبدأ التجسد اللاهوتي في شرعة الإنسان !وهوكلمة الله في الأرض ومثاله وخليفته!!وفي العصور الحديثة، ظهر الفلاسفة المحدثون مثل اسبينوزا وكنت وديكارت وشوبنهاور وديفيد هيوم، فألفّوا وتماحكوا في الفلسفة وارتباطها بالثقافة والإبداع مع افتراق الإثنتين، لترتبط الفلسفة بالسؤال الإشكالي عن جدل الإنسان مع ذاته الإنسانية، وحقيقة الوجود ، وقيمة وغائية هذا الوجود!
وتمثلوا الإبداع البشري على أنه صناعة إنسانية تتماهى وتتجاذب طرداً وعكساً مع اللاهوت المسيحي، والإيمان الإلهي,خصوصا في العصور الوسطى مع مايكل أنجيلو وليوناردو دافنشي! ولكنها تتعداه إلى طرح سؤال الوجود البشري وقيمته واستطراداته!
وترسخت بذلك ،نهائياً، اعتبارية الإنسان وحده الخالق والمخلوق، المبدع والإبداع، الثقافة والمثقف!
وجاء ماركس ليطرح جدلاً مختلفا للثقافة باعتبارها جدل الإنسان مع الحياة ، وما تنتجه من تفاعل بين الإنسان ومكونات الوجود المادي المحيط به كالإقتصاد والدولة والأنساق والعلاقات المتجادلة بينه وبين كل مكونات الحياة، التي يكتشف ذاته بها! وأضاف إلى ذلك مفاعيل الجدل القائم على أساس المادية التاريخية، وجدل الإنسان مع المجتمع والتشكيلات البشرية وقوانين إنشائها! وانتهى ماركس، فيما أراه ، إلى تتويج مابدأه الإنسان الأول والثاني في العصور الوسطى، والثالث في عصرنا مما سيرد ذكره في إسقاط كل هذه المناهج والرؤى على الواقع السوري! في حقيقة كبرى وهي أن الإنسان هو نتاج مايواجه من تحديات، ويخوض من معارك، وهو الذي يعيد إنتاج جدل الحياة ووسائط البقاء والإستمرار، بما يمكن تسميته منهجية الحياة البشرية الأرقى، بالذات: الثقافة الإنسانية المتكونة من الفعل الإنساني الراقي،وفعل والتعبير عنه، بما يطلق عليه الفعل وجدله! ويتجسد هذا الفعل الإنساني فيما يصوغه ويبدعه الإنسان من اشتراطات وموائمات في الأدب والفن والغناء والموسيقى والبناء والعمل والعلاقات الإنسانية والسياسية والإقتصادية، دفاعاً عن وجوده وإغناءً له واغتناءً به، ويتعزز بالأنا الفردية والجمعية التي تختزن كل هذا في الذاكرة الإنسانية، وتعيد إنتاج ذاتها في الفعل البشري: ثقافةً لصنع الحياة، وثقافةً في التعبير عنها وثقافةً في اختزانها معيناً خالداً، وعلاقات إنسانية تستثمر في صنع وإعادة صنع الحياة والإستمرار بها!
.الثقافة والديمقراطية: الديمقراطية هي البناء السياسي لكل أطر وكادرات ومكونات منظومة الدولة، باعتبارها النظام المنهجي الذي ينتج ويعيد إنتاج الوجود الوطني لشعب ما في منظومات وأنساق معرفية واجتماعية واقتصادية وبشرية، والتشريعات الناظمة للعقد الإجتماعي، التي تحدد وترسم علاقة المكونات الفوقية والتحتية للمجتمع بما يضمن إنتاج سلطات وبنى ومنظومات تشريعية ومنظمات ونقابات وهيئات قاعدية تقوم على بنيانها وفي إطار خياراتها مؤسسات إنتاج السلطة وفق توافقات وتفاعلات من الأعلى إلى الأسفل ومن القاعدة إلى القمة! والديمقراطية على أساس هذا النهج هي إطار وأسلوب حكم الشعب لذاته، وهي المنظومات التي يبدعها الشعب طبقاً لإرادته الحرة، ويملك حق تغييرها وتبديلها وتفعيل وتصعيد العمل في أطرها وفق دساتير وتشريعات لايدخل في إنتاجها سوى الإرادة والخيارات الحرة للشعب,على أسس مدنيه بحته. وبهذا المعنى تفتقد الأنظمة الحاكمة المستبدة شرعية قيامها واستمرارها، مادامت سلطة تحكم المواطنين بصفتهم رعايا! ويترسخ وجودها كسلطة وليس كدولة، وبناءً فوقياً ينفصل عن القاعدة الشعبية، وذلك لغياب الآليات والمؤسسات الشعبية التي تنتج عبر إرادتها الحرة بناء الدولة وفق مصالحها وتطلعاتها وخياراتها! وبذلك فإن حرية الإنسان الفرد هي التي تنتج، الحرية السياسية التي تنتج بدورها مواطناً حراً، ودولة حرة!
وعليه فإن غائية قيام الدولة هي غائية الإرادة الشعبية: وهذا هو ناموس دولة الشعب التي يتحقق فيها الشرط الأساسي للعلاقة المنهجية الوطنية بين المواطن ودولته وبين مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة!
وتأسيساً على هذا فإن بناء الدولة يسير حكماً وفق اتجاهين متقاطعين، اتجاه أفقي يبدأ عند القاعدة وإتجاه عمودي يبدأ عند القمة وينتهي نزولاً عند القاعدة! وكل منظومات الحكم تبقى أسيرة هذه المفاهيم والمنظومات الشرطية لقيام الدولة، وعليه أن يسقط، وهو ساقط حكماً، وعرفي وطارئ حكماً وسلطة للأمر الواقع تحتل الإرادة الشعبية، وتفتقد لشروط قيام الدولة!
الثقافة والإعلام : الثقافة فعل تحريضي مخاضي متفيض صيروري إبداعي !! للفعل الإنساني في بناء الحضارة الإنسانية! ثم تطورت منظومة المفاهيم الثقافية هذه لتصبح هي مناهج البناء العقلاني المتكون من منظومات الفكر والمفاهيم والأنساق الثقافية، ونشوءها وارتقائها ومناهج إنتاجها!
وأصبحت الثقافة في عصر الحداثة تختزل في مجمل الإنتاجات الإنسانية في الأدب والعلم والفن…وكل ما يبدعه الإنسان للتعبير عن خياراته واختزانه في الذاكرة الإنسانية ! فأصبح الشعر والملاحم والدراما، والأدب التراجيدي المسرحي، والمغنى والفلكلور الشعبي، ، ذات المحتوى الإنساني المعبر عن نبضات الإنسان وخياراته وطموحاته نحو الإرتقاء في حالات الحزن والفرح، والحلم، والحب والهزيمة والنصر والحياة والموت والهجرة والجوع والظلم والإستبداد! وبعد أن أضافت الحداثة الثقافية الأبعاد السياسية للثقافة. برز دور الإعلام كناقل موضوعي لكل هذه العلا ئق! ينشرها ويعقب عليها، يعيد صياغتها! وهو المؤتمن موضوعياً على إيصال توترات الثقافة ونبضها الحسي سياسياً وفكرياً إلى القاعدة الشعبية لتوظيف مواضيعه كلها لإنشاء التجربة السياسية عند شعب ، أو حزب، أو مكون اجتماعي!!
حال الثقافة في سورية 2007: لابد من سرد وقائع الثقافة السورية في الثلاثين سنة الأخيرة، التي نهلت من خطاب النظام السياسي طويلاً! فالثقافة التي تمتهن صناعة ورمزية الزعامة التاريخية لازالت ثقافة مركزية في سورية منذ تأسيس النظام الحالي عام 1970، ويكفي أن نقوم بجولة على مراكز الإدارة، والشركات ، والأماكن العامة: لنجد صورة رئيس الدولة وقد رفعت على لوحات قائمة على أعمدة ولوحات تزن أطناناً على مفارق الطرق والساحات العامة!! وتحمل عبارات التمجيد والتأليه! ويتنافس الجميع على إعلان براءتهم من أي تقصير، فتأتي منافساتهم في إقامة النصب ورفع الصور, مبالغ فيها، قول يزيد على قول، ونصب يكبر على نصب، ولوحة إعلانات ترتفع أمتاراً عن مثيلاتها!! نماذج من هذه الكتابات التي تتوجه إلى رئيس الدولة: "الله، سورية، بشار وبس!" "هنيئاً لنا أننا ولدنا في عصرك"" بالروح بالدم نفديك يابشار"!
وأهم مكونات الثقافة لشعبنا السوري والتي تختزل ذاكرته الثقافية ومكوناته الحضارية، هي الاثار والأوابد! ورغم أن سورية تعتبر من أغنى بلدان العالم بالآثار والأوابد والأيقونات واللقى المعدنية والقلاع! إلا أن الدولة لم تعطِ الآثار اهتمامها سواء في اعتبارها بوابة سورية إلى التاريخ، وبوابة سورية الحضارية، أو في ترميمها ووضعها على قوائم اليونسكو، وكتب التاريخ، فضلاً عن السياحة القطرية والدولية!
ولقد لقيت الآثار مصير التراث الشعبي، والغناء الأوبرالي والسيمفوني الذي لم تعرفه سورية بعد! ونورد أسماء بعض القلاع والصروح الأثرية التي غابت عنها الدولة ووزارة الثقافة في كل الأعوام وهذا العام: كقلعة الحصن غربي حمص، وقلعة شيزر والمضيق وأفاميا قرب حماة، وقلعة العليقة والمرقب قرب بانياس، وقلعة صلاح الدين شرقي اللاذقية، وقلاع أخرى عديدة، كما أن مواقع أثرية عظيمة لايعرفها المواطنون السوريون ولا السياح الأجانب، لأنها غابت عن الخرائط، ومنها حصن سليمان في منطقة الدريكيش، وعمريت جنوب طرطوس وأوغاريت شمال اللاذقية، والكثير الكثير مثل قلعة مصياف التي قامت بترميمها مؤخراً مؤسسة الآغا خان.
وما فعلته وزارات الثقافة المتتالية حتى عام 2007كان بعض عمليات الترميم الصغيرة ( عبرمبادرات رئاسية) كتلك التي جرت لقلعة دمشق والمسجد الأموي وقصر العظم، وذلك كرسالة استعطاف مباشر لمشاعر الدمشقيين والمسلمين منهم بخاصة، ومثل هذا الترميم لم يحصل لآثار تدمر التي اعتبرت أعظم مدن الدنيا على طريق الحرير، وقامت فيها أعظم الأمبراطوريات السورية في عصر أذينة وزوجته زنوبيا! وكذلك الغساسنة والمناذرة في بصرى الشام التي تستخدم اليوم مسرحاً للغناء والرقص لبعض الفرق التي تزورنا من حين لآخر! كذلك وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، تبدأ في مستهل نشرات الأخبار والتعليقات وغيرها بأخبار رئيس الدولة بعد إطلاق الأوصاف الرمزية، والثناءات على شخص الرئيس، وتعداد المكرمات، والعطاءات، و"اللفتات الكريمة" والعطف الأبوي ! وكذلك المراسيم الحكومية، ومشاريع قوانين مجلس الشعب ، والمراسيم، والبيانات الحكومية كافة، وموضوعات التخاطب من مؤسسات النظام إلى الشرائح الشعبية وعبارات "بناءً على توجيهات السيد الرئيس…" إضافة إلى انفراد الرئيس بإصدار المراسيم والتقدم بمشاريع القوانين إلى مجلس الشعب الذي يقرها في نمطية تشريعية ثابتة، تجعل من البرلمان والهيئات الأخرى كالقيادة القطرية عاجزة عن التشريع ونقد القوانين ودستوريتها…وبالتالي فمجلس الشعب لايمارس تشريع القوانين، بل يقوم بمناقشتها وإصدارها فقط ! وظل نظام الإستفتاء مستمراً بعد أربعين عاماً من سريانه! والإستفتاء نظام يقوم على حاسة الرأي والشخص الواحد وصيغة ال"نعم"أو"لا" وقد سجلت مفارقة طريفة في هذا السياق، إذ عندما أجريت الإنتخابات للبلديات ومجالس المدن طبق فيها نظام الإنتخاب بفضفاضية أوسع، دون الإلتزام بقوائم الجبهة الوطنية التقدمية، وعندما أجري مثل هذا الإنتخاب على رئيس الدولة، طبقت صيغة الإستفتاء!! فالقاعدة غير القمة…ومصداقية النظام يجري تعديلها بين مسار ومسار آخر!الولاء والتمجيد …حالة سلبية مغرقة، وولاء وقبول لاإرادي، وهروب مستتر! وانكفاء عن أداء الدور ، وتنازل قسري عنه!
وفي الدراما التلفزيونية، تميز الإنتاج السوري بالتركيز على مخاطبة المشاهد الشعبي لتكريس اهتمامه بالمكونات غير السياسية كالحكايا الشعبية وقصص التراث والعلاقات الإجتماعية التي سادت في القرن الماضي، دون أي أعمال في طرح إشكالية بناء الذوق الفني للمشاهد وتنمية روح النقد وثقافة الإهتمام بالإنتاج الفني النوعي الذي يخاطب العقل دون الغرائز، والطموح الإنساني دون الملهاة، والجدية، دون التهريج وإثارة الضحك الذي بدا وفيراً في إنتاج الدراما السورية لعام2007! ولازالت برامج التلفزيون السوري تتوجه إلى مشاهد موظف، مشاهد مسبق الصنع، ضبابي القناعات، كما يحصل في مقابلات الشارع، وبرامج المنوعات، والمقابلات التي تجرى مع المواطنين!…والتي تبدأ فيها أسئلة المشاهد:" ماهو شعورك…" ! وتضاعفت السخرية في البرامج السياسية، فمعظم هذه البرامج على قلتها وندرتها تتمحور مواضيعها حول الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي للنظام، ومفرداته التي تجتر عبارات "الصمود " إفشال المخططات، الثوابت "العمالة للخارج ""الرؤية التاريخية"، "الأمن القومي"! فيسقط في أيدي المشاركين والمئات من السوريين وغيرهم فيضطروا لتمثل الخطاب الإعلامي الرسمي واجترار مفرداته! نفاقاً وخوفاً!
كما امتازت بعض الأعمال بالهروب إلى الموضوعات التاريخية ، في محاولة عابثة للإبتعاد عن الراهن السياسي، وتهريب المشاهد من حلبات المواجهة مع قضاياه اليومية المطلبية والسياسية الوطنية، وهروباً من الكتاب والمخرجين من الخوض في الكتابة السياسية تحاشياً للمساءلة وطمأنة لكل العاملين فيها !
أما على صعيد القصة والرواية فالإصدارات لم تتعد بعض الأعمال المترجمة أو الكتابات النقدية الأدبية والقصص القصيرة، مع التذكير أن معظم الكتاب والأدباء المبدعين السوريين عاش معظمهم خارج سورية كزكريا تامر، وحسيب (الذي مات في الإمارات )وعادل أبو شنب (الذي عاد وهو عجوز) وسعد الله ونوس الذي عاش حياته في المنفى، وأدونيس ومحمد الماغوط الذي أهملته وزارة الثقافة حتى قبيل وفاته! كذلك الشاعر الكبير نزار قباني والكثير من الأدباء المعارضين سياسياً! إما بسبب آرائهم وإما بسبب ارتفاع دخولهم في الدول التي هاجروا إليها، واطمئناناً إلى التشريعات المعمول بها في تلك الدول، التي تمنع اعتقال أصحاب الرأي والإنتماء السياسي وتكريس هوامش كبيرة من حرية التأليف والنشر والتعبير المقموعة في سورية!!
أما حال المسرح والسينما فهي الأسوأ اليوم في سورية ! إذ درجت المؤسسة العامة للسينما أن تقيم مهرجاناً سينمائياً كل سنتين تشرف عليه وزارة الثقافة ويتميز بسوء التنظيم والمحاباة في اختيار الأفلام والنصوص والممثلين المتفوقين، ولا زالت دور السينما في سورية لاتتعدى الخمسين صالة، لعشرين مليون سوري، ومن درجات ومستويات لاتتوفر فيها مواصفات دور العرض العالمية !
وفي المسرح فهناك مسرح الحمراء الذي أوشك على يوبيله الذهبي، ومسرح القباني الصغير ومسرح الحمراء التي أعيد ترميمها مؤخراً، ولا توجد مسارح في المحافظات! ولم يسجل تقديم أعمال مسرحية لافتة طوال عام 2007 رغم إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج بعض الكوادر، الذين اضطروا إلى البحث عن وظائف بعد انحطاط أوضاع المسرح والسينما! أما المهرجانات الفنية فتقتصر على مهرجان بصرى الشام، عدداً من العروض المحلية يضفي عليها الطابع المحلي…وليس فيها عروض مترجمة وفرق عالمية تستدعى لهذه الغاية! والظاهرة اللافتة إنشاء العروض المسرحية أو الفلكلورية تثبيت صورة رئيس الدولة فوق منصة المسرح، كما في السينما والمراكز الثقافيه,وغيرها!
أما المراكز الثقافية فهي منتشرة في العاصمة والأقاليم من حيث الأبنية والإدارات ، ولكن القائمين على إدارتها وبرمجة مواسمها الثقافية، مثقفوا السلطة، والمراكز الثقافية هل ملك للدولة يديرها موظفون، وهي أشبه بالمساجد التي تأتيها خطب الجمعة جاهزة من دار الإفتاء العليا، ولايبقى على الخطباء إلا قراءتها على المصلين في المساجد! وكذلك محاضرات المراكز الثقافية، ومبارزات القصائد العصماء في مدح ذات السلطان الشماء، وإقامة المعارض الفنية! وهي لاتعدو أن تكون مراكزاً أمنية تراقَب فيها الكلمة ويُحصى فيها عدد المصفقين وعدد مرات التصفيق والهتاف!
أما الأوركسترا السورية ، التي أنشأها صلحي الوادي في أواخر الثمانينات فقد بدأت تتفكك لقلة العازفين المتخصصين والنصوص الموسيقية، لوفاة مؤسسها منذ فترة وجيزة! وهجرة العازفين والمبدعين السوريين!!
وعلى الصعيد الصحفي فقد ظلت الصحف الرسمية الثلاثة البعث والثورة وتشرين هني الصحف اليومية الوحيدة ، التي تصدر، هذا إذا اعتبرنا أن بعض المطبوعات كجريدة "الوطن" الشبه حكومية وبعض جرائد الجبهة الوطنية الحاكمة، ودوريات إعلامية لاقيمة لها! كونها مطبوعات غير سياسية، وتتقاضى معونات شهرية من المخابرات عبر الجبهة الوطنية الحاكمة، وعلى سبيل المثال مطبوعة الحزب العربي الديمقراطي تحصل على 200ألف ليرة سورية لإصدار عددين شهرياً! وجريدة النور لحزب يوسف فيصل الشيوعي تتقاضى 400 ألف ليرة سورية لإصدار4 أعداد شهرياً ! وجريدة الديار والأخبار اللبنانية فتبيعان النسخة ببخمسة (5) ليرات سورية أي بنفس سعر جريدة الثورة السورية، وهي تطبع النسخ المخصصة لسورية، على حساب وزارة الإعلام السورية! أما في التلفزيون فقد شهد عام 2007 إطلاق عدد من الفضائيات التجارية الخاصة كا"الدنيا"و"الشام" وحوالي عشرين إذاعة أف أم إعلانية تجارية، وهي قنوات غيرسياسية، لايسمح لها بالبث السياسي الحر، طبقاً لتراخيصها وانتماء أصحابها إلى مكونات سلطوية حاكمة!! وهي تنظم عقوداً لإعادة بث بعض نشرات الأخبار الغربية المحايدة على طريقة من يذهب إلى الصلاة منتصف الليل!
أما مواقع الأنترنيت السورية والأجنبية فقد شهدت حظراً شاملاً تجاوز 200 موقع رئيسي شملت المواقع الإذاعية والسياسية والوطنية المعارضة ومنها "إيلاف "وfacebook و"الحوار المتمدن" و"الرأي وشفاف الشام وغيرها " وشملت العقوبات العرفية التي توجه للصحفيين وسجناء الرأي،شملت المدونين الألكترونيين، ومتصفحي الأنترنيت ! كما شملت النشرات الجدارية في الجامعات والمعاهد، والملاعب الرياضية!
أما بصدد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وعددها يتجاوز (16) منظمة في سورية فلم يرخص لأي منها، رغم طلبات الترخيص المتكررة، وكذلك جرى للجمعيات الخيرية والمدنية ، ودور المسنين، ورياض الأطفال، والتي لم يستحوذ مؤسسوها على موافقات أمنية! وفق الموافقات المطلوبة لتقوم وزارة الشؤون والعمل, الوزارة المختصة بالترخيص! منها على وجه الخصوص المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان!
وعبوراً إلى الجامعات والتعليم الجامعي ، فبالرغم من إنشاء الجامعة الإفتراضية والمحاولات المعلن عنها لتطوير التعليم المفتوح في سورية، فلم تشهد هذه المحاولات تقدماً ملموساً، كما أن ربط التعليم الجامعي بالبيئة والمجتمع لازال حلماً غير قابل للتحقيق، ولازالت أزمة الكتاب الجامعي قائمة، وهروب الأساتذة المتخصصين إلى دول الخليج، وأوروبا بسبب ضعف الرواتب، وعدم توفير وسائط البحث الجامعي الحلقة الأهم المفقودة في منظومة التعليم الجامعي كما تستشري قضايا الفساد في الإمتحانات وتقاضي بعض الأساتذة عمولات ورشاوى في عمليات تصحيح الإمتحانات، إضافة إلى عمليات المحاباة في مساعدة أبناء المسؤلين وغيرهم في اجتياز الإمتحانات! وكل مايقال عن التعليم الجامعي ينسحب على نظام التعليم الأساسي والثانوي، على خلفية انتشار التعليم بالدروس الخصوصية أو عدم وجود الحوافز للمعلمين والمدرسين بسبب انخفاض الرواتب، وتهميش العملية التعليمية في سورية، في مجتمع قائم على الضرورات والهيكليات الأمنية ! وفي سياق الحديث عن الثقافة فلا بد من المرور على التراث الفني والغنائي الذي شهد انحطاطاً مريعاً منذ فترة طويلة، وهو يزداد لهذا العام حيث درجت المجموعات التراثية الشعبية في الماضي على إقامة أعراسها وطقوسها الإحتفالية، وتخليد تاريخها ومناسباتها الوطنية، كأحياء عيد الإستقلال في 17نيسان من كل عام، بالحفلات واللقاءات الشعبية، وتشكلت لهذه الغاية الفرق الشعبية الفنية الراقصة، ولكن ذلك توقف منذ زمن بعيد، ولم يعد ممكناً في سورية مشاهدة الطقوس والإحتفالات الشعبية، كما أن الأعراس الشعبية أصبحت تقام في صالات مغلقة، فانتهت بذلك الفرق الشعبية المحلية في البادية والأرياف, وتوقفت الرقصات الشعبية كالدبكة، على إيقاع الطبول والمزامير، واختفت الأزياء الشعبية، في خضم انتشار التقليعات والموضات الحديثة، واندثر الطابع التراثي في اللباس وغيره، في ظل غياب شامل للمؤسسات العامة والخاصة حيال كل ما ذكر آنفاً وخاصة وزارة الثقافة التي لا تعنيها الثقافة ولا تشرف على مؤسساتها، أو إنتاجها إبداعياً أو تراثياً!! ودأبت أجهزة المخابرات على تسويق مطربين محليين لم يسبق أن تأهلوا في كونسرفتوار، أو معهد للموسيقى، وجميعهم يجهل قراءة السلم الموسيقي، فغنوا غناءً هابطاً، فانحدرت الأغنية السورية لهذا العام، غناءً ولحناً وكلمات، وأذكر على سبيل المثال المطرب محسن غازي وعلي الديك وفؤاد غازي, وغيرهم عدد لايحصى!
أما في شأن اللوحات الإعلانية المرفوعة على المحلات التجارية، فقد برزت ظاهرة ثقافية هجينة ،انتشرت كالوباء، تقوم على اختيار أسماء أوروبية وآسيوية مقتبسة من أشرطة الفيديو وأسماء بطلات أفلام المقاولات الأجنبية وأسماء الراقصات، ويستخدم في كتابتها اللفظ الأجنبي والأحرف العربية، والغريب أن هذه الأسماء لاتمت إلى البيئة الثقافية السورية ، ومعظم أصحابها لايعرفون لغات أجنبية والمستوى التعليمي لمعظمهم منخفض، وما يقف وراء هذه الظاهرة التهجين الثقافي وتفكك الشخصية الوطنية، والإعتزاز بالإنتماء إلى الجذر الثقافي الوطني!
وفي هذا الصدد لابد من الحديث عن التفكك الإجتماعي وغياب الجمعيات الأهلية العاملة على ثقافة الجماعة، التي تنتج الأنا الجمعية، وتنامي ثقافة الإستهلاك التي تنمّي شعور الفرد بالإستقلال عن الجماعة لاكتفائه الإقتصادي، وانعكاس ذلك آلياً على الأنا الفردية، بدون بعد ثقافي، يتنامى لديها حب الذات ، وكراهية الآخر، والتوجس منه، والسلبية تجاه كل عمل جماعي، وبالضرورة كل عمل سياسي، حقوقي وطني، لإنه في طبيعته عمل جماعي، يقوم على بناء الأنا الجمعية!
أما في العلاقة بين العام والخاص فقد تنامى الإفتراق بينهما إلى حد بعيد وتكفي جولة في أي موقع سكاني لترى التهتك الذي أصاب المرافق العامة المرأية، كالجدران ،وأعمدة الكهرباء والهاتف، والمراحيض العامة، واللوحات الإعلانية، فتقرأ عليها الكتابات الرخيصة من قبل مستخدميها، أو العابثين في الأملاك العامة، وخاصة رمي القاذورات في الطرق العامة، وفي الحواري الضيقة وغيرها كما نلفت إلى زيادة حوادث المرور على الطرقات بسبب الرعونة، وفساد رجال المرور الذين قلما يضبطون حالات السرعة القصوى والمخالفات الأخرى! فيفلت الزمام أمام أصحاب السيارات العامة والخاصة في خرق قوانين السير وإطلاق الأبواق، والتجاوز الفظ وإشعال المصابيح العالية والتوقف في منتصف الطريق أو على يسارها وغيرها!
وإذا أعدنا كل هذه السلوكيات الإجتماعية إلى جذرها وجدنا أن كل هذا الخروج الفاضح على مفاعيل الشراكة الإجتماعية، واحترام الآخر، وصيانة الأملاك العامة إنما يعود إلى انعدام الثقافة الوطنية، وانتشار ثقافة التشوف والمظهرية، والنفاق الإجتماعي، والكذب والدعارة وكل مظاهر الإنحلال الإجتماعي، إنما أسبابها تكمن في غياب الدولة عن إقامة منظومات للتربية الوطنية، والثقافة العامة التي تخلق مناخات تنتج الثقافة العامة والجمعية التي تكوّن حالة وطنية تقوم عليها مبادئ الشراكة والعيش المشترك وبالتالي تبنى على أسسها مؤسسات البناء الديمقراطي الحر!
أما الكتاب والإصدارات الثقافية فتخضع لقانون المطبوعات السيئ الذكر، الذي استلهم واضعوه كل مفاعيل قانون الطوارئ واستطراداته، بحيث يُمنع في سورية طباعة الكتاب السياسي، وتمارس الرقابة الشديدة من قبل دور الإفتاء على إصدارات الكتب الدينية! أما دور نقابات الأدباء والصحفيين فهو دور وظيفي يقوم على استطرادات الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي!
أما الملكية الفكرية فحدث ولا حرج! ورغم توقيع سورية على شرعة الأمم المتحدة المتعلقة بالملكية الفكرية، فما زالت الإقتباسات والسرقات الأدبية واستنساخ الأفلام وأشرطة الفيديو ، والاقتباس الإلكتروني يمارس في كل الأروقة والمستويات! دون حسيب أو رقيب!
خاتمة: يتأكد مما سردناه و عبرنا عليه آنفاً أن هيكليات الشأن العام ومؤسساتها في سورية إنما اقتصرت على إقامة الإدارات والهيكليات البيروقراطية! واقتصر نشاط الدولة وهيئاتها على إدارة الشأن العام وليس على تغييره، وبالتالي استمرار مظاهر الحياة النمطية التقليدية وآلياتها في سورية ، مما يعني حكماً انعدام الثقافة والهم الثقافي والمؤسسات والمناهج السياسية في سورية ، لصالح بناء الدولة الأمنية وثقافة الإقصاء والإفراغ، ويبقى شأن الثقافة كشأن السياسة، والحقوق المدنية ومكونات العقد الإجتماعي، والتناوب على السلطة، يكل مكوناتها! حلماً ومشروعاً مستقبلياً للخلاص، وازدهار ثقافة وحضارة الشعب السوري العظيم!!
08-أيار-2021
11-كانون الثاني-2009 | |
10-شباط-2008 | |
10-شباط-2008 | |
06-كانون الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |