"كلام الله" في القرآن: متلفـّظ أم متلفـّظون؟ (2/1)
2010-10-27
لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير *
سورة الأنعام : 103
* عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رأيت ربّي في صورة شابّ[أمرد] له وفرة جعد قَطَط في روضة خضراء" (1)
لا نسعى في هذه المقاربة إلى الخوض في قضايا كلاميّة عفّى عليها الزمن، وإن كانت لا تزال تطلّ برأسها من ثنايا مقالات وأبحاث وكتب غير قليلة؛ وإنّما إلى طرح قضيّة التلفظ في النصّ القرآني استدراكا على الأصول، ومحاولة منّا ما أمكن، لسدّ الفجوات الصامتة في أكثر من متتالية جُمْلية في النصّ القرآني، كلّما كان الكلام مسندا إلى غير الذات الإلهيّة. وهي قضيّة لم نقف ـ في حدود معرفتنا ـ على من تناولها، إلاّ أن يكون ذلك على سبيل التلميح والإشارة الخاطفة(2).
1 ـ1 القرآن كلام الله:
الذي شغل الباحثين حقّا إنّما هو قضيّة الكلام الإلهي أهو قديم أم حادث، سواء عند المعتزلة ومن والاهم، من الشيعة الإماميّة من الذين قالوا بحدوث القرآن، أي أنّه لم يكن ثمّ كان، أو هو ليس قديما قدم الذات الإلهيّة. وقد ساقوا في ذلك حججا من النص القرآني نفسه، وتذرّعوا بكلمة "محدث" فالمحدث بمختلف تقليباته ( حدث ـ أحدث ـ استحدث) يفيد الوقوع والأمر الحادث وعكس القديم أو نقيضه، والإيجاد والابتداع، أو ما هو محتمل الوجود أو ممكنه.
يقول المحقّق الحلي :" ومن لواحق الكلام في الصفات الكلام في كونه متكلماً ، وقد أجمع المسلمون على وصفه بذلك ، ووصف به نفسه بقوله : " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" سورة النساء 164 (3).
ثمّ اختلفوا في معنى ذلك، فقال أهل الحق إنه متكلّم بمعنى أنه فعل الكلام الذي هو الحروف والأصوات، وأنّ ذلك الكلام محدث ومجعول ومخلوق، بمعنى أنه فاعل له"
ويُنسب إلى الإمام علي في" نهج البلاغة" : «يُخْبِر[الله] لا بلسان و لَهَوات، ويَسْمَعُ لا بخرُوق وأدوات، يقول ولا يَلفِظُ، و يَحْفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ، و يُريد ولا يُضْمِر، يُحِبّ ويرضى من غير رِقَّة، و يُبْغِضُ ويغضب من غير مشقّة، يقول لمن أراد كونه: كن. فيكون، لا بصوت يَقْرَع، ولا بِنداء يُسْمَع، وإنّما كلامه سبحانه فِعْلٌ منه أنشأه وَ مَثَّلَهُ، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانيا." (4)
أمّا خصوم هؤلاء من الحنابلة فقالوا بأنّ القرآن غير مخلوق، وهو كلام الله، وكلامه إنّما هو هذه الحروف والألفاظ التي تنتظم النص القرآني. وذهب الأشاعرة مذهب الحنابلة، وخالفوهم فقالوا بأنّ المقصود بالكلام الإلهي "الكلام النفسي" القائم في الذات الإلهيّة.
والقول بذلك ممّا ينجم عنه تقييد الذات الإلهيّة، بالزمان والمكان، ووصفها بالتحيز والتجسم، وما إلى ذلك من لوازم المادة ومواصفات الجسمانيّة. وكان من ذلك أن شبّهوا الله بإِنسان له لحم ودم وشعر وعظم وأنّ له جوارح و أعضاء (5) حقيقيّة من يد ورجل و رأْس و عينين وأنّ له وفرة سوداء، و شعرا قططا.
ويُنسب إلى أحمد بن حنبل قوله :"والقرآن كلام الله تكلم به، ليس بمخلوق ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول، ومن زعم أنّ ألفاظنا به، وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم…" (6)
والجهمية تنكر أن يكون الله يتكلّم، و إنّما هو يكوّن شيئًا يعبّر عنه، ويخلق صوتًا فيسمعه؛ لأنّ الكلام لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين.
جاء في فتاوى ابن تيميّة :"فقلنا: هل يجوز أن يكون لمكوّن غير الله أن يقول: يا موسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12] أو يقول: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، فمن زعم أن ذلك غير الله فقد ادعى الربوبية، ولو كان كما زعم الجهمي أن الله كوّن شيئًا كأنْ يقول ذلك المكوَّن: يا موسى، إن الله رب العالمين ولا يجوز أن يقول: إني أنا الله رب العالمين."
وقد ساق ابن تيميّة أكثر من آية، ليبيّن أنّ الله يتكلّم :"وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، وقال: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]، قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي [الأعراف:144]، ويحتجّ بحديث متّفق عليه:"ما منكم من أحد إلا سيُكَلِّمه ربّه، ليس بينه وبينه ترجمان."
وأمّا قولهم إنّ الكلام لا يكون إلا من جوف وفم، وشفتين ولسان، فيُستشف من ردود ابن تيميّة عليه، أنّ الأشياء أو الجمادات، وما ليس له جوارح الإنسان أو الحيوان وأعضاؤه، يتكلّم هو أيضا. ويتمثّل على ذلك بالنسق الحواري الاستحالي الذي يجري في مواضع غير قليلة من النص القرآني حيث يُسند الكلام إلى الحيوان أو الانسان. وهو ضرب من التجسيد. كان له شأن في ثقافة عرب ما قبل الإسلام.
يقول: "أليس الله قال للسموات والأرض: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11] أتراها أنها قالت: بجوف وفم وشفتين ولسان؟
وقال: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ [الأنبياء:79] أتراها أنها يسبّحن بجوف وفم ولسان وشفتين؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء، وكذلك الله تكلم كيف شاء، من غير أن نقول: جوف ولا فم، ولا شفتان ولا لسان." (7)
ومن اللافت أن يرى ابن تيميّة في هذا" الإخبار غير المألوف " الذي هو أسّ الاستعارة وكنهها "حقيقة لغويّة"
وكأنّ الحقائق اللّغويّة تتحدّد بواسطة تصوّر بسيط لـ" أشياء العالم "، أو بمجرّد استحضار صورتها في الذّهن، أو أنّ العالم قائم كما هو، بمنأى عن أيّ تدخّل للّغة، أو أنّ الشّيء الذي يخصّ الموصوف هو الذي يحدّ الوصف ويوجّهه إلى صفة دون أخرى. ولعلّ ما أوقعه في هذه القراءة أنّ الاستبدال الاستعاري في الآيات التي استأنس بها يكاد لا يقوم على المشابهة أو المماثلة، بل هو يبرح دائرة "الإمكانيّ "أو" الاحتماليّ " وما هو عقليّ أو قياسيّ، إلى "الإحالي" الذي لا سند له إلاّ المخيال الديني حيث لا تتقيّد المخيّلة السّماعيّة بالمخيّلة البصريّة ولا يتّسمى الشّيء بشبيهه أو بسببه أو لاحقه أو مقارنه وما إلى ذلك من الأشياء المعدودة في تصنيف الكلام المجازي كما جاء عن ابن رشد في حدّ المجاز( فصل المقال,ص.35)
وقد لامس الذهبي المسألة من زاوية الوشيجة التي لا تنفصم، بين الملفوظ والتلفظ، وأقرّ بأنّها مرْكب وعر، ودعاـ تحوّطا للدين ودرءا للفتنة ـ إلى اجتناب الخوض فيها. يقول:"ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا والمكتوب لا ينفكّ عن كتابه والمتلوّ لا يسمع إلا بتلاوة تال صعب فهم المسالة وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ [الكلام] الذي يعنى به التلفظ [النطق]، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا والخوض في هذا خطر، نسال الله السلامة في الدين وفي المسالة بحوث طويلة الكف عنها أولى ولاسيما في هذه الأزمنة المزمنة." (8)
وحاصل كلامهم أنّ الآيات تتضافر في توصيف الذات الإلهيّة بالكلام: "مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ" سورة البقرة الآية 253 و: "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً"سورة النساء: الآية 164 و:"وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ"سورة الاعراف: الآية 143 و:"وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ"سورة الشورى: الآية51.فالكلام الإلهي في المتصوّر الديني : وحي[كلام خفيّ] أو من وراءحجاب[صوت من دون جسم] أو بواسطة رسول[ملك الوحي]، ولا خلاف بين المسلمين في توصيف الذات الإلهيّة بالتكلم ، وإنما الخلاف في حقيقة هذا التكلّم إن كان قائما فيها من عدمه، وما تفرّع عن ذلك من مسائل خلافيّة: صفة الذات وصفة الفعل والحدوث والقدم.
فالوصف الذي لا يقبل النفي والإِثبات ويكون أحاديّ التعلّق، هو صفة الذات وما لا يكون كذلك ويقع في حيّز النفي تارة والإِثبات أخرى فهو صفة الفعل. فعلم الله مثلا صفة من صفات ذاته فيما غفرانه صفة من صفات أفعاله لأنه يقع ولا يقع. وحاصل كلام الحنابلة أنّ كلام الله وصف له، وكلّ ما هو وصف له فهو قديم، فكلام الله قديم. أمّا المعتزلة والإماميّة فذهبوا إلى أنّ كلام الله حادث لأنّه مؤلّف من أجزاء مترتّبة متفاوتة متعاقبة في الوجود،وكل ما هو كذلك فهو حادث. وفسّره الأشاعرة بأنَّه معنى قائم بذاته يسمّى الكلام النفسي. (9)
1 ـ 2 متلفظ أم متلفظون:
ثمّة في النصّ القرآني صوت سارد يستوقفنا في أكثر من سورة. وقد يكون من المفيد في دراسته أن ننطلق من ذلك التمييز الدقيق الذي يجريه المعاصرون بين القصّة أو الحكاية من جهة والقصّ والسرد من أخرى. فالملفوظ السردي أو القول السردي ينهض برواية قصّة أو مغامرة تنتظمها حبكة، يقوم بها شخوص يتحرّكون في فضاء وزمان مخصوصيْن. وهم يؤدّون القصّة على ضوء الممكنات السرديّة وما يتعلّق منها بالتغييرات الزمنيّة وإدارة فن الدخول إلى العالم المحكيّ، سواء أقيّدته وجهة نظر داخليّة أم لم تقيّده. (10)
فليس ثمّة ملفوظات سرديّة من دون سرد، أو من دون تلفظ سردي بعبارة أدق. والسؤال الذي لا يطرحه المؤمن عادة كلّما تعلّق الأمر بالنصّ القرآني: من هو المتكلّم في هذا النصّ عندما يكون الكلام مسندا إلى ذوات غير الذات الإلهيّة؟ وأيّ وضع يشغله هذا الصوت الذي يستوقفنا في أصل كلّ سورة أكانت حكاية/ قصّة أم لم تكن، وهو الذي تعود إليه كلّ الملفوظات السرديّة؟
فهل الكلام الذي يسوقه القرآن على لسان إبليس: «قال[إبليس]: ربّ بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الأرضِ ولأغوينّهمْ أجمعين إلا عبادَك منهم المخلصين»: الحجر -40 ، كلام إبليس أم كلام الله؟ وكيف نميّز في سياق كهذا بين ذات متلفّظة وذات ملفوظة؟
فإذا سلّمنا بأنّ الذات المتلفّظة هي الذات الإلهيّة، أو أنّ الله "يحكي" كلام إبليس، أو هو "يخبر"عن قوله، على نحو ما نجد في مدوّنة التفسير قديما وحديثا؛ فقد لا يكون لذلك من معنى سوى أنّ الله يترجم كلام إبليس أو هو يوضّحه أو يفسّره بلسانه أو ينقله إلى اللسان العربي، أو يصفه. أمّا إذا سلّمنا بأنّ إبليس هو الذات المتلفّظة، وأنّ الله لا يُدخل رأيه ولا يحشر حكمه، في كلام إبليس؛ فلا مناص من الإقرار بأنّ النصّ القرآني جمع وليس فردا، أو هو ليس كلّه كلام الله، إنّما هو "محاورات" بين ذوات شتى. وهذا ممّا قد يسوق إلى القول بإمكان محاكاته (11)، ويسلبه "كماله" الذي لا يعتوره نقص ولا يشوبه عيب في مخيال المسلم؛ والقرآن في المتصوّر الإسلامي إبداع من غير أصل ولا احتذاء وبلا آلة وبلا مكان ولا زمان (12):" بديع السماوات والأرض" البقرة117.
بل قد يستتبع ذلك "استبعاد" الذات الإلهيّة من نصّها، أو القول ب"إقصائها"وما قد يعتري القارئ، بسبب ذلك، من خشية أو رهبة، أو ما يمنحه ذلك من متعة له أو لذة وهو يتتبّع ـ متحرّرا من سلطة صاحب النصّ ـ هيئات الدال وتقلباته إذ يراوغ مدلوله ،وما استقرّ من ثوابته ومسلّماته أم نحمل قول إبليس على وجه اعتزالي فنقول إنّ الله هو فاعل الكلام وليس القائم به، أو هو يخلقه ويبثه في مخلوقاته؟
يقول القاضي عبد الجبّار المعتزلي:"اعلمْ أنّ المتكلم عندنا هو فاعل الكلام ،وإنما نعرف أنّ هذه حقيقة بمثل ما نعرف في شيء من أسماء الفاعلين أنه يُفيد فعلاً من الأفعال ، وهذا نحو الضارب والكاسر والمنعم وغيرها ، ومعلوم أنّ الطريق الذي به تثبت هذه الأوصاف مفيدة للفعلية أنك لا تعلم كذلك إلا عند وقوع هذه الأفعال بحسب أحواله ، فإنْ لم يُعرف ذلك لم يُعرف متكلماً ، ومتى عرفت هكذا عرفت متكلماً، فجرى مجرى ما ذكرناه" (13).
وهذا وغيره ممّا لا تتسع له مقاربتنا،قد يفيدنا في فهم الفرق بين الكلام والوحي، وبين القديم والمحدث، ونفي تجسيم الذات الإلهيّة المنزّهة؛ ولكنّه يقف مدفوعا مصدودا إزاء الإشكال الذي نطرحه، بل هو إشكال لا يمكن أن يكون قد خطر ببال هؤلاء الأسلاف.
بل هو لا يفيدنا في فهم هذا الخطاب المنقول الذي يراوح بين هيئة الأسلوب المباشر وغير المباشر في النصّ القرآني. فالمباشر قول أمين أو هو"طبق الأصل"يُتمثّل به، أو يتلفّظ به شخص ثالث،فيما غير المباشر دمج خطاب هذا الثالث في نظم الخطاب الرئيس أي خطاب السارد.
يحقّ لنا إذن أن نتساءل ـ مستخدمين لغة السلف ـ "مجموع الفتاوى | المجلد الثاني عشر"إنْ كان هذا الكلام المسند إلى ذوات غير الذات الإلهيّة، وبعضه يكاد يتّسع لسورة بأكملها؛كما في سورة يوسف،هو كلام هذه الذوات تكلمت به بلفظه ومعناه،أوهي التي ألفت حروفه وتكلمت بها بصوتها؛ إذ يفترض في هذا الخطاب المنقول أو المروي أو"المخبر عنه" كما نفضّل، أنّ له صوتا يخصّه،ونغمة تخصّه، وسجيّة تخصّه. ذلك أنّ هذه الذوات سواء أكانت آدميّة أم كائنات لامرئيّة،إنّما هي في المتخيّل الإسلامي،"كائنات حقيقيّة" وإن لم تكن لها حقائق فيزيائيّة،وهي ليست "شخصيّات ورقيّة" (14) كما نقول عن الشخصيات القصصيّة. فالملائكة مثل جبريل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل وإبليس الذي كان ملاكا…كائنات نورانيّة أو هي أجسام لطيفة تمتلك قدرة خارقة على أن تتشكّل في صور وهيئات شتى، والجنّ وهم "من مارج من نار" أو هم كائنات هوائيّة تتشكّل مثل الملائكة في أيّما هيئة شاءت.
وفي هذا ما يُسوّغ سؤالنا :هل هذا الكلام الملفوظ (كلام إبليس وغيره) هو كلام هذا الغير بنظمه وتأليفه، حتى لو بلّغته لنا ذات أخرى سمعته منه سماعا مطلقا بغير واسطة، وسمعناه نحن سماعا مقيّدا بواسطة التبليغ؟ أم هل هو حكاية كلامه أي هو كلام يشبه كلام هذا "الغير"، على نحو ما نقول: هذا يحاكي هذا أو يحكيه أي شابهه وأتى بمثله، أم هو حكاية كلامه عنه، على نحو ما نقول: حكى عنه الكلام أي رواه عنه، و بلغه عنه، ونقله عنه، وحدّث به عنه؟
إنّه لمن البدهيّ ألاّ تجول أسئلة كهذه بخلد المؤمن،لأنّ مذهب السلف أو عموم المسلمين، أنّ القرآن كلام الله، حروفه معانيه وأنّ الله تكلم بصوت وأنه نادي بصوت كما أسلفنا. وعليه فالمتكلّم هو الله والصوت هو صوت الله. بل إنّ ابن تيميّة يستدلّ على حدوث" القرآن المقروء" بعمليّة التلفظ نفسها،ويقول إِنَّ ترتيب حروف الكلمات و الجمل أو نظمها يستلزم الحدوث، لأنَّ تحقق كلمة «بسم الله» يتوقف على حدوث الباء وانعدامها، فحدوث السين كذلك إلى آخر الكلمة."فالحدوث والانعدام ذاتي لمفردات الحروف لا ينفك عنها،وإلا لما أمكن أَنْ توجد كلمة،فإذن كيف يمكن أنْ يكون مثل هذا قديماً أزلياً مع الله تعالى". (15)
2ـ1 التلفظ/المتلفظون:
تخيّرنا في هذه المقاربة أن نزاوج بين كوّتين في شبكة القراءة:تداوليّة وسرديّة، وأن نراوح بينهما، عسى أن ننفذ إلى "الأفعال الكلاميّة" والكيفيّة التي تـُصنع بها الأحداث، في النصّ الذي نحن به،أو كيف تتأدّى الأشياء والشخوص كلماتٍ متدافعة ً متجاذبة، من خلال الأفعال اللغويّة الثلاثة التي تنشئ ملفوظا ما. وأوّلها فعل القول(ماذا يقول؟) وما يتعلّق به من أصوات وتركيب كلمات، تنتظم على مقتضى قواعد اللغة،ومن شأنها أن تحمل دلالة هي محصّلة المعنى والمرجعيّة، أومحتوى افتراضيّا كما هو الشأن في القصص القرآني.
وثانيها القول الفاعل (ماذا يفعل؟) وما يتعلّق به اتفاقا أو مواضعة ً من التزام أو مفعوليّة، وكذلك الغاية أو الهدف منه، ومدى هذه المفعوليّة المستخدمة لبلوغه. ومن شأن هذا القول الفاعل،أن يغيّر العلاقات بين المتخاطبين.
وثالثها الفعل التأثيري(لمَ الفعل؟)، وهو يخرج عن الحيّز اللساني،إذ يتعلّق الأمر بالتأثيرات التي تنجم عن الملفوظ في وضع التخاطب،فقد تكون متباعدة في الزمن(اضطرابات أو تغييرات لاحقة على زمن القول).
وهذا ممّا يؤكّد أنّ وظيفة اللغة ـ وبخاصّة في نصّ مثل النصّ القرآني لا ينفكّ يذكّر بأنّ الله يوجد حيث تُوجد لغته هذه في حال فعل أو هي ملكه الذي يتصرّف فيه أنّى شاء وكيفما شاء ـ لا تنحصر في وصف العالم وتسمية أشيائه، ولكن في القيام بأفعال، والتأثير في الواقع. أو لنقل إنّ الملفوظات يمكن أن تكون تقريريّة تصف العالم على نحو ما نجد في أكثر السور المكيّة. وهي إمّا صحيحة أو كاذبة، مثلما يمكن أن تكون "إنجازيّة"أي تنجز فعلا؛ فتـتحدّد بمفعولها أو صوابها وموافقتها لمراد المتلفّظ ،من عدمه. والملفوظ الناجح مسعًى هو الذي يتوجّه إلى شخص ما ،ويفهمه المتلقّي،بحيث يكون هناك تجاوب بين القول والفعل. (16)
إنّ التلفظ(القول) عمل لغويّ يؤدّيه فرد، لإنتاج ملفوظ(مقول)،موجّه إلى مرسل، في ظروف أو ملابسات مخصوصة. وفي السياق الذي نحن به فالملفوظ هو النصّ القرآني المكتوب لا المتلوّ أو المسموع، فيما التلفظ هو الفعل اللغوي الذي يقوم به المتلفظ، وتصبح العناصر اللغوية بواسطته دالّة.
إنّ الملفوظ إذن مادّي بطبعه، سواء أدركناه بالأذن في حال السماع، أو بالعين في حال القراءة. أمّا التلفظ فأمره مختلف، ومن الصعوبة بمكان محاصرته ،ناهيك عن تسجيله وتقييده؛ فهو ليس ماديّا بالمعنى الدقيق للكلمة، ولا هو بالظاهر للعيان.
فإذا كان للملفوظ من الملامح والسمات،ما يهدينا في سهولة حينا أو في صعوبة حينا،إلى معرفـــــته والوقوف عليه؛فإنّ في التلفظ ،مهما احتشدنا له، سرّا خفيّ الشأن، يجعله يراوغنا ويفلت منّا، فهو عمل فرديّ/فريد.وهو من ثمّة "معجز" بطبعه؛ يتعذر إحداثه أو إنتاجه من جديد،حتّى على صاحبه.
ومع ذلك يظل التلفظ أساسا في الإحاطة بحقل "التشاكليّة" ووصف قواعد تأليف الكلمات والتراكيب والجمل. وقد يتعذر ذلك بمنأى عن "مقام التلفظ" الذي يحدّ إجمالا المتكلّم والمخاطب، والظروف والملابسات التي تحفّهما: أنا/أنت/هنا/الآن.
ما نلاحظه في الشواهد التي تخيّرناها من النصّ القرآني ،أنها "محاورات" بين "شخوص" تتراجعُ الكلامَ وتتجاوبُ،الأمر الذي يستوجب أن يتغيّر المتلفـِّظ والمخاطب كلاهما، فيتغيّر مقام التلفظ ،بتغيّر الجواب والردّ عيه.
فهذه النصوص تنحو منحى سرديّا، والمتلفظ فيها ـ على ما يوهمنا ظاهر النصّ ـ إنّما هو السارد أي الذي يقصّ. وهو في النص القرآني يشارك في الحكاية أو القصّة التي يرويها. وهو من وجهة نظر دينيّة "الخالق" أو هو"المؤلّف" أو "المنشئ" بعبارتنا ،واقعا كان أو خيالا.
ولا ينبغي أن ننسى أنّنا هنا إزاء خطاب مباشر،أي أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد وحدتين نحويّتين مستقلّتين،فحسب، بل بمقاميْ تلفّظ متمايزين؛وبالتالي فنحن إزاء متلفّظين اثنين. ومع ذلك يظلّ السارد ساردا.أمّا المتلفظ ـ ما توخينا الدقة،وتجرّدنا ونحن في مقام علميّ ،من لـَبُوس الدين،أو هكذا نسعى إلى أن نكون ـ فهو النبي: [أنا أقصّ عليكم ما يقصّه/قصّه عليّ الله].
وفي القصّ وفي حيّز الخطاب المنقول المباشر، فإنّ هناك مقام تلفظ متميّزا، ومتلفظا متميّزا أو مغايرا.
2 ـ 2 مسألة المؤلف: من هو المتكلّم؟
يعقد ج.جينيت تحت مصطلح"صوت" سلسلة من الأسئلة،عُراها العلاقات القائمة بين" سلطات" ثلاث هي المؤلف والسارد والشخصيّة، وما يميّز إحداها عن الأخرى من فروق دقيقة وظلال خفيّة. وإذ نشدّد على هذين النعتين: "دقيقة" و"خفيّة" فمردّ ذلك إلى سؤال لا يمكن تلافيه في أيّ نصّ سرديّ وهو: أعلينا دائما إجراء هذا التمييز بين المؤلّف والسارد، وبخاصّة كلّما كان السارد نفسه شخصيّة في القصّة التي يرويها؟ وما إلى ذلك من أسئلة مثل: كيف نحدّ العلاقات ونرسم الحدود بين "الداخل" في العالم المحكي و"الخارج"؟ أو كيف نضبط الزمنيّة، ونحن نقيس الفارق الكبير تقريبا بين زمن الفعل السردي وزمن القصة؟(17)
ثمّة في كلّ نصّ سرديّ ما يغري القارئ بإدماج الصوت السارد بمؤلّف النص، وبخاصّة كلّما توسّطت أنا السارد بين القارئ والقصّة.
فحضور ضمير المتكلّم في نظام النص، سواء أداره المؤلف بصيغة " أنا " أو على مقتضى أسلوب " الالتفات " من انصراف المتكلّم عن الإخبار إلى المخاطبة، وعن المخاطبة إلى الإخبار،إنّما هو من مقوّمات قراءة الألفة، إذ يمكن أن يدلّ حدسا أو ظنّا على تجربة عند القارئ هي تجربة " التقبّل الذّاتي" أو إدراك الذات وتعرّفها.
وهي ليست متجانسة عند جميع القرّاء، ولكنّهم يتقاسمونها بنسبة أو بأخرى. و"أنا" هي بمثابة واصل أو رابط بين القارئ والنصّ. والقرّاء جميعهم يتوفّرون على هذه الملـَكة في إسناد الكلام إلى النّفس، والرّجوع إلى الذّاكرة من حيث هي قوّة نفسيّة تحفظ الأشياء وتستحضرها عند الاقتضاء. وواسطتهم في ذلك ضمير التكلّم في النصّ إذ يحيلهم على تجربة جسديّة ونفسيّة لهم علم بها وخبرة ،أو هم يدركونها بالاختبار لا بالنّظر. وما نلاحظه في استعمال الضّمير " أنا " أنّ المرجع هو سريرة المتكلّم الخاصّة أو دخيلته. ولعلّ في هذا ما يسوق إلى القول إنّ إدراك القول،أو الملفوظ يفترض اختزال الفرديّة لكي يتيح فهم الأمور المتعلّقة باستعمال "أنا" في هذا النّمط من تجربة القراءة القائمة على إيلاف النصّ والأنس به.
فمثل هذا الضمير يضعنا إزاء متلفّظ أو قارئ يمكن القول إنّه مفرد بصيغة الجمع ذلك أنّ "الأنا" التي تستوقفنا في النصّ ليست إلاّ الواصل الذي يمكن أن يكون "نحن"،أي هذه المجموعة غير المحدّدة التي تتّسع للمتكلّم أيّا كان؛ بما يسوق إلى القول إنّ القارئ متضمّن في "أنا" مثلما هو متضمّن في "نحن".
إنّ "أنا" أشبه باسم لغير علم،يعقد صلة حميمة أشبه بوشيجة القربى،بين المتكلّم وكلامه،صلة ُ ُ أساسها عند جاكوبسون علاقة تماثل :" إنّ كلمة "أنا" الدالّة على المتلفظ لهي في علاقة وجوديّة بالتـلفظ". فهذا الضمير إذن ،رغم ذيـوعه وشيوعه "شديد الغرابة" وليس بالميسور محاصرته،لتعقّده وعدم ثباته.(18)
أمّا السارد بصيغة الجمع "نحن" فقد يحيل ـ وهذا ما لا نتنبّه إليه عادة، أو نغفله ـ على ما يمكن أن نسمّيه "بنية غياب بالمطابقة" بينه وبين ذاته. فالله يقصّ، ولكن لا أحد يجعل صفة "قصّاص" من أسمائه الحسنى، أو يتخذ منها اسم صفة يجاذب الاسم الجوهر مكانته(19).ولعلّ هذه الصيغة المطّردة في النصّ القرآني،ممّا يتيح للسارد أن يحصر السلطة في شخصه من جهة ، وأن يجعل الذهن يتركّز في الشخصيّات الرئيسة، من أخرى أي تلك التي يبسط عليها هذا السارد سلطته اللغويّة.
2 ـ 3 السارد : دور مختلق:
من الأمثلة التي يسوقها الباحثون في السرديّات، في سياق التمييز بين المؤلّف والسارد،رواية بلزاك" الأب غوريو"، فمن الثابت أنّ بلزاك لم يكن يعرف المأوى الذي يقيم به بطله،غير أنّ هذا لم يَحُلْ دون وصف السارد له وصفا دقيقا،حتى أنّه يأتي على تفاصيله، وينزوي في شوارده. ومثال آخر رواية جورج أورويل الشهيرة"1984" فقد كتبها صاحبها عام 1948،ومات بعد ذلك بسنتين،ولكنّ السارد لايزال حيّا يُرزق بعد 1984،وهو الذي يروي قصّته في الماضي. ومن المفيد أن نذكّر بأنّه بميسور أيّ سارد أن يعرض علينا أو يقدّم لنا لقطات أومشاهد أوحوارات ناطقة نابضة بالحياة،بالرغم من أنّها حدثت في أزمنة سحيقة. ومثل هذه القدرة لا تمتح أمشاجها وعناصرها من " ذاكرة قويّة" فحسب، وإنما من " ملـَكة فوق انسانيّة" تتيح لأيّ سارد أن يندسّ في سريرة الشخصيّة، ليجلوها في مجلى الظاهر أو الواقع.
وفي سياق كهذا، قد لا نجانب الصواب إذا حملنا القول ب"عدم ختم النبوّة" أو النبوّة التي لم تنقطع عند بعض الصوفيّة مثل شهاب الدين السهروردي أو التلمساني ، فالنبي مات، ولكنّ "النصّ القرآني" لايزال يخاطبنا بلسان سارده ويتحدّث إلينا.(20)
فمن الرجاحة بمكان أن نقرّر أنّ السارد ليس المؤلّف بأيّ حال من الأحوال،وإنّما هو "دور" يختلقه المؤلف أو هو يتبنّاه. ومن نافل القول أن نذكّر بأنّ الكتّاب أنفسهم يصرّون على التمييز بين الكاتب من حيث هو "أنا اجتماعيّة" و الكاتب من حيث هو "أنا إبداعيّة".
بل أنّ الكِتاب هو ـ كما يقول بروست، وفي كلامه مقدار كبير من الصواب ـ: "محصّلة أنا أخرى غير التي نظهرها في عاداتنا، في المجتمع، وفي عيوبنا، وإذا ما سعينا إلى فهم تلك الأنا فإنّما في أعماقنا وحدها نستطيع أن ننفذ إليها ؛ ونحن نحاول أن نبتعثها فينا "
أو كما يقول بول أوستر: " في حياتي قطيعة كبيرة بيني أنا والرجل الذي يؤلف كتبا. فأنا ،في حياتي، أعرف تقريبا ما أفعله، ولكنّي إذ أكتب، أهيم تماما، ولا أعرف من أين تأتي هذه القصص." (21)
بَيْدَ أنّ هذا لا يسوق إلى القول ب"أدبيّة" خالصة؛ فخلف كلّ نظام أدبي يختفي نظام ثقافي، والأدبيّة نفسها كثيرا ما تتحدّد من خلال "اللاأدبيّة"، والقصّ بما في ذلك "القصّ المقدّس" لا يمكن أن يُستثنى. بل لعلّه يمتحُ من تلك المصادر الثلاثة التي يمتح منها أيّ قصّ: المؤلّف صاحب السيرة أو الترجمة ،والمؤلّف ـ الكاتب، والسارد.
أمّا الأوّل فهو ليس بموضوع للسرديّات، وربّما كان من المفيد الاستئناس بيوميّاته أو رسائله، أو معرفة مواقفه، ولكن دون أن نعتاض بهذا عن تحليل النصوص نفسها.
(وهذا شبيه بما يفعله مفسّر القرآن إذ يستأنس بسيرة النبي وحديثه أو بأسباب النزول وما إلى ذلك لتفصيل ما جاء مجملا في النصّ القرآني عادة.)
هذه "المدوّنة" ليست رسائل أو تصريحات صادرة عن المؤلّف ذي السيرة، وإنّما هي ثمرة عمل"جماليّ" معقّد، هو من سعي المؤلّف ـ الكاتب. ويتمثّل هذا العمل في صنع جهاز سرديّ شامل يندرج فيه السارد: الحبكة والشخصيات والموضوعات والأسلوب، بما في ذلك تخيّر سارد مغمور يتخذ وضعا مواربا أو هو مهذار لا يؤتمن على سرّ. وهذه كلّها تؤول إلى "خطّة" أو "سياسة" أو ما يسمّيه المعاصرون " ستراتيجيا الكتابة"، وإلى مقصد هو مقصد المؤلّف بهذا المعنى الحصري للكلمة. وهو ما يُصطلح عليه ب" المؤلف المتوهّم" أو"المؤلّف المتضمّن"أو "صورة المؤلّف النصيّة".
وتشدّد السرديّات الحديثة على أنّه من البداهة أن لا يلتبس مقصده بأفكارالمؤلّف "البيوغرافي" أوآرائه، أو بأيّ حكم كان يمكن أن يقطع به السارد. وهذا ما لا نقف عليه في القصص القرآني حيث تحضر "سيرة" النبي حضورا لافتا حتى في السور التي لا تتعلّق به مباشرة، على نحو ما نجد في قصّة شعيب، فهي في سورة هود تكاد تكون صورة أخرى من سيرة النبي محمّد في مكّة. (22)
الهوامش:
1 ـأخرجه وصحّحه كثيرون( الطبراني وابن الجوزي وأحمد بن حنبل وابن تيميّة والبيهقي… بروايات تختلف اختلافا يسيرا، وعدّه بعضهم محمولا على رؤية المنام، وليس على رؤية العين .
ومن هذه الروايات:"رأيت ربي في المنام في صورة شاب موفر في الخضر عليه نعلان من ذهب وعلى وجهه فراش من ذهب".
و"رأيت ربي في حظيرة من الفردوس في صورة شاب عليه تاج يلتمع البصر"…
ومن اللافت أنْ لا أحد من القدماء تضعّـف هذا الحديث أو أنكره،لا لأنه ينافي صورة الإله "المجرّد"أو"المنزّه" الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، وإنّما لما فيه من تشبيه الله بالأمرد؛ بكلّ ما يحمله هذا النعت من معان" تنقّصيّة" في ثقافة الإسلام بعامّة. فالأمرد هو الشاب الذي بلغ خروج لحيته ، وطر شاربه ، . وتمرد الرجلُ إذا أبطأ خروجُ لحيته بعد إدراك. ولم تبد لحيته
وسمّي الأمرد : لتجرده من الشعر . أولأنّه في عنفوان الشباب وأنشطه ، ومنه شجرة مرداء : لا شوك فيها
ومن أحكام النظر إلى الأمرد:
رواه ابن الجوزي بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: إذا رأيتم الرجل يلحّ بالنظر إلى الغلام الأمرد فاتهموه.
وروى أبو محمد الخلال ثنا عمر بن شاهين ثنا محمد بن أبي سعيد المقري ثنا أحمد بن حماد المصيصي ثنا عباس بن مجوز ثنا أبو أسامة عن مجالد عن سعيد عن الشعبي قال:" قدم وفد عبد القيس على رسول الله
وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي وراء ظهره.وقال: كانت خطيئة داود في النظر".
وروى ابن الجوزي بإسناده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال:" من نظر إلى غلام أمرد بريبة حبسه الله فى النار أربعين عاما".
بإسناده عن النبي قوله: وروى الخطيب البغدادي
" لا تجالسوا أبناء الملوك فإنّ الأنفس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق".
ويقول ابن تيميّة في مجموع الفتاوي 21/245
والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم ، والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء ، أو شهوة التلذذ بالنظر ، فلو نظر إلى أمه ، وأخته ، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلوما لكل أحد أن هذا حرام ، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة.
2 ـ من ذلك مثلا بضع جمل ساقها أنور خلوف،حول هذه الظاهرة،لكن دون أن يستوفيها حقها من البحث والمدارسة. يقول:" وفي القرآن الكثير من الآيات التي ليست كلام الله تعالى،إنّما هي كلام قائليها، من دون الله،المنقول إلى الرسول(ص) عن طريق الوحي…[مثل]سورة مريم على لسانها ولسان قومها وابنها المسيح عليه السلام…وهناك آيات عدّة من هذا القبيل وردت على لسان المؤمنين أو المشركين أو الأنبياء… وهي آيات متوافقة ومطابقة لمستوى نصوص القرآن، إذ أنّ عدد كلماتها أكثر من كلمات كثير من سور القرآن القصيرة أو المتوسّطة الطول." انظر القرآن بين التفكير والتـأويل والمنطق العقلي،دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 1997 ص.94 و95
3- المحقق الحلي
المسلك في اصول الدين
والنظر للتوسّع:
محمود شكري الألوسي البغدادي شهاب الدين ،روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني
ادارة الطباعة المنيرية القاهرة-
ـ علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري
كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي
منشورات : محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية،ط1
بيروت لبنان 1997
محمد بن محمد ابن أمير الحاج الحنبلي، التقرير والتحبير
ت. محمود محمد عمر
دار الكتب العلميةالطبعة الاولى
1999م -بيروت
فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت
عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد السهالوي الأنصاري اللكنوي
ت. عبد الله محمود محمد عمر
دار الكتب العلمية 2002
ابن أبي العز الحنفي
شرح الطحاوية في العقيدة السلفية
تحقيق أحمد محمد شاكر
وكالة الطباعة والترجمة
في الرئاسة العامة لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
البلاغة، الخطبة 179، ج 2، ص 122، ط عبده.ط.2 4-
5 ـ جاء في فتاوى ابن تيميّة:
باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين
فإن سئلنا: أتقولون للّه يدان؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وقوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذريته، وخلق جنة عَدْن بيده، وكتب التوراة بيده)، وقد جاء في الخبر المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن اللّه خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده).
/وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيديّ، ويريد بها النعمة، وإذا كان اللّه إنما خاطب العرب بلغتها، وما يجري مفهومًا في كلامها، ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل البيان أن يقول القائل: فعلت كذا بيديّ ـ ويعني بها النعمة ـ بطل أن يكون معنى قوله تعالى: بيديّ: النعمة.
مجموع فتاوى ابن تيمية
( 88 )من 645
6ـ العقيدة للإمام أحمد بن حنبل برواية عبدوس العطار ، المطبوع مع العقيدة برواية أبي بكر الخلاّل ط. دار قتيبة / دمشق1988
طبقات الحنابلة ـ.
للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى
المملكة العربيّة السعوديّة ـ 1999م
ـ يقول أبويعرب المرزوقي إنّ من الحجج التي يستند إليها ابن حنبل،لإثبات قدم القرآن،الآية:" وقال ألا له الخلق والأمر" سورة الأعراف آية 54 ويرى أنّ العلاقة بين الأمر والخلق من حيث التقدّم والتأخر والقدم والحدوث من جنس العلاقة بين المثال والممثول. ويقيس الموقف المعرفي عند ابن حنبل بالموقف الأرسطي ـ تقدّم المعطى على العقل ـ والموقف الوجودي عنده بالموقف الأفلاطوني ـ تقدّم الأمر على الخلق… وبذلك يكون ابن حنبل قد جمع بين التقدّم الأنطولوجي للأمر على الخلق إلاهيّا والتقدّم الأبستمولوجي للمعطى الَخَلْقي على إدراكه وعلمه انسانيا. ويعني المرزوقي بذلك نفي القبلي في المعرفة، وجعلها تجريبيّة خالصة، كلّ ما فيها بعديّ ومستمدّ من المعطى الشرعي(الأمر) أوالطبعي(الخلق). منزلة الكلي في الفلسفة العربية،جامعة تونس الأولى 1994 ص.547
7ـ مجموع فتاوى ابن تيمية
المجلد السادس
( 111 من 645 )
ـ انّ في اخبار قدماء العرب اشارات كثيرة الى انّ الاشياء في المجتمع الجاهلي كانت محفوفة بقداسة مثيرة و متلبسة بلبوس التصور الاسطوري فقد عبد العرب " الاشجار و اغصانها و جذورها و العظم و الريش و الناب و المخلب و الحافر و السن و الظفر و الحجر و انواع الحيوانات و الات الحرب و الشمس و القمر " و هي ظاهرة ترتد الى " المذهب الحيوي " الذي يعتقد مريدوه بوجود روح او قوة سحرية مؤثرة في الاشياء و عناصر الطبيعة.
و العرب في ما يستخلص من اخبارهم و اساطيرهم لم يعرفوا حياة خارجة عن الطبيعة ف " الطبيعة هي المذهب و الحقيقة التي لا حقيقة بعدها عندهم " بل ان الروح في اعتقاداتهم لم يكن شيئا مفارقا او مستورا وراء الحجب الطبيعية فهو طائر يدرك و يلمس أي انه حياة و حركة.
والحقّ أنّ آخرين رأوا أنّ التسبيح في الآية" وسخّرنا مع داود الجبالَ يسبّحن" يُحمل على الحقيقة كما يُحمل على المجاز "وقد قال بالأول جماعة وهو الظاهر . وذلك أن داود كان إذا سبح سبحت الجبال معه ، وقيل : إنها كانت تصلي معه إذا صلى ، وهو معنى التسبيح . وقال بالمجاز جماعة آخرون ، وحملوا التسبيح على تسبيح من رآها تعجبا من عظيم خلقها وقدرة خالقها ، وقيل : كانت الجبال تسير مع داود ، فكان من رآها سائرة معه سبّح…"محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية ،دارالمعرفة2004
8- محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
سيرأعلام النبلاء
مؤسسة الرسالة
9 - جعفر السبحاني ،الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ط. الدار الإسلامية / بيروت سنة - 1989
10 -Genette, Gérard (1972). Discours du récit, in Figures III: Paris: Seuil ,
Genette, Gérard (1983). Nouveau discours du récit. Paris: Seuil.
ـ11 من أمثلة المحاكاة قول مسيلمة لسجاح: "إنّ الله خلق للنساء أفراجا، وجعل الرجال لهنّ أزواجا،فنولج فيهنّ قعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا نشاءُ إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا…"فقالت: أشهد أنّك نبيّ. فقال لها: هل لك أن أتزوّجك وأكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. فقال أبياته:
ألا قومي إلى المخدع فقد هيّئ لكِ المضجع
فإن شئت فرشنــــاك وإن شئت على أربــع
وإن شئت كما تسجد وإن شئت كما تركـــع
وإن شئت بثلــــــثيه وإن شئتِ به أجمـــــع
قالت: بل به أجمع. قال: بذلك أوحي إليّ…
تاريخ الطبري1/1919 وابن كثير، البداية والنهاية 6/321
ومن اللافت أن لايشير الطبري ولا ابن كثير إلى ما في كلام مسيلمة من دعوة إلى الجماع في طقوس أشبه بطقوس الصلاة في الإسلام ( السجود والركوع).
وقوله:
"والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا، واللاقامات لقما ، إهالة وسمنا لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر ، ريفكم فامنعوه ، والمعتر فآووه ، والباغي فناوئوه"
كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبرى ج 2 ص 276
12- انظر: اللسان (بدع) والأسماء والصفات للبيهقي ومفردات غريب القرآن للراغب الاصفهاني
ـ13 القاضي عبدالجبار،المحيط بالتكليف ج1 ص 306 ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر – الدار المصرية للتأليف والترجمة / القاهرة
أورده حسين معتوق،الإنصاف في مسائل الخلاف
المطبعة: مكتبة العرفان
الكويت2005 /ج2/ 119
Roland Barthes, S/Z. Essais, Paris, Éditions du Seuil, 1970 -14
15- مجموعة الرسائل الكبرى : ج 3، ص 97
ج1 ص205/213 أورده جعفر السبحاني ،الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل
Austin : How to do things with words -16
(1962), et J.-R.Searle dans deux
ouvrages Les Actes de Langage (1972), et Sens et
expression, 1982.
Genette ,ibid -17
* Schaeffer, Jean-Marie (1995). Temps, mode et voix dans le récit, in Ducrot, Oswald, Schaeffer, Jean-Marie, Nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du langage. Paris: Seuil, Points-Essais, pp. 710-727.
Jean Rousset, Narcisse romancier. Essai sur la première personne dans le roman, éditions José Corti. 18ـ
19- يبيّن المتخصّصون في "الوصفيّة" أنّ الاسم الجوهر كلمة تتميّز باشتراط محمولها لحامل من داخلها،يجسدها، وفيها تتعيّن مقولة الشخص داخل اللغة،فيكون وقعها داخليّا،فيما الصفة كلمة يستمدّ محمولها حاملا من الخطاب، وفيها تُحدّد مقولة الشخص بالرجوع إلى الموصوف الذي تُعلّق عليه،فيكون وقعها خارجيّا. انظر:رفيق بن حمودة، الوصفيّة:مفهومها ونظامها في النظريّات اللسانيّة،دار محمّد علي للنشر ط1 تونس 2004 ص.232 وما بعدها.
- 20 أبو ريّان، أصول الفلسفة الإشراقيّة عند شهاب الدين السهروردي،دار المعرفة الجامعيّة الاسكندريّة 1987 وأبويعرب المرزوقي ص.522(سلفت الإشارة إليه)
21- Paul Auster, entretien publié dans Le Monde, 26.7.1991
22- انظر سورة هود مثلا: قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
#قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
#وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ
#وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
عن موقع الأوان
08-أيار-2021
27-تشرين الأول-2010 | |
08-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |