مازالت رائحة الصخب تجول أرجاء المكان وأثار حفل الأمس أجراس ترصع السكينة ببريق الضحكات وتبادل نخب الأمنيات البسيطة، البالونات تثير بهجة مطاطية تجذب طفولتنا من خزانة وقارها المصطنع كي ترتدي مهللة قبعة السنتا كلوز، بلا أصباغ أو ماكياج تشابكت الأصابع جدا، الدعوة الأولى للالتحام ،على طاولة التحفظ والإنصات المهلهل للصمم توهجت أشواق مؤجلة عام بأكمله ،المسافة أشواك تجيد إصابتنا بالتعثر، وفي غفلة من الأيام الكثيرة، نما الحنين فينا وتوحش، طالت أظافره برغبات حادة للعناق الجائع كلانا للآخر، ما فلحت إذا قلادات الريبة ، بلا ترتيب كان ذلك تتويجا للتوقع المذهل ومثيرا لحيوية الله الذي انسل مشدوها لهول البهجة، متألقا في برتقالية موسيقى أذابت انكفاءات بأوتاره جفت ،صرنا تلك الليلة مندهشين ،كنا طبيعيين ،ما حس احدنا بألم يعانيه أو وجع يلازمه،أدركنا شفاءنا في لحظة حقيقتنا تلك ، ورحنا برجفات متلهفة نترقب كيف يكون حال هطول اللحظات الأولى ،وعلى أي شاكلة سنقبض على مفاجآت عام آخر يهبه الرب مجددا ومغلفا بألوان الفرح وشغف الاكتشاف ،أغمضنا الماضي فينا ، نمر للأمنيات عبر انحسار ترانيم العناق المضني ، بوعي يقظ تمنينا كل الفرح والسعادة والصحة ،أن نحقق كل الأحلام ، وان لا يصيبنا مكروه وان نبقي دوما معا ، عجبا أتذكرها جيدا- أنها نفس أمنيات العام الماضي والأعوام الماضية بل واغلب الظن ربما هي أيضا الأمنيات القادمة ،ما ذا لو أطلعتنا النبوءة عما سيكون عليه عامنا القادم من مسرات والآم وأحداث غير متوقعة وربما لا تختلف عن سابقتها، ورغم أننا لا نقف عند التوقعات السعيدة- نذهب بشغف نترقب ونفتش عن تلك التي تؤرق مضاجعنا وتملؤنا قلقا - لنبدأها رحلة الارتباك والرفض والغضب واللوم والتحايل لعام آخر جديد نفقده أيضا من نثرات أيامنا المتواضعة ،لكن ..شكرا فالنبؤات كاذبة والطالع خدعة،والغد دوما مفاجأة ، شكرا لتجارب بنا مضت ،معتق وجعها، أصقلت فينا التماع بهجتنا وتألق الصلابة ،شكرا لأحداث ومرارات قومت المنحني فينا وعلمتنا كيف بإتقان نحيك هوة المسافة ،نعزل رفادة لنزف فينا يمور، شكرا لضربات أنيقة فجرت مقدرتنا البارعة لنصنع المبادرة الأولى ونراه شقاء الآخر عذرا يتوقع الصفح والدعم منا ،إذا ماذا لو عقدناه الآن صلحا أمينا مع محيطنا وجل تفاصيلنا ، صلحا لطيفا مع آلامنا الرفيقة، تلك التي تقف الآن تطرق الباب لتكون أول الداخلين ، الألم مخلص جدا، يحبنا، وينتقينا بوعي ومكر حاذق ولا يتخلى عن مصاحبتنا بسهولة .
بين كومة الصقيع ودفء الأصدقاء ومع الساعات الأولي -بادرنا العام الجديد بفرح راسخ التشابك ،غنينا أغنيتا المخترعة لتوها :"مرحبا بك أيها الألم ، لتكن رفيقا لي، لا بأس بك ملازما جسدي أو وجداني أو حلمي أو حياتي كلها ، سأفاجئك عزيزي الألم بقدرتي المدهشة لمصاحبتك ومنازلتك أيضا، لن ارتعبك أو أخجلك ولن اضجر لصخبك في جل الأوقات الهامة وغير المناسبة ،وكما الأمس لن أرفضك ،أنت قوتي وسر تميزي ،سأحملك بلطف أينما ذهبت في شطح أسفاري ،نزهاتي ومشاويري المتسكعة ،أطلعك بأهم أسراري الطيبة وأفكاري اللعينة،كم أنت ضعيف أيها الألم وكم أشفق عليك ،ها أنت تحتاج رعايتي ،سأعلمك كيف تهتم بأسنانك ،كيف تنتعل حذاءك بطريقة أسهل وتعد طعامك بمذاق أطيب وتغني الموسيقى شفاء ، سأعد لك مكانا مريحا بمضجعي، واخشي عليك هول وحشة الاغتراب عني، سأعلمك كيف تكون ألما مهذبا ، ساميا ،تصافح طاعنك بشجاعة النبلاء وتضحك جدا بينما تخفي أناتك عن أعين الآخرين فأنت مسئول مني - لذا سأفتخر بك ليشير الناجون منك بالدهشة ويشيدون بمرحك الصاخب في قصائدي ، سأراقصك وتخاصرني حتما في كل أفراحي وأعيادي وستكون المفضل الذي يشاطرني العزلة ويرفق بحال خيبتي ولتصنع وخزاتك ذات الإيقاع المثير للارتفاع .
عزيزي الألم - شكرا لك إذ تحملت عبء كبريائي المهين لك ونزق عاداتي القاسية لأذلك ،عانيت تشرد حالاتي الماجنة كي أهدك -وتجاهك صوبت سم كل العقاقير ،هربت أنغمس في هذي الفنون النازفة موتا وجنونا ،لم تغضب ، لم تشتك،لم تنصرف،بل بت ملازما ،معاندا، مدافعا عن حقك في سكناك الآمنة بعصياني ، فشكرا لك إذ لم تصب غيري بركلاتك الصائبة ،أنا الآن جديرة بك- كي أعتليك واصعد حيث مشتهي الحب والصفح والعطاء بجزل دونما طمع ، عزيزي الألم مرحبا بك مجددا ،لكن ثق الغلبة دوما لي ..!!