Alef Logo
ابداعات
              

قوة السلاح .. زمن من الجراح وأبعد

ناديا الألوسي

خاص ألف

2011-03-05

راجعين بقوة السلاح .. راجعين نحرر الحمى
راجعين كما رجع الصباح .. من بعد ليلة مظلمة
ولم يرجع صباح .
وفي ذلك اليوم كان الحي كله يحتفي بأجمل شبانه . هكذا كانوا يتحدثون عنه . لم تشعر بغيابه , ولم تكن تنتظره لكنها كانت تبتهج بحضوره حين كان ظله الكبير بقبعة زيه العسكري المبقع يتسلل بهدوء ويغمر المكان تحت قدميها وتختفي تحته خطوط لعبة " التوكي " وحجارتها , فتقفز نحوه ليحملها بيد واحدة ويدور بها في الهواء مرة واثنتين وثلاث وهما يضحكان . كان قويا مشرق الوجه , وسمعتهم يقولون .. فلسطين .
وسمعت , حين خلسة أطلت برأسها لترى النساء يعولن ويلطمن بجوار أم صباح التي غاب وجهها تماما تحت شعرها المنفوش المنثور في كل اتجاه .. " لا تقتلي نفسك حزنا .. فابنك شهيد سعيد " . لم تفهم معنى قولهن ومعنى ما كن يفعلن .. فلم تكن الصغيرة تعرف بعد طعم الفقد . لكنها كانت تردد النشيد الذي ظلت كلماته ترفرف طويلا في الأجواء وصداه يصنع مخابيء في ثنايا روحها , حتى عرفت الفقد .
بعد سنين طويلة تكرر ذات مشهد النساء الباكيات النائحات ووجه الأم الغائب تحت الشعر الهائش . أم مهند , زميل دراستها الجامعية الذي لم تمهله الحرب ليفرح بنجاحه ويحتفل به مه اهله والأصدقاء , فاستدعي الى احدى جبهات المواجهة مع ايران ولم يعد . بكته بشدة ولم تكن تستطيع غير البكاء مع أمه ولم تعرف كيف تواسيها كما كانت النساء تفعل وتقول لها " لا تحزني با أم مهند .. فابنك شهيد سعيد " .
مرة اخرى تحدث السلاح . وحين يتحدث السلاح بصوته القوي .. يطيش الموت وتتفطر قلوب الأمهات . ولا تنفع عندها كل المراثي .
أم صباح وأم مهند .. وامي . امي التي اذكر جيدا كيف كانت ملامح وجهها تبدو من تحت خرائط الدموع والدم .
زمن آخر .. حرب أخرى .. وفقد جديد لكنه أشد وجعا . طويلا بكيت بدموع كالجمر .. واني اعرف أن كل اوجاعي وارتعاشات الحزن في قلبي لن تكون كأوجاع قلب امي . أمرأة .. أم فقدت عين قلبها .. وليدها الذي أخذوه الى ارض الكويت ولم يرجع . وايضا قالوا لها لا تحزني فأن ابنك الذي حملته وهنا على وهن وربيت وهدهدت وكبر امام عينيك لتقدميه قربانا لحرب يشعلها اي احد في اي مكان على هذه الأرض .. هو شهيد سعيد .
وهل يعنيها ان يكون سعيدا في السماء وحياتها خلو منه ؟ .. حياتها بعده جوفاء كل الوان ارديتها وبطائنها رمادية . لا يفرح قلب الأم حتى وان قال الله لها ان ابنها شهيد سعيد . والله يعلم أن قلبها لن يفرح .
لا احد يستطيع أن يهون من احزان النساء حين يفقدن حبيبا في حرب .. أي حرب . لن تفهم ولن تغفر النساء لمن يؤجج لحروب تشعلهن وتتركهن رمادا باردا , يتجرعن سما لا ترياق له , طالما ظلت قوة السلاح تصنع أزمنة من الجراح .
جيش العروبة يا بطل الله معك .. النشيد القديم الموحش . نشيد كانه ينعى الرجال لا يودعهم .. وكأن في كلماته ولحنه ايماءة الموت .
اليوم .. مع ثورات الشعوب في تونس وفي مصر , عاد النشيد يصدح برجعه الحزين . وأعادني الى زمن بعيد انتبهت الى انني لم أشهد فيه وانا اعيش على هذه الأرض أكثر من الحروب ومن طقوس جنازات موصولة من جيل الى جيل , وكأن هذه الأرض تلتهم من الرجال بقدر ما تنبت من سنابل وما زال صوت السلاح فيها اعلى من كل صوت .. حتى من اصوات صرخات النساء من اجل السلام .
يا شعب يامنصور .. الله معك .
نعم ..
شعوب انتصرت وشعوب مازالت غاضبة ثائرة , رجالها ونساؤها يواجهون السلاح والرصاص الحي .. بالأمل و بالضمير الحي .. لكن النساء , حمامات السلام , يصارعن قوة السلاح بألم أقسى وخوف أكبر .. لأنهن يعرفن طعم الحزن ويدركن أن لا احد , حتى في ازمنة صمت السلاح القصيرة , يفكر فيهن وفي ان يحقق لهن حلمهن في السلام الدائم وليس سوى السلام .
نادية الآلوسي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصتان

29-كانون الأول-2017

قصتان

23-كانون الأول-2017

لك أيها النبيل

25-تشرين الثاني-2017

قصتان قصيرتان

09-نيسان-2016

قصتان

07-حزيران-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow