في تشتت المعارضة السورية ووحدتها
خاص ألف
2011-07-11
عقد نحو مائتي مثقف معارض سوري في دمشق الاثنين الماضي لقاء لبحث الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد وسبل الخروج منها نحو أفق دولة مدنية-ديمقراطية. وما إن أعلن عن نية هؤلاء القوم في الاجتماع حتى سارعت الحكومة السورية إلى وضع العصي في دولاب المؤتمر، وسارع معارضون سوريون في الخارج والداخل إلى إدانة المؤتمر مسبقا، ودون أن ينتظروا نتائجه باعتباره سيُستخدم من قبل النظام للخروج من أزمته الخانقة.
على أية حال، جاء البيان الختامي للمؤتمرين على غير ما توقعه راديكاليو المعارضة الخارجية وبعض معارضة الداخل. فقد أكد المشاركون في اللقاء على دعمهم "الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنيّة تعدديّة، تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين السوريين السياسية والثقافية والاجتماعية. كما تضمن العدالة والمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات بغض النظر عن العرق والدين والجنس." وهم طالبوا بإنهاء الخيار الأمني، وسحب القوى الأمنيّة من المدن والبلدات والقرى، و تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ذات مصداقية للتحقيق في جرائم القتل التي تعرّض لها المتظاهرون وعناصر الجيش السوري، كما طالبوا بضمان حريّة التظاهر السلمي بدون أذن مُسبق، وضمان سلامة المتظاهرين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، والمعتقلين على خلفيّة الأحداث الأخيرة دون استثناء، وإدانة جميع أنواع التحريض الطائفي والجهوي والتأكيد على وحدة الشعب السوري، ورفض التدخل الخارجي.
لم يأت المشاركون في المؤتمر على مطلب لا يشترك فيه معظم أطياف المعارضة السورية والحراك الشعبي الثوري. ولعل هذه المطالب موجودة كلها أو بعضها في مختلف البيانات التي صدرت حتى الآن عن أطياف المعارضة في داخل سورية وخارجها. فلماذا كان الهجوم الممنهج على هذا اللقاء بالتحديد؟
سوف نضطر، للإجابة عن هذا التساؤل، إلى وضع صورة تبسيطية لواقع المعارضة في سورية.
على الضد من جميع الدول والمجتمعات السياسية في العالم، ينتمي كلا السلطة والمعارضة إلى الجذور الاجتماعية والفكرية ذاتها. وهما، متكاملين، يشكلان جزءا مما يسمى بحركة التحرر الوطني التي ندين لها بالتغيير القسري للمجرى الطبيعي للتاريخ في العديد من الدول الآسيوية والأفريقية، والتي تقبع الآن، مصادفة، في أسفل السلم الحضاري والاقتصادي العالمي.
وبقليل من التمحيص، نستطيع أن نعيد أحزاب السلطة والمعارضة كليهما إلى حزبين اثنين هما حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري. فمن البعث، نشأ بضعة عشر حزبا، ومن الحزب الشيوعي نشأت الأحزاب الخمسة أو الستة التي لا تزال على قيد الحياة. وتتوزع هذه الأحزاب، بالتساوي تقريبا، بين الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة والمعارضة التي يشكل لبها التجمع الوطني الديمقراطي، ويدور في فلكه اليوم عدد من الأحزاب الصغيرة.
ثمة خرقان تاريخيان لهذا الانسجام البنيوي بين السلطة السورية ومعارضتها. الأول كان الخرق الإسلامي الراديكالي الذي أوجدته جماعة الإخوان المسلمين مع نهاية سبعينات القرن الفائت، عندما جاءت بإيديولوجية وبرنامج سياسي مختلفين عن أيديولوجية السلطة وبرنامجها؟ أما الخرق الثاني فهو عقد المجلس الوطني إعلان دمشق في نهاية 2007، عندما تبلور داخله تيار سياسي ليبرالي قائم على برنامج سياسي مرن وبراغماتي ومغاير جذريا لبرنامج السلطة. وأدى انتصار هذا التيار إلى خروج القوى القومية والماركسية من تحالف إعلان دمشق، كما أدى بالسلطة إلى قمع التحالف باعتقال اثني عشر قياديا فيه، وزجهم في السجن ثلاثين شهرا.
وقد عاد النشاط السياسي المعارض إلى حالة الركود من جديد. وكان على السوريين أن ينتظروا حدثا عملاقا مفاجئا لجميعهم، سلطة ونظاما ونخبا مثقفة، تمَّ في ربيع هذا العام مع بداية الحراك الشعبي الثوري السلمي الذي أراد أن يغير قواعد اللعبة ويكسر حال الجمود الكئيبة التي كان السوريون يعيشونها على مدى خمسة العقود السالفة. لقد أوجدت الانتفاضة الشعبية السورية شرطا سياسيا جديدا لا يستطيع أحد أن يقفز فوقه. وأفرزت فئات سياسية شابة لم يكن لها وجود في ساحة الفعل السياسي قبل تطور الأحداث الدراماتيكي في الأشهر الأخيرة. ولكن هذا الحراك الشبابي سرعان ما انقسم على نفسه قبل أن يتبلور، فما إن تم الإعلان عن تشكيل لجان التنسيق السورية، وهو تجمع للجان تعمل على الأرض في معظم محافظات سورية ومدنها وبلداتها، ويساهم في صياغة مشروعه السياسي نخبة من الشباب المثقف المدرك لمهامه السياسية والمجتمعية ولقدراته على تنفيذ هذه المهام، حتى بادر عدد من الشباب الآخرين إلى تأسيس اتحاد تنسيقيات الثورة السورية. وما كدنا نستقر على فصيلين يقولان إنهما يمثلان حركة الشارع الشبابي حتى بادر تيار ثالث إلى الإعلان عن نفسه بشكل دراماتيكية تكشف عن طبيعة طائفية مقيتة، ويعلن أن الممثل الوحيد لحركة الشارع، انطلاقا من وصفه للحالة السورية على أنها آلة احتلال ايراني صفوي يقوده حزب حسن نصر الله في لبنان بالتعاون مع عملاء الاحتلال الإيراني الصفوي..."
وستكون الصورة ناقصة من دون الوقوف عند الحركة السياسية الكردية السورية، التي تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية، تمثلها الجبهة الديمقراطية الكردية والمجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا وجماعة التنسيق الأكثر راديكالية، إضافة إلى الأحزاب القريبة من حزب العمال الكردستاني الكردي بزعامة أوجلان.
باختصار، تتشكل خارطة المعارضة السورية في الداخل الآن من المعارضة التقليدية المتمثلة بالتجمع الوطني الديمقراطي وحلفائه من الأحزاب الماركسية الصغيرة، وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، ومن أهم رموزه رياض الترك ورياض سيف وسمير النشار، والحركة الكردية المنقسمة إلى أربع فئات، إضافة إلى تيار التنسيقيات الذي وجد في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وانقسم فورا إلى ثلاث فئات متباينة.
لقد عقدت أحزاب التجمع الوطني وأحزاب يسارية أخرى، لقاء يوم 26 حزيران (يونيو)، وتوصلت إلى نتائج لا تبتعد كثيرا عن النتائج التي صدرت عن لقاء المجتمعين في سميراميس بعد يومين. فهي أكدت حرص هذه القوى "على الوحدة الوطنية بتكريسها جزءا كبيرا من شعاراتها ضد الطائفية والفئوية والتأكيد على موقفها الثابت برفض التدخل الخارجي،" ورأت "أن المخرج من الأزمة الراهنة سيكون بعقد مؤتمر وطني عام شامل،" وقالت إن "النظام لن يجد من يلبي دعوته ما لم تتوفر المناخات الملائمة التي تتضمن وقف الخيار الأمني العسكري، ووقف الحملة الإعلامية ضد انتفاضة الشعب، والإفراج عن جميع الموقوفين والمعتقلين السياسيين، والالتزام الفعلي برفع حالة الطوارئ ،والاعتراف بحق التظاهر السلمي دون قيود، ووضع دستور جديد تلغى فيه المادة الثامنة، والدعوة لمؤتمر وطني بهدف وضع برنامج متكامل لتغيير سياسي ودستوري شامل."
و قبل ذلك بأسابيع ، أصدرت الحركة الكردية السورية بيانا لم يختلف من حيث المحتوى عن بيان المثقفين. فأكدت هذه الحركة على مشروعية هذه التظاهرات السلمية التي تطالب بالإصلاح السياسي، ورأت بأن "الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل وصولا إلى عقد مؤتمر وطني في البلاد هو السبيل الأفضل،" متميزة عن الأحزاب الأخرى برؤيتها أن "تكون هذه الدعوة من جانب رئيس الجمهورية لمناقشة مجمل القضايا و المشاكل التي تعاني منها البلاد بما فيها القضية الكردية، و إيجاد الحلول المناسبة لها في هذا المنعطف التاريخي التي تمر بها سوريا."
ولم تخرج بيانات إعلان دمشق في مجملها عن هذا التوجه. ولذلك فسيصعُب على المتابع إذن أن يجد مبررا لرفض بعض القوى والشخصيات التي وقعت على هذه الوثائق جميعها لحق المثقفين المستقلين في عقد لقائهم الخاص وبحث آفاق آلية الانتقال إلى الدولة الديمقراطية-المدنية ودور المثقفين والمجتمع المدني في هذا الانتقال وفي بناء نموذج حضاري مدني لسورية الجديدة. ما الذي يدفع المعارضة السورية إلى التشتت بدل الوحدة والاختلاف بدل الاتفاق؟ ثمة عوامل أيديولوجية، وأخرى سياسية، وثمة عوامل تتعلق بالتاريخ وانعدام خبرة هذه المعارضة في مجال الفعل السياسي، واستبدال الاعتراض بالمعارضة، ولن أنسى العوامل الشخصية. بيد أن كل هذا لن يدوم طويلا، فحراك الشارع لن يترك لقوى المعارضة وشخصياتها مجالا كبيرا للتفكير في الخلافات الشخصية وتذكر المنافسات الفردية. ولا بد أن السياسيين والمثقفين سيدركون سريعا أنهم في اتفاقهم يخدمون السيرورة الإيجابية لتوجه الحراك السوري، وباختلافهم إنما يقومون بإضعاف هذه السيرورة. وسيعود القرار إليهم في أي باتجاه يسرون.
08-أيار-2021
17-نيسان-2021 | |
10-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 | |
30-كانون الثاني-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |