في انتظار غودو / الدماء والدرس
2011-08-02
ليس هناك أرخص من اللحم البشري في بلداننا. سعر الكيلو من لحم الغنم ثلاثون ألفاً، أما لحم الإنسان فيُردى بطلقة رصاص واحدة تكلّف الجيب أقل من دولار، وضمير الأجهزة الأمنية صفر.
يا أصدقائي في سوريا: نحن نعلن التضامن وأنتم تُقتَلون. نحن نصدر البيانات وأنتم تُسجَنون. نحن نوقّع عرائض الدعم والمساندة وأنتم تتعرضون للتعذيب. نحن نترقّب بقلق مصيركم الذي لا مفر من أن ينعكس على مصيرنا، وأنتم يُنكَّل بكم. لكن، ما باليد الحيلة. فالهراوات نفسها التي تنهال على رؤوسكم اليوم، والرصاصات نفسها التي تخترقكم، قد ذقنا طعمها البشع ها هنا في الأمس القريب، ولا تزال مصلتة كسيوف ديموقليس على رقابنا.
أكتب إليكم اليوم بعدما أصبحت العتمة الكاملة على مرمى شريان من القلب. أكتب إليكم وأنا مطعونة بلا جدوى الكتابة. هباء، كل شيء هباء: الكلمات أيضاً وخصوصاً. كيف لا، وأنا أعرف أننا لا نقدر بالكلمات أن نُسقط شعرةً واحدةً من رؤوس الديكتاتوريين المتربعين على عروش استبدادهم، ولا أن نرفع عنكم إكليل الظلم والهوان؟ كيف لا، وأنا أعرف أننا عاجزون تماماً، لأنّ أيدينا في النار، كمئات الألوف منكم الذين يذوقون يومياً اللوعة والتعذيب والخوف، وليست أيدينا "في الماء البارد" على غرار كثر ممّن يراقبونكم ويتابعونكم من بعد.
اخترعوا لكم ولنا أجهزة ساهرة على الأمن، لكن أمنهم ليس أمننا. اخترعوا لكم ولنا قوات تحفظ النظام، وأنظمتهم ضدّنا، نحن شعوبها. اخترعوا لكم ولنا جيوشا تحمي الأمة، والأمة قائمة على نفر من الأشخاص، أما البقية فتُقتل في الساحات.
بالظلم والنفاق، بالهمس والصراخ، بالخطب والوشوشات والتصريحات يقتلونكم ويقتلوننا. بالاستبداد، بالفساد، بتحويل الاحباط قدراً، وبجلد الذات تقليداً. بالمطامع المعلنة وغير المعلنة، بالتعامي المقصود وغير المقصود، بالعجرفة المبررة وغير المبررة. باليسار واليمين وما بينهما، باسم الله والوطن والممانعة والحقيقة والحرية والاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية. بالتهذيب الكاذب، بالوقاحة المقنّعة، بالاحتيال السمج الذي يسمّونه شطارة، بالمساومة الرخيصة التي يسمّونها سياسة. بالتسويات غير النظيفة، بالتحالفات غير المقنعة، بالانتماءات المهزوزة، بما فوق الطاولة، وبما تحتها. بالاختلافات التي تصير بازدياد مصدر خلاف وانقسام. بالنفوس المرهونة للأنانيات الطائفية والتبعيات القبلية. بالأحكام المسبقة والتصورات المشوّهة والطرق المسدودة والممارسات اللاأخلاقية... هل أكمل؟ تعدّدت الأدوات، تعدّد السفّاحون، والجريمة واحدة. فكم مرّة سيقتلونكم، كم مرّة سيقتلوننا بعد؟
أبطال أنتم. في الصمود. في التحدي. في الـ"لا" التي تزمجر في وجوه الطغاة.
الدماء دماؤكم. عسى يكون الدرس درسنا.
جمانة حداد
([email protected]
عن جريدة النهار
08-أيار-2021
26-تشرين الأول-2019 | |
07-نيسان-2018 | |
21-تشرين الثاني-2016 | |
02-آب-2011 | |
25-نيسان-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |