عن التجمع الافتراضي الديمقراطي من أجل سورية
خاص ألف
2011-09-09
تتفق المعارضة السورية في شتى فصائلها على ورقة تكاد تكون موحدة. فهي في جلها الغالب تريد سورية دولة مدنية، ديمقراطية، تكون الحريات الفردية حجر الأساس في دستورها، والصندوق الحكم الأساس في شكل حكومتها. ومع ذلك فهي لا تزال منقسمة على نفسها كانقسام وحيد الخلية.
مثال وحيد الخلية ليس عبثيا. فأحزاب المعارضة السورية بمجملها اقسمت عن نفسها في حركة دوران ما كان يمسى "حركة التحرر الوطني" حول نفسها. وإذا عدت بأحزاب المعارضة إلى جذورها لوجدت أنها تفرعت إما من حزب البعث (الاتحاد الاشتراكي، البعث الديمقراطي، حركة الاشتراكيين العرب، الوحدويين الاشتراكيين، العهد..) أو عن الحزب الشيوعي (الحزي الشيوعي الموحد – يوسف فيصل؛ الحزب الشيوعي – بكداش؛ حركة وحدة اشويعيين – قدري جميل؛ حزب الشعب – رياض الترك..).
فإذا كانت الأحزاب في معظمها أصلا واحدا، فلماذا يصع عليها العودة، وهي ترى بأم عينها السوريين بمعظمهم وهم يهرقون دماءهم من أجل سورية أفضل؟
قلت في مقالة سابقة إن ما يدفع المعارضة السورية إلى التشتت بدل الوحدة والاختلاف بدل الاتفاق يعود إلى عوامل أيديولوجية، وأخرى سياسية، وثمة عوامل تتعلق بالتاريخ وانعدام خبرة هذه المعارضة في مجال الفعل السياسي، واستبدال الاعتراض بالمعارضة، ولن أنسى العوامل الشخصية. ولكنني أضفت إلى ذلك أن كل هذا لن يدوم طويلا، فحراك الشارع لن يترك لقوى المعارضة وشخصياتها مجالا كبيرا للتفكير في الخلافات الشخصية وتذكر المنافسات الفردية. ولا بد أن السياسيين والمثقفين سيدركون سريعا أنهم في اتفاقهم يخدمون السيرورة الإيجابية لتوجه الحراك السوري، وباختلافهم إنما يقومون بإضعاف هذه السيرورة. وسيعود القرار إليهم في أي باتجاه يسرون.
ولكن أكثر من ثمانية أسابيع مرت على هذا الخطاب. وخلال هذه الفترة استمر القتل والاعتقال والتشريد والتهجير. ولم يدفع ذلك فئات المعارضة السورية إلى التحرك خطوة واحدة بالاتجاه الصحيح. وكلما تم الحديث عن ضرورة وحدة المعارضة، جاء الجواب بخلق هيئة شكلها توحيدي وباطنها تقسيمي. وهكذا ولدت المؤتمرات، وتلتها المجالس الوطنية التي انتشرت حتى قال احد الظرفاء إن من الضروري تأسيس دوري بينها.
ومن جديد، تناسلت الأوراق والرؤى واحدتها من الأخرى، ولا يجد المتابع الرصين كبير اختلاف بينها. ولكنه كلما رأى الآراء تتقارب، وجد الأفراد تتباعد. ومن ثم يصعب العثور على مبرر آخر لهذا التباعد سوى تضخم الأنا عند قادة هذه التيارات المختلفة.
وتتسابق القيادات السياسية المعارضة سباقا محموما فيما بينها لكسب ود "الشباب." وهو التعبير المكافئ اليوم لتعبير "الشعب" عند عبد الناصر والبعث، وتعبير "الطبقة العاملة"عند الحركة الشيويعة بكافة فصائلها. المشلكة أن هذا المفهوم غير محدد. فمن هم الشباب تحديدا؟ وهل ما يجمعهم هو يفاعة السن أم جدة الخبرة أم محدودية التجربة؟ بدل من إيجاد الأجوبة على هذه الأسئلة، وبدل تشجيع القيادت السايسية المعرضة لهؤلاء "الشباب" ليجدوا لأنفسهم تعبيرهم السياسي المستقل وبرنامجهم السياسي المغاير، يحاولون استمالتهم، وخطفهم، واستثار أصواتهم لصالح قيادتهم. لماذا؟ لأنهم في الأساس قيادات بدون قواعد.
ومع ذلك، فمن بين كل هذه الركام، ثمة محاولات جادة ومهمة. من بين هذه المحاولات، محاولة بضعة مئات من المثقفين الديمقراطيين السوريين خلق نوع من التضامن الديمقراطي بينهم، على صفحتهم على فيسبوك: "التجمع الافتراضي السوري من أجل الديمقراطية." ويعمل هؤلاء المثقفون على توحيد رؤاهم المدنية-الديمقراطية من أجل تغيير النظام وبناء سورية جديدة، من خلال بناء ساحة (آغورا) كبيرة، ومن دون حدود، ساحة يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية، مليئة، ليلا نهارا، بمئات الآلاف من السوريين، وربما الملايين منهم. بعضهم شارك في التظاهرات، وبعضهم لم يشارك، أغلبهم يسكن في سوريا وبعضهم في الخارج، بعضهم يعتنق أيديولوجيا ما وبعضهم لا. يجمعهم حب الحريه واحترام حقوق الانسان والرغبه في بناء وطن ديموقراطي حديث ومتطور يعيشون انسانيتهم فيه ويفخرون به.
هي ساحة لا تدعى الأمويين ولا العباسيين ولا المماليك ولا البعثيين ولا القوميين. ساحة غير موجوده في الواقع، لا في دمشق ولا في حلب ولا في درعا أو الدير. لكنها موجوده في كل هذه المدن بنفس الوقت، وكذلك في كل قرى سوريا وحتى في كل مدن العالم حيث يتواجد سوريون لديهم كمبيوتر موصول بالانترنت. كلهم موجودون في هذه الساحه ليفعلوا شيئا جديدا، لم يعتادوا فعله سوية، هو المشاركه في صنع سوريا الديموقراطيه المقبله!
هو حلم. لكنه من هذا النوع من الأحلام المرتبط تحقيقه أولا بقدرتنا على الإيمان به. هو حلم، لكن ليس كحلم مارتن لوثر كينغ الذي يتطلع للهدف.. إنه حلم يتطلع لأداة تشارك في الوصول للهدف. حلم يذهب ضد التشتت والتبعثر السوري الذي بدأ منذ الاستقلال. ليست مشكلتنا في التنوع الديني والاثني أو الاقليمي فهو ثروة سوريا، وإنما في اللوحة السياسية المفتتة لدرجة الهزال، وفي هذا العجز المزمن عن التوحد. لا تننقص العقول ولا النية الطيبه ولا الذكاء . لكن كلها تبدأ بالمعادله بالمقلوب : أصيغ بياني واصنع حزبي أو تجمعي ثم أدعوكم إليه..!
لماذا ننتظر؟ فلنبادر، كلنا، ديمقراطيي سوريا، بالتجمع في مكان واحد، لنخلق أداة تعبير ذات وزن تعمل وتقرر بالتوازي مع العمل الشعبي الواقعي وتواكبه. مكان افتراضي لكن لاناس حقيقيين. مكان تسوده الحرية ولا تدخله آلة القمع ولا الشبيحه. ليس ملكا لأحد، وليس حصريا، فلكل اتجاهه وفكره وحزبه وجماعته. مكان يكفينا الأتفاق فيه على ما هو جوهري. ثم نترك الذكاء الاجتماعي والديناميكيه الجمعيه ينجزا مايريدان من أجل مستقبل سوريا.
ليست مئات آلاف الصفحات الفرديه التي تعطى معنى لما يقال آلاف المرات، وإنما ما يقال مره واحده من قبل مئات آلاف السوريين الحقيقيين.
08-أيار-2021
17-نيسان-2021 | |
10-نيسان-2021 | |
13-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 | |
30-كانون الثاني-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |