حكايا الثورة
2011-10-21
حماة الديار عليكم سلام: الشعب يريد إسقاط النظام.
(إلى يارا نصير التي اعتقلت في أول شهر آب وهي تعلّق على جدران حي باب شرقي مناشير مكتوب عليها: "حماة الديار عليكم سلام.. الشعب يريد إسقاط النظام").
"الله أكبر.." بدأ مؤذّن الجامع الدعوة للصلاة.
فبدأ الأطفال الأربعة بالبكاء والصراخ بذعر: "العسكر سيأتون ويقتلونهم.. سيأتون". حينما رأت الأم أن نداء الله أكبر صار يعني لصغارها المرعوبين نداءً للموت قررت مغادرة الكسوة. كانت البلدة تحت حصار أيلول، والحملة الأمنية العنيفة مازالت مستمرة. وبما أن أطفالها كانوا خائفين على الدوام، فصوت الرصاص والقذائف ورؤية الدبابات والمدرعات أمام البيوت لم يكن بالأمر الطبيعي، فقد كان بيت أختها في قدسيا أكثر هدوءاً وأماناً إلى حدّ ما!
في الصباح التالي كان أطفالها وأولاد خالتهم يلعبون في الصالون في قدسيا (بأمان).. دقّ الباب وكان ابن صاحبة البيت مجنداً في درعا آت بعد زمن في إجازة. حين لمح الصغار لباس المجند انفجروا بالبكاء. واحد منهم تبوّل في ثيابه، وآخر راح يركض ليختبئ تحت الصوفا.. ثم طفقوا يصيحون بجنون: "سيقتلنا.. أتى العسكري ليقتلنا".
لم يهدؤوا حتى بدّل الشاب ثيابه في مدخل البيت، وعاد شخصاً طبيعياً بدون لباس الجيش.
هذه الصورة المشوّهة عن الجيش (حماة الديار) التي راحت تتشكل في وجدان السوريين، وخاصة في ذاكرة أطفالهم، قد تتحوّل معضلة حقيقية، لا أحد يعلم كيف ستتبدد فيما بعد، أو كيف ستمحى من الذاكرة، فالحامي الرمزي تحوّل في هذه الثورة إلى أداة للقتل! وعلى الرغم من حالات الانشقاق المتوالية إلا أنها ما تزال انشقاقات فردية أقرب إلى حالات انتحار. وأعتقد أن التخريب الممنهج لصورة الجيش سيقطف النظام وحده ثماره: فصم عرى الثقة بين الشعب وجيشه.
فعلى الرغم من أن شهر أيلول شهد أكبر عدد من الانشقاقات في صفوف الجيش، إلا أن ما حصل في نمر، وهي بلدة في حوران، يوم 10 أيلول لا يشبه هذا! ذلك أن عبد الهادي وفارق شحادات كانا معتقلين في مبنى البلدية إثر حملة مداهمات هناك. حينها خرج أهل البلد لنصرتهما وتجمعوا أمام مبنى البلدية، فما كان من أحد العساكر هناك إلا أن صعد إلى سطح المبنى وبدأ بإطلاق الرصاص على الناس المجتمعة من رشاشه. يومذاك جرح العشرات واستشهد ثلاثة أشخاص بينهم طفل. المضحك المبكي في الأمر أن أحد الشهداء وهو: خالد فواز العمار، كان معروفاً بدأبه خلال الأسابيع الماضية من تواجد الجيش قرب بيته الواقع قرب البلدية على إطعام العساكر كل يوم: في الصباح ينقل لهم الحليب، وعند الظهر الغذاء والشاي والقهوة.. وهلمجرا. وحين كان يسأله أحدهم لماذا يفعل ما يفعله، فالجيش في النهاية يقتلنا؟!، كان يرد إن الجنود بشر لا بد أن يأتي يوم ويتحرك الإنسان في دواخلهم.. هم أولادنا في النهاية.
ولكن خالد العمار كان أول من قتل بأسلحة من أطعمهم لأيام وليال طويلة.
ما حدث مع الشهيد خالد يشبه ما حدث مع سيدة خمسينية من أسرة أبا زيد في درعا البلد، ففي فترة الاجتياح كانت دبابات ومدرعات الجيش تملأ البلد، وكانت تلك السيدة تخرج لتؤمن احتياجات البيت في الساعات المسموح بها بالتجول: من الساعة 10 وحتى 12 ظهراً، ومن 5 وحتى 6 مساء. وكلما خرجت من أمام الدبابة ترمي السلام على الضابط وعساكره قائلة: "شالوم.."، ثم تعود من أمامهم لترمي التحية من جديد: "شالوم....".
في إحدى المرات ناداها الرائد: "تعالي يا خالتي.. لماذا تقولين لنا شالوم ع الرايحة والجاي؟".
فتعجبت المرأة وصاحت: "ها!!! أنتو بتحكوا عربي؟!! والله كنت ظن اليهود ما بيحكوا عربي!!..".
أذكر نكتة من نكت الثورة تحكي عن امرأة من درعا أيضاً، حالما اصطفت الدبابة أمام بيتهم صار شغلها الشاغل ضيافة العساكر: كؤوس شاي ذاهبة وفطور قادم، وقهوة وماء وما إلى ذلك.. في يوم طبخت طنجرة محشي وأطعمت مجموعة العساكر هناك، ثم جلبت لهم الشاي وراقبتهم وهو يرتشفونها، ثم قالت ممتعضة بلهجتها الحورانية وهي تتكئ على الصينية: (والحين يا خوي إيمتى رح تنشقّون؟).
الجيد في الأمر أن النكتة من الصعب أن تنتهي بمأساة، وإلا لكانت تلك المرأة اعتقلت بتهمة الحضّ على الانشقاق، أو قتلها أحد (الغيورين) على أمن الوطن مثلا
مثقفون أحرار لسورية حرة
08-أيار-2021
09-تشرين الثاني-2019 | |
15-كانون الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2012 | |
04-تشرين الأول-2012 | |
28-آب-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |