لغيـابـــك
خاص ألف
2011-10-28
لأني دوما آثرتُ أن أكتبك، ولأني من الحمقى الذين يعترفون بكينونةِ الحروبِ الخاسرة، تقدمتُ مستسلمةَ إلى معركتي معك أو مع حقيقةً أن غيابك َ قدرٌ كُـتبَ على جبيني، قالت جدتي "إن الأمرَ مكتوب". إذا كل ما في الأمر إن أحدهم كتبَ خسارتي لك، فتركتُ كلَ ميادينِ النصر، لم تكن لي رغبةٌ بالقتال لأحتازَ عليك، بقدرِ ما كانت شهوة ُ الكتابةِ ورغبتِها أن تأسرني بأحبارها. ولأن العمرَ الذي قضيتـُه بجواركَ كان قدرا عادلا لكلينا، صليتُ كثيرا كي تخالفَ رؤيتي لك حذافيرَ الكتابة، ولينزل فراقنا عند ظنِ الحبِ بنا، ولنفترق بصراخٍ اقل، فما كان لنا ذلك.
أبدا لم يتسع ما انقضى بيننا من وقتٍ ومكان لأنثر عليك كل مشاكساتي والقي بين أصابعكَ عامين مرا دونك فتـَحيكـَهم في فراغكَ الزمني رصيفا، امشي به اتجاهك، رصيفا تُـسقِـط المطرَ من حقيبتكَ عليه فتوقـِع يوما من غيابي. رغم أن جدتي أيضا قالت "انكَ وحدك هناك تعرف عنا كل شيء"، ولأنك لم ترد يوما على صرخاتي، لم أصدقها، وقالت أشياء كثيرة عن الروح، وان الشهداء أحياء، لم تكن قامتي قد بلغت مقام الفهم منها، فتجاهلتها، لأن كل المعرفة لا تعوضني عنك.
لم اقل لك أني كسرتُ قدمي مرتين دونك، وفي المرتين كانت نتيجة سقوطي عن السلالم التي تؤدي إلى الغرفة العلوية، أو كما أسميناها غرفة توم سوير، كي لا تتساءل ما الذي دعاني للصعود هناك، كنت فقط ابحثُ عن أسبابٍ للحزن في لحظات كان يفيضُ الفرحُ بي، لأني لا استحق فرحا كهذا دونك. كانت تلك الغرفة تتقنُ خلقَ الحزن باحتراف لما في زواياها منك، صورك، أغراضك، ما بقي من أقلامك، أوراق، قصاصات كثيرة للجرائد، رسائل، قميص، نظارات، أدوية، وهواء مشبع بالحزن، والرصاصات التي استخرجوها من جسدك وكتبوا لي فيها فقدانك. ما نفعُ الوطنِ دونك! بعدكَ فقدتُ إيماني وانتمائي، ولم يصمد من تمثالِ القيمِ شيئا أمام الحزن، فانهار برمته على عالمي، وجرحتني الشظايا حد الكبرياء، وفشلتُ في اختبارِ الصبرِ والتضحية، آذاني وطنكَ كثيرا، هو الذي ميزني بيتمي، اشكره. كانت تلك الغرفة مدعاةً جيدةً للكتابة والحزن، وهكذا كنتُ اختلق فرصةً لأبكيك وأحزانا كهذه لا تاريخ انتهاء لها.
أنتَ أيضا لم تبقِ لي وسيلة غير الكتابةِ اعبرُ بها إليك، أنت الذي ركضتُ جانبه وأنا طفلة وكان دوما يبطئ خطواته ليجعلني أصل أولا وأفوز في كل سباقاتنا، وفي السباق العمري الحقيقي تركتني اكبر وحدي، بم أغركَ عمرُ الثلاثة والعشرين لتتركني عنده؟. هل أقنعك بما يكفي أني استطيع المواصلة وحدي؟. ربما خدعك الأمل وظننتَ أني سأجد رجلا آخر عندما انضج أنتمي إليه غيرك، غابَ عنك أني لجئت إليك مرة وان اللاجئ يتضاعف حزنه إذا عاد، لأنه بالضرورة يفقد الأمل. عمرك الذي تجاوزني بعدة شهقات كيف ظنَ اني كبرت !
أمضيت معك ثلاثة عشر عاما، دون أن أدركَ بوعيي أني كنت فقط أؤثثُ ذاكرتي برجل على حافة الرحيل، رجل تجاوزت أنانيته الوطنية مشاعر الأبوة، ووهبَ الأرض المقدسة يتمي مرتين.
عندما اخترتني لأكون ابنتك، ما بكيت فما سلبته مني الحياة قبلك يعجز الحزن أمامه، وعلى البشر بطريقة او بأخرى ليس فقط أن يتقبلوا موت الأشياء الجميلة وحسب، ولكن أن يقفوا بكبرياءٍ على رمادها دون بكاء. فرحت بك وكنت أول خياراتي في الحياة. ربما الشفقة ما دفعك نحوي لتتبنى ابنة صديقك الذي قضى وكل عائلته اثر حادثِ زمن انفجر بهم وبكل أطرافي المعنوية، نجوت انا ببساطةٍ لأني غبت عن المشهد، وبقيت عند قدري الأول والأخير من الرجال في العالم، وأوصلتني الأقدار إليك، أقدارا أفاقت من غفلتها ذات حلم وأيقنت أني لا استحقك، فأرادت أن تصححَ خطأها على حساب علاقتي بك.
كل منا ملأ حاجة الآخر ورقص على وتره الحرج، أنت لأني اخترتك، ولم أكن نتيجة حادثة حب لم تساو محصلته الصفر، وأنت لأنك أردت أن تكون أبا. مشينا سويا ويدا بيد، تدخن وتبعثر الدخان في وجه المدينة كما لا يليق إلا بعاشقٍ فضل الرحيل نحو عتيق المدن، أنت من الرجال الذين يكلف حضورهم إلى حياتنا غاليا ويكلفُ غيابهم كل شيء، كنت تشرب قهوتك مضجعا على كتف وحدتي.
اختارك البعد لنفسه، هكذا تقاطعت خياراتنا بخيارات القدر الذي أوهم نفسه يوما أن خياراتنا متعددة، ومّن علينا بتفاصيل ثملناها سعادة وفي ظل اندهاشنا ارتطم كل شيء أرضا وانكسر.
أبي ...طفلتك الشقية أنا أخفقت في صناعة النهاية كالعادة، اكتفت بأن تكون المشاهدة على هزائم المدن العتيقة، وأفضى بها الحنين أن تجلس وتكتب لك بأقصى ما يستطيع قلبها من انتظار.
نـداء امريش
08-أيار-2021
21-نيسان-2012 | |
23-آذار-2012 | |
20-كانون الثاني-2012 | |
03-كانون الثاني-2012 | |
17-كانون الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |