المضحك المبكي في الإعلام الرسمي السوري:
2011-10-29
لم يكن ذلك البيت القديم في درعا يختلف كثيراً عن باقي البيوت هناك، سوى أنه يكتنف قصة تحوّلت أمراً للتندّر بين أهالي المنطقة، فحينما طرقنا على بابه خرج إلينا ذلك الشاب (أ. ح) مستقبلاً. وكان (أ) قد ظهر قبل أيام قليلة من زيارتنا له على قناة الدنيا باعتباره زعيم عصابة إرهابية، وقد اعترف هذه (الإرهابي) بأنه يقبض المال من الخارج ويهرّب السلاح ويقتل المتظاهرين!!. و(أ) كان شوفير براد معروف، حينما بدأت انتفاضة درعا كان قد قضى أكثر من شهرين غائباً عنها، ولا يعرف بالضبط ما الويلات التي حدثت خلال غيبته القصيرة. ألقوا القبض عليه على الحدود وهو يقفل عائداً، اعتقلوه ثم مارسوا كل أنواع الضغط عليه (كعادتهم) كي يخرج إلى الفضائية ويقول ما قاله.
- "ثم عاد (زعيم العصابة الإرهابية)! إلى بيته معززاً مكرماً بعد يومين من اعترافه..".
يسخر مرافقي الدرعاوي بمرارة ويكمل بي جولته.
بات من نافل القول التأكيد على أن الإعلام الرسمي أضحى منذ عقود إعلاماً/ بوقاً للنظام، وربما كانت الأشهر الماضية مجرّد عملية تكثيف شديدة لحقيقته تلك، باعتبار أن للحرب الإعلامية مساراً أساسياً لا يمكن إغفاله بين النظام والثورة. والتيمة الأهم التي ظل النظام السوري، ومعه إعلامه/ التابع مصرين عليها حدّ السخرية هي مقولة العصابات المسلحة تلك التي تقتل المتظاهرين، وبحجتها يجتاح الأمن والجيش المدن والقرى والبلدات. وهذه المقولة، التي راحت تتحوّل إلى مقولة واهية في ظل إنكار حقيقة (الثورة)، تجعلتهم يبذلون كل ما بوسعهم لإثباتها، وفي كل مناسبة ووقت ومساءلة، حتى لو أدت في حالات كثيرة إلى الاستخفاف بعقول المشاهدين والمواطنين على كامل التراب السوري.
فـ (أ. ح) لم يكن وحده من خاض تلك التجربة التي غيّرت حياته، ولكن (ف. ش) أيضاً، وهو شاب في الخامسة والثلاثين من عمره عاطل عن العمل من بصر الحرير، وكان قد مرّ عليه أكثر من سنتين في دمشق لم يزر أهله فيها، وفي شهر نسيان قرر أن يسافر إليهم ليطمئن. عند أحد الحواجز المنتشرة بين دمشق ودرعا ألقي القبض عليه، وأعيد معه السيناريو ذاته، فاعترف بأنه زعيم عصابة إرهابية وبأنه سافر إلى السعودية ليتلقى مبالغ طائلة من رجل غريب قال له: "تعال لنسقط النظام"، كما اعترف (الزعيم)، فقال له (ف): "نعم لنسقطه"، ثم أخذ 300 ألف ليرة (بالعدد) ليتعامل معهم في تهريب السلاح وما إلى ذلك.
ولم تجعل حقيقة أن (ف) لا يمتلك جواز سفر، ولم يغادر سوريا يوماً، الإعلام السوري من بث اعترافاته على الدنيا بتلك التفاصيل المضحكة وغير المفكّر بها، وكأنها حكايات تلقى في وجه مغفلين سيصدقونها أياً كانت!، فللإعلام دور سحري تدركه أعمدة الحكم، ونكاد لا نبالغ إذا قلتا إن الإعلام يشعل ثورات ويطفئ أخرى..
حسين زليخة مثلاً، وهو من شهداء بلدة الزبداني، قتل في إحدى المظاهرات، وكان رجال الأمن قد أمسكوا بأبيه في أثناء المظاهرة وراحوا يضربونه بوحشيتهم المعهودة، فصار يصرخ على رجال الأمن: "اتركوا أبي وخذوني أنا.. أبي رجل كبير.. اتركوه وخذوني"، فما كان منهم إلا أن استجابوا لصراخه برشة رصاص أسقطته من فوره.
جميع من في المظاهرة من أهل البلد يعرفون جيداً من قتل حسين! ولكن بعد فترة قليلة ظهر شاب من الزبداني على قناة الدنيا ليقول بأنه قتل حسين زليخة، لأنه قبض خمسة ملايين ليرة من جماعة سعد الحريري ليقتل المتظاهرين هنا!
حين سأله جيرانه معاتبين، إثر عودته بعد يومين من اعترافه إلى بيته، لماذا كذبت كل هذا الكذب؟!، قال: "لستم أنتم من كانت الكهرباء على كل جزء من جسده ليعرف.. كونوا مكاني ثم اسألوني لماذا فعلت هذا!!".
هذا الأسلوب الممنهج الذي يتبعه الإعلام الرسمي لم يجعله يتوانى عن اختلاق حوادث وألاعيب تتكرر في كل منطقة ووقت، ولم تكن تلك المسيرة الـتأييدية التي خرجت في دوما، في الأسبوع الأخير من شهر حزيران، هي الحدث الوحيد الذي يظهر كذب الإعلام الرسمي، فقد حدثت الكثير من الحوادث هناك تالياً، لكن تلك المسيرة كانت أكثرهم استفزازاً. فحينما كان شباب دوما يقتلون في المظاهرات ويتم مداهمة بيوتهم قي كل ليلة كان ثمة باصات (حكومية) تتقلّ مجموعات من النساء والرجال الأغراب إلى دوما. وهناك في الساحة رفعوا صور الرئيس وصاروا يهتفون بحياته، وكانت الفضائية السورية والإخبارية وقناة الدنيا ينتظرون ذلك الحدث (العفوي) ليصوّروه ويعرضون المسيرة على أنها مسيرة لأهالي دوما يؤيدون فيها الرئيس، وليس ثمة لا ثورة ولا مظاهرات ولا هم يحزنون مما يعرض على الفضائيات المختلفة، قنوات (الفتنة) كما يسميها النظام.
ومؤخراً وصل الأمر بإعلام النظام إلى حد من الاستخفاف بعقول السوريين أنه بثّ مقابلة مع والد أحد شهداء القدم، وهو الشاب محمد القادري، ليقول بأن ابنه كان ابناً مغضوباً وسيئاً وصاحب مشاكل وسوابق لذلك قتل، فيما الحقيقة أن والد الشهيد محمد توفي منذ أكثر من خمس سنوات، وجميع أهالي المنطقة يعرفون ذلك!.
نهاية، ربما كانت القصص التي تفضح أكاذيب الإعلام السوري أكثر من أن تحصر، وربما سيكشف الكثير منها لاحقاً، فهناك الكذب الواضح حدّ الضحك وهناك الكثير من الكذب غير المكشوف والمؤثر حقيقة كالسمّ في الدسم، كما حصل مع سفيرة سوريا في باريس مثلاً ومع الشابة زينب الحصني ومع المحاولات المخفية لإثارة نعرات طائفية وما إلى ذلك.. فمرة سألت أحد الجنود، الذين كانوا يساقون إلى داريا ليقمعوا تظاهرات الشباب هناك، "لماذا قتلتم غياث مطر وهو كان يقدم لكم الورود مع أهل داريا إشارة السلام لكم؟".. ربما لأن كلامي استفزه تورّط قائلاً بغضب: "بالورود؟ ومن قال لك استقبلونا بالورود؟ نحن كنا حوالي 200 عسكري، قسّمونا إلى قسمين، مئة لبّسوهم لباس مدني وحمّلوهم أزهار قدموها للمئة الأخرى، ثم صورونا على أساس أن أهل داريا يقدمون لنا الورود".. ثم صمت وكأنه يفكّر في الأمر للمرة الأولى..!مشاهدة المزيد
بواسطة: مثقفون أحرار لسورية حرة
08-أيار-2021
09-تشرين الثاني-2019 | |
15-كانون الثاني-2013 | |
07-تشرين الأول-2012 | |
04-تشرين الأول-2012 | |
28-آب-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |