صبا بردى
2011-11-25
"و دمع لا يكفكف يا دمشق"
كنت أقود السيارة على طريق الربوة عندما فتحت الراديو فانبعثت أغنية وطنية-واحدة من الأغاني التي تزدحم بها اذاعاتنا المحلية هذه الأيام- يقول مطلعها – واعذروا عدم دقتي ان أخطأت - :
يا طير الطار و علا من فوق الشام نازل عا بردى يلاقي رف الحمام
و بالمصادفة البحتة كان النهر الى يساري، فركنت السيارة ونزلت أبحث عن طير يحط على ضفة النهر لملاقاة رفّ حمام ما، فلم أجد النهر بل انبعثت رائحة كريهة من قاذورات تترنح على صفحة مياه شبه راكدة لا تجد من يلمها، فلملمت نفسي و أقفلت راجعة الى السيارة و أقفلت الراديو و ابتعدت.
منطقياً، أستطيع أن أؤكد أن كاتب كلمات الأغنية لا يجهل اطلاقاً أن "بردى" قد نشف تماماً، وما عاد فيه الرمق، فهذه حقيقة مرة و أمر واقع يعرفه القاصي و الداني لدرجة اعتاد الناس معها أن يرفقوا كلمة "بردى" بتعبير "الله يرحمو". و لكن المسألة في رأيي هي في غياب المعنى في هذا البلد الذي أصبحت فيه اللغة مطية للغو و اللامعنى، و الا كيف لنا أن نفسر اصرار كاتب الكلمات مثلاً على اقحام "بردى" في الأغنية طالما أن "بردى" ما عاد موجوداٌ أصلاٌ.
إنه غياب المعنى في مدينة تحاول أن تبحث عن معناها"من أول و جديد"، بعد عقود طويلة تحولت فيها الحروف و الكلمات و الجمل الى تراب يردم روح الناس،فتخشبت اللغة و تيبست حتى تحولت الى حجر يشج رأس كل من يحاول أن ينفض عنه الركام ليحكي عن الجوهر. و شيئاً فشيئاً أصبحت الفصاحة عقدة نفسية و استعيض عن الكلام بزخرفة الكلام في ثقافة مسطحة لا تهدف الى النفاذ للعمق بل تهدف الى تغييب الحقائق وراء أكوام من الكلمات الطنانة ،الرنانة،الجزلة،الفخمة، التي لا تقول شيئاً بعد أن أسلمت روحها و لم يبق منها الا جثث الكلمات. هكذا كثر الكلام عن المقاومة ولا مقاومة، و طال الحديث عن الممانعة ولا ممانعة، و سال حبر كثير عن معارك بطولية ولا معارك، و انتصارات عظيمة و لا انتصارات، و أمجاد، و فخار، و شموخ، و بأس ، و عزة، و منعة، و قومية، و عروبة، ووحدة، و حرية،ووو......و قيسوا على ذلك ما شئتم طالما أن لا أحد يعني ما يقول، فالحكي ببلاش و مع ذلك باعونا إياه و اشتريناه و دفعنا ثمنه عقوداً من الموات و نحن نتغطى بقشور الكلمات. كانت تلك لغة الشعارات و الاعلام الرسمي المفصولة عن الواقع و التي لا رصيد لها في حياة الناس، و بهذا المعنى تحولت "سورية"الى مملكة الصمت التي ينطق فيها الناس دون أن يحكوا شيئاً. و عليه،فلا غرابة و الحال كذلك أن نسمع أغنية عن المرحوم "بردى"في حمى الأغاني الوطنية التي تبثها إذاعاتنا ، و توقعوا أ ن يرد اسم المرحومة " الغوطة" كذلك الأمر، فذلك مرده العادة التي درجت في غياب المعنى و انفصام اللغة.
إن استعادة المعنى هو أهم ما تحققه الثورة اليوم فقد جعلتنا نختبر بحق الشعور القومي و الإحساس بالكرامة العربية ووحدة المصير في أبهى تجلياته، و لا أدل على ذلك ألا التضامن المتبادل مع الشعب الذي يخوض ثوراته في كل من تونس و مصر و ليبيا و اليمن،هذا فضلاً عن الإحساس بالوحدة الوطنية الحقة في كل مرة تهب فيها مدينة سورية نصرة لأختها.
يبقى أن تستعيد "دمشق" معناها الذي فقدته مذ جفت فروع "برداها" االسبع ولم يبق منه سوى جثة تجثم في وسط المدينة.- رحم الله أمواتكم جميعاً-.
مثقفون أحرار لسورية حرة
08-أيار-2021
02-كانون الأول-2011 | |
25-تشرين الثاني-2011 | |
11-تشرين الثاني-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |