تبسّم ..
حضرة المسؤول العابس .. أرجوك تبسّم وشجعني على التبسّم معك .. لماذا كل هذه التكشيرة ؟ هل آذيناك بشيء .. أم تعتقد أننا لا نستحقك ؟! إن كان كذلك فاذهب وابحث عمن يستحقونك وتبسّم لهم ...
لا عذر لك حضرة المسؤول العابس، نحن نعلم أنك لم تتسلم الخطوط والمثلثات التي نراها على جبينك بظرف مختوم مع قرار المنصب الجديد ومفاتيح المكتب والسيارة المرافقة له.. هذه التكشيرة قد تكون اجتهادا شخصيا، لكنك لست مجبراً عليها ..
هل هذا هو طبعك؟
أبداً... فنحن نرى فمك يصل إلى أذنيك عندما تلتقي بمسؤول اكبر منك ..
هل سببها التعب وكثرة الأعمال والمهام والمسؤوليات ؟

مسكين .. يا حرام ( عمل إيه اللي انت جاي تقول عليه ) .. أولم تعلم، قبل تسلمك المنصب،
أنك منذور من أجلنا لتعمل لنا وتسهر على راحتنا،نحن الذين تكشر في وجوههم ؟
نحن عندما لا نبتسم فإن لنا أعذارنا، كأن نُظلم أو نجوع أو نهانُ، لذا نشأ بيننا وبين الابتسام شيء من الجفاء، أما أنت البعيد عن كل هذا فلم لا تبتسم ؟
حضرة المسؤول العابس، أنصحك فخذ مني أنا العبد الفقير : عندما تجد نفسك مضطرا لحضور اجتماع أو نشاط يختص بعملك فما عليك إلا الابتسام كي لا يضعك أصحاب الأقلام السوداء في خانة العابسين السلبيين، وأنت سيد من يعلم أن المعترض لا يبقى مجرد معترض، فالتقارير تطورت مع تطور كتبتها الذين أصبحت لهم اهتمامات تحليلية ونفسية، فا لسلبي، حسب هؤلاء، قد يتحول سلبي معترض، ثم معترض نائم، ثم معترض ناشط .. ثم ثم.. وأنت تعرف النتيجة!
ألم تكن طالباً في مدرسة مثلنا ؟
ألم تكن تحب المدرّس البشوش وتكره المدرّس الغاضب والمكشّر دوماً ؟
ألم تكن موظفاً تحب المدير اللطيف وتكره المدير المتجهم الذي يشعرك دوماً بأنك مقصّر ولو لم تكن ذلك حقا ؟ يا أخي ابتسم ..دعنا نحس، ولو لمرة واحدة، بأنك خرجت من بيننا ولم تهبط من السماء كما يبدو عليك .. ثم ما مشكلتك مع الألقاب والصفات وما يتصل بها، لماذا كل هذا الاهتمام ؟ إن كنت مقتنعاً بأنك لا تقل عن نابليون فاعلم أنه كان يجلس على أول كرسي فارغ يصادفه، مخاطبا الذين يدعونه لتصدر المجلس : المكان الذي يجلس فيه نابليون هو صدر المجلس .
سأروي لك حضرة المسؤول، العابس لأنه مسؤول، الحكاية التالية: منذ أيام استقبل محافظ دير الزور وفداً اقتصاديا ماليزياً يرافقهم سفيرهم في سورية ، وبحكم العادة توقعنا أن يكون السفير هو أول من يتحدث لأنه سفير... والسفير ( مو مثل المو سفير )، لكن الذي جرى أنه ترك الكلام لغيره مشيرا إلى أنه ليس رئيسا للوفد ( رغم أنه الرتبة الأعلى بينهم ) تاركاً الحديث للاقتصاديين، أصحاب الشأن.
وبعد أن أنهت رئيسة الوفد كلامها عاد وترك المجال لتقديم عرض المدينة الصناعية...وبعد أن انتهى العرض ترك المجال لممثلي الشركات الصناعية ليدلوا بدلوهم، وبعد أن انتهوا عادت وتحدثت رئيسة الوفد مرة أخرى.
خلاصة الأمر أن السفير لم يتحدث إلا بعد أن أنهى الجميع كلامهم، وعندما تحدث كانت كلماته مقتضبة أوضح من خلالها أنه يريد مجرد الاستفسار عن موضوع معين وليس أكثر.
أرأيت سيدي الكريم كيف تصرف هذا المسؤول الكبير والذي يمثل دولة هامة؟!
ألم تشعر من خلال السرد أننا أعجبنا كثيراً بهذا التصرف وهذه البساطة واللباقة؟ سيدي المسؤول العابس... أخي المسؤول العابس... مواطني المسؤول العابس:
أنت مني وأنا منك رغماً عني وعنك... ميزاتك التي تحظى بها أنا سببها... خدمتك لي سببها. سيارتك، مكتبك، سجادك، وخدمك وحشمك و و و...إلخ. كل هذا أنا سببه... تخيل لو أني لست موجوداً... ( ستتمسأل ) على مَن؟
لذلك أرجوك أن تفرد جبينك عندما تراني وترعاني... فالرب واحد، والوطن واحد، وأنا وإياك نحيا فيه... لذا ولو كذباً... تبسّم.‏
والنبي تبسّم.