في آخر أسبوع من العام, زمن عدم يأتي. زمنٌ لا زمنَ له. نحن المعلّقون من أكمامنا ننتظِرُ يوماً يفوز فيه مضارع لا مفعول به . في أخر أسبوع من هذا الممر الطويل المدمى يسيل كالعسل أحمر دمه على جدار العمر وعلى العتبة الأخيرة يلقي حناجره ويصرخ.
في أخر يوم من العام يرتب زجاجات الدم المعتق, يلمع كؤوس النصر, يكسر بأسنانه الرشفة الأخيرة قبل الغناء, يتأمل جسدها المقطع يتمطى على بساط أحمر وأضواء ليلة الميلاد تحبل بسنة تأخرت.
في آخر ساعة من العام التقى بوجه جده لا عكاز بيده ولا "شماغ" على رأسه مدّه تحت أقدام الشرفاء وبصق في وجهي أينك منهم؟؟ تختبئ تحت السلم لن تصعد إلا بقدرة إله وستهبط كما هبط غيرك في صحراء تتوه زمناً. عام ينطح عام ويتعلق بركبه كي ينجيه كما نجَّى قومه بوِردٍ وخيبةٍ ووعد لا آخر له.
في الدقيقة الأخيرة من العام تتعلق بعيونك أحلام صبية لفّت إزارها ولملمت شالها ليلة أمضت معك تجمع عمرها بشهقة وعام انتهى معك يبنى لها أسرة تتلهف لدقيقة قد تأتي تحت جناحك تختفي, وجُنْحِ ليل, تطوي خيبتها قبل أن ترحل.
في الثانية الأخيرة من عامٍ عامَ على قلب الأمور أوسطها لا انتهت ولا بدأت ولا لملم رمل الوديان نخيلَها ولا انثنت قامات الجبال على موعدٍ تُدَكُّ وظلم الحبيب, قسوة قربه, ونعيم رحيل.
في اللحظة الأخيرة وقبل أن يرتد طرفك ترف يمامة نحو الجنوب. عيناها بحر, في قلبها جمر على بلدها وقلب بلدها على عُمَر ... تدقُّ الساعة أول دقة تساوي كل حزن الخنساء وحِنكَة صلاح الدين... لا دينَ للدّقة الثانية تكفر بما قبلها وتسود على ما اسود من نهارات وتعلن الثالثة أن لا طلاق إلا بثلاثة. لا لموتي لا موانئ تَفتَحُ لظلمٍ ولا يُعَمِّرُ طوىً إلا أهلَه. تمضي نحو الدقة الأخيرة، تتأرجح لا تريد المُضي نحو الله، أجراس الكنائس تقرع وتكبير المساجد يعلو ولا علو فوق الغيم إلا له لن يهبط ليَدُكَّ جبلاً آخرَ تحت أقدامه ولن يبقى هناك معلقاً بين الترجي والترجي نهبط لنرتقي ونرتقي لعجلٍ عَجَل, فالسّاعة السّاعة تتراقص بغباء والزمنُ ضائعٌ وأنت على المَفرق تفرِّق الصّوت على المدى, إلا ما لا عودة لا يعود إلا الوراء ولا ترجع كلمة كرصاصة استقرّت على جّدارِ العمر الأخير.
تحت الجدار تكوم فقير يستجدي سنةً ترحل فيرتاح.