فصل من رواية ترتدي الانتظار تأليف:
خاص ألف
2011-12-30
1
الآن..
فنجانان من القهوة السادة
الأول..يصعد شفتي .. درجة ..درجة
الثاني ..ينتظركَ كموجة.. إثر موجة
****
يأتي .. ناعقاً بوجهي:الكذب نبع لا يجف. حاذري أن تكذبي علي لأن الكذب طريق يؤدي إلى الخداع. ثم أكتشف أنه أكذب من الكائن الكذاب. أرحل عنه لأن أزقة حياتي لا تحتمل لون أحذيته. الآن لا يوجد مكان له في هذه المتاهة.ثم تأتي نوار، تفرض علي حرب الانتظار، لأنني لا أحب الحليب ولا الكستناء. هي حروب أخوضها وحدي دون مرآة.
دون ظل
دون حكاية
2
يقتل الطبيب الذي اشتهر بفتح الجماجم، ويداوي أمراضها، يصلح..ما يحدث من عطب، إثر أي حادث..مهما كانت خطورته كبيرة. ولأن الحادث الذي تعرض له والدي، على دراجته النارية،الذي أدى إلى كسر في الجمجمة.مما اضطر طبيبا مشهورا إلى استبدال العظم المتهتك بقطعة بلاستيكية غريبة. على أن يبدلها بأخرى صحيحة، فيما لواستغنى أحدهم للمشفى عن جمجمته. يبقى رأس والدي مرتعاً لحلول فصول غريبة في رأسه. تتساقط ويلاتها ووابلاتها على جمجمتي أنا..
بعد أن يرفع الأطباء أيديهم تضرعا إلى السماء، من أجل شفائي.أنقل إلى مزار بيت الطين في قرية بكبن. تتجه بي والدتي ذات الرقبة المتيبسة.إلى هناك، كي تخرج الشياطين من جسدي، بعد أن يفسر لها شيخ الطائفة الحكيم،من أن الشياطين تقرر أحياناً، أن تسكن الأجساد الملعونة، لتعيث فساداً بمن حولها.. من تقاة..تصطحب أيضاً والدي. ربما يشفى هوا لآخر،من سقوطه المتكرر، من عواصف فقدانه لوعيه. سقوطه..الذي يكاد يجننها. تغادرني والدتي، تغدرني. ترحل قبل أن ترحل جموع الزوار، تاركة نقودها وجسدي رهنا للصندوق الحديدي في المزار، مقيدان برائحة البخور، الممتزجة برائحة اليانسون البكبني.
والدي يغدرني أيضا..ً بسقوطه، ثم بهروبه من المزار. كلما اشتدت حرارة الطقس، أو حرارة النقاش مع الزوار، يحل فصل شتائي كئيب، في جمجمته الممتزجة بقطعة بلاستيكية غبية، يهرب تاركاً إياي مع كوارثي اللامرئية، اللامسماة، التي تصالحت مع سكناها في جسدي.
في المزار..
بيت الطين..
الواقع على تلال بحيرة بكبن.
نوار..أنت والمكان..لولاكما، كنت جننت من فكرة كوني وحيدة، أنتظر شفائي. تقترح علي والدتي، أن أقيم في المزار، ريثما تحدث المعجزة، التي لا يختار وقت حدوثها أحد سواها.. أي المعجزة.
هي كالمطر،لا تأتي إلا بعد أن تجف ينابيع الشر في النفس. هذا ما تقوله لوالدتي. بينما تنظر نحوي بمكر، وتتمتم بأدعية مشفرة، مبهمة. توشوش قبل رحيلها، تدفع بما لديها في صندوق المزار رشوة لعالم الغيب،كي تعجل بشفائي، ربما لتقصر لو قليلا من أذنيّ الطويلتين، ربما ليمتد لساني الأبكم إلى مالا نهاية، ربما لأقف على قدمين صلبتين مثل كل البشر.
يصادف رحيلها.. مع حضور فرق الغواصين،التي قدمت كي تنتشل من البحيرة جسدين لفتى وفتاة معلقين بأرجوحة زورقية، تفوح أثناء وضعهما على الضفة رائحة عطرغريبة، تبتعد جموع المتزاحمين من هول الرائحة. أجر جسدي مخترقة تراجع الفضول البشري. أقترب منهما،تشتد رائحة العطر. ألمس الجسدين بأناملي، تعلق الرائحة بأنفي. تقترب مني أنت نوار.. تحملني، يتلاشى جسدي. أشعر به يذوب كحبة سكر.. بين ذراعيك القويتين. تبتعد بي عن تجمهر المذهولين. تهمس في أذني، وفي عينيك بريق غريب، مخيف، ومطمئن.. بذات الوقت: هذان عاشقان من هذا المكان، إنهما حنا وياسمين. يدفعان ثمن رؤية وجهيهما في المرآة.
تخفف من ثقل ذهولي بقولك: فيما بعد سأروي لك حكايتهما.تقترب بي من ضفة البحيرة، ترمي حجرة قبل اقترابنا،من صفحة الماء،تنتشر دوائر الماء،وتمتد إلى حين تأمرني:اغسلي يداك بالماء.أخبئ كفي تحت إبطي، أخبئ عطر الجسدين.
بعد صمت ..
تجلس على الضفة..
تتنهد بعمق:أنت جديرة بسماع الحكاية.
تمرر أنفك على جسدي، تتنفس بعمق، كأنك تنهب رائحتي الجديدة. تتابع همسك لي دون أن تخرج عينيك، من نهايات دوائر:هل أخبرك أي كائن..أنك تمتلكين من الحب..مالا يمتلكه أي كائن؟ لكنك قد لا تعرفين أنك تخبئين أثمن الكنوز.
الآن يا شماء..
افتحي باب حجرتك المقفلة، سأدخل وحدي إن شئت، فوضى رائحتك تجنني.أنت تتحدثين معي بغموض، لاأستطيع أن ألمسه الآن. ربما.. فيما بعد.من يدري؟
في داخلي تستيقظ أصوات حميمة
يعلو صوت عضلة في يسار جسدي، في مكمن الصدر. تشتد حرارة، كلما همست بأذني أكثر،تتجه بي بعيدا..عن الجسدين،عن ضجيج فضول ودهشة وذهول، زوار المزار، تتجه نحو مقهى بكبن النهري، تطلب فنجانين من القهوة السادة، تختفي من المقهى، ثم تعود ،تفرش صحن فنجاني بالورود البيض،يتزنرالفنجان بثوب زفاف، تبدأ حكايتك من هنا،
من هذا اليوم
الثلاثاء..
أنت.. وأنا على الطاولة اثنين وخمسين، تحكي لي وحدي أنا..
من بين كل زائرات المزار استيهاما..عن أوهامك.
3
كتورية فقط..
لأناملك التي كالحرير،أناملك التي حولتها في زمن بليد،إلى شال يلف صقيعي،في لحظة متأخرة، تركتك تبني عشاً لشرانق أناملك،وأحلامك، تستبيح يباسي. متأخرة أنا.. وردة ربما
ربما وردتان..
ربما أكثر.
عيني في الصبح تتفتح كوردة برية تائهة، تغلفهاالصخور.. بعد انكسار مرآتي، وانعدامها من حياتي، كما لوأنها انعدام الضوء، انهزام الحلم.هنا..في هذا المكان، أشم عطرك. تفوح منك رائحة ورد يألفه الضباب.للضباب القاسي طعم الصقيع ،ولسعة غربة الروح المستدامة .. تحكي لي نوار..
أن لبكبن ثلاثة أبواب
وثلاثة مفاتيح،
مفتاح الحكاية،
مفتاح الحكمة،
مفتاح الحب.
تفتح بابين، تمنحني مفتاحي الحكمة، والحب. تبقي معك مفتاح الحكاية. حين تدخلني بكبن معك، أسألك لماذا أنا ؟ مامعنى أن أحب؟
هنا في بكبن التي..هي أكبر، أو.. أبعد من الحكاية، تحكي لي قصة حنا وياسمين . ثم أكتب قصتهما،قصتنا.لأفاجأ بأنني في مملكة القلب،بسرعة مذهلة .بسرعة أكثر ذهولا أسكن فيها ..لأنك نوار.. استخدمت مفتاح الحب بطريقة أخرى،كي يفتح قلبينا بطريقة أخرى أيضاً.
ربما.بعد ذلك .. أجد نفسي خارج حدود بكبن . أقع في ورطة غريبة. أنت وحدك تقوم باستخدام مفتاح الحكمة.حين تعود،تتفتح قدراتك، تقررإنهاء مابيننا من ارتباك غريب. تعود لاستخدام مفتاح الحكاية. نفتح أبوابها، كي نعود من جديد، كما الأفعى تعض ذيلها،
نعود إلى البداية.
الآن على الطاولة اثنين وخمسين،
أنا أعرف قليلاً،أحب أكثرمما أعرف، أنتظرك، ثم لا أدري.. كم أحبك. مع أنني أعتقد، أنك مصاب بما يسمى، جنون البحث عن الكنوز، منتقماً من جنون الاضطهاد. كما أعلم أن هذا الجنون، لا يترك لك بقعة ضوء واحدة، لتتوقف.. وتتمعن في ذاتك،أو لتضعها على المحك.بدأت..تسلب انتباهي ،كي أعجب بك. بعد أن سلبت انتباه الكائنات،في قرية بكبن. والآن.. في المزار.. لانتزاع إعجابهم بك، بحديثك، بعشقك للحليب،الكستناء. ينصتون إليك بإجلال، يلعقون رذاذ لعابك، ينبهرون، بمعجزات بيت الطين، الذي تحول إلى مزار للشفاء.
إنها على ما أعتقد ويعتقد الباحثون عقدة لذة الاستعراض، حالة طغيان الداخل على الخارج. تكذب على الآخر،مخبئاً عورتك الحقيقية، تجترسيرتك الفردية، الوهمية. سيرتك خلبية نوار.. لم تسمعني، أخبرك.. لماذا صفعتك بحمامة بيضاء.أيضا..أنني بكيت كثيرا، بعد أن لملمت أناملي الفارغة منك، من الحمام، لأول مرة أكتشف أن للمخالب حمام.
حين أحببت قامتي، تجاوزت قطيع الجمال. منحتك كل معاني الصحراء. وقفت، وقوفاً وصل به جسدي عنان السماء، الوقوف..المعجزة .أقف حين أحب بقوة، أقع حين لا أحب. أنا من قبيلة بني عذرة. أنتظر فارسي الصحراوي. أتيت أنت..من رحم الحوت. اعتقدت أنك فارسي، توقظك أصوات كنوز البائدين،تصفعك بقاياها، تخفيها بطقس دفن معتاد،.
هكذا أنت، ككل الرجال في هذا الشرق الغائم، المائل للبرودة. من..ثم إلى الاحتضار المؤكد. تهون استدارة الأكتاف. كأنك تفر إلى الحلم، ومن الحلم تفر. كأن الفرارهو حلمك، ثم تستدير كأنك تلاحق الحلم. هكذا أنت.. تحن إلى ورقة بدائيتك، في سرّتك شراع من ورق التوت، في يسراك قوتك،رمح في اليمين،جعبة سهام على الكتف، صيد تلاحقه كوحش كاسر، كطائر هش، مسالم، أو كحالم بدائي، أو بربري، أو..
أو..
4
لوليتا،لوليتا..الأنثى الجميلة، أنثاك التي تفرضها عليّ كعقوبة خلبية، تحكي لي عن مغامراتك الوهمية معها تارة، مع الحليب والكستناء تارة أخرى، كي تستفزني ربما ؟ كي تستفز جنونك ربما ؟هي تهرب من أبجدية حكايتك الغريبة، تتبعها،كأنك تلاحق ماضيك البائد، ورقة توت، قوة، رمح أو سهم.حين لا تجد سوى الغبار، تقبل آثار أقدامها،على أدراج المخيلة، تفرّحتى من زوابع الغبار أكثر.
5
أنا كنت الشماء.
الآن.. اسمي محار، فارسي لم يأت، آن يأتى.. سأكون بانتظاره. وجها لوجه، قلباً لقلب، أنا صحراوية حرة،لاأقبل أن أمرغ وجه حبيبي بتلال السراب، ولابأدراج الأطلال، ابنة الصحراء.. أنا، من قبيلة بني عذرة، حلمي ..لن يأتي، لأن بني عذرة ماتوا عشقا. لم يتبق منهم، إلا أنا..الشماء.الشماء التي تشبه العنقاء،أنا التي تحترق في الأسطورة،ثم في الحكاية، ثم تنطلق من الرماد، لتعود..من جديد تحلق.. وتغني .
لن يراني أحد..لأن والدتي أعدمت مرآتي، بينما كنت أحلق. لم يتبق مني سوى محار،ابنة الانتظار، محار التي لفتك نوار.. كذرة رمل حارقة، ومؤلمة، من.. ثم حولتك إلى لؤلؤة مخملية تغفو في حضن حنجرتها .
الحكاية هي دائما
كمقدمة لا تنتهي. .
لذا..عذراً من النقاد،
كنهايايات محتملة
لا تنكبوا على هذا العمل بسكاكينكم،هذه ليست رواية، ولا قصة، ولا مسرحية،ولا حتى قصيدة شعر مسكونة بالوهم. هذا نص، أو وردّ..نص، أوورد أنثى، ضيعت بوصلتها. نص عنزة جسدها بشع، وقوائمها مشلولة، أذناها طويلتان. لسانها يمتد إلى حيث تستطيعون الوصول. دون أن تعثروا على نهايته.هي ليست من القطيع، وأنتم لن تلاحقوا حرة. وهي حرة..هنا. في هذا المكان.. أخلع عباءتي، أخلع نفسي الشماء، من الشماء.أصبح محار،لا أشبه إلاالمحار، يبللني مطر المدينة النهرية، يدقني برذاذه، كثدي يطرق فم طفلة، يزين نهارها وليلها.
6
أثناء زيارتي لمدينة ديمسا. أقرأ قصاصة في منزل صديقي الطويل، أوالعبثي، صديقي النادر حمو..الذي يقبل الكائنات، ويعيش الحياة، أويتعاطاها على مضض كل يوم،تمنحني المرآة وجها،كأنه ظلي، فأقبله على مضض"أكتب قصاصة، أسأله فيها: اليوم، كيف حالك ؟
يضحك ..و..
على مضض. على قصاصة أخرى
ـ لمن هذه العبارة ؟
ـ نسيت !
ـ سأكتب العبارة بطريقة أخرى حين يتثنى لي ؟
بينماأغادرديمسا، يمد قامته الطويلة، من نافذة إنصاتي، يصرخ باسم مؤلف العبارة : اكتبي اسم مؤلفها. ثم يأمرني، إن أحببت يوماً، إلعبي كما تلعب حواء. إنك يا شماء تخبئين أثمن الكنوز.
أنظر إلى أقدامي، أتلمس أذني الطويلتين، أصرخ بمرارة، أثمن الكنوز؟!! أصرخ بوجهه، يمتد لساني إلى نهايات الكون، هواء غبي يخرج من فمي.الآن.. يرحل صديقي بعيداً عني. أصفعه بسرب حمام،كأنه الحواس الحميمة، التي يسرقها الواقع من قلبي. ثم نسيت صديقي، مع اسم المؤلف، ثم نسيت العبارة. بقيت المرآة حلماً أمامي، خلفي، تحاصرني، لأرى حقيقتي. لأرى ما أريد.ما يجب أن أرى. لا أرى ملامحي .لا أرى حتى وجهي، كي أقبله على مضض. لأن أمي تعدم المرايا أنى تجدها.
الزمان هنا
الرواية
أو
المكان هناك
أنا هنا أيضا،الشخصية المحور،الربة الوهمية، أوالآلهة المتخيلة، الذئبة المعدنية، والآن..محار، التي تصفع كل من يغدرها، ويغادرها من حيث لا تدري، أولا يدري الهواء، أو المطر الرذاذ، بسرب حمام .
7
تفرض علي حرب الانتظار،
لأنني لا أحب الحليب ولا الكستناء.
لم تدعني أقول ما أحسست به. لم تترك لي إلا أن أُقايض الحرب بابيضاض الأوراق، أوالغمام، بأكاذيب الأحلام. تختفي، ثم تعود كضباب شقي، على وسادتي، على سماء حكايتي. ترحل، ثم تعود، كما يرحل.. ويعود الكذب ، والكاذب، الذي يخجل مارسيل وفيروز، ميريل ستريب، نيكولاس كيج، ولم يخجل.كما يندلق الورد البري من فنجان القهوة، قهوة سديمية ..فوق طاولة الانتظار، يكاد يندلق الخراب، ويسكنني كما شاء..أويشاء.
اللحظة..أرتدي عباءة الذئبة،مخالبها،براءتهاأيضا.
ثم.. كمافي الأساطير..أستعد للالتهام. ارتدي.. رداء الآلهة، كي لا أكون، أولا أبقى لك وحدك. لا تريدني أنثى تهواك، أوتغارعليك من همس الهواء.أنت أيضالست إلها. لماذا لا أخلع نفسي منك كي أصبح مثلك..؟ لم تسمح لي بأن أقول ما رأيت، ما أحسست، أصعق من جديد.
أللمخالب حمام ؟
عراك بين ذئب معدني، وربة أسطورية، على حدود الوهم، ثم على حدود الواقع. كأنما الوهم..هو الواقع الأسود. كأنما الواقع هوالوهم الأبيض. هكذا..حيث لا يمكن للحد الثالث أن يكون إلا افتراضاً صعباً. يصاغ مرة من الوهم، ثم يصاغ مرة من الواقع. و.. لم يتبق من ذاك الوهم كله، أومن ذاك الواقع كله، سوى أنا محار، وريش حمام.ثم ذاك الزمن المائل عنوة، أو خلسة إلى الرمادي ..الرمادي. أبيض، ثم أسود، ثم رمادي.هي ألوان الذئب المعدني، والرداء. ثم قد تكون هي..هي..ألوان الآلهة، أو الربة،
أو الحكاية.
(من أجل الحب لا ينبغي أن يكون المرء قوياً ، بل حكيماً . القوة تأتي من الروح ) أقلب بأناملي صفحات ذاكرتي، من كتاب، كلاريسا بنكولا، بشكل عشوائي أقرأ جملة أخرى (العاطفة ليست شيئاً يذهب ويأتي، العاطفة شيء يتوالد في دوائر وينتشر )
1/ 1
كالبداية الآن ..
يحدث الآن ..
كما يحدث غدا،أو البارحة
أسهو، وأنا أقلب صفحات الحكاية، على الطاولة ذاتها في مقهاي الذي على النهر. كآلهة حجرية تقلب وجه الحياة. تتراءى لي بحيرة بكبن الجديدة، الصياد الصغير، الذي يرشق وجه الماء بالحجارة، تنتشر الدوائر بطريقة تشبه العاطفة التي تتحدث عنها الكاتبة نيكولا.. ما الذي يتذكره ؟ أو يحرك عدوانيته في مثل هذه اللحظة؟ يقتحم صراخ بائع الجرائد هدوء المقهى بصوته: البحث عن أسباب حدوث حرائق متتالية في كل دوائر الأحوال المدنية. أتذكر الأصوات، التي تحولت في أذني، إلى ما يشبه صفيرا ما قبل العاصفة في ليلة حالكة.أعقد خيوطها لأربط بين تلك الحرائق، وبينك.. نوار.كيف تشعل العالم لأجل الحب، والحرية، وبين حادثة انتشال لجسدين معلقين بإرجوحة، من أعماق بحيرة بكبن.
وحدي من بين الكائنات ، التي شاهدت، وسمعت بحادثة انتشال الجسدين. تعرف ما علاقة الحريق بحنا وياسمين . الجسدان اللذان تلمستهما بدهشتي. ها أنا..وعبر تاريخ حياتي الحالمة، لم أحفر حتى نفقاً واحداً في أرض ذاتي لأعود إلى مملكتي وحيدة كما كنت. وحيدة أبكي، لا أريد أن أعود، أجوب أزقة العمر، أطرق الأبواب الحجرية، باباً إثر آخر. أقولها الآن، لن أعود.
أنظر من خلف رداء الذئبة، أسخر من نفسي، أعلم تماما أنني لا أشبه الذئبة في شيء، لكنني قررت أن أشبهها..كي لا تلتهمني والدتي. أنا التي لم أنظر يوماً، إلا بعين عصفور أقول: هذه الأبواب..من باب العمر،إلى باب الله،ه ي أبوابي. من يستطيع أن يعشق مثلي، سواي ؟
أنا محار..
والدتي تكسر مراياي، الداخلية، ثم الخارجية، المركونة على قطع الأثاث، أوالمعلقة على الجدران، التي تغلف المشجب كسحب آذار. تعدمها، كي لا أرى وجهي مشوهاً، عبداً للمرآة.. مكسراً.. فينكسر قلبي .
2
هو والدي من علمني الطيران، دفعني، زعق خلفي، حلّقي..لأنني يجب أن أحيا، يحق لي أن أمتلك كنه الأخيلة، أو الأجنحة حتى، أمتلك ما أريد سوى المرايا. لكن والدتي تمنح ذكور مملكتها، كل ريش جسدي. والدي يصفعني بحقيقة حريتي. يصرخ بصوت رجولي واهن: ابتعدي عن كل انتماء يقيدك. يصفعني حبه. تبقى حرارة أصابعه عالقة على وجهي تشهد وجودي.مابين الصفعة، والصفعة، تتوضح الرؤية، ينقشع السراب،تتلاشى حبات رمل الدهشة، في قلبي، أو تحت نعلي الذي لا يتسخ. حبات رمل حارقة، مؤلمة، حبات الرمل التي كانت تعمي عيني..تلك حياتي.أنا محار أصقل، أغلف الجميع بملمس مخملي، كي أستطيع احتمال غياب ملامحهم الحقيقية، أغلفهم بين أجنحتي. تتحول حبات الرمل تحت لهيب الشمس إلى لآلئ تغادر أجنحتي، تتمدد، تغفو في حضن حنجرتي.أختار من سأكون، أقف عند مفترقات الطرق، مع كسر مرآة مسروقة، من صندوق جدتي، عارية دون ريش .
3
هكذا..
الأنثى الفاجرة ،الفاغرة فمها للالتهام..
البعيدة عن شبق النساء
أم الأنثى المسكينة التي تتزوج كما يجب ؟ تنكح كما يجب، تنجب كما يجب، تربي كما يجب، وتموت ..كما تموت كلبات الشرق المستسلمات،اللواتي يعجبهن مذاق العادات، والتقاليد، المطهوة بعناية فائقة، من قلفات أطفالهن الذكور.
أم الأنثى التي ستتحول من عذراء يشتهيها الجميع،
إلى عانس حاقدة
من سأكون ؟
عاهرة قرية رخيصة ؟ أم عاهرة حكام فاجرة تفخر بانتصار ضعفها،على أقوى و أعتى قادة البلاد؟ تضبطني أمي بينما أختار، تكسر وجهي، وكسر مرآة جدتي، أسرق ريشي،أحلق فوق كسرات وجهي المتناثرة على بلاط الواقع.
4
لأنني أحلم !
سرب الحمام يخلعني
يخلع الحمامة
يسرق الريش
الحمامة
تخلع السرب
أخلعه، أسرق ريشي من جيوب ذكور أمي، تضبطني عيونهم، عيون ذكورها، تتحول إلى إعصار، يخلع الريش عن جسدي، أغوص إلى الأعماق، أصير سمكة،السمكة تصير محار.
في الحكاية الواقعية،
أوفي الرواية المتخيلة.
قطيع المحار، يخلع المحارة،
المحارة .. تخلع القطيع،
ثم تخلع قوقعتها.
تصير حمامة،
كما الأفعى تعض ذيلها، مرة ثانية أو أخرى .
5
في الحكاية
النص
التالف كذاكرتي، كالقرية الآن. القرية البكبن، التي عطرت الكون بحادثة العاشقين المنتشلين،من أعماق البحيرة، حنا وياسمين. الجسدان اللذان لمستهما بدهشتي. منذ الخطوة الأولى في هذا العالم الضيق كثيرا.. أو بعض الشيء. لذلك.. كان علينا أن نحضر الجدة، إلى النص، ثم إلى الحكاية، هي المقعدة، التي تخبئ مرآتها، بين ورود البرية الحمر.
الجدة،
تفسح لهما مكاناً واسعاً، كي يناما فيه، قربها على سرير الرواية، هما حنا وياسمين. الجدة تقرصهما، حين ترى دموعهما، تحتضن حكايات بكائهما، الرواية، هي الليل، أو السرير، أو الكرسي الملتبس في الحكاية، أو السرد، ثم كي تحكي، أو يحكى للجدة النائمة، حكاية من حكاياها، أو كي تحكي لهما حكاية من حكاياتهما الوهمية اللذيذة، في الحلم، أو في الواقع، ينتظرا قرصتها الملونة التي تذكرهما بأنها على قيد الحياة، لا تنام إلا على كرسي من مخمل الحكايات . الحكايات التي تحاول فيها تقليد الغيم، ثم تهب عليها ريح تبددها، كما لو كانت تبدد حكايتهما.حين أخذت تحاول.. أن تتراقص كالخراف، لتغطي وجه القمر. في ليلة لم تكتمل فوق قرية بكبن.
6
القرية الحكاية
الحكاية الساعة
الرواية الجدة
بالرغم من ذلك.. ما تزال أنت نوار..ذو القلب اليميني.
بعدما دمره الانتظار من معانيه، وما يدمره، من معنى لن يبنيه الكلام، الكلام الذي قلناه، الكلام الذي اختطفناه من أبجديتنا، من.. ثم بعثرناه. الكلام الذي لم يقل، الكلام الذي أغلقت كل أبوابك بوجهه، لتفتحها متى تشاء، أوكما تشاء، الكلام الذي كان سيقال. هذا ما بدا لك في ذاك الزمن، الزمن الذي عشقناه معاً، أخجلتنا أبجديته. معاً غنينا بأبجدية أخرى. تفر أبجدية التاريخ، أمام وحوش أبجديتنا، التي تمرح بحضارية أنيقة.
الآن.. أقول: شكرا..نوار، لأنك استطعت النوم على سرير هذا النص المتاهة، أو الحلم التجريدي، أوالتجريبي، واحتملت قرصات الجدة، هنيهة من زمنك المرمي بين النهود المستباحة، النهود الوهمية، النهود المشتهاة، النهود المشرئبة، المحشوة بأعتى ركامات التجميل الحديثة، التي تروح وتجيء، في بيت الطين المزار. والروائح التي هي كالرواية، أو كالحكاية، أو كروائح الأحذية المنسية بأقدام منتعليها.
هذا ما بدا لي.. بعد كل شيء..
بعد كل معنى، لم يبنه الكلام، بعد كل صمت انتظار. وما خربه من مبنى حاكته حكايتنا الغريبة.لأنها تشبه ما أدونه الآن، أو للمستقبل هنا، وما تذكرته من كلمات، وجمل، وحوادث، رويتها لي ، ذات ليل أو ليلة، ذات حلم أو كابوس، في القرية الهلاك، أو في المكان اللامرئي، المكان المتداخل بالزمان. أشكرك..، كلمة لا تكفي. وغصة انتظار، في القلب لا تزال، ثم.. قد لا تنتهي، الغصة، مثل الحكاية، أو الجدة، مديدة، من ثم طويلة بعض الشيء كأذنيّ. لا أعرف ما معنى علاقة بيت الطين بقصتنا؟ ما أزال حتى الآن أتساءل !هل هناك من ساموك تحول إلى بريد بدائي ؟ ساموك بلون الحياة. تحيكه ليال مفروشة بزخرفات أحدث الأفلام، على كتانة خضراء تبدأ قصتي معك هناك.عندما يحاول العمال إيقاع الساموك، صريع فوضى تحديث بيت الطين.
تنتهي حكايتك.
ليبدأ نصي الغريب، الذي أكتبه الآن. ما بين الجمل،تتجول ذكرياتي الأولى، مع تجوالي الآن بين أزقة الحكاية القرية، المشبعة بالغرابة . المغمورة بالدهشة.
القرية الآن
أو بكبن الساعة
أو الحكاية.
7
لم أنشر روايتي الأولى، التي التهمتها نيران الغضب في الفجر، ما قبل شروق الشمس، وروايتي الثانية التهمتها النار أيضا، تحت شجرة التوت. دون أن أفهم مما حدث شيئا، سوى رغبة جامحة في إحراق، كل ما عشته كرواية، أو كحكاية . من ثم كأحلام.. وكواقع أيضا. نيران بهية تندفع إلى الأعلى، كثيران وحشية، ربما.. لأنك انتظار حلم ..انتظار وجود. انتظار يبدد الحكاية، أو يبعثر الحب، يطرد الكلام، والمعنى ثم الحكاية، والرواية، والمبنى، ثم يخلع الكرسي من الجدة، ثم الجدة من الكرسي، يغرق تفاصيلها ، ثم تفاصيل المكان، ثم تفاصيل الزمان. يغرق كل ما تمنحني إياه. يغرق كل ما أمنحك من انتظار. تفاصيل في النهاية تغرقني، تغرق هدوئي، جنوني، ثم دون رحمة، تلفني ككنز دافئ. أعودإلى الرواية، أعود إلى النص،أو الحكاية الأولى. أعيد ما أتذكره عن تلك الحادثة، التي هزت عالمي.. الحادثة التي جعلتك تتكئ على كتف الزمن، لتعود إليّ تحكي الحكاية. كرسي لمقعدة هي جدة. أرجوحة معلقة على شجرة دلب في أعماق البحيرة، يعثر عليها أحد الغواصين، يتأرجح فوقها هلال، هو عشق حنا وياسمين. حولهما تمتد المرايا، وشظاياها،عبر امتداد النهر، وانكسارات رؤياه الحادة. أكتب ما أتذكره من روايتي، التي ابتلعها حيوان الغضب البهيمي، في زمن ما، في فصل لا يشبه الفصول، باصقة إياها رماداً عصيا على الفهم، في فجر فصل غريب. استفزني فيه الوقت، استفزتني كلماتي، أحرفي، أوراقي. ربما في ذاك الفصل، لا على التحديد، ألقت كل أحرفي وكلماتي، وجملي، وقصصي، وروايتي الأولى، بنفسها في النار، رغما عن أنفي. بل.. ربما رغما عن أنفها. وقبل أن يبتلع الفجر نهايات عباءة الليل، كانت النار قد ابتلعت، كل ما حاكته أناملي من أبجديتي الأولى سنوات تعبر كغزالة هاربة، الذئب يبتلع الغزالة، الغزالة لا تبكي. لا أستعيد نفسي من بين الأنياب إلا حين ألملم الرماد، أمزجه بفوضى الأحداث، أكتب بحبره، متحدية كل حيوانات الأرض البهيمة.أفصل الذئب عن الغزالة. أفرز الوهم من الواقع. الخيال من الحكاية، أو الجدة، أو الرواية.
إليك.. هذا العبث، أو ما يشبه ذلك .الطين، البيت،الوقت، ما قبل، ما بعد الوقت والمكان.
الآن.. وبعد أن أنهيت النص وحدي، أعود خطوة لبكبن خطوة أخرى. ما كان فيما مضى بيت، ولم يكن الطين .
أعد الخطوات .
مئة وخمس وعشرون خطوة، تعدها رئتايّ كل عام، في ذات التاريخ، التاريخ الذي خلقته لولادتي الحقيقية، ولادة الفرح، والدهشة، ولادة أجنحتي، ذاك اليوم الحلم، يوم نيساني لا ينسى. محار وهي تتجه من هزيمتي، نحو بيت الطين، ومن بيت الطين نحو هزيمتي، من فرارك مني، من فراري، من عبث أبجديتك الخلبية، من الباب الخشبي، إلى شجرة البلوط، المزينة بالقبعات العسكرية لجنود، خاضوا حربهم الهلامية في البراري المقفرة.
خمس وعشرون خطوة، ومئة إضافية،أفر من فرارك الأبكم. من اختفائك، وظهورك كما الضباب! كذاك الأصم، الذي كان يخترق حكايتنا، على الطاولة اثنين وخمسين، ببطاقته الصفراء المطبوعة، يوزع الدببة،والبطاريق، وشخصيات غريبة أخرى، مرت عبر شاشات التلفزة، إلى قلوب الأطفال، لا أحد يعلم من أين يأتي هذا الرجل ، ولا متى يغادر. يدور من المقهى، إلى المزار ، ومن المزار، إلى المقهى .
"أنا أعمل من أجل حياة كريمة، إنني أقدم لك هذه القطعة لقاء خمسين ليرة وشكرا لكم" وجملة أخرى، مكتوبة بلغة مليئة بغطرسة من كانت أصولهم رعاة البقر، والآن يعتقدون أنهم سادة العالم. ربما..الجملة المكتوبة على البطاقة، تحتضنها الأذن المرسومة وحسب..
أعد الخطوات..
1/2
هاربة
خطوة .. خطوة من بكمك الفار أيضا. أتساءل الآن.. لماذا أحكي الحكاية ؟ ولمن أحكيها ؟ لمن أحكي عن خراب بيت الطين الرواية ؟ خراب يغني، على جدران الخراب.لمن أحكي عن العشب الشائك المعفر بالغبار؟ لمن أحكي عن الرواية المحتضنة لذرات غبار، جبلت تربة للورد البري؟ لثقوب خجولة، لعيون بيت الطين المتلصصة، لعيون تأبى أن ترحل دهشتها عن الثقوب .
2
بيت الطين.. السينما
السينما الحكاية
للخرائط المتراقصة على الجدران.
خرائط تشبه الخرائب الملعونة، تراقص رسماً من طين . ترسم على الجدران حيوانات خرافية. كما الوحوش في البراري القفر. خرائط تجعل الأتقياء، يفكرون بترميم ما يعتقدون أنه المزار. هي قصتي معك نوار.ترميم قصة من طين، حكاية من ورق، لمن أحكي ؟ ليس لي مكان في النص هذا. أجمع ثمار البلوط. وأحكي لها ماضيّ، مجيبة عن أسئلتها لمرة . ألقم النار الثمار، ثم أنتظر نضجها، أو طقطقتها في النار. كنت جائعة إلى ثمار البلوط المشوية، إلى الحكي اللامنضبط، إلى السرد الموارب.
سأحكي إذن..
لعشب ينبت على ساموك البيت كطحالب وحشية ؟ لعصافير تلصصت على أفيش فيلم دفتر الملاحظات. الأفيش الذي زرعته لي ، على الساموك في بيت الطين، قبل أن تجتاحه صلوات المتقين. زرعته، متمنية أن تزرعني يوما على نفس الساموك المعتق برائحة الأفلام. ربما أعرش كالعطر. ثم على أجساد أبطال وبطلات الفيلم العرايا، أو شبه العراة أيضا.. من الخطايا والآثام، لأنهم مجرد أبطال في فيلم، من أفلام الإثارة، أو الرعب. لمسامير، علقنا عليها عري أحلامنا؟هل أحكي لمسامير صدئة غسلها مطر نيسان ؟ ورود، وقرنفل ، وشرائط زرقاء تزنر خصر الساموك والسماء، في ذاك الزمان، آلة تسجيل ،وموسيقى تفضح أكاذيب الكون الواقعية ؟ سأحكي.. لغيم يعَبرَ البيت وتلامس خرافه، شجر البلوط، والكتانة، والجدران. للورد البري الذي ضفر العالم ولونه وشيع عطرا فيه وأسى. أم للغبار العالق فوق قشرة بيت الطين ؟ أم للثقوب العارية إلا من الأعين الصغيرة ؟ للتلال التي حلمت معنا ؟ العيون التي حملت.. سينما بيت الطين إلى لا مكان ؟
مئة وخمس وعشرون خطوة.
من باب البيت الطيني، المزار الآن. إلى إسفلت الشارع الجديد المرصوف بالسواد، مسافات تعدو كالأحصنة، من ابيضاض طريق الحلم، طريق الطين، طريق قصتنا. قصتنا الطينية ،التي تكاد تميل إلى اسوداد إسفلت ما كان.. أو ما حدث، أو سيحدث.
مئة وخمس وعشرون خطوة أخطوها، من باب الطين نحو الخراب، كأنها الهلاك. خراب ما.. يحلمون ببنائه الآن. يعيدون ترميمه كأنه لم يحدث. أدور حول البيت.. الطين المقشور كجلد أفعى، قتلت قبل أن تكمل طقس ولادتها، أو رقصها الشهوي. قرب نار بيت الطين،الذي يرفض بعناد ،الانهيار تحت سحب ما، توقفت عن البكاء.. ثم عن الهديل.
3
ليلة أو
نهر..أو قشرة
نوار هل تسمعني؟ تكاد تخنقني، أنا مثل ذاك الأصم الأبكم .
لمن أحكي ؟ للغيم الذي يلثم وجه الغروب، للشمس المتزحلقة على وجه البحيرة الدافئة؟ حكاية طينية أخرى هي حكايتي معك ؟ أنا كما لست هنا .أنت.. أيضا، لست هنا. قتلت ملايين الأسئلة، أنت..كالقوارب التي لا تعرف، إن كانت ذاهبة..أم أنها ستؤوب إلى مرافئها الآمنة، أو غير الآمنة .ترسم على المياه ثمانية ذاهبة، وسبعة قادمة. تنغمر الخطوط في المياه كعينيك في صفحة وجهك. ترسم زاوية لانكسار حلم يتوازى، ثم يتوازن ربما..مع الحكاية حتى النهاية.
من خلف بيت الطين، يمر سائقو الخراب. ليبدأوا عملية تقشير البيت من الطين. ثم..من الرواية، قشرة، قشرة، طينة، طينة، وحكاية، حكاية، كما لو يقشرون حبة برتقال، أو قمح. يتمنون لو يقشرون شجر الدلب أيضا . كما لو يقشرون الورود، والقرنفل ،عن ساموك الحياة. كما يقشر الأهل أحلامنا، وحريتنا، وأوهامنا.
4
أسير ..و أنتظرك
يسير الورد البري، قطيع بقري ملون خلفه، مواكب تنتشر حول المزار الآن. الذي يحتل مكان سينماك..أنت صاحب الاشراقات العجيب. حول شجرة البلوط، البيت، الأرض، التي تحتضن الثمار ذات القبعات، وملايين الحكايات، مليارات الأنامل، واللوحات، القصص، المتنهدات كن هنا. القبل لم تمح بعد. كذلك الأحرف، والسكاكين البدائية التي حفرت قصصها على الحجارة أيضا.هناك.. نرسم عجلات كرسي الجدة، أقحوان خجول،لم تمحه أحذية العمال. لوحات، لا يمحوها سوى ورد نيسان. أدور حول البيت الذي يولد كل يوم، في نومي، في يقظتي. من جديد كحكاية خرافية. أعيد صدى ما علق من آخر كلماتك في أذني. هو انتظار قبل الشتاء. تصفعني به نوار ، فأصفعك بابيضاض الحمام.
5
على طاولتنا المهجورة كبيت الطين .
الطاولة ذاتها..الطاولة التي احتضنت أول لقاء بيننا مع ورد أبيض بري، يزنر كعب فنجان قهوتنا السادة. الانتظار، هو الخراب.. يكاد يقع في إذن فنجان القهوة السادة فيخرب القلب.موكب ينتظر آخر.. ليعبر حواسي خطوة، خطوة، هي كلمات وأبجدية، لم يعثر، ولن يعثر عليها أحد.تفتح كل الأبواب الموصدة في شراييني، منذ عصر أخضر حتى الغمر..لتغمرني..بانتظارك..يأمرني الحلم أن أتوارى خلف هذياناتك، يأمرني البنفسج أن أفر من بين أناملك، النابتة للتو، أناملك المتفتحة كقبعات ثمار البلوط البرية.
انتظار يضّيع العطر، ويصرخ باسم آلهة، يندلق حبرها على حكايتك. حبر أسطوري، يندلق على ميريل ستريب، أو فرانشيسكا أيضا.هي المنسية في غياهب النص، أو الواقع، أوالحكاية. لم يكن عبثاً أن يمتزج صراخي بغضبي. كما لم يكن عبثاً أن تغرق أقدامي بالغمام، في ذاك الزمان ، حين أقسمت أن أكسرها إن هي تجرأت وخطت خطوة واحدة نحو طبق انتظارك .
6
الآن
كل ثلاثاء، أعود، للطاولة اثنين وخمسين، فنجانان من القهوة السادة ،واحد لي، الآخر لك..نوار.
أقترب..
تختفي،حين تصطحبني إلى حكايتك السرية.
بكبن القرية
بكبن الساعة
الكائنات
النص
7
من ثقوب خلف بيت الطين رأيت حكايتك، أول مرة أنت صاحب الاشراقات، الملقب بالمرام، تحفر بمثقب حديدي يدوي، ثقوباً للأعين الصغيرة، لمن يوّد أن يتلصص على كتانة السينما، سينماك ..في بيت الطين، المبني فوق سر من أسرار الوجود، منذ زمن الخرافة بالأحجار، والأوهام، والقصائد ،التي تقود كائناتها ،إلى وهم بالخلود .. يداك صلبتان كالماس، وجهك يحتضن شغب الكون في قسماته، رنة صوتك لا تشبه أصوات البشر في شيء .لم تكن تشبه والدي الذي فقد العالم ففقده. والدي الذي أكرهه بقدر ما أحبه.
تثقب الجدار. كما لو تثقب روّلاً غاليا، من العادات والتقاليد، في هذا الشرق العفن. كانت أجمل العطايا للمتلصصين منك أنت المرام .ثقوب كثيرة ليشاهد الجميع الفن السابع، ليروا العالم الكبير بأعينهم الصغيرة .
نوار..يدك تحتضن يدي، تصحبني إلى عوالم بكبن الغريبة .
1/3
سجلت في روايتي الأولى، شيئاً ما عن لوليتا، لوليتا فتاة الحليب والكستناء. فتاتك، التي كنت تحدثني عنها طيلة الوقت. على الطاولة،على أبواب بكبنك، خلف الثقوب، أثناء عرض الفيلم، على ضفاف النهر، في الغابة، في كل لحظة كنا فيها معا. كانت لوليتا حاضرة بكل تفاصيل جسدها وشبقها . لوليتا، لوليتا. لا أعرف لمَ كنت دائم التحدث عن أنثى بينما تصطحبني، تصطحب أنثى ؟ تتحدث عن تفاصيل جنسية غريبة، تحدث بينكما. مازالت حاضرة كأنها الآن.
سجلت شيئاً عن بيت الطين، القائم في المتخيل، أو المخيلة، صبايا بلا ملامح يرقصن على المصطبة، تحت شجرة التوت، يتمايلن ،ويصدرن همهمات كهمهمات شجر الآسل العاشقة، بعد انتهاء عرض الفيلم، نهودهن تعلو من على صدورهن، إلى أعالي القلب، توقظ السنونو الغافي، بين خبايا الطين، نهود بطرة، تشهق بالأحلام، والرغبات، والشهوات. ثم ذكور بلا ملامح أيضا،كأنهم الأحصنة الجامحة،الرامحة إلى عالم اللذة المنشودة في الوهم، كأنها الحديقة الأخيرة لوجودهم على وجه الأرض .
أتذكر الآن وعبر ثقب من الزمان ..
على أوراقي أكتب والدي. .
2
والدي.. يموت أمام عينيّ ثلاثمائة وستين يوماً في العام، أرصّع موته، بعدد أيام موته. ثم يعود إلى الحياة.. بما يماثلها من أيام في العام أيضاً. كأنه لا يموت ولا يحيا إلا كما يموت ويحيا. إلا ليموت ويحيا. كأنما كتب عليَ أن أعيشه كوالد لا يخرج من الموت.. لا يخرج من الحياة، إلا ليدخل فيهما مرة أخرى. كما هنا..لا يدخل إلى المزار، إلا ليخرج منه. لا يخرج منه إلا ليعود إليه. والدي يموت أمام عيني ثلاثمائة وستين مرة، ثم يعود إلى الحياة ثلاثمائة وستين يوما أمام عيني أيضاً .
أهرب منه، من موته المتكرر، أهرب من خوفي منه، وعليه، يعيش، يموت، مات، ثم عاش. لم يبك أحد سواي، يعود إلى الحياة بما يشبه العزلة، أو.. المعجزة الثامنة، ثم يموت. لم تكن سبع معجزات، من معجزات تلك الحقبة، من التاريخ،الحقبة الكفيلة بتمويت أبي، أو بتمويتنا. كافية لأن نفعل ما هو أكبر منا. لأن قدراً أحمقاً، يخط مستقبلنا، يرسم والدي ذي النظارات السوداء السميكة، ذي الرأس المزنر برفّ خلبي أسود. كائنات الكون، يرسم الماضي والحاضر والمستقبل. يرسم بأنامله الحنونة على جدران أوراقه، في زمن ما.كل أشعاره، أشعاره الماضية نحو الحاضر، قصائده المتعالية نحو القدر، زفراته ، رقصات أحلامه، وأشياء أخرى . أكثر حميمة تخبئها أمي، كما تخبئ أشعاره في حقيبتها البالية، كي يأكلها عتّ الورق .
بعد رحيل جدي لأبي إلى عالم عبلة المريمية، عبلة المسيحية التي سرقت قلبه وهرولت نحو كنيستها الغالية. هناك خلف هرولتها لاح ظل جدي، أمسكه الكاهن وعمده .فاختفى ونسيه العالم .بعد رحيل جدي. لم يرتد أبي الجلباب . لكن، لف رأسه بالغيم وزنر ابيضاضه بسواد ليل حزين
08-أيار-2021
03-نيسان-2012 | |
30-كانون الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |