حمى بيع المشيمات
خاص ألف
2012-07-06
حدث ذات زمان أن اشتدﱠ الطلب للمشيمات، فأصبحت المشيمة التي كانت تلقى في حاويات المدينة أو تكون من نصيب البراري ، تباع بأسعار لا بأس بها . كانت مشيمات المنطقة كلها تبعث إلى أوروبا ، بما فيها سورية . كل واحدة ترقم برقم ويكتب عليها تاريخ الإجهاض أسبوع أو أسبوعين، شهر...بات الأطباء الذين علموا بهذه الصفقة، لا يرمون المشيمات بسرعة كما السابق، بل اشتروا براداً وأصبحوا يرقمون الأكياس . بعضهم لم يكفهم برادا واحدا !!. الفقراء من الناس كان لهم نصيب ضئيل من هذه الصفقة، فربع سعر المشيمة لهم وما تبقى للطبيب .الكل كانوا منهمكين في ترتيب أكياس المشيمات، والنساء كنﱠ منكبّات على ترتيب الوقت الأنسب لإحداث الإجهاض ، واختيار الدكتور المناسب الذي يدفع السعر الأعلى . فالإجهاض المبكر بعد حدوث الحمل هو الأغلى في موازين الصفقة، كلام كان الأطباء يرددونه على أسماع الزبائن المرضى كي يكونوا حذرين في التعامل مع الوقت .
في السند أنهكت النساء أرحامهنﱠ نتيجة الإجهاض المتكرر، فلم تكد الواحدة منهن تخرج من ألم الإجهاض الأول حتى تكون حاملة من جديد . السلطات وقفت أمام هذه الظاهرة مكتوفة الأيدي ، بعضهم أخذ يسخر من حكمة أوروبا : أي هلاك ألحق بالعقل الأوروبي حتى أخذ يسن هكذا صفقات مع جهات الأرض كلها ، أفقدت نساءهم الأرحام . فلم يعد لدى خيال أرحامهم القدرة على نسج المشيمة ، أي جفاف في الروح ألمﱠ بهم ؟ . البرادات العملاقة قدمت إلى المنطقة تحمل المطلوب وتدفع الثمن وتمضي . ظنّ بعض طلبة الطب الذين كانوا على وشك التخصص أن هذه المسألة ستدوم إلي أجل غير مسمى، لذا توجهوا إلى اختصاص الطب النسائي، ازدادت الطلبات في أدراج الكلية، كان بمثابة الانقلاب في الرغبات، ارتبك الإداريون أمام هذه المحنة الإدارية- تصنيف الرغبات أمام هذا السيل من السيارات الحكومية والخصوصية التي لا تغادر باب الكلية، الوساطة ﹸ العملة ﹸ كانت في أوج عطائها . هذا التوجه الاختصاصي طبيعي، لأن مختصي الطب النسائي، باتوا لوردات الوسط الصحي آنذاك، أخذ الأهل يلومون أبناءهم الأطباء عن عدم اختيارهم لهذا الاختصاص في الماضي . كل طبيب أخذ ينشد نشيد الأنوثة على قيثارة مفكرة المرضى، فكان يكفي غير المختص بعض المعلومات عن الحمل والإجهاض ليعمل في هذا المجال بشكل سري .
بطاقات الأطباء وزعت بسخاء في المساحة الأنثوية في كل بقاع الأرض التي بلغتها الحمى، وقد كتب عليها رقم غير معروف عما يشير للوهلة الأولى، لكن في ظل موجة الحمى كان واضحا أنه سعر الإجهاض لدى الطبيب الفلاني . السلك الصحي الراقي وقف ببلاهة أمام هذه التجارة التي لم يدركوا خلفياتها التجارية والعلمية، لهذا وقفوا مكتوفي الأيدي لا يتكلمون عن الظاهرة لأنهم إن تكلموا وجب عليهم بحسب موقعهم العلمي أن يتحدثوا عن الخلفية العلمية لها . سوق جديد فتح في البلاد، وأسماء مستثمرين برؤوس أموال هائلة لمحت في الأفق التي من مشيمات معلقة كما أكباد الخراف في سوق الجزارين، كل مستثمر يحاول أن يكسب رئيس قسم الطب النسائي في المشفى الفلاني، والنسبة تنقسم بينهما، فالمستثمر يمتلك طرق بيع محصول المشيمات وهو متمرس بالأسعار الدولية، والدكتور عليه القطاف . حمى المشيمة هذه لم تدم طويلا، والمستثمرون لم يستسلموا باتوا ينتقلون من دولة لأخرى يحثون الأطباء على تشجيع فكرة الإجهاض ، دون جدوى , فالمصدر الأوربي اكتفى بهذه الملايين منها إلى حين آخر . الطلبة الذي اختصوا الطب النسائي ارتدّوا إلى الوراء خائبين، فقد فشلوا في اقتناص الصواب، والهالة المادية التي رسمتها حمى المشيمات أخذت تتلاشى في الأفق، فيقولون لبعضهم كلما مرت اسم المشيمة معهم في كتاب ما : لا مشيمات بعد اليوم . أصبح الطب النسائي كالبلاء يلاحقهم أينما مضوا، بينما رفاقهم الأطباء يسخرون منهم : لن تروا إلا مشيمات أمهاتكم بعد الآن، فالمشيمات نفذت، وبعض النساء فقدن أرحامهن أيضا نتيجة الإجهاض المتكرر.
وعندما تشتد السخرية من اختيارهم، يقول رفاقهم لهم : توجهوا إلى عالم الحيوان فهو الأنسب، لكن المصيبة أن الأمر لا يشمل إلا شهر أو شهرين في السنة، لكن لا بأس حاولوا أن تزيدوا هيام الذكر بالأنثى الحيوان فلا يفارقها طوال أشهر السنة، حاولوا أن تحدثوا انقلاباً في قوانين الطبيعة لتعيشوا أنتم .
" الرحم محنة الطب "
عادت الحياة إلى طبيعة ما قبل الحمى، وعادت المشيمات تلقى في حاويات المشافي والأنهار تستقبل نصيبها ، وكذلك كلاب البراري ارتاحت لهذا المسار من الحياة حيث المشيمات تتراكض في البراري بحثا عن أنيابها . كانت أوروبا على أبواب صرح علمي جديد بمثابة الوحي في مجال العلم ، كانوا يحاولون استخلاص نمط من الخلايا، التي لم تتمايز بعد ، أي يمكن استخدامها في كل أنسجة الجسم المتضررة، تسمى بالخلايا الجذعية، وأحد أهم المصادر لها هي المشيمات . بعد سنوات من البحث العلمي علموا في هذه البقعة من الأرض أن المسألة هي علمية بحتة وليست في مضمار الهذيان .
ريدي مشو
2006
08-أيار-2021
18-آذار-2015 | |
07-آذار-2015 | |
06-نيسان-2014 | |
11-كانون الأول-2013 | |
06-تشرين الأول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |