نص / احتراق آخر العنقاوات
خاص ألف
2012-09-19
لن انسى تلك المرأة التي مزقت جدران سجنها الأول بأسنانها وأظافرها والتي رحلت تحت وابل العيون الحاقدة، و لم تكن ترتدي شيئاً إلا ظلّها وأحلامها ، مرتلةً لآياتٍ من املٍ بمزيجٍ من دموعٍ ندية ..
لن انسى مظهرها وهي مبللة بعبارات افلاطون و تردد وصايا الأندلسي في فضاء طوق الحمامة وتطلب لهم المغفرة من آلهة الإغريق القدامى..
فهي كانت يمامةً جريحةُ وضاحكة في الوقت ذاته ايضاً ..
لن انسى !
جئتُ باتفاقيةٍ مبرمةٍ بين شمسين، وبين كوكبين تشاجرا على قضية مجيئي الى هذا العالم القذر،لا شيء حملتُه على ظهري إلا غباري الانثوي اللامع وروحي الشفافة وبريقي المتوهج كلما هبّت نوبة بكاءٍ جديدة من ارضٍ تحترق، ولم احمل على كتفي إلا جاكيت الجينز الذي علقتُهُ في مدخل بيتي الجديد الى جانب طيف جيفارا متيمنةُ بالخيرِ ومحتفلةُ بالذكرى الابديةِ القادمة ليوم نصر الانوثةِ والكلمة.
جئتُ وأنا اعرف بأن الصفرَ هو رقمٌ مكونٌ من كومةِ ثلجٍ تذوب رويداً رويداً وبحذر خوفاً من سخرية الآخرين، انما ايقنتُ دوماً ان الصفر يكوّنُ مملكةً بأكملها حين يعتزُّ بمساره الدائري اللانهائي..
فالصفر هو المائة ربيعٍ امام طريق الحياة المتجدد، والصفر هو تعويذة العنفوان من السقوط امام سطوة اللاشيء، والصفر هو التحدي الأكبر لسنونوةٍ قررت ان تكون سماءاً لباقي السنونوات..
وهو الثورة والصرخة الواقفة امام باب الحاكم والتي تردد للندى نشيد الصيف الاخضرِ : يسقط الظلم ، يسقط الظالم، يسقط الاستبداد الذكري يسقط يسقط ..
وهو الانتفاضة المنتفضة على نفسها لتكون شيئاً ما !
اذكر تلك الليلة جيداً بعد صراعٍ مخفي ومعلنٍ مع عقول قريةٍ تنام في احضان ابي جهل، ونساءٍ لاحقن تنورتي وكعبي العالي وكلامي المنثور على صفحات الصحف مستعيناتٍ بها كدليلٍ على جرائمي العاطفية ، اذكر تلك الفتاة الساذجة التي كانت خالية الجيبِ والوفاض من كل شيء إلا من نفسها و حزمة كتبها التي حرصت على ضمها فرداً فرداً والتي لازالت تمسد على خصلات شعرها بحنان امٍ كل صباح وتتبارك بهم كما لو كانوا اولياءها الصالحين ..
لا صباح يبدأ دون قُبلةٍ فوق كلمات الجواهري ، ونفخةٍ رقيقة لتدفع بها مركب رامبو السكران..
لا صباح يبدأ إلا من نافذة الغيم، وتأملات القهوةِ السابحة مع ملاكها الفيروزي ، على امل ان يكون الغد افضل مما سبقه ..
كان البرد يومها رشةَ المطر التي بعثت الأموات من قبورهم وأنبتت مائة روحٍ في جنينٍ واحدٍ حرٍ ويرتجفُ خوفاً من قهرٍ جديد ..
منذ الف عامٍ وأنا احترف الانتظار لعنترة ولم يأتِ..
منذ الف عامٍ وأنا ارتل آياتٍ من الأمل البوذي والإبراهيمي والوجودي ولم تحدث معجزة ولا صاعقة ..
منذ الف عامٍ وأنا اقولُ شكراً للسماءِ التي خلعت ثوبها الازرق لأجلِ وردةٍ نبتت في تربةٍ مالحةٍ من دمٍ ودموع ، وماذا اهدتني السماء سوى فصل خيبةٍ جديد؟
الوطنُ بعيدٌ جداٌ ، والأصدقاء ولوا مع آخر نفحةِ عطرٍ للنرجسةِ التي انتحرتْ، والأحبة يمجدون الماضي ويبنون له قصوراً وقلاعاً على انقاضي ويهللون بوقاحةٍ: أن عودي الى رحمِ الصفر الذي جئتِ منه ، لأنكِ لا تستحقينَ لوحةً واحدة من الفرح ولا نهاراً كاملاً من العبث الوهمي الحميم ..
وأنا نزعتُ عني كل اقنعة الطهرِ من اليوم الذي اقنعتني به السماء بأن لا مكان لجنيات النفاق في ضجةِ صفحات السندريلات ، وأن عليَّ ان اكون مثلهن دون ماكياجٍ او حذاءٍ بلوري او فستان احمر، واعتزلتُ دقَّ الطبول والكأسَ وليالي الأنس والسهر، وخلعتُ آخرَ ثوبٍ للذكريات ، وقلتُ في نفسي بأن الإله سيحترم استقامتي ويُقبّل جبيني قبلةً عند الصبح وقبلةً في المساء ، ويلعب معي لعبة الأب الخائف على ابنته من الخطيئة او المطر والتي لا زالت تعيش بين جدران المدينة الفاضلة ..
و يبدو اني اخطأت خطأ فادحاً عندما ظننتُ ان للسماء عيوناً وآذان، وأن الدنيا تحترم ملائكة الصدق المحلقين، فالعالم الدنيوي ايضاً لا يحترم امطار مدينتي، ولا حزن الشعراء، ولا توبة النساء، ولا دموع العصافير المذبوحةِ بألف خنجرٍ مسموم..
هنيئاً لكم يا سادتي ولتبارككم السماء..
سأكفرُ بكل تعاليمكم، سأكفر بآلهتكم الشريرة، وبكل نارٍ اشعلتموها في ثوبي الشيفوني الأبيض..
ارقصوا وغنوا فوق قبري ، فما عاد في القلب الا الدمعة ..
والدمعة والهباء عندكم سواء !
وإذا ما رحل جسدي الليلة، اطلبوا من حاكم سمائكم الآثم ان يهديني موتاً انيقاً كروحي ...
08-أيار-2021
08-تشرين الأول-2012 | |
19-أيلول-2012 | |
21-تموز-2012 | |
11-آذار-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |