بشار وحظ القحاب
خاص ألف
2012-09-21
ثمة قول، لدينا في سورية، يُحيل إلى " حظ القحاب " حينما يتعلق الأمرُ بالشخص المنحط، الفاجر، الذي تخدمه الظروف الموضوعية. ومع احترامي، شخصياً، لمُحترفات أقدم مهنة في التاريخ، وبالتالي، اعتذاري منهن هنا؛ فإنني أتساءل بهذا الخصوص، ما إذا كان الحظ حليفاً، حقاً، لهاته النسوة أم أنّ ذاك القولَ هوَ مَحضُ مَجاز..؟
***
بشار الأسد، شخصٌ مَحظوظ ربما.
" حظ القحبات " يتلبّسُ سيرةَ هذا الرّجل، الوارثِ أحد أكثر الأنظمة في التاريخ فجوراً وانحطاطاً. الظروف الموضوعية، ولا مَراء، خدمَتْ مَسيرة طفل السلالة الأسدية، المُدلل، مذ ولادته وحتى هذه الآونة، المُشرفة على هلاكه المُحتم مع سلالته. تشديدنا على المصير، في الجملة الأخيرة، قد يبدو مُناقضاً لما ذهبنا إليه عن الظروف أو الحظ..؟
***
الطغاة، مثلما يُخبرنا التاريخ، مُتشابهون لناحية السيرة الشخصية والسياسية. في مقال لي، سابق، كنتُ قد قارنتُ بشاراً، وريثَ السلالة الأسدية، بالإمبراطور كاليغولا وريث السلالة القيصرية الرومانية. الحق، أنّ ذلك الشبهَ ينسحبُ أيضاً على آخرين من أقارب كاليغولا؛ مثل تيبيريوس وكلوديوس ونيرون. لعلّ أهم أوجه التماثل، لدى هؤلاء الطغاة القياصرة، هوَ كونهم على جانب من العته والبله حدّ الجنون. علاوة على حقيقة أخرى، مُحيّرة، تتمثلُ في امتداد حكمهم لأكثر من دزينة من السنين، باستثناء كاليغولا؛ الذي حكمَ لمدة أربعة أعوام حَسْب. دونما أن نهملَ أنه، مثل أقربائه الآخرين، انتهى مقتولاً على يد منافسيه إثر انفجار شعبيّ عارم.
***
القيصرُ تيبيريوس، عمَدَ إلى إبادة جميع من يمتون إليه بصلة الرّحم، باستثناء ابن أخيه كاليغولا، نظراً لما توسّمهُ فيه من عتهٍ يَجعلهُ بعيداً عن تشكيل أيّ خطر على السلطة، محتملٍ. بدوره، جنّبَ القيصرُ كاليغولا عمَّهُ كلوديوس من القتل، الذي شملَ باقي أفراد الأسرة الحاكمة، وللسبب نفسه المُداور حول استبعاد خطر الشخص الأبله في حلقة الصراع على العرش. الطريف، أن كلوديوس الأبله راحَ يرتجف هلعاً في يوم اغتيال ابن أخيه، القيصر كاليغولا، حينما قدِمَ إليه رجالُ الحاشية لكي يتوّجوا رأسَهُ بسعفة السلطة: لقد توهّمَ الأبلهُ، في تلك اللحظة، أنهم قادمون ليقتلوه.
***
بشار، المُتفرعن اليومَ، كان محظوظاً لأنه بقيَ بمَنجىً من مَصير شقيقه الكبير، باسل، كونه نشأ كشخص شبه معاق، فأفاء. هذا الأمرُ، يمكننا تأكيده فيما يتعلق بمصير أخوَيْه الآخرَيْن؛ ماهر ومجد. الأخير، كما أضحى معروفاً الآن، عاشَ بمَعزل عن أيّ مسؤولية في السلطة، كون إعاقته العقلية على درجةٍ من الخطورة، ثمّ مات نسياً منسياً وهوَ في ريعان الشباب. أما ماهر، القائد الفعليّ للفرقة الرابعة ( الشبيهة بفرقة س س الهتلرية )، فلا ريبَ أنه يتصفُ بذلك النوع من العته الشرير، الخبيث، المُقترَن بشخصيّة شقيقه الكبير بشار. في هذا الصّدد، لدينا شهادة موثوقة من رجل دولة، بارز، هوَ السفير السابق نواف الفارس؛ الذي أكّدَ المعلومات المتداولة إعلامياً وشعبياً على حدّ سواء، عن القصور العقليّ لجزار الفرقة الرابعة. كذلك، لنا في شهادة العمّ رفعت الأسد ( المُتهم بتصفية باسل في حادثة السيارة عام 1994 )، ما يُعزز يقيننا آنف الذكر: فهوَ باستخفافه في أمر بشار، بمقابل تبرئته لماهر، إنما يوحي بأن ابني أخيه هما على درجة من الإعاقة تجعله هوَ، عميدُ السلالة، الوحيد المؤهل لإنقاذها ومن ثمّ ـ كذا ـ إنقاذ سورية الوطن.
***
" من بعدي فلتأكل النارُ الأرضَ "؛ إنه قولٌ شهير، مَنسوبٌ للقيصر الدمويّ، تيبيريوس. لكأنما هوَ لسان حال السفاح الأسديّ، الموغل في دم الناس منذ سنة ونصف السنة عقاباً لهم على المطالبة بالحرية والكرامة. حفيدُ القيصر ووريثه على العرش، كاليغولا، اشترك مع بشارنا في العته والجنون، المتواشجتين بالخبث والمكر والحقد والوحشية، والمتجليتين بالضحك والتفكّه خلال ارتكاب المجازر وحمّامات الدم. كما أن كلاهما فرض نفسه، بالرعب والإرهاب، على الرعيّة كإلهٍ يتوجّب عليها عبادته وتقديس اسمه وصوره وتماثيله. جوّ العهر، المأثور في رومة القديمة، انتشرَ أيضاً في سورية الأسد على يد أفراد الجماعة المختارة، حتى أنهم كانوا يصدّرونه إلى دول الخليج تحت يافطة الفن: ألم تصرّح بثينة شعبان، قوادة القصر الجمهوريّ، بأنّ لدى نظامها تسجيلات فيديو تفضح دعارة أمراء تلك الدول..؟
***
" حظ القحاب "، تجسّدَ في حالة بشار في مفاصل عديدة، مستطيرة، من مسيرة حياته كحاكم أوحدٍ. هنا، يمكن القول أن اسرائيل، الجارة اللدودة للدول العربية، هيَ من لعبَ الدور المحوريّ في اجتياز حاكمنا لحقول الألغام المعترضة مسيرته منذ عام 2001، تحديداً، حينما قرّرَ جورج بوش الابن خوض ما أسماه " الحربَ على الإرهاب " في العالم الإسلاميّ. إنّ ابن خال الجماعة المختارة، وصهرها، بن لادن، كان قد أنشأ تنظيمه الأصوليّ، " القاعدة "، اعتماداً على فكر ونهج أسلافه من الحشاشين العلويين، مضفياً عليه ـ التنظيم ـ مظهرَ التشدّد الوهابيّ. فما أن اجتاحت القوات الأمريكية بغداد عام 2003، حتى انتقل تنظيم القاعدة بكلّ زخمه إلى الأراضي العراقية عبرَ حدود دولتي ايران وسورية وبمساندة قوية من حكومتيهما. هذا التنظيم، هوَ من يخدم اليوم النظامَ السوريّ تحت مسمّى " جبهة النصرة "، فيما أن زعيمه الجديد، الظواهري، يتشدّق بدعم الثورة السورية بالخطب الجوفاء: إنه نفس مسلك الدول الغربية، المنافق، المدّعي دعم هذه الثورة بالتصريحات فيما أن همّها الأساس يتمثل في الحفاظ على نظام الأسد؛ حامي حِمى الدولة العبرية، المُدللة: قضية الفيلم المسيء للرسول محمد، التي تفجّرتْ فجأة في أوج اشتعال الثورة السوريّة؛ هذه القضية، ألا تذكرنا بقضيّة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنفس الرسول، والتي تمّت إثارتها عام 2005، في خضمّ المواجهة الدولية مع نظام الأسد على خلفيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟.. هل الأمر مجرّد مصادفة ( حظ قحاب )، أم أنّ الغربَ هوَ من وقفَ خلف القضيتين لإثارة العالم الإسلاميّ ضدّه، وبالتالي، جعلَ أيّ مطالبة بتدخله عسكرياً ضد النظام السوريّ مسألة مستبعدة داخلياً وخارجياً..؟
[email protected]
08-أيار-2021
04-آب-2013 | |
27-تموز-2013 | |
18-تموز-2013 | |
11-تموز-2013 | |
06-تموز-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |