أسبوع فيسبوكي وأيام أخرى
خاص ألف
2012-12-15
أعتقد أنني كنتُ آخر من يدخل إلى عالم الفيسبوك، العجيب، في أوروبة على الأقل. تأكيدي على صفة هذا المخلوق التكنولوجيّ، الأكثر جدّة، إنما يخصّني لوحدي ولا مَراء. إذ على الرغم مما يُقال عن دَور الفيسبوك، الإفتراضيّ، في التعجيل بأوان الربيع العربيّ، إلا أنني بقيت بمنأىً عن عالمه. قبلَ ذلك، كنت على المنوال ذاته، فيما يتعلّق بشقيق آخر، تكنولوجيّ؛ إلا وهوَ الموبايل. فقد رأيتني، يوماً، في مدينة " بريمن " الألمانيّة، أتجوّل مع أسرةٍ صديقةٍ في بازار شعبيّ، مَنذور للأشياء المستعملة.
" هذا الغرضُ، في اعتقادي، سينفعكَ كثيراً "، قال لي مُضيفي بنبرَة ممازحة فيما هوَ يَعرض عليّ جهازاً ينتمي للأنتيكا أكثر منه للمعاصرة. هذا الموبايل ( حصلتُ عليه كهديّة بالطبع )، لم يكن يتجاوز سعره الواحد أورو. وكان من القِدَم، ولا غرو، حدّ أن ابني حينما شاهدَه فيما بعد فإنه علّق عليه ضاحكاً: " إنه أقدَم نسخة من ماركة " نوكيا ". وأعتقدُ أنه لا يوجد مثيلاً له، اليوم، سوى في المتحف التكنولوجي ". نعم، في عاصمتنا العتيدة، " ستوكهولم "، يوجدُ هكذا متحف بالفعل. بين ذينك الإعتقادَيْن، آنفيْ الذكر، لا أملكُ من جهتي سوى التسليم بحقيقة تخلّفي، التكنولوجيّ.
ولكن الموبايل، على أيّ حال، لم ينفعني كثيراً أو قليلاً. كان إلى ذلكَ بلاءً، بمَعنىً ما. لأن هذا المخلوق الطاريء، الدخيل، اقتحمَ قدسَ أقداسي؛ ألا وهيَ الوحدة: إذ من المُمكن، في حالة التليفون الأرضيّ، ألا تردّ على مهاتفات أصحاب الثرثرة ودونما أن تزعجَ خاطرهم. أما في حالة هذا السيكلوب، اللعين، فأيّ مبرر لكَ قدّام أولئك الأصحاب ألا تجيبَ مكالماتهم طالما كانت مفتوحةً عينُهُ، الوحيدة..؟
" أنت متخلّفٌ، تكنولوجياً.. "، كان أحد أصدقائي قد اعتاد على ترديدها في زمن الصِّبا. من أفراد جيلنا، البائد، كنتُ الوحيدَ بينهم بلا ساعةٍ تزيّن المعصمَ؛ وكنت كذلك بنفس التوحّد، في أشياء من هذا القبيل ـ كامتلاك مسجلة يَد مزوّدة بسماعة للأذن، على سبيل المثال. من ناحية أخرى، لا أسلوَ مدى اضطرابي حينما كان يَبترُ صمتَ توحّدي رنينُ جرس الهاتف، ثمّة في المكتب الهندسيّ، أين كنتُ أعملُ في عُمْرٍ مُبكرٍ، ينتمي للمراهقة. إذ كنتُ آنذاك أخشى أن يكون أنثوياً، صوتُ المتصل؛ أنا من كان على طبعٍ يَتصفُ بالتحفظ والخجل.
وعودة إلى مخلوق الحداثة ذاك، المقتحم مؤخراً وحدتي. فمن النافل التأكيد، في آخر المطاف، أن الفيسبوك هوَ من الأشياء الضرورية في حياة الإنسان، خصوصاً فيما إذا كان من أصحاب الكلمة لا الثرثرة. بيْدَ أن الأمرَ، على رأيي البسيط، ليسَ بهذه المُساهلة. فكم كانت صدمتي بالغة، حينما رأيت أصدقاءَ الصفحة الخاصّة فيّ يمرّون على هذا النصّ الأدبيّ، أو ذاك المقال الساخر، دونما أن يعبئوا كثيراً به. إذ أن اهتمامَ معظم مُشتركي الفيسبوك، على ما يبدو، متركز على " اللايك " السريع والشديد الإيجاز، الذي يحتوي عادةً خبراً في السياسة أو الاجتماع أو الفنون. هذه الخيبة، كان لها في المقابل ما يُخفف من وطئتها. فالفيسبوك، كونه الوسيلة الجماهيريّة الأهمّ حالياً، أتاح لي التواصل بالعديد من الأصدقاء القدامى، سواءً من المتواجدين في الوطن أو ممن هم مثلي في الغربة.
[email protected]
08-أيار-2021
04-آب-2013 | |
27-تموز-2013 | |
18-تموز-2013 | |
11-تموز-2013 | |
06-تموز-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |