السلوك العدواني لدى الإنسان
خاص ألف
2013-01-16
العدوان ظاهرة عالمية تشترك فيه كافة الكائنات الحية على وجه الأرض وإن بدرجات متفاوتة، فهو موجود في المملكة النباتية ولكن بدرجة أقل مما هو عليه في حدود المملكة الحيوانية، والذي يمكن تفسيره وتبريره بحاجات بيولوجية ونزوع الحيوان إلى إشباع تلك الحاجات وفي مقدمتها الحاجة إلى الطعام والحاجة إلى الأمن والحفاظ على النطاق أو المجال الحيوي للحيوان في المحيط البيئي الخاص بمنطقة نفوذه المتعارف عليها، وموجود أيضا لدى الإنسان، ويتصف العدوان الإنساني بخصائص العدوان لدى النبات والحيوان إلى جانب خصائص أخرى فريدة تتعلق بتمايز النوع البشري عن باقي الكائنات، أهم هذه الخصائص امتلاك الإنسان للعقل والإرادة الحرة في الاختيار في حالات العدوان الواعي وليس المرضي والذي يمكن تفسيره نتيجة لقصور في بعض العمليات النفسية أو الفسيولوجية أو العقلية ولكي نتعرف على ملامح هذا النوع من السلوك البشري لابد أن نتطرق إلى تعريفات للعدوان ومن ثم نتوسع في معرفة عوامله وأسبابه وتفرعاته الكثيرة في محاولة للتميز بينه وبين مصطلحات أخرى متداخلة ولكنها تحمل معاني قد تكون أوسع أو أضيق مجالاً في علاقتها بالعدوان.
على الرغم أنه يمكن للجميع أن يتفقوا على سهولة التعرف وفهم ماهية العدوان إلا أنه لا يوجد اتفاق حول كيفية تعريفه بدقة، وهذه التعريفات تتفاوت وتختلف في ضوء المناخ والإطار النظري الذي سيقت فيه. وأهم هذه التعريفات على كثرتها:
- تعريف Mussan: أي سلوك يفضي إلى إلحاق الأذى بأحد الكائنات الحية أو إفساد أو تحطيم كائنات غير حية.
- تعريف Argyle: هو السلوك الذي يتجه به صاحبه إلى إيقاع الأذى بالأشخاص الآخرين أو ممتلكاتهم إما بدنياً أو لفظياً أو بأي طريق آخر.
- تعريف Berkovitz: هو الإيذاء المتعمد أو المقصود للآخر.
- تعريف Buss: أي سلوك يمثل منبهاً كريهاً أو ضاراً للآخر.
- تعريف Barron: أي شكل من أشكال السلوك يهدف إلى إيقاع الأذى أو الضرر بأي كائن حي آخر يكون مدفوعاً لتجنب مثل هذه المعاملة الكريهة أو السيئة.
ومن خلال تفحص ما جاء في هذه العينة من تعريفات السلوك العدواني بإمكاننا التعرف وتلمس الخصائص والملامح الإجرائية للسلوك العدواني وهي:
- إن العدوان سلوك يهدف إلى تعمد إيذاء طرف آخر، فنية الشخص الذي يقوم بالفعل أو السلوك عامل حاسم في التمييز بين السلوك العدواني وبين أشكال السلوك الأخرى.
- هناك أبعاد وأصناف عديدة للعدوان يذكر أهمها Buss: العدوان البدني مقابل العدوان اللفظي – العدوان الإيجابي مقابل العدوان السلبي – العدوان المباشر مقابل العدوان غير المباشر
- وجود دافع لدى المعتدى عليه في تجنب هذا الإيذاء أو تلك المعاملة التي يتعرض لها، فليس هناك شخص يتعرض لأي شكل من أشكال العدوان إلا ويرغب في عدم التعرض له وتجنب المعاملة المؤذية التي يترتب عليها آثار سلبية إذا تمكن الجاني من تحقيق هدفه في الإيذاء.
- يقتصر العدوان على السلوك الذي يوجه لطرف آخر سواء له شخصياً أو لممتلكاته الخاصة، وبالتالي لا يندرج في تعريف العدوان إيذاء الذات.
- يصنف العدوان طبقاً لهدفه إلى نوعين: العدوان العدائي والعدوان الوسيلي، أما الأول هو الذي ينشأ عن الغضب غالباً أو نتيجة له وهدفه إيقاع الأذى والتعذيب والإيلام ويرى باحثون أن هدف هذا النوع من العدوان هو التأثير في الضحية واستعراض قوة المعتدي وإظهار الرجولة في حالة الذكور. وأما العدوان الوسيلي فإن الإيذاء يكون وسيلة للحصول على بعض المكاسب أو المنافع أو تحقيق أهداف غير عدوانية مثل الاعتداء من قبل فرد على آخر من أجل الحصول على شيء يريده الأول ويملكه الثاني والكثير من المشاجرات والنزاعات والحروب لم يكن هدفها الأساسي والمباشر هو الرغبة في الوحشية أو إيذاء العدو بل كان هدفها وسيلي للحصول على مناطق نفوذ جديدة أو أسواق لتصريف المنتجات أو الحصول على المواد الأولية وغيرها من الأسباب التي لا حصر لها.
- العدوان غير متصل يمتد من أشكال السلوك العدواني المضادة للمجتمع وأشكال السلوك العدواني الموالية للمجتمع، فالأفعال الإجرامية والعنيفة مثل الضرب والاغتصاب والقتل والاعتداء هي أفعال تنتهك المعايير الاجتماعية بكل وضوح فهي مضادة للمجتمع لأنها مضرة ومؤذية، أما الأفعال العدوانية التي تصدر وتضبط من خلال المعايير الاجتماعية فهي موالية للمجتمع فأفعال تنفيذ القانون وتهذيب الأبناء وعقابهم وطاعة أوامر القادة في وقت الحرب تعتبر ضرورية وقد تقع بعض الأفعال بين هذين النوعين ويطلق عليها الأفعال المجازة قانونياً وهي أفعال عدوانية لا تفرضها المعايير الاجتماعية ولكنها لا تنتهك القيم الأخلاقية المقبولة وتحدث في إطار المسموح به، مثل ذلك حارس المتجر الذي يصيب رجلاً حاول السرقة، أو المرأة التي تصيب رجلاً وهو يحاول اغتصابها وغير ذلك من الأمثلة.
وهنا وبعد هذا الشرح لابد لنا وأن نميّز بين العدوان وبين بعض المفاهيم التي تلازمت معه وتداخلت في الذهن العام على أنها العدوان نفسه أو مرادفة له:
- العدوان والعنف – العدوان والشغب – العدوان والسلوك الإجرامي – العدوان والعداء – العدوان والتوتر – العدوان والغضب – العدوان وتوكيد الذات.
العدوان والعنف:
يستخدم كثير من الباحثين المفهومين كمترادفين أو في سياق الحديث بشكل يصعب وضع حدود فاصلة بينهما سواء من ناحية الإطار النظري أو الواقعي وكذلك يكون من الصعب علينا أن ندرك بأن الأشخاص الذين يستخدمون المفهومين يقصدون الشيء نفسه.
والعنف هو فعل ينطوي على محاولة متعمدة لإحداث ضرب بدني خطير حقاً، ولذلك يمكن التمييز بين المفهومين وفق النقاط التالية:
- العدوان هو المفهوم الأكثر عمومية ويندرج تحته كافة أشكال الإيذاء.
- العنف يهدف إلى إلحاق الإيذاء البدني الخطير أو الجسيم، والذي يترتب عليه ضرر بالغ بالضحية قد يصل إلى عاهات مستديمة أو الاغتصاب أو الاختطاف أو إلى الموت.
- كافة أشكال العنف هي أفعال إجرامية وتنتهك المعايير الاجتماعية ويعاقب عليها القانون.
- نية الإيذاء واضح تماماً في حالة العنف على عكس بعض أشكال السلوك العدواني الأخرى التي يصعب فيها إثبات النية أو المقصد.
- يصنف العنف إلى نوعين، عنف فردي يتمثل في كافة أشكال العدوان التي يقوم بها الأفراد، وعنف جماعي الذي تقوم به جماعات معينة في المجتمع بسبب الصراع الطبقي أو الديني أو الطائفي أو لأي أسباب اجتماعية أخرى كارتفاع الأسعار أو البطالة...الخ.
- يتعدد مجال العنف ليشمل أيضاً العنف داخل الأسرة أو العنف ضد المرأة والعنف في الشارع.
العدوان والشغب:
الشغب هو حالة عنف مؤقت ومفاجئ تعتري بعض الجماعات أو التجمعات أو فرداً واحداً أحياناً وتمثّل إخلالاً بالأمن وخروجاً على النظام وتحدياً للسلطة أو لمندوبيها على نحو ما يحدث من تحول مظاهرة سلمية أو إضراب منظم تصرح به السلطة إلى هياج عنيف يؤدي إلى الإضرار بالأرواح والممتلكات. والشغب يأخذ عدة أشكال:
- الشغب المفاجئ: ويحدث عادة نتيجة لتراكم التوتر لدى فئة معينة من الأفراد، وعندما تقع حادثة ما ربما تبدو صغيرة في نظر المسؤولين، فإنها تؤدي إلى وقوع الشغب من قبل هؤلاء الأفراد.
- الشغب الذي يتراوح بين العنف المفاجئ والمستمر: ويحدث في كثير من الأحيان نتيجة للتذمر الموجود في نفوس الأفراد وبخاصة عندما تتعرض مصالحهم المادية أو الاجتماعية للتهديد مثل رفع أسعار بعض السلع الضرورية أو تقييد حرية الأفراد إضافة إلى عدم وجود ما يلبي احتياجات الأفراد الضرورية، فتتراكم كل هذه الإحباطات حتى تأخذ شكل ردود فعل تتمثل في إحداث الشغب بين الحين والآخر.
- الشغب العام أو الكبير: وهو أشبه بالانفجار الذي يحدث نتيجة تراكمات لشكوى مستمرة ولمدة طويلة تلقى تجاهلاً من الأطراف المعنية وتمس حياة قطاع كبير من الأفراد، فحينما لا يجد هؤلاء الأفراد من يلبي احتياجاتهم فربما ينخرطون في محاولة للعنف والانتقام من المؤسسة الاجتماعية أو السياسية الحاكمة ومن يمثل مثل هذه المؤسسات بشكل عام.
العدوان والسلوك الإجرامي:
أوضح Hall أن هناك سبع خصائص لابد من توفرها حتى نحكم على السلوك بأنه إجرامي وهي:
- الضرر: المظهر الخارجي للسلوك ، فالسلوك الإجرامي يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الفردية أو الاجتماعية أو بهما معاً وهذا هو الركن المادي للجريمة.
- يجب أن يكون السلوك الضار محرماً قانوناً ومنصوص عليه في قانون العقوبات.
- لابد من وجود تصرف يؤدي إلى وقع الضرر، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، عمداً أو غير عمد،
أي توافر عنصر الإكراه.
- توافر القصد الجنائي: أي وعي الفرد التام بما أقدم عليه من سلوك إجرامي ومسؤوليته عنه؛ فالجريمة التي يرتكبها الإنسان العاقل، الواعي والمدرك، تختلف عن تلك التي يرتكبها الطفل أو المريض العقلي.
- يجب النص على عقوبة السلوك المجرم قانوناً (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)
- يجب توافر العلاقة الفعلية بين الضرر المجرّم قانوناً والسلوك حتى يمكن تجريمه.
- يجب أن يكون هناك توافق بين السلوك والقصد الجنائي.
فالسلوك الإجرامي هو شكل من أشكال السلوك العدواني المجرّم قانوناً، والذي يقتضي عقاب مرتكبه بحسب قانون العقوبات المعمول به في كل دولة من الدول.
العدوان والعداء:
العداء أو العداوة: استجابة اتجاهية (اتجاه مكتسب) تنطوي على المشاعر العدائية والتقويمات السلبية للأشخاص والأحداث. ويرى "بيركوفيتش" بأن المفهومين يترجمان معايشة الفرد لخبرات بذاتها، واستجابته الخاصة لها، ومن ثم انعكاس تلك الخبرات على شخصيته في شكل عادات وسلوكات متعلمة ومكتسبة. ويرى آخرون بأن مفهوم العدوان هو عبارة عن تقديم منبهات منفرة ومؤذية للآخرين، في حين أن العداء هو اتجاهات عدوانية مكتسبة، ذات ثبات نسبي، وتعبر عنها بعض الاستجابات اللفظية التي تعكس مشاعر سلبية (نية غير حسنة) أو تقويمات سلبية.. فالعداء هو الاتجاه الذي يقف خلف السلوك، بينما العدوان هو السلوك الذي يوجّه إلى شخص آخر أو موضوع معين.
وقد يؤدي كل هذا إلى الصراع العدائي، وهو الصراع بين طرفين أو أكثر، (أفراد أو جماعات أو كيان اجتماعي) نتيجة لكره أو مقت طرف لآخر، والهدف منه هو إلحاق الضرب بالطرف الآخر تحقيقاً لأغراض خارجية.
العدوان والتوتر:
التوتر حسب Wolman: حالة من القلق والشعور بعدم الارتياح التي تحدث في مواقف التهديد، أو حينما يتأهب الفرد لأداء فعل معين من شأنه إعادة التوازن النفسي أو العضوي بينه وبين بيئته، أو عندما يسعى إلى تحقيق أهداف معينة.
وأشارت بعض الإطارات النظرية إلى أن التوتر هو أحد العوامل المهيّئة للسلوك العدواني أو الباعثة عليه في كثير من الأحيان، والتوتر بحد ذاته هو متغير وسيط بين مثيرات التوتر نفسه وبين السلوك العدواني، ومثيرات التوتر عديدة ومتنوعة، مثل متغيرات البيئة الطبيعية كالازدحام والتلوث والضوضاء، ويشير "سوسي تاننباوم Tanninbaum" إلى أن التوتر الذي يتعرض له الفرد يؤدي إلى السلوك العداوني في ظل الظروف التي لا يوجد فيها بديل لهذا السلوك، أي أن التوتر من الشروط المهيئة والمساهمة في ظهور العدوان ولكنه ليس شرطاً كافياً لحدوثه.
العدوان والغضب:
الغضب حالة انفعالية شعورية تصيب الفرد بصورة حادة أو مفاجئة وتؤثر في وسلوكه وخبرته الشعورية ووظائفه الفسيولوجية الداخلية وينشأ في الأصل عن مصدر نفسي.
والمفهومان متداخلان، وفي أحيان كثيرة يُستخدمان للإشارة إلى الشيء نفسه سواء من حيث الأسباب أو الآثار، ويستخدمان أحياناً أخرى بالتبادل؛ ويعتبر كل من Buss" و "Beery الغضب أحد أبعاد العدوان أو مكوناته، ولكن عملياً، المفهومان متمايزان نظرياً وإجرائياً، لأن الغضب هو أحد الانفعالات أو المشاعر العدوانية بينما العدوان هو سلوك صريح، وسلوكنا الصريح لا يعكس دائماً مشاعرنا الداخلية. ومهما يكن من أمر فإن وجود أحدهما لا يقتضي بالضرورة وجود الآخر، وإن لم يتم التعبير عن الغضب خارجياً لأي سبب كان، فإنه يتحول غضباً داخلياً يكبت ويؤدي إلى مشاعر الاكتئاب والذنب والخجل والقلق والبلادة.
العدوان وتوكيد الذات:
يعرف "لازاروس "Lazarus توكيد الذات Assertiveness بأنه كل أشكال التعبير الانفعالي المقبولة اجتماعياً عن الحقوق والمشاعر، ويشمل ذلك التعبير عن الغضب والضيق أو التبرم والمشاعر الإيجابية كالإعجاب والحب والفرح. ويعرفه Lang" و jakobowski" بأنه الدفاع عن الحقوق الخاصة والتعبير عن الأفكار والمعتقدات والمشاعر على نحو صريح ومباشر، وبطريقة مناسبة لا يترتب عليها أي أذى للآخرين أو لا تؤدي إلى انتهاك حقوقهم.
والعدوان وتوكيد الذات بعدان متمايزان من الاستجابات... وإن الاستقلال أو التعامد هو أساس العلاقة بينهما.. فالعدوان سلوك يبرر اتجاهات ومشاعر العداء نحو الآخرين، ويهدف إلى الهجوم عليهم وإيذائهم وإظهار القوة نحوهم، أما التوكيد، فهو السلوك الذي يوجه إلى هدف يبرز من اتجاه إيجابي نحو الآخرين ويدعم اهتمامات الشخص، ويعبر من خلاله عن مشاعره وآرائه التي تراعي حقوق الآخرين.
والفروق بين المفهومين إجرائياً هي:
- العدوان يهدف إلى إيذاء الآخرين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، صريحة أو ضمنية، بينما لا يهدف التوكيد إلى أي شكل من أشكال إيذاء الآخرين.
- يؤدي العدوان إلى انتهاك حقوق الآخرين النفسية أو البدنية أو المادية أو غير ذلك عبر مهاجمتهم والنيل منهم، بينما يهدف توكيد الذات إلى الدفاع عن الحقوق والمشاعر والحاجات والمطالبة بحقوق أو مميزات يسلبها الآخرون.
- يبرز العدوان من مشاعر عدائية واتجاهات سلبية نحو الآخرين، بينما يبرز التوكيد من مشاعر إيجابية أو على الأقل محايدة.
***
/ خاص ألف / مجيد محمد
مراجع:
- الفارس، مجدي: دراسات في علم النفس الاجتماعي،2010 ، منشورات جامعة دمشق، ط1، دمشق، سوريا.
- أبو قورة، خليل قطب: سيكولوجية العدوان، 1996، مكتبة الشباب (شهرية الهيئة العامة لقصور الثقافة)، ط1،القاهرة، مصر.
- يحيى، خولة أحمد: الاضطرابات السلوكية والانفعالية، 2000، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، عمان، الأردن.
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |