عن الدولة
خاص ألف
2013-02-11
من الشائع الذي يقال.. الدولة برجالها والأمة بآحادها، على المحور يدور القسم الأكبر من مباحث الجمهورية.
تحيا الأمة أو تموت، تعلو أو تسفل، وتسعد أو تشقى بقياس ما فيها من النوابغ وبقياس معاملتها لأولئك الآحاد. بين حقيقة هذا الشائع وبين أن ينبغي وجوده كماً هائلاً من البحوث، فإذا ما أخذنا أطروحات الدولة ابتداءً من جمهورية أفلاطون وانتهاء إلى الشكل الذي أخذه العالم بعد الحرب العالمية الثانية. تتقارب أطوار الدولة في الدراسات إلى أشكالها الثلاث
1 ــ دولة العسكر
2 ــ دولة القانون
3 ــ دولة المؤسسات
وأيضاً بما يماثلها من النظام الداخلي للدولة، بين حكم الفلاسفة ـ السادة ـ الرعاع، وأيضاً في طرح آخر فئة خاصة الخاصة ــ الخاصة والعوام ــ .
يحظى مفهوم الدولة بالتمجيد على اختلاف زاويته بين العقلاء والحكام وحتى مواطنون هذه الدولة أو تلك. حيث يقول هيجل في هذا السياق:
الدولة هي الإلهي على الأرض، وأن المجتمع مرتبط بالدولة، وأن الحياة الخلقية هي أقل قدراً وشأناً من الحياة السياسية، ويعتبر أن شكل النظام الأمثل هو الدستورية، وأنه على الشعب أن يخضع للحكومة وأن الوطنية هي مفهوم لا أهمية لها، وقد نتجاوز كل هذا لنصل إلى الجملة الشهيرة الفظيعة، هذه الجملة التي تعمل منذ أكثر من قرن على زعزعة معتقدات كل الأطراف:
" كل ما هو معقول raisonnable هو حقيقي reel وكل حقيقي معقول ".
لكن هيجل بذل جهداً كبيراً لإيضاح ما أراد قوله، فهو يشير إلى أن الحقيقة الواقعية لا تتطابق أبداً مع الموجود، وأن الوجود ليس الحقيقة الواقعية إلا في جزء منها، بينما الجزء الآخر يتكون من التجلي.
ولكن عندما يجري الحديث عن الدولة يجب ألا نتصور دولاً معينة أو مؤسسات محددة، يجب أن نمعن النظر في المثال، هذه الآلة الموجودة واقعاً على حدا، فكل دولة حتى لو أطلقنا عليها نعت الدولة السيئة نظراً للمبادئ التي لدينا، حتى لو اكتشفنا فيها بعض النواقص، كل دولة وخاصة إذا ما كانت في عداد الدول المتطورة في عصرنا تحمل في ذاتها اللحظات الذاتية لوجودها.
لكن بما أنه من الأسهل إيجاد العيوب والنواقص وعدم فهم الثوابت، نقع في خطأ التمسك بجوانب معزولة وفي غلط نسيان بنية الدولة. فالدولة ليست عملاً فنياً، إنها موجودة أبداً في العالم، وهي قد انطلقت من دائرة التحكم والصدفة والخطأ .
وكل سلوك خاطئ يمكن أن يجعلها تنحرف انحرافات جمة. لكن القبيح والمجرم والمشوه والعاجز والمريض هم أناس ما زالوا أحياء، والحياة، أي الثابت والوضعي ما زالت تتابع مسيرتها، رغم النواقص، وما يعنينا هنا هو هذا الثابت الوضعي.
علاقات تحدد الأنظمة:
إن هناك درجة عالية من الترابط التجريبي بين الديمقراطية الثابتة من جهة، ومستوى التطور الاقتصادي لبلد معين من جهة أخرى، وكذلك مؤشرات أخرى تتعلق بالنمو الاقتصادي مثل التمدين والتربية ...إلخ؛ هل يوجد ارتباط ضروري بين التصنيع المتقدم والليبرالية السياسية بإمكانه أن يبرز هذه الدرجة العالية من الترابط . أم هل من الممكن أن تكون الليبرالية السياسية مجرد سمة ثقافية للحضارة الأوروبية ولمخلفاتها المتنوعة التي أنتجت، لأسباب مستقلة، الأمثلة المذهلة للتصنيع الناجح.
إن العلاقة بين التطور الاقتصادي والديمقراطية في الدولة هي أبعد ما تكون عارضة ، ولكن الأسباب التي تتصدر خيار الديمقراطية ليست اقتصادية بشكل أساسي فهي لها أصل آخر يقويها إن لم يجعلها إلزامية وضرورية.
باستطاعتنا أن نلاحظ روابط متشابهة بين النمو الاقتصادي والديمقراطية الليبرالية في آسيا ، في اليابان، وهو الدولة الأولى في الشرق الأقصى التي باشرت التحديث؛ كان أيضاً الأول الذي أقام الديمقراطية الليبرالية المستقرة:
لقد تمت هذه العملية بالطبع بواسطة القوة.
وإذا ما تناولنا الديكتاتوريات كان من الصعب علينا أن ندرك العمق الحقيقي للأزمات التي اصطدمت بها الديكتاتوريات، وذلك بسبب الاعتقاد الخاطئ، بأن الأنظمة السلطوية قادرة على الاستمرار وأن الدول القوية عامةً قابلة للحياة طويلاً.
الدولة في الديمقراطية الليبرالية هي تحديداً ضعيفة. فالحفاظ على مجال الحقوق الفردية يفترض تحديداً دقيقاً لسلطتها. حاولت الأنظمة المتسلطة اليمينية واليسارية على الدوام استخدام هيمنة الدولة في مجال المصالح الفردية والسيطرة عليها بشكلٍ دقيق لأهدافٍ مختلفة. إما لبناء قوة عسكرية وتطوير نظام اجتماعي على أساس المساواة، وإما لأحداث نمو اقتصادي سريع.
فكل ما فقد في مجال الحرية الفردية يجب أن يعوّض على صعيد المصلحة القومية.
إن الضعف الخطير الذي انتهى إلى قلب هذه الدول القوية كان في نهاية التحليل نقصاً في الشرعية، أي في الواقع ( أزمة على صعيد الأفكار ) فالشرعية ليست العدالة أو الحق بمعنى مطلق، إنها مفهوم نسبي لا يوجد إلا في الادراك الذاتي للشعب..
العلاقة بين الأخلاق والدولة
يفترض في العلاقة أن يكفي ليحول دون سوء فهم محتمل ( وعلى قدرٍ كاف من الشيوع )، وهذا الذي يوحي بأن هيجل قد اقترح سبل الأخلاق والدين لحل المشكلة الاجتماعية، نشير مع ذلك إلى أن مذهبه الفلسفي، في ما يتعلق بهذه الناحية المعينة، لم يكن واضحاً فحسب، بل معروضاً بصرامة نادرة حتى لدى كاتب لم يتردد في التعبير عن رأيه.
( إنه لمهزلة وسخرية، أن يُرفض كل احساس ينمو ضد الظلم والطغيان، مع الملاحظة إلى أن المضطهد يجد سلواه في الدين)، وأكثر من ذلك إذا كان الدين يهيمن على الدولة" فإنه ينتج عن ذلك أنه ليس هناك بالنسبة لسلوك الناس، قانون للإنسان العادل. كن تقياً ويمكنك أن تفعل ما يحلو لك، ويمكنك أن تستسلم لأهوائك، ويمكن أن تدفع بأولئك الذين يعانون من شدة الظلم إلى العزاء والرجاء في الدين، أو أسوأ من ذلك في وسعكَ أن تلقي بهم وتحكم عليهم ككفرة"
ولا بد هنا إلى الذهاب أن لا وجود إلا للضرورة اللاوعية الأوالية ، الاقتصادية من جهة، ولتدخل الحرية العاقلة من جهةٍ أخرى، وهو يدخل من الإلحاحية بمكان، بحيث أن فعل هذه الأوالية يقوي أثره في مجتمع معين، وبما أن المجتمع هو قاعدة الدولة فإن هذه الأخيرة لا يمكن أن تبقى وتستمر حتى تبيح له فعل الانحلال، والحال أن المجتمع ينحل فعلاً:
( إن تفكك المجتمع المدني يمر بمرحلتين: ــ الطابع المقدس للزواج / والمجد في التعاضد).
وأخيراً .. على الكثير من تنوع الدراسات في مفهوم الدولة واتساع تعاريفها، فإن أشكال الدولة وأطوارها تحمل في ذاتها اللحظات الذاتية لوجودها.
هوامش:
ــ نهاية التاريخ والإنسان الأخير ــ فوكو ياما
ــ هيجل والدولة
08-أيار-2021
18-نيسان-2020 | |
23-تشرين الثاني-2019 | |
02-كانون الأول-2017 | |
10-حزيران-2017 | |
20-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |