بين دعارة العقل وأخلاق الرغبة
2013-02-22
خرجَ أحد أخصائي علم النفس هو وصديق له من أحد البارات في وقت متأخر بعد منتصف الليل، فأخبرَ صديقه أنه يرغب في ممارسة الجنس.. تعال لنذهب إلى بيتٍ للدعارة؛
فأجابه صديقه :
ــ كيف يمكنكَ أن تخون زوجتكَ بهذه السهولة؟؟!
ولطالما أخبرتني عن حبكَ لها !.
فردّ عليه قائلاً: ( أيها الوغد .. كيف تريد مني أن أوقظ زوجتي الغالية في هذا الوقت المتأخر لأجلِ رغبةٍ جنسيـّة آنية) ؟!.
إنما يحمله هذا الحوار بحدِّ ذاته هو جدلية، تناولها العالم النفسي ــ ثيودور رايك ــ صاحب كتاب الحب بين الشهوة والأنا .
ولما ذَكرْتُ كلمة جدلية، لأن الكثير من هذه الأبحاث جاءت متضاربة، تختلف في زاوية قراءتها بحسب الباحثين واختلاف مدارسهم، عدا عن اختلاف الثقافات الجنسية بين المجتمعات.
فالثقافات في دول العالم الثالث والمجتمعات التي تُـدعى بالمحافظة قد تنظر بدونية وهي لا تستطيع أن تفهم أن بعض المجتمعات ــ كالأسكيمو ــ مثلاً ، قد يمنح فيها الزوج زوجته لضيفهِ أو صديقه إن قام بزيارته، وهذه دلالة على حسن الكرم والضيافة!!.
هذا إذا ما تناولنا الميثولوجيا والأديان في طرح الثقافات الجنسية وعملية الضبط الاجتماعية لها؛ ابتداء من الديانات الأنثوية، كالعشتارية مثلاً، " حيث تذهب المرأة إلى المعبد قبل زفافها لتهب جسدها إلى أكبر كم من الذكور كطقسٍ عبادي". وصولاً إلى تحريم الجنس خارج إطار الزواج كعرف ديني واجتماعي في كثير من المجتمعات أو الدخول في بعض فلسفات الشرق الأقصى، كالتاوية المنسوبة إلى " لاو تسو ".. حيث أن هناك جملة صريحة ومباشرة تقول:
" القابض على التاو ــ الطريق ــ لا يقذف قضيبه، بل عقله ".
أيضاً .. إذا ما تطرقنا إلى علم النفس.. يقول العالم النمساوي ( سيجموند فرويد ) بشكلٍ مباشر: الحضارة هي جنس مصعّد، فهو يُرجع الحضارة وأشكال المدنية إلى أساس جنسي، ولو اعتبره الكثيرون أنه كان متطرفاً في ذلك.
فنحنُ هنا لن نناقش صحة أو خطأ نظريات علم النفس على هذا الصعيد، لأنه لا يمكن أن يكون شمولي، وقوانينه تختلف باختلاف الفروق الفردية وبنية المجتمعات المتباينة في تركيبها. وعند هذه النقطة يذكر الكثير من الباحثين بأن النهضة الأوربية ارتكزت على ثقافة التحرر الجنسي وإيقاظ الوعي في سياق فهمنا لدوافعنا بالابتعاد عن نظرة العيب والتحريم...
وبعيداً عن تقييم الأيديولوجيات وتعاملها مع هذا الجانب يبقى لهوية الفرد الجنسية الكثير من المركبات التي تدخل في تكوينه الجنسي؛ فثقافة مجتمعه التي اكتسبها وطاقة الليبدو ( الدافع الجنسي الخام )
وحجم قرن آمون بالدماغ، إضافةً إلى الفروق الفردية بين البشر
وعند هذه النقطة يستوقفني ما قاله " جورج برنادشو " على ذكر الهوية الجنسية الخاصة حين سؤل " كيف لكَ أن تعيش مع زوجتك وهي لديها عشيق، ولديها طفل منه؟! .. وأنتَ كذلك، لديك طفل من عشيقتكَ وتعيشون في نفس المنزل !.
فأجاب جورج :
( يُخطئ الرجل حين يعتقد أن المرأة الواحدة تكفي لأن تكون حبيبية وزوجة وشريكة في الجنس ).
ففي هذا السياق يتداخل التعقيد بين الغريزة الجنسية الخام وطبيعة تراكم التطور الإنساني على المستوى النفسي والثقافي.
حيث يقول " ديزموند موريس " في كتابه القرد العاري : بأن الحب هو من اختراع الأنثى، حيث كان دافعها لهذا الاختراع هو بأنها مضطهدة، وأن الرجل لم يكن ينظر إليها إلا كأداة للجنس واستخدام للعمل.. ! فما كان عليها إلا أن ترفع من مكانتها في ظل هذه الظروف القاسية عبر اعتبارها محطاً للاهتمام؛ ومن هنا بدأت أولى الديانات الأنثوية بالظهور التي اعتبرت المرأة مركزاً ومحوراً للقداسة، حيث كان يبحث " ديزموند " في تطور العلاقات ومفهوم الحب والجنس.
ويذكر أن القبلة هي تطوّر العضّة في الجنس عند الإنسان البدائي!.
مع هذا السرد الأنثروبولوجي للعلاقة بين التطوّر وما أضفاه على شكل الغريزة انطلاقاً من قوانين بيولوجية تداخلت مع صنع الحضارة وتعاطيها مع غرائزنا عبر الزمن الطويل.
أيضاً .. تناول ثيودور رايك هذا الفصل بين طبيعة الجنس وتعقيدات السيكولوجية حتى حين ردّ الدافع الجنسي إلى أصوله البيولوجية وتداخله مع الثقافة... فهو يقول أن ثمة خلط بين الحب والجنس بشكلٍ كبير! لكنهما من طبيعتين مختلفتين؛ فالحب ذو منشأ نفسي وانفعال عاطفي، وأما الجنس يرتكز إلى طاقة الليبدو واستمرار الحياة، وهو خديعة المتعة لتستمر الحياة وفقَ الفيلسوف شوبنهور .
كذلك تفرّق الدراسات السيكولوجية بين طبيعة الذكر وطبيعة الأنثى، فهناك مفارقة إحصائية تضم عدداً من الذكور والإناث حول أسئلة مشتركة تحدد طبيعة الهوية الجنسية والاختلافات بينهما؛ فقد وجدت أسئلة كالتالي للذكر والأنثى:
1 ــ هل يثيرك جسد الطرف الآخر العاري؟
2ــ متى تعرفتِ على الجنس ؟
3 ــ هل ارتبط شعور الرغبة الجنسية مع ظهور أول حب ؟
كان من السهل اكتشاف أن الجنس الخام لدى الأنثى يرتبط بأناها وثقافتها؛ بينما عند الرجل هو أقرب لمفهومه الأول الغريزي.
حينها كان من إحدى استنتاجات هذا الإحصاء غير الدقيقة علمياً أن المرأة تقدم الجنس في حالة الحب أو الزواج أو الدعارة !
ولكلٍ من هذه الاحتمالات دوافعٌ في الأنا.
الحب كحالة انفعال عاطفي وتعويضات النقص في الأنا
الزواج كواجب مؤسساتي واجتماعي
الدعارة كعمل وتخصص في السياق المهني.
وبالعودة إلى ديزموند موريس بين تعقيدات الحضارة وتعاملها مع غرائزنا البدائية، كان يُـعطي تحليلاً لوجود أحمر الشفاه واستخدام الكعب العالي.
فأحمر الشفاه بالأساس يحاكي احمرار الشفاه أثناء ممارسة الجنس، لذلك هو يثير الرجال، والكعب العالي يتيح لسير أي أنثى المشي بطريقة تظهر الأرداف بطريقةٍ مثيرة!.
عموماً إن إنكارنا لدوافعنا هو بدء إنكار للذات..!
لذا.. لابدّ في عميلة التحليل والدراسة من الخروج عن العامل التقييمي والخلقي لأنهما يحيطان الفكر الموضوعي والحر بعقبات في الإدراك.. فمن يستمتع بالطعام هو الشبع وليس الجائع، لأنه سيأكل أي شيء لإرضاء حاجته؛ ومن هنا فإن الإدراك يحتاج للخروج من الضغوطات والاحتياجات.
فإذا ما استعرضنا بعض الأمثال الشعبية في مجال الجنس والتي هي بمثابة المخزون الجمعي للثقافات، نرى أنها حصيلة لتوافق جمعي اجتماعي، فهناك مثل هندي يقول ( تقبل المرأة بالجنس لأجل الزواج.. ويقبل الرجل بالزواج لأجل الجنس )... والمثل الفرنسي يقول " إن الزواج هو تبادل للأمزجة السيئة في النهار والروائح الكريهة في الليل "!!...
وآخر يقول "لا تنتظر مومس أو حافلة لأن بعد قليل يأتي غيرهما".
ويقول ابن عربي في جانب آخر (الجنس دون حبٍ .. هو الزنى).
على كل الأحوال.. فإن الثقافة تتداخل كثيراً في تغيير وتطوير غرائزنا ودوافعنا الأولية، عدا عن فروقنا الفردية وهوية الفرد الجنسية التي وقد سبق ذكرها.
وأخيراً ليس بوسعنا عند صدى هذا المجال سوى أن نتعلم من دوافعنا وتراكم خبراتنا إذا لم نقل أننا نفترضها، فعمر اللاوعي أقدم بالكثير الكثير من إدراكنا له.
وأما المعرفة وإدراك اليقين حتى في المجال الجنسي تعلن وفاته!
وفي البحث العاقل لا يوجد هناك ثبات أو حتى قوانين خالدة.
هوامش:
ــ القرد العاري (ديزموند موريس )
ــ الحب بين الشهوة والأنا (ثيودور رايك )
raja ghanoum
2015-02-17
حقيقة الامر ان اصل الانسان قرد وع الاصل دور
08-أيار-2021
18-نيسان-2020 | |
23-تشرين الثاني-2019 | |
02-كانون الأول-2017 | |
10-حزيران-2017 | |
20-حزيران-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |